ملخص
أفراد من القوات الخاصة الأميركية، وهي الوحدة نفسها التي قتلت أسامة بن لادن عام 2011، اقتربوا من كوريا الشمالية بغواصتين صغيرتين وانتظروا في مياه شديدة البرودة لساعات، ثم سبحوا إلى الشاطئ من أجل زرع جهاز تنصت للتجسس على الزعيم كيم جونغ أون عام 2019.
حاولت القوات الخاصة في البحرية الأميركية تنفيذ عملية تنصت في كوريا الشمالية للتجسس على الزعيم كيم جونغ أون عام 2019، لكن المهمة فشلت وانتهت بمقتل مدنيين، وفق ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".
العملية نفذتها وحدة النخبة الأميركية SEAL Team 6 بشكل سري للغاية وحاولت فيها زرع جهاز إلكتروني لاعتراض اتصالات الزعيم كيم جونغ أون، في وقت كانت فيه المفاوضات النووية بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أوجها.
يقول تحقيق "نيويورك تايمز" إنه كثيراً ما واجهت وكالات الاستخبارات الأميركية صعوبة في اختراق كوريا الشمالية، سواء عبر تجنيد مصادر بشرية أو التنصت على الاتصالات، ومع تصاعد التوترات بين ترمب وكيم، أصبح فهم نيات الزعيم الكوري أولوية قصوى.
عام 2018 طورت الولايات المتحدة جهازاً إلكترونياً جديداً قادراً على اعتراض اتصالات كيم، لكن زرعه تطلب تسللاً مباشراً إلى الأراضي الكورية الشمالية، كلف فريق SEAL Team 6 بالمهمة بالتعاون مع وحدة SEAL Delivery Vehicle Team 1 المتخصصة في الغواصات الصغيرة، وكانت الخطة تقضي باستخدام غواصة نووية أميركية لإيصال الفريق إلى المياه الكورية، ثم إطلاق غواصتين صغيرتين تقلان الجنود إلى نقطة قريبة من الشاطئ.
تدرب الفريق أشهراً في المياه الأميركية، وراقب مخططو المهمة حركة القوارب والصيادين في المنطقة المستهدفة لتحديد الوقت المثالي للتسلل، وفي فبراير (شباط) 2019 أعلن ترمب عن قمة نووية مع كيم في فيتنام وأعطى الضوء الأخضر النهائي للمهمة.
بحسب رواية "نيويورك تايمز" فقد كان من المقرر أن تتسلل غواصة نووية أميركية، بطول يقارب ملعبين لكرة القدم، إلى المياه قبالة كوريا الشمالية. ثم تُطلق فريقًا صغيرًا من جنود SEAL في غواصتين صغيرتين، كل واحدة بحجم حوت قاتل تقريبًا، تتحرك بصمت نحو الشاطئ.
كانت الغواصات الصغيرة من النوع "الرطب"، أي أن الجنود يركبونها وهم مغمورون في مياه بدرجة حرارة 40 فهرنهايت (حوالي 4 درجات مئوية)، لمدة ساعتين تقريبًا، باستخدام معدات غوص وبدلات حرارية للبقاء على قيد الحياة.
بعد الوصول يسبح حوالي ثمانية جنود نحو الهدف ويزرعون الجهاز ثم يعودون إلى البحر، لكن الفريق واجه تحديًا كبيرًا وكان عليهم تنفيذ المهمة تقريبًا "وهم عميان"، كما تقول الصحيفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عادةً ما تعتمد القوات الخاصة على طائرات بدون طيار تبث فيديو عالي الدقة من فوق الهدف، يمكن للقادة في الميدان أو في مراكز القيادة البعيدة استخدامه لتوجيه العملية لحظة بلحظة، وأحيانًا يمكنهم حتى التنصت على العدو.
في كوريا الشمالية، كان من المؤكد أن أي طائرة بدون طيار سيتم رصدها، لذا اعتمدت المهمة على صور من أقمار صناعية وطائرات تجسس على ارتفاعات عالية في المجال الجوي الدولي توفر صورًا ثابتة منخفضة الدقة نسبيًا.
