ملخص
الضربة المزدوجة التي استهدفت مجمع ناصر الطبي ليست حالة استثنائية في حرب غزة، بل استخدم الجيش الإسرائيلي هذا التكتيك العسكري للمرة الأولى عام 2014، وأكدت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن طواقمها قتلوا أثناء النزاع القديم في هذا النمط.
في غزة لا ينتهي القصف الإسرائيلي بانفجار القنبلة على الهدف، ببساطة لأن الجيش بات يعتمد أسلوب "الضربة المزدوجة" في حربه، وفي هذا التكتيك سقطت مصورة "اندبندنت عربية" مريم أبو دقة، لكن ماذا يعني هذا الأسلوب العسكري وما هي أبعاده؟
في الـ25 من أغسطس (آب) الماضي، قصف الجيش الإسرائيلي مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس جنوب القطاع بقذيفة دبابة واحدة، وبرر المتحدث العسكري نداف شوشاني أن ذلك الهجوم كان بهدف تحييد كاميرا مراقبة تابعة لـ"حماس".
بغض النظر عن التبرير، فإنه بعد الضربة الأولى، هرع المسعفون والصحافيون إلى مكان الغارة، كل منهم يريد إنجاز عمله، فالمسعف يرغب في إنقاذ الضحايا الذين استهدفتهم الغارة، والصحافيون يعملون على توثيق الحدث والانتهاك الشنيع في قصف مرفق طبي محمي بموجب القانون الدولي.
بمجرد أن وصلت الفرق إلى مكان الغارة، أعاد الجيش الإسرائيلي استهداف المكان نفسه في ضربة ثانية وعلى إثرها سقط نحو 20 ضحية بينهم خمسة صحافيين، من بينهم مصورة "اندبندنت عربية" مريم أبو دقة.
بسبب الغارة الثانية على مستشفى ناصر التي تزامنت مع تجمع المسعفين والصحافيين وتسببت في قتل معظم الموجودين في المكان، ومنذ ذلك الحدث الذي لقي استهجاناً دولياً وعالمياً، برز مفهوم "الضربة المزدوجة" الذي تتبعه إسرائيل في حربها على غزة.
ما هو تعريف المصطلح؟
يطلق مصطلح "الضربة المزدوجة" على سياق عسكري لوصف استراتيجية الاستهداف المزدوج الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، ويقوم على مبدأ هجمات متكررة متتالية بفارق زمني يصل إلى دقائق وعادة ما يستهدف المكان نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ترجمة أخرى للضربة المزدوجة، فإنها تعني أن يستهدف الجيش الإسرائيلي مكاناً ما في غارة أولى لتحييد هدف معين، وبعد ثوان أو حتى دقائق قليلة تشن القوات غارة ثانية تستهدف المكان نفسه، من دون أن يجري الأخذ في الاعتبار وصول فرق الطوارئ والصحافيين.
في الحرب الإسرائيلية على غزة، أصبح مألوفاً أن يهرع مسعفون وصحافيون إلى موقع استهدفته قوات الجيش الإسرائيلي، وذلك في إطار عملهم إما للتوثيق والتغطية الإعلامية أو لإنقاذ الأرواح، لكن هذا الأسلوب يفاقم من هول الغارات ويؤدي إلى سقوط من يحاولون تقديم المساعدة والتوثيق ويرفع عدد الضحايا.
الهدف
يقول الباحث العسكري مأمون شراب "يستخدم نمط الضربة المزدوجة في النزاعات المسلحة كأسلوب ضغط نفسي وتكتيك رعب، هدفه التأكد من مقتل كل من أصابتهم الضربة الأولى، وكذلك الإيقاع بمن يسارعون لنجدة الضحايا، مما يعني مضاعفة الخسائر البشرية".
ويضيف شراب "الغارة الثانية تنفذ في توقيت محسوب بدقة، يراهن فيه على طبيعة الاستجابة الفطرية للتدخل في الحدث، بالعادة الضربة المزدوجة ليست عشوائية، وإنما تنفذ بتوجيه استخباري وفق معلومات دقيقة".
الضربة المزدوجة التي استهدفت مجمع ناصر الطبي ليست حالة استثنائية في حرب غزة، بل استخدم الجيش الإسرائيلي هذا التكتيك العسكري للمرة الأولى عام 2014، وأكدت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن طواقمها قتلوا أثناء النزاع القديم في هذا النمط.
حالات
بحسب توثيقات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد لوحظ أن الضربة المزدوجة تندرج ضمن نمط عسكري متكرر في حرب القطاع، إذ وثقت الفرق الميدانية عشرات الحالات التي ارتكبت فيها إسرائيل قصفاً مزدوجاً.
في مايو (أيار) الماضي، قصف الجيش الإسرائيلي مدرسة في جباليا بغارة أولى، وبعد دقائق أعقبها قصف ثان، وقتها أكدت الطواقم الصحية أن تكرار الضربة كان متعمداً، وربما هدفه إجبار النازحين في المرفق التعليمي على الهرب.
وفي حالة أخرى كانت في شهر فبراير (شباط) 2024، كان المسعف شادي الطيف في طريقه لإنقاذ ضحايا تعرضوا لقصف في منطقة المواصي الإنسانية، لكنه تلقى اتصالاً هاتفياً من ضابط الجيش أمره بالمغادرة فوراً، لأن هناك غارة ثانية.
استخدم الجيش الإسرائيلي الضربة المزدوجة في استهداف قادة "حماس"، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أغارت الطائرات على مجمع تحت الأرض تابع للحركة وكان يوجد فيه القيادي أحمد الغندور، وعندما حاول الأفراد الاقتراب من المكان لإنقاذ الأرواح أعاد الجيش الغارة ثانية فاستهدفت كل من حاول المساعدة.
بحسب تقديرات وزارة الداخلية في غزة، فإن الجيش الإسرائيلي استخدم تكتيك الضربات المزدوجة نحو 12.600 مرة خلال فترة الحرب المتواصلة منذ 23 شهراً، مما يجعل ذلك النسق نهجاً قتالياً متعمداً يمنع الاستجابة الإنسانية والتغطية الصحافية.
هل الضربة المزدوجة جريمة حرب؟
في مقابلة صحافية قالت مديرة معهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح جانينا ديل "مصطلح الضربة المزدوجة ليس مصطلحاً قانونياً رسمياً، ولا يظهر في اتفاق جنيف، لذلك لا يمكن اعتباره جريمة حرب، لكن تبعاته يمكن أن تمثل جريمة حرب".
وأضافت "تكتيك الضربات المزدوجة لا يتوافق مع سلوك قوة عسكرية محترفة ومدربة قانونياً".
يقول الباحث القانوني أحمد البسيوني "يمكن اعتبار الضربة المزدوجة جريمة حرب وفقاً لاتفاقات جنيف إذا استهدفت مدنيين أو مسعفين، وهو ما يحدث فعلياً لأنه ينتهك مبدأ الحماية الممنوحة للفرق الطبية".
ويضيف البسوني "البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقات جنيف يعتبر المسعفين الذين لا يشاركون في القتال محميين، إذ ينص على ضرورة احترامهم وعدم التعرض لهم، أما الصحافيون فيعاملون كمدنيين ما دام لم يرتكبوا أفعالاً عدائية مباشرة، مما يعني أن أي استهداف لهم يستوجب المحاسبة".
ينفي الجيش الإسرائيلي استخدام الضربة المزدوجة كتكتيك حرب، ويقول المتحدث العسكري نداف شوشاني "فتحنا تحقيقاً في الضربات المشابهة، وطالبنا عدم تكرار أي خطأ من هذا النوع".