Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدعوة الروسية لزيلينسكي... مخرج للأزمة أم محاولة لإذلال كييف؟

ترمب يقر بأن بلاده خسرت كلاً من روسيا والهند ويتمنى لهما "مستقبلاً طويلاً وسعيداً معاً"

قال الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن بوتين "جاد في البحث عن حل سياسي" (أ ف ب)

ملخص

كان بوتين أعلن أخيراً عن استعداده لاستضافة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في موسكو للتفاوض مع تقديم كل الضمانات الأمنية الكاملة له وللوفد الأوكراني المرافق بنسبة "مئة في المئة".

غير أن الرئيس الأوكراني رفض عرض بوتين، معتبراً أن مثل هذه المفاوضات يجب أن تعقد في مكان محايد، وأنها "محاولة لإذلاله وإجباره على القبول بشروط روسية".

يقف الغرب منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير (شباط) 2014 مدهوشاً إزاء رد فعل خصومه في موسكو وفي الداخل الأوكراني أيضاً، لما فعله ويفعله عامداً متعمداً في أوكرانيا وما حولها. وها هو يعود ثانياً وثالثاً، وحتى ما بعد "المئة مرة"، ليلتزم الصمت تجاه ما يردده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ما اعترفت به المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل في مذكراتها حول أنها وزميلها الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند لم يكونا يستهدفان حلاً أو انفراجة للأزمة الأوكرانية، بقدر ما كانا ومن معهما في محادثات مينسك في أواخر عام 2014 وفي فبراير 2015 (الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو) يبتغون الحصول على المساحة الزمنية اللازمة لإعداد الجيش الأوكراني وتسليحه بما يلزمه لاستعادة هاتين الجمهوريتين "الانفصاليتين" بالقوة المسلحة.

الغرب وراء انقلاب 2014

ولكم كان غريباً أن تصدر مثل هذه الاعترافات من جانب من جلس إليهم بوتين أكثر من مرة، وظل لما يزيد على ثمانية أعوام يسعى بحسب مقربين منه لتنفيذ ما سمي "اتفاقات مينسك" التي خلصوا إليها نتيجة "ماراثون مفاوضات"، دامت لأشهر طوال، وإلى إن وضع الرئيس الروسي حداً لها بإعلانه في الـ24 من فبراير 2022 عن "عمليته العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

وكانت موسكو الرسمية أعلنت أكثر من مرة عدم اعترافها بنتائج "الانقلاب" الذي أطاح الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش. غير أنها سرعان ما عادت لتقبل بالأمر الواقع وبما لحق به من نتائج "الموجة الثانية من الانتفاضة البرتقالية" عام 2014، ولتعترف عن غير طيب خاطر بواقع انتخاب بيترو بوروشينكو رئيساً لأوكرانيا، وطرفاً مشاركاً في مفاوضات مينسك التي انتهت إلى ما انتهت إليه، وبما اعترفت به ميركل مع هولندا بعد أعوام طوال. وتمضي الأعوام التي حملت بوروشينكو إلى دائرة النسيان، في انتخابات لم يحصل في جولتها الثانية، سوى على ما يزيد قليلاً على 25 في المئة من أصوات الناخبين، ليأتي خلفه زيلينسكي وتتبدل الأوضاع.