كانت الصور تصل بعد تأخير عدة دقائق على الأقل، ولا يمكن إرسالها إلى الغواصات الصغيرة، لأن أي إرسال مشفر قد يكشف المهمة، كل شيء كان يجب أن يتم في ظل شبه انعدام للاتصالات، وإذا كان هناك شيء ينتظر الجنود على الشاطئ، فقد لا يعرفونه إلا بعد فوات الأوان.
حاول مخططو المهمة تعويض غياب الفيديو المباشر من الجو عبر دراسة المنطقة لأشهر، راقبوا فيها حركة الناس والقوارب، واختاروا توقيتًا تكون فيه حركة القوارب نادرة. وأشارت المعلومات الاستخباراتية إلى أن وصول الجنود بصمت إلى الموقع المناسب في ليلة شتوية مظلمة سيكون كافيًا لتجنب الاكتشاف.
وصلت الغواصات إلى الموقع المحدد للتمركز على قاع البحر، وهناك، ارتكب الفريق ما قد يكون أول ثلاثة أخطاء صغيرة بدت غير مهمة في حينها، لكنها ربما كانت سبب فشل المهمة.
في الظلام، استقرت الغواصة الأولى في مكانها كما هو مخطط، لكن الثانية تجاوزت الموقع واضطرت للعودة، وفقًا لمسؤولين.
كان من المفترض أن تتمركز الغواصتان في نفس الاتجاه، لكن بعد التفاف الثانية، أصبحتا متجهتين في اتجاهين متعاكسين. ونظرًا لضيق الوقت، قرر الفريق إطلاق مجموعة الشاطئ وتأجيل تصحيح الوضع لاحقًا.
فُتحت الأبواب المنزلقة للغواصات، وسبح الجنود — وهم يحملون أسلحة وذخيرة غير قابلة للتتبع — بصمت تحت الماء نحو الشاطئ ومعهم جهاز التنصت.
كل بضعة أمتار، كان الجنود يطلّون برؤوسهم من الماء الأسود لتفقد الوضع. بدا كل شيء هادئًا.
ذكرت الصحيفة التي أجرت مقابلات مع أكثر من 20 شخصاً من مسؤولين حكوميين وأعضاء في إدارة ترمب الأولى وعسكريين حاليين أو سابقين لديهم معرفة بالقضية، أن أفراداً من القوات الخاصة الأميركية، وهي الوحدة نفسها التي قتلت أسامة بن لادن عام 2011، اقتربوا من كوريا الشمالية بغواصتين صغيرتين وانتظروا في مياه شديدة البرودة لساعات، ثم سبحوا إلى الشاطئ، واعتقدوا أنهم كانوا بمفردهم ولم يروا أن هناك قارباً صغيراً في المنطقة على متنه طاقم كوري شمالي.
كان من السهل تفويت رؤية طاقم المركب لأن نظارات الرؤية الليلية لدى الجنود الأميركيين تعتمد جزئيًا على استشعار الحرارة، وبدلات الغوص التي كان يرتديها الكوريون كانت باردة بسبب مياه البحر، مما جعلهم غير مرئيين تقريبًا.
وصل الجنود إلى الشاطئ وهم يظنون أنهم وحدهم، وبدأوا في خلع معدات الغوص. كان الهدف على بعد بضع مئات من الأمتار فقط.
في هذه الأثناء، أعاد الطيارون في الغواصات تموضع الغواصة التي كانت في الاتجاه الخاطئ. ومع فتح أبواب القيادة المنزلقة للرؤية والتواصل، قام أحد الطيارين بتشغيل المحرك الكهربائي لتدوير الغواصة.
وربما كان هذا هو الخطأ الثالث. بعض الجنود تكهنوا لاحقًا أن أثر المحرك في الماء ربما لفت انتباه القارب الكوري. وإذا سمع الطاقم صوتًا أو رأى ضوءًا من فتحات الغواصات، فقد يكون ذلك ما كشف وجودهم.
بدأ القارب الكوري بالتحرك نحو الغواصات. كان الكوريون يسلطون المصابيح اليدوية ويتحدثون كما لو أنهم لاحظوا شيئًا.
قال بعض الطيارين في جلسات الإحاطة بعد المهمة إنهم، من موقعهم أسفل الماء، رأوا أن القارب لا يزال على مسافة آمنة، وشككوا في أنه قد رصد الغواصات. لكن الجنود على الشاطئ رأوا الأمر بشكل مختلف. في ظلام البحر الخالي من المعالم، بدا القارب وكأنه فوق الغواصات مباشرة.
ومع انقطاع الاتصالات، لم يكن هناك وسيلة للتنسيق بين الفريق على الشاطئ والغواصات. كانت أضواء القارب تمسح سطح الماء. لم يعرف الجنود ما إذا كانوا يواجهون دورية أمنية تبحث عنهم، أم مجرد صيادين لا يعلمون شيئًا عن المهمة الحساسة الجارية حولهم.
قفز رجل من القارب الكوري إلى البحر، وواجه واجه الجنود قرارًا مصيريًا، لكن لم يكن هناك وسيلة للنقاش. كان قائد المهمة على بعد أميال في الغواصة الكبيرة. ومع غياب الطائرات بدون طيار وانقطاع الاتصالات، فقد الجنود معظم المزايا التقنية التي يعتمدون عليها عادة، ووجدوا أنفسهم حفنة من الرجال في بدلات غوص، لا يعرفون ما يجب فعله.
وبينما كانوا يراقبون الرجل الكوري في الماء، اتخذ كبير الجنود في الفريق قرارًا. دون أن ينطق بكلمة، صوب بندقيته وأطلق النار. وتبعه باقي الجنود على الفور.
الانسحاب والنتائج
أرسل الفريق إشارة استغاثة، واقتربت الغواصة النووية من الشاطئ في مخاطرة كبيرة لالتقاطهم. انسحب الجميع من دون إصابات. لاحقاً رصدت الأقمار الاصطناعية الأميركية نشاطاً عسكرياً مكثفاً في المنطقة، لكن كوريا الشمالية لم تصدر أي بيان، ولم يتضح ما إذا كانت قد فهمت ما حدث.
عقدت القمة بين ترمب وكيم كما هو مخطط لها، لكنها انتهت من دون اتفاق. وبعدها استأنفت كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية، وأطلقت عدداً قياسياً من الصواريخ، بعضها قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة. وتقدر واشنطن أن بيونغ يانغ تمتلك الآن نحو 50 رأساً نووياً، ومواد تكفي لإنتاج 40 رأساً إضافياً.
أدت المهمة الفاشلة إلى مراجعات داخلية في البنتاغون، خلصت إلى أن قتل المدنيين كان مبرراً وفقاً لقواعد الاشتباك، وأن فشل المهمة كان نتيجة سلسلة من الأحداث غير المتوقعة، لكن إدارة ترمب لم تبلغ لجان الكونغرس المتخصصة، مما قد يشكل انتهاكاً للقانون الفيدرالي.
أثارت الحادثة قلقاً بين بعض المسؤولين العسكريين، نظراً إلى سجل فريق SEAL Team 6 المتباين. فعلى رغم نجاحات بارزة مثل اغتيال بن لادن، فإن الفريق نفذ مهام جريئة ومعقدة فشلت في دول مثل بنما وأفغانستان واليمن والصومال. في إحدى المهام عام 2010 قتل الفريق رهينة من طريق الخطأ، ثم قدم معلومات مضللة عن الحادثة.
في نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما تم تقليص مهام العمليات الخاصة وزيادة الرقابة عليها، لكن إدارة ترمب أعادت تفعيلها، وأعطت الضوء الأخضر لمهام