ملخص
رحيل جورجيو أرماني لا يمثل فحسب نهاية فصل في تاريخ الموضة، بل بداية مرحلة جديدة من التحديات والأسئلة الكبرى حول مصير دار أزياء عريقة ارتبطت عقوداً برؤية فردية صارمة وقيم جمالية لا تتكرر.
رحيل جورجيو أرماني، أحد أعمدة الموضة العالمية، يفتح باباً واسعاً للتساؤلات حول مصير دار الأزياء التي أسسها قبل خمسة عقود، والتي ارتبط اسمها بالأناقة الإيطالية والرؤية الإبداعية المستقلة.
ووسط عالم الأزياء المتغير وتحولات السوق الفاخرة، يثير مضمون وصيته الرسمية، التي تنص على خطوات بيع تدرجية أو طرح عام أولي، كثيراً من الجدل والتكهنات.
فهل ستبقى دار "أرماني" مستقلة كما أرادها مؤسسها؟ أم أن عملاقاً من عمالقة السلع الفاخرة سيتولى زمامها؟ التقرير التالي يستعرض التفاصيل الدقيقة لخطة ما بعد الوفاة، والصراعات الخفية على واحدة من أشهر العلامات التجارية في العالم.
هل تنتهي "بدلة أرماني الرسمية" بعد وفاة مصممها؟
أوصى المصمم العالمي الراحل جورجيو أرماني ورثته في وصيته ببيع دار الأزياء التي أنشأها قبل نحو 50 عاماً بصورة تدرجية، أو الاتجاه إلى إدراجها في البورصة، في خطوة تشكل تحولاً جذرياً لعلامة تجارية كثيراً ما تمسكت باستقلالها وجذورها الإيطالية، وأثارت بذلك سباقاً محموماً بين كبار اللاعبين في صناعة الموضة للسيطرة على واحدة من أبرز العلامات التجارية العالمية.
توفي "الملك جورجيو"، كما يعرف في أوساط صناعة الأزياء في الرابع من سبتمبر (أيلول) الجاري عن عمر ناهز 91 سنة، من دون أن يترك خلفه أبناء يرثون إمبراطوريته، ويقدر المتخصصون في الصناعة قيمة شركة أرماني بما يراوح ما بين 5 و12 مليار يورو (ما يعادل نحو 5.9 إلى 14 مليار دولار).
وعلى رغم أن الشركة حققت إيرادات مستقرة نسبياً في العام السابق وصلت إلى 2.3 مليار يورو (2.7 مليار دولار)، فإن أرباحها تراجعت نتيجة ركود واسع النطاق في قطاع الأزياء الفاخرة.
إلى ذلك تتنوع مصادر إيرادات الشركة بين أزياء الرجال والنساء، وخط "إمبوريو أرماني"، و"أزياء أرماني بريفيه" الراقية، إضافة إلى منتجات الديكور الداخلي، والمطاعم والعطور ومستحضرات التجميل، إلى جانب أكثر من 2500 متجر تجزئة حول العالم.
من سيشتري إرث أرماني؟
بحسب وصيته، أعطى أرماني الأولوية في عملية البيع لثلاث شركات كبرى، وهي مجموعة "LVMH" الفرنسية الرائدة في السلع الفاخرة، وشركة "لوريال" العملاقة في مجال التجميل، وشركة "إيسيلور لوكسوتيكا" المتخصصة في النظارات.
وأشار إلى إمكان البيع لأي جهة أخرى "تتمتع بمكانة مماثلة"، بشرط موافقة المؤسسة التي أنشأها لحماية إرثه، وكذلك موافقة شريكه في الحياة والأعمال، بانتاليو ديل أوركو.
وقد أبدت الشركات الثلاث اهتماماً مبدئياً، وأصدرت بيانات تؤكد انفتاحها على صفقة محتملة، وجاءت الإشارة المباشرة إلى البيع أو الإدراج في الأسواق مفاجئة، خصوصاً أن أرماني كثيراً ما رفض سابقاً تخفيف سيطرته على شركته أو طرحها في البورصة.
وعلى رغم التباطؤ العالمي في سوق السلع الفاخرة، يرى المتخصصون في الصناعة أن العلامة التجارية "أرماني" ما زالت تحتفظ بجاذبيتها الكبيرة، خصوصاً مع وجود شراكات قائمة بالفعل بين الشركة وكل من "لوريال" و"إيسيلور لوكسوتيكا".
السيناريو المتوقع بعد الوفاة
وفقاً للوصية الموثقة لدى كاتب عدل في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، يجب على الورثة بيع حصة أولية قدرها 15 في المئة من أسهم الشركة خلال 18 شهراً من تاريخ الوفاة، على أن تنقل لاحقاً حصة إضافية تراوح ما بين 30 و54.9 في المئة إلى المشتري نفسه في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام.
وبديلاً عن بيع الشريحة الثانية، تنص الوصية على إمكان السعي إلى طرح الشركة في البورصة الإيطالية أو أي سوق تعادلها في المكانة.
سيطرة محكمة على الإرث
كان جورجيو أرماني هو المساهم الوحيد المسيطر على شركته، التي أسسها بالشراكة مع الراحل سيرجيو غاليوتي في سبعينيات القرن الماضي، وظل يتحكم في إدارتها الإبداعية والإدارية حتى وفاته.
وقد منحت الوصية مؤسسة "فوندازيوني جورجيو أرماني" 30 في المئة من حقوق التصويت، فيما حصل بانتاليو ديل أوركو على 40 في المئة، مما يمنحهما معاً السيطرة على 70 في المئة من قرارات الشركة، وستمتلك المؤسسة حصة 30.1 في المئة من الشركة في حال الإدراج أو البيع.
الشراكة التي بدأت الحلم
التقى أرماني سيرجيو غاليوتي، شريكه في الحياة والعمل، في ستينيات القرن الماضي، وكان غاليوتي مهندساً معمارياً يصغره بـ10 سنوات، وعام 1975 أقنع أرماني شريكه بتأسيس دار الأزياء، ليتولى غاليوتي إدارة الأعمال، بينما ركز أرماني على التصميم والإبداع.
وبمرور الأعوام أصبحت "بدلة أرماني الرسمية" أيقونة للرجال العصريين، خصوصاً في "وول ستريت"، واشتهرت بتصميماتها الفضفاضة وألوانها المحايدة وجودة أقمشتها.
لكن وفاة غاليوتي عام 1985 كانت ضربة مؤلمة لأرماني، دفعته إلى التمسك أكثر باستقلالية الشركة، ومواصلة إدارة كل جوانبها بنفسه حتى آخر أيامه.
عروض الأزياء مستمرة
على رغم وفاة أرماني، أعلنت المجموعة أن عروض أزياء "إمبوريو أرماني" و"جورجيو أرماني" ستقام كما هو مقرر خلال الشهر الجاري، إلى جانب افتتاح معرض لمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس الدار، ضمن فعاليات أسبوع الموضة في ميلانو.
وذكرت الشركة أن الاستمرار في تنفيذ هذه الفعاليات يعكس التزامها قيم أرماني، وهي الجدية والاحترام والتفاني في العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً للشريك الإداري في شركة "Ortelli&Co" للاستشارات الفاخرة ماريو أورتيلي، لا تزال دار "أرماني" واحدة من أكثر العلامات التجارية شهرة وتميزاً في العالم، لكن من غير المرجح عقد صفقة استحواذ كبيرة في المستقبل القريب.
وعلى مدى الأعوام تلقت الشركة عروضاً عدة، أبرزها في 2021 من جون إلكان، وريث عائلة أنييلي، وأخرى من دار "غوتشي" عندما كان ماوريتسيو غوتشي في موقع القيادة، لكن أرماني رفضها جميعاً.
رؤية للمستقبل... من أرماني نفسه
خلال العقد الأخير من حياته، بدأ أرماني يفكر جدياً في كيفية تأمين مستقبل الشركة بعد وفاته، فأنشأ مؤسسة عام 2016 بهدف حماية حوكمة المجموعة والحفاظ على المبادئ التي اعتبرها جوهرية.
وقال أرماني في مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية إن الهدف من هذه المؤسسة هو مساعدة الورثة على التفاهم وتجنب تفكك الشركة أو سيطرة أطراف خارجية عليها.
وتمتلك المؤسسة حالياً 0.1 في المئة فحسب من أسهم الشركة، ولكن من المتوقع أن تحصل على حصة أكبر بعد وفاته.
وحدد أرماني ثلاثة أشخاص لإدارة المؤسسة، وعدل النظام الأساس للشركة، ليدخل حيز التنفيذ بعد وفاته، ويتضمن هذا النظام مبادئ إدارية صارمة تضمن الحذر في عمليات الاستحواذ، ويقسم الأسهم إلى فئات ذات حقوق تصويت مختلفة.
ويشترط النظام الأساس أن أي إدراج في البورصة لا يتم إلا بموافقة غالبية أعضاء مجلس الإدارة، وبعد مرور خمسة أعوام على بدء سريان النظام.
رحيل جورجيو أرماني لا يمثل فحسب نهاية فصل في تاريخ الموضة، بل بداية مرحلة جديدة من التحديات والأسئلة الكبرى حول مصير دار أزياء عريقة ارتبطت عقوداً برؤية فردية صارمة وقيم جمالية لا تتكرر. وبين وصية تحمل ملامح الحذر والاستقلال، وسوق عالمية لا تعرف التوقف، تقف "بدلة أرماني" في اختبار حقيقي، فهل ستظل رمزاً للأناقة الإيطالية في ظل قيادات جديدة؟ أم أن إرث "الملك جورجيو" سيتحول إلى جزء من منظومة شركات عملاقة قد تغير من روحه؟ وحده الزمن سيحكم، لكن المؤكد أن بصمة أرماني ستظل محفورة في ذاكرة الموضة إلى الأبد.