ولعل ما شهدته العاصمة الأوكرانية في فبراير 2014 من اجتماعات وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وبولندا وممثل الكرملين مع الرئيس السابق يانوكوفيتش وعدد من قيادات "الانتفاضة البرتقالية"، وممثلي "الميدان" ممن نصبوا خيامهم في قلب العاصمة، كان بحسب محللين "ستاراً جرت من ورائه وقائع الانقلاب الذي أطاح بيانوكوفيتش". ويذكر مراقبون كثر ما خلص إليه الاجتماع من توقيع "وثائق المصالحة" التي نصت ضمناً على الاتفاق حول إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في خريف نفس عام 2014، وسحب قوات الأمن والشرطة وإزالة المخيمات التي أقامتها جموع المعارضة في قلب العاصمة كييف، بما كان يعني ضمناً "الهدنة" أو "المصالحة". وفي هذا الصدد نذكر ما جاء في تلك المكالمة الهاتفية التي جرت بين يانوكوفيتش والرئيس الروسي بوتين بعد توقيع "الاتفاق التاريخي"، إذ لم يقتصر حديث "الرئيسين" حول ما جرى الاتفاق حوله، وتوقيعه من وثائق، بل وتعداه إلى ما أعرب عنه الرئيس الروسي من قلق تجاه "الهدوء المفرط" من جانب يانوكوفيتش، الذي أبلغ بوتين أنه سيغادر العاصمة في زيارة لخاركيف ثاني كبريات المدن الأوكرانية، لحضور إحدى الفعاليات الحزبية هناك. ولم تجد محاولات بوتين لثني يانوكوفيتش عن عزمه على مغادرة العاصمة في مثل هذه الظروف بالغة الحرج والخطورة. وما إن استقل يانوكوفيتش سيارته في طريقه إلى خاركيف حتى وقع فريسة لمن أمطروا موكبه بوابل من الرصاص، وسارعت إليه قوات روسية أرسلها بوتين لحمايته، وجرى نقله إلى مكان ما داخل الأراضي الروسية حيث يقيم هناك حتى اليوم.

المقدمات تحدد النتائج

لم يكن الرئيس بوتين ليفوت فرصة انعقاد منتدى الشرق الاقتصادي الذي عقد منذ دورته الأولى عام 2015، من دون العودة إلى التاريخ وبما يتفق مع القول المأثور لصاحبه هنري كيسينجر عميد الدبلوماسية الأميركية السابق حول "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ"، في إشارة إلى ولع الرئيس الروسي الشديد بالتاريخ، ولا سيما تاريخ الإمبراطورية الروسية منذ نشأتها الأولى، وما تلا ذلك من تاريخ بطرس الأول، وما قاله بوتين حول إنه يحذو خطاه، ولا سيما ما يتعلق منها باستعادة أراضي الإمبراطورية، وضم شبه جزيرة القرم ومقاطعات جنوب شرقي أوكرانيا (لوغانسك ودونيتسك) ومعهما مقاطعتا زابوروجيا وخيرسون، التي أعلن ضمها إلى روسيا الاتحادية في خريف 2022، وذلك ما اعترف به بوتين فيما قاله حول "إنه يسير على خطى بطرس الأعظم، وإنه يستعيد ما فقدته روسيا من أراضٍ"، مؤكداً بذلك حقيقة وقواعد قانونية تقول "إن الدولة التي تنضم إلى كيان اتحادي أوسع إطاراً، ثم تعود لتعلن رغبتها في الخروج منه، فإنها ملزمة بالتخلي عن كل مكاسبها خلال فترة وجودها داخل هذا الإطار الاتحادي"، أو على حد قول بوتين بإعادة كل ما حصلت عليه من هدايا أو "أراضٍ" تخلت عنها روسيا طواعية، وهو ما ينطبق على القرم ومنطقة الدونباس في أوكرانيا، بسكانها الناطقين باللغة الروسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتلك كانت مقدمات الأزمة الأوكرانية التي لا تزال تحدد ما يشهده العالم من نتائج دائماً ما يستعرض بوتين دلالاتها وملابساتها، من واقع ما سبق وقاله في هذا الشأن هنري كيسينجر، وما سبقه إليه الأديب السوفياتي – الروسي ألكسندر سولجينتسن الحائز جائزة نوبل للآداب بعد عودته من منفاه الاضطراري في الولايات المتحدة التي قضى فيها مدة 20 عاماً. وكان ما قاله سولجينتسين أثار موجة من الصخب والجدل لما يعنيه ضمناً من اضطرابات محتملة تجاه عديد من الجمهوريات السوفياتية السابقة التي استمدت نشأتها ووجودها على خريطة السياسة العالمية من وجودها ضمن حدود الاتحاد السوفياتي السابق في كل من القارتين الأوروبية والآسيوية، وهو ما تتبدى مظاهره في عدد من بلدان آسيا الوسطى، ومنها كاازخستان على سبيل المثال.

لماذا بكى يانوكوفيتش؟

على رغم أن الرئيس بوتين يحرص دائماً على المشاركة في مثل هذه المنتديات الاقتصادية الطابع، التي كثيراً ما دعا إليها أكبر عدد من المستثمرين الأجانب، وهو ما ينجم عنه أيضاً توقيع أكبر قدر من الاتفاقات وبروتوكولات التعاون في مجال الاستثمارات المشتركة، فإنه لا يفوته في مثل هذه التجمعات الدولية والإقليمية من دون الحديث عن تاريخ الأزمة الأوكرانية، مذكراً بتاريخ هذه الأزمة واستعادة أسبابها. وفي هذا الصدد قال بوتين "مشكلتنا في عهد يانوكوفيتش كانت تتمثل في أن اندماج أوكرانيا في النظام الأوروبي للعلاقات الاقتصادية كان مرتبطاً بمشكلات اقتصادية معينة، لأن أوكرانيا كانت جزءاً من منطقة تجارة حرة، وحدودنا الجمركية مفتوحة، وكانت لذلك عواقب وخيمة علينا. وكان على أوكرانيا أن تقارن وتقيم ما تخسره في علاقاتها معنا، نقدياً وتعاونياً مقابل ما تكتسبه هناك". وأضاف الرئيس بوتين أن يانوكوفيتش فكر في هذا الأمر "وحسب حساباته التي سرعان ما أسفرت عن تساقط دموعه لأن فتح الأسواق أمام المنتجات الأوروبية التنافسية كان يدمر الإنتاج في أوكرانيا نفسها، وينهي العلاقات التعاونية والتجارية مع روسيا". وفي هذا كانت تكمن المشكلة. وأضاف بوتين قوله "إنه على حد ما يذكر، فإن يانوكوفيتش لم يرفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل على العكس من ذلك. فقد كان يريده، ويسعى إليه، ولكن وفق الشروط التي تناسب أوكرانيا".

ونذكر بهذه المناسبة ظهور الرئيس الأوكراني السابق يانوكوفيتش على شاشات القنوات الروسية الرسمية خلال انعقاد قمة رؤساء بلدان منظمة شنغهاي للتعاون، وما أعقبها من استعراض بكين العسكري "الأسطوري" في الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري، وحديثه الذي استعاد خلاله بعضاً من مشاهد الماضي وتاريخ علاقاته بالدوائر الغربية و"محاولات جره إلى طلب الانضمام لحلف ‘الناتو‘"، وما قاله حول إنه كان قريباً من الموافقة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأنه كان يريده ويسعى إليه، بما يتفق مع الشروط التي تناسب بلاده، لكنه لم يوافق قط على طلب الانضمام إلى حلف "الناتو".

بوتين يدعو زيلينسكي إلى موسكو

يذكر المراقبون داخل روسيا وخارجها ما طرحه الرئيس بوتين من أسباب ودوافع جيوسياسية بوصفها العقبة التي تقف حجر عثرة على طريق تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وتذكر المصادر الروسية الرسمية ما طرحه بوتين في لقائه قيادات وزارة الخارجية الروسية في يونيو (حزيران)، وفي مقدمها انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو" وامتداده شرقاً على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في أكثر من تقرير لها من موسكو.

وكان بوتين أعلن أخيراً في حديثه إلى منتدى الشرق الاقتصادي في فلاديفوستوك عن استعداده لاستضافة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في موسكو للتفاوض مع تقديم كل الضمانات الأمنية الكاملة له وللوفد الأوكراني المرافق بنسبة "مئة في المئة"، على حد تعبير الرئيس الروسي.

