Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين الدمار... بلدة الخيام تستعيد سوقها الشعبية جنوب لبنان

عادت البسطات "الطارئة" لتنتشر أسبوعياً منذ الصباح وحتى ساعات المساء على رغم الدمار والخطر المستمر

ملخص

تعد "سوق الخميس" الشعبية في بلدة الخيام من أبرز المعالم الشعبية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، وقد جاء قرار إعادتها في موعدها الأسبوعي كي تحرك العجلة الاقتصادية وتعزز التماسك الاجتماعي في ظل ظروف صعبة لم تزل تمر فيها المنطقة، وتبث النبض في أرجاء البلدة.

على رغم ما لحق مدينة الخيام الحدودية في جنوب لبنان من دمار كبير نتيجة الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله"، إلا أن أهلها وسكانها يحاولون استعادة الحياة شيئاً فشيئاً، إذ عادت إليها عشرات العائلات التي نزحت عنها بسبب المعارك منذ نحو سنتين وفتحت بعض متاجرها فيما تستمر عملية رفع الأنقاض والردم ومحاولات إعادة التعمير، التي تواجهها إسرائيل بالنار.

وكانت آخر إنجازاتهم استعادة "سوق الخميس" الشعبية التقليدية والتي كانت تقام أسبوعياً في الخيام ومنذ عشرات السنين، قبل أن تتوقف مع اندلاع الاشتباكات والحرب ونزوح السكان. 

الإنتاج القروي سيد السوق

عادت البسطات "الطارئة" لتنتشر صباح كل خميس وحتى ساعات المساء، في أرجاء السوق التي تقام حالياً بين الأبنية والمتاجر المهدمة، وفوق هذه البسطات وتحت الخيم التي تشبه الدكاكين الصغيرة الموقتة تعرض البضائع من كل صنف ونوع، من الخضار والفاكهة، إلى المواد الغذائية والألبسة والأدوات المنزلية والزجاجية والكهربائية المستوردة. لكن أهمها على الإطلاق في بضائع السوق هي مواد المؤونة البيتية القروية، التي تزرع وتصنع في البلدات المجاورة، تنتجها البيوتات الغنية بالمواسم والمؤن المعدة من حقولها وسهولها، من قمح وعدس وحبوب مختلفة.

فيما تنتشر بين مناطق مرجعيون وحاصبيا وصولاً إلى مرتفعات كفرشوبا وشبعا قرب جبل حرمون (الشيخ) تربية المواشي والحيوانات الداجنة، التي تشكل العمود الفقري لإنتاج الألبان والأجبان ومشتقاتها، إلى البيض البلدي والمربيات والحلويات وماء الورد وماء الزهر.

وإلى جانب الحرف اليدوية، تشكل الخضار والفاكهة التي تتوزع حقولها وبساتينها في أرجاء المنطقة الغنية بسهولها وتحوطها الأنهار والينابيع، عنصراً أساساً في معروضات السوق ومنها التين الأشقر والعنب على أصنافه والفاكهة الصيفية والخريفية.

أما رواد السوق فهم من سكان الخيام الذين عادوا أخيراً وسكنوا حتى في بيوت مدمرة جزئياً، ومن أبناء الجوار، وكذلك من أبناء الخيام الذي يأتون من أماكن نزوحهم القسري فقط ليتسوقوا من بضائع "سوق الخميس" التي تعتبر أرخص بكثير من أسعار المتاجر والدكاكين، تضاف إليها ثقة المتبضعين من مصادر الإنتاج القروي المعروض في السوق وتفضيله على ما عداه.

عودة بعد توقف قسري

خلال الـ 28 من أغسطس (آب) الماضي، قررت بلدية الخيام، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم "سوق الخميس" وتوزيع بسطاته، إعادة الحياة إلى السوق الشعبية بالتنسيق مع التجار، بعد توقف قسري امتد منذ مواجهات "إسناد غزة" التي بدأها "حزب لله" في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قبل الدخول بحرب كبيرة، لم تتوقف حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما عمدت إسرائيل إلى تدمير معظم البلدات الحدودية عن الحافة الأمامية، ونالت الخيام حصة كبيرة.

ولأن السوق تعد من أبرز المعالم الشعبية والاقتصادية والاجتماعية في الخيام والجوار، جاء قرار إعادتها في موعدها الأسبوعي كي تحرك العجلة الاقتصادية وتعزز التماسك الاجتماعي في ظل ظروف صعبة لم تزل تمر فيها المنطقة، وتبث النبض في أرجاء البلدة التي عانت الأمرين من هذه الحرب وسقط العشرات من أبنائها قتلى ومصابين ولحق الدمار بمختلف أحيائها، ومنها الساحة العامة التي كانت تشكل الواجهة الاقتصادية للخيام وجرى تدميرها بالكامل من خلال قصف الطيران الحربي الإسرائيلي ثم من خلال تفخيخها وتفجيرها.

وبسبب ما أصاب المكان الذي تقام فيها عادة هذه السوق قرب مبنى البلدية الذي أحرقه الإسرائيليون، أتى القرار الجامع بوجوب إقامتها في المنطقة الاقتصادية في الوسط التجاري للخيام، التي تعد اليوم بمثابة منطقة منكوبة.

البلدية تهلل لسوق الخميس

في بيان صدر عن البلدية، وصفت عودة السوق بأنها "يوم لا يشبه أيام الأسبوع، ينتظره الجميع بفرح وشوق، ولأنه يجمع بين تنوع خيرات الأرض وحركة الصناعات والمهارات الخاصة"، معتبرةً أن "عودة السوق تُعد خطوة مهمة في طريق التعافي".

ودعت جميع أهالي الخيام والمنطقة إلى المشاركة الفعالة في "سوق الخميس"، لتكون مساهمة في تعزيز الحركة الاقتصادية، وإثبات صمود المجتمع والتزامه بعودة الحياة الطبيعية إلى المناطق.

رئيس بلدية الخيام عباس السيد علي قال بدوره "تقام هذه السوق منذ عشرات السنين. قديمة جداً، بدأ فيها الأجداد، لكنها وبسبب الحرب توقفت ما يزيد على سنة كاملة. واليوم، نعود إلى افتتاح السوق. إنها سوق شعبية وتراثية، يجتمع فيها معظم الناس للشراء والاستمتاع". ويضيف "اليوم نقول الحمدلله، في الخيام وعلى رغم الدمار وما حصل، تعود الحياة الطبيعية".

ويضيف السيد علي أن "ثمة أبعاداً عديدة كانت وراء إقامة السوق من جديد، البعد الأول كي نثبت وجودنا في أرضنا على رغم ما نتعرض له من تهديد واعتداءات يمارسها العدو الإسرائيلي، ونحن في الخيام سنكمل جهدنا في الصمود والعودة والبقاء، ومن يحتمل حرباً حقيقية ضارية ومدمرة لن تخيفه تهديدات من هنا وهناك. ثانياً أن عدد العائلات التي عادت إلى الخيام هو عدد مشجع على قيام السوق الأسبوعية بعد عودة 1200 عائلة لتسكن في الخيام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "ثالثاً يأتي البعد الاقتصادي، إذ على رغم عودة العائلات لم تعد المتاجر والمؤسسات بالزخم عينه، وتحتاج إلى وقت أطول لتعود إلى سابق عهدها، ففي البلدة لو افترضنا وجود 10 أو 12 بائع خضار وفواكه سابقاً، اليوم يوجد اثنان أو ثلاثة، وبدل 20 مطعماً توجد خمسة أو ستة، وكذلك المتاجر الكبيرة وغيرها، وهذا ما يجعل الأسعار في المتاجر التي عادت غير مشجعة، وكي لا يضطر الأهالي إلى قصد مناطق بعيدة للتسوق وشراء حاجيات رخيصة جعلناها تأتي إليهم من خلال السوق".

ويرى رئيس البلدية أن "السوق تدخل نوعاً من البهجة إلى نفوس الناس، نظراً إلى ارتباطها الوثيق والتاريخي بها، وعلاقة قديمة بدأت من الجدود والآباء عمرها عشرات السنين، يضاف إلى أن إقامة السوق الأسبوعية تخلق دفعاً نفسياً نحو عودة الحياة الطبيعية".

ويكشف أن "دعوة البلدية إلى قيام السوق أثمرت في الأسبوع الأول وجود 33 بائعاً وتاجراً وصاحب بسطة أو خيمة بينما كنا نتوقع حضور 20 بائعاً، وفي الخميس التالي جاء 49 بائعاً، ونتوقع يوم الخميس المقبل أن يعود عدد التجار في سوق الخميس إلى وضعه الطبيعي قبل الحرب وهو 70 بسطة وخيمة".

وأكد السيد علي أن "بلدية الخيام لا تستوفي من أصحاب البسطات والخيام أي رسم، بل تركناها مجانية كي نشجع الباعة على القدوم وعرض بضائعهم بأسعار مناسبة". وأوضح أن "بلدية الخيام أعادت المياه بنسبة 85 في المئة إلى بيوت الخيام، وباتت كهرباء مؤسسة لبنان والاشتراكات تصل إلى 70 في المئة من أحياء الخيام وسننجز خلال شهرين مقبلين وصول الكهرباء إلى جميع أحياء البلدة".

تعدد الخيارات والأسعار فيها 

كثر من أبناء البلدة والجوار كانوا يعتبرون الحركة في "سوق الخميس" قبل الحرب، متنفساً تجارياً أسبوعياً ليس للأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل وحسب، بل للعائلات الميسورة كذلك، نظراً إلى تعدد الخيارات والأسعار فيها، إذ تتنوع السلع والبضائع بين فواكه وخضار، ومكسرات وبهارات وحلويات ومؤن بيتية، إضافة إلى الملابس والأدوات المنزلية والمعدات والخردوات والألعاب والهدايا على اختلافها، إلى الأدوات والمقتنيات التراثية والجلديات وغيرها.

قبل الحرب، كانت الفواكه والخضار والمزروعات من سهل مرجعيون- الخيام، وسهول سردة والعمرة والوزاني وإبل السقي، ترفد جانباً رئيساً من سوق الخيام الأسبوعية، بأسعار تتدنى عن أسعار المتاجر، نظراً إلى أن رسوم "البسطة" والخيمة الموقتة التي يدفعها أصحابها إلى البلدية، كانت أقل بكثير مما يتكبده أصحاب المحلات الثابتة من مصاريف، وأجور، وكهرباء، وماء.

تمسك الناس بأرضهم ورغبتهم في العودة إليها

تقول إحدى المتسوقات من سكان البلدة وتدعى خديجة "ما نراه اليوم في سوق الخميس نماذج مصغرة عما كانت تضمه الخيام قبل التدمير، وهذا إن دل على شيء فعلى تمسك الناس بأرضهم ورغبتهم في العودة إليها، ولو من زاوية صغيرة جداً، ليثبتوا أنفسهم ويكونوا سنداً بعضهم لبعض ويلبوا حاجات بعضهم". وتضيف "أنا عدت إلى الخيام منذ أكثر من 10 أيام وإحساسي بالعودة إليها لا يوصف، هو شعور رائع جداً في أن تعود إلى أرضك وبيتك".

أتى أحد العمال السوريين في منطقة مرجعيون للتجوال بين البسطات والدكاكين، وأثنى على عودة سوق الخميس. يقول "إن الناس بدأوا يرتادونها ويعاينون البضائع ويشترون ما يحلو لهم أو يطيب".

تعتبر ريم بدورها أن "سوق الخيام من تراث البلدة وعاداتها وتقاليدها، ودائماً يتغنى أبناؤها ويحبونها، ويأتي إليها الزبائن من مختلف مناطق الجوار، وكذلك الباعة من مختلف المناطق فيعرضون ما لديهم، من خضار وفاكهة إلى ثياب ومواد غذائية وأدوات منزلية، مما يشكل مصدر قوة للناس العائدين ويشجعهم على البقاء والصمود وتحدي الصعوبات في مواجهة كل ما حصل ولم يزل يحصل من تهديدات وقصف واستهداف".

من كل حدب وصوب

"نعم سوق الخميس تشكل رمزية للجنوب" تقول السيدة أميمة خليل وتردف "أنا أتيت من منطقة الزهراني قرب ساحل صيدا، وقصدت المجيء إلى السوق كي أتسوق أولاً ولأدعم أهل الخيام هنا، ونتشارك في الحب والتجارة كي تعود المنطقة إلى الانتعاش. ربما سأدفع راتبي كله اليوم هنا في السوق بسبب رخص البضائع". وتضيف "جئنا لندعم ثقافة الحياة الموجودة عند أهلنا، وما السوق اليوم إلا دليل كبير على ثقافة الحياة، إذ بدأت تعود وسط الدمار، والناس هنا يستعيدون حياتهم الطبيعية اليومية".

أحد الباعة ويدعى علي حيدر أتى إلى سوق الخيام من بلدة قاعقعية الجسر قرب النبطية، ويشير إلى أنه "في ظل الوضع الذي نحن فيه اليوم نعتبر أن الحركة الاقتصادية هنا لا بأس بها، والسوق تشهد حركة مقبلين إليها من مناطق عدة، وحركة بيع وشراء. جئنا لأننا نريد أن نتضامن مع أبناء الخيام ونساعدهم في استعادة حياتهم شيئاً فشيئاً، ولتعزيز الحياة في القرى الأمامية بعد معاناتها الكبيرة بسبب الحرب".

عودة فوق الدمار

تعود سوق الخميس فيما الخيام المحاذية لمرجعيون عاصمة القضاء، وجوارها وصولاً إلى منطقة الساحل غرباً قرب الناقورة، تعاني الأمرين، وبخاصة في بلدات وقرى الحافة الأمامية التي لم تزل عودة سكانها إليها مضطربة وتشوبها معوقات كثيرة، يأتي في طليعتها استمرار الإسرائيليين في عرقلة عودة الناس إليها وقصفها بين حين وآخر واستهداف العائدين وقتل عدد منهم وتدمير الجرافات والآليات التي تحاول إزالة الركام وتعزيز ورش البناء، وكذلك تدمير البيوت الجاهزة التي استقدمها سكان القرى لتكون سكناً موقتاً قبل إعادة تعمير ما تهدم.

هذه "الحرب" المفتوحة تجعل أكثر من 100 ألف مواطن من سكان المناطق الحدودية في حال نزوح مستمرة حتى اليوم، مما أفقد ساحات قراهم الحياة بأشكالها الإنسانية والزراعية والاقتصادية والإنتاجية، ومنها أسواق شعبية كانت تقام في عدد من هذه البلدات في أيام مختلفة من أيام الأسبوع.

قبل الحرب وبعدها

قبل الحرب كانت بلدة الخيام بمثابة مدينة، فهي أكبر البلدات الحدودية في جنوب لبنان، إذ يزيد عدد سكانها على 35 ألف نسمة. وفي تاريخها تعرضت إلى أكثر من تدمير إسرائيلي كان يدك أبنيتها وعماراتها ويوقع عدداً من سكانها بين قتلى وجرحى، منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي وحتى الحرب الأخيرة.

وكانت الخيام من أولى المناطق التي بدأ يستهدفها الإسرائيليون بعد إطلاق "حزب الله" معركة "إسناد غزة"، فأغار عليها الطيران الإسرائيلي عشرات المرات وقصفتها المدفعية الثقيلة قبل "الحرب الكبرى" في سبتمبر 2024، مما دفع سكانها إلى النزوح نحو مناطق أكثر أمناً وانتشروا في أقضية النبطية وصيدا والعاصمة بيروت.

لم ينسحب الإسرائيليون من الأحياء التي تقدموا إليها في الخيام مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار في الـ 27 من نوفمبر الماضي، بل بعد نحو أسبوعين خلال الـ 12 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقاموا خلال هذه الفترة بتدمير عشرات المباني السكنية والمدرسية والدينية والمؤسسات التجارية والأسواق المختلفة.

في هذه الأثناء استحدث الإسرائيليون مركزاً لهم فوق تل الحمامص المشرف على الخيام، الأمر الذي أعده لبنان نقطة احتلال من ضمن خمس نقاط لتلال لم ينسحب منها الإسرائيليون على رغم قرار وقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701.

وتقوم مدفعية الجيش الإسرائيلي المتمركزة في هذا التل بين الحين والآخر بإطلاق قذائفها باتجاه الأحياء الجنوبية القريبة منه، وتغير الطائرات الإسرائيلية الحربية والطائرات المسيرة على عدد من الأهداف في داخل الخيام مما يوقع قتلى ومصابين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير