ملخص
الهجوم المسلح على حافلة في القدس أسفر عن مقتل أربعة إسرائيليين، بينما واصل القصف الإسرائيلي على غزة مخلفاً أكثر من 67 ألف قتيل، في ظل غياب أي أفق للتسوية السياسية وانسداد طريق حل الدولتين. تصاعد العنف بين المستوطنين والفلسطينيين، وانتشار المجموعات المسلحة في الضفة، يقابله تهديد إسرائيلي بـ"إعصار من الضربات" على غزة، ما يعكس انسداد الصراع وتفاقم الدمار.
رجل خمسيني ممتلئ القامة، يعمل سائق تاكسي، يفتح باب سيارته بهدوء لراكبته فيما يتطاير الرصاص من هجوم استهدف حافلة على مقربة منهما.
لم يرتبك حتى عندما تحطمت نافذة الحافلة خلف أذنه اليمنى بفعل رصاصتين. بل اصطحب راكبته بهدوء إلى بر الأمان، واضعاً جسده في مرمى النيران.
المشهد، الذي التقطته كاميرا سيارة أثناء الهجوم الذي وقع يوم الإثنين على حافلة مدنية إسرائيلية في ضواحي القدس - وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص إضافة إلى المسلحَين - يجسد رباطة جأش سائق التاكسي وسط النيران، ويعكس في الوقت نفسه رباطة جأش الغزيين الاستثنائية الذين يتحملون استهدافاً متواصلاً منذ أشهر طويلة.
أن يعتاد الناس على الجانبين هذا القدر من العنف المفرط، وأن يبذلوا قصارى جهدهم للبقاء بكرامة، يمثل إدانة مباشرة للمتطرفين الذين يقودون هذا الصراع. غير أن ذلك لم يعد مفاجئاً.
وليس مفاجئاً أيضاً أن القضية الفلسطينية، التي حشدت تأييداً عالمياً وتضاعف زخمها بفعل فظائع إسرائيل وجرائمها في غزة، تتعرض لانتكاسة حين يقدم مسلحون فلسطينيون على إطلاق نار عشوائي داخل حافلة تقل مدنيين، ما يقوض قضيتهم نفسها.
ثمة مقولة عنصرية بالية كثيراً ما ترددها إسرائيل ومناصروها، فحواها أن "الفلسطينيين خبراء في تفويت الفرص" في تعاملهم مع إسرائيل.
والواقع أن إسرائيل، عبر توسيع الاستيطان في الضفة الغربية وخرق القانون الدولي، بل واعتراف وزرائها علناً بأن الهدف هو منع قيام دولة فلسطينية بالمطلق، قد أغلقت الباب أمام أي تسوية عادلة. وفي المقابل، دمرت جماعات مثل "حماس" بدورها كل محاولة للتوصل إلى حل الدولتين: أي إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل آمنة.
اليوم، تُدار غزة وإسرائيل من قبل قيادتين ترفضان مبدأ الدولتين وتتمسكان بوجود دولة واحدة فقط بين نهر الأردن والبحر. وبالنسبة إلى كلا الطرفين المتطرفين، لم يعد حل الدولتين مطروحاً.
تشير تقارير إلى أن "حماس"، التي صمدت أمام الهجمات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تدرس عرضاً لوقف إطلاق النار لم توافق عليه إسرائيل. وقد أثنت على "المقاومين الفلسطينيين" الذين نفذوا الهجوم، من دون أن تؤكد مسؤوليتها عنه.
في السابق، نسفت "حماس" حرفياً أي انفراجة دبلوماسية أو خطوات نحو قيام دولة فلسطينية، فقط لأن "الكيان الصهيوني" كان سيبقى قائماً. وخلال الانتفاضة الثانية مطلع الألفية، كان يمكن توقيت حدوث تفجير انتحاري بعد ساعات قليلة من تسرب أنباء عن احتمال التوصل إلى اتفاق خلال المفاوضات.
لكن "حماس" لم تكن وراء إطلاق النار على الحافلة عند مفترق راموت يوم الإثنين.
نُفذت عملية القتل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة التي استولت عليها إسرائيل عام 1967 وضمتها بشكل غير شرعي لاحقاً إلى الدولة. تماماً كقطعة الأرض التي تقوم عليها السفارة الأميركية اليوم في القدس.
فالهجوم على مدنيين في الأراضي المحتلة لا يخدم حتى مصالح أو استراتيجية "حماس" نفسها. فما من مسار دبلوماسي أساساً يمكن إفشاله.
لكن الضفة الغربية تعج بالمجموعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الفصائل التقليدية.
ومن أبرزها مجموعة "عرين الأسود" في نابلس، التي ظهرت قبل زمن طويل من هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل، وأثارت رداً عسكرياً واسع النطاق من جانب الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية المحتلة.
ومنذ ذلك الحين، تشنّ إسرائيل حملات متواصلة ضد ما تسميه "المجموعات المسلحة"، من خلال ما تصفه بـ"عمليات الاغتيال المركزة" التي تنفذها الطائرات، إلى جانب اجتياحات مباشرة لمدن وقرى فلسطينية.
وفي موازاة ذلك، يشنّ المستوطنون اليهود في الضفة الغربية هجمات متكررة على الفلسطينيين العزّل من دون أن يتعرضوا لأي عقاب.
وفي واقعة بارزة، أطلق المستوطن ينون ليفي النار على المخرج الفلسطيني عودة الهذالين وقتله أمام شهود عيان وثّقوا الحادثة بكاميراتهم – لكن المحكمة العسكرية الإسرائيلية أفرجت عنه بعد أيام قليلة فقط من احتجازه.
تتوافر للفلسطينيين أسباب محلية كثيرة تدفعهم إلى حمل السلاح، ومن المرجح أن تتزايد وتيرة ذلك مستقبلاً.
وبما أن ليفي كان مستوطناً مسلحاً، فيمكن اعتباره مقاتلاً وجزءاً من منظومة الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، وبالتالي هدفاً مشروعاً وفق القانون الدولي.
في إعلانها أمام محكمة العدل الدولية، أشارت القاضية الأسترالية هيلاري تشارلزورث إلى أن الفلسطينيين "لا يُمنع عليهم استخدام القوة بما يتوافق مع القانون الدولي لمقاومة الاحتلال".
غير أن القانون الدولي يشترط أن يرتدي المقاومون زياً موحداً، ويحملوا أسلحتهم علناً، ويستهدفوا حصراً العسكريين، وأن ينتموا إلى تنظيم معروف. وهذه معايير نادراً ما تتحقق على أرض الواقع.
والمفارقة أن المقاتلين المسلحين في "حماس" داخل غزة قد يستوفون التعريف القانوني لعناصر المقاومة المشروعة (على رغم أن الحركة في أماكن أخرى تعتمد تكتيكات الإرهاب عبر شن هجمات عشوائية على المدنيين).
لكن العنف الذي تشنه إسرائيل في حملتها ضد "حماس"، ومسارها التوسعي في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، جعل من الصعب حتى على الجماعات المتطرفة أن تسيطر على أنصارها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يكون هجوم يوم الإثنين مبادرة فردية أقدم عليها شبان عانوا طويلاً من الإذلال، وحُرموا من الأمل، وتشبّعوا بخطاب متطرف.
في المقابل، تعهدت إسرائيل بشنّ "إعصار من الضربات" ضمن هجومها المتجدد على غزة.
وكتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة "إكس" (تويتر) قائلاً: "سيضرب إعصار هائل سماء مدينة غزة اليوم، وستهتز أسطح أبراج الإرهاب".
وأضاف: "هذا تحذير أخير إلى قتلة ومغتصبي حماس في غزة وفي الفنادق الفاخرة في الخارج: أطلقوا سراح الرهائن وألقوا السلاح، وإلا ستُدمَّر غزة وتُبادون".
ويُعتقد أن نحو 20 رهينة ما زالوا على قيد الحياة بعد أن اختطفهم مسلحون فلسطينيون في إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 67 ألف شخص في غزة، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال.
ذلك المستوى من الإرهاب، وما وقع للتو في القدس، لا يمنح أي طرف شيئاً سوى الحاجة إلى الصمود.
© The Independent