غير أن الرئيس الأوكراني رفض عرض الرئيس بوتين، وهو ما أعرب عنه وزير خارجيته أندريه سيبيجا. وفي هذا الصدد قال سيبيجا بضرورة أن تعقد مثل هذه المفاوضات في مكان محايد، في الوقت الذي ثمة من قال إن الرئيس الأوكراني يعتبر أن الدعوة إلى موسكو "محاولة لإذلاله وإجباره على القبول بشروط روسية"، مضيفاً "أنه لا يستطيع زيارة موسكو بينما تتعرض بلاده لهجمات صاروخية كل يوم". وكان زيلينسكي سبق وطرح اختيار أي مكان محايد في القارة الأوروبية، في النمسا أو سويسرا أو تركيا على سبيل المثال، مستبعداً بودابست التي قال إنها مثيرة للجدل، بسبب موقف المجر من دعم أوكرانيا، وذلك ما علق عليه الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بقوله "إن دعوة الرئيس بوتين تستهدف إجراء الحوار، وليس الاستسلام"، فيما أكد أن بوتين "جاد في البحث عن حل سياسي".

هذا واعتبر مراقبون غربيون ما قاله بوتين في فلاديفوستوك حول سبل الخروج من الأزمة الراهنة في أوكرانيا، "رؤية تتسم بالتشدد في كثير من جوانبها"، كما أن ما طرحه على الرئيس الأوكراني جزء من "استراتيجية دعائية وسياسية تستهدف كسب الوقت وإتاحة الوقت اللازم لتحقيق المكاسب على صعيد الجبهات بغية ضم مزيد من الأراضي الأوكرانية وتحسين مواقف بلاده التفاوضية"، في حال الجلوس إلى المفاوضات أينما جرت وعلى أي نحو كانت. وذلك في الوقت الذي لا تكف كبريات البلدان الغربية عن البحث عن السبل الملائمة لتحقيق الدعم اللازم لأوكرانيا وإمدادها بما يلزمها من أسلحة وتوفير الضمان الأمني المطلوب، والذي يدور معظمه حول الدفع بقوات مسلحة أياً كان شكلها وتعدادها، وهو ما يزيد من تفاقم المشكلة ويزيد من صعوبة العثور على الحلول المناسبة، في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب متردداً بين الضغط على روسيا عبر العقوبات، وخيار التفاوض المباشر مع بوتين، الذي يظل متمسكاً بمواقفه الرافضة لوجود أي قوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية.

ترمب يعترف بخسارة بلاده لروسيا والهند

نشر الرئيس الأميركي صورة تجمع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي التقطت على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في مدينة تيانجين الساحلية في شمال الصين، معرباً عن رأيه بأن الولايات المتحدة قد خسرت روسيا والهند. وكتب في صفحته على منصة "تروث سوشيال" ما نصه "يبدو أننا خسرنا الهند وروسيا أمام الصين المظلمة والقاتمة. أتمنى لهما مستقبلاً طويلاً وسعيداً معاً!". وكان الزعماء الثلاثة عقدوا اجتماعاً ثلاثياً استقطب اهتمام جميع وسائل الإعلام العالمية. وننقل عن وكالة أنباء "تاس" ما كتبه بعض المراقبين حول "أن هذا التحالف يرمز إلى نهاية نموذج العلاقات الدولية المتمركز حول الغرب". وأشار آخرون إلى "أن سياسة ترمب الجمركية كانت أحد أسباب التقارب بين الهند والصين. ومع ذلك اتفق البعض الآخر على أن "قمة منظمة شنغهاي للتعاون تمثل انتصاراً لدبلوماسية دول الجنوب العالمي، وتحدياً مباشراً للغرب الذي فقد نفوذه في العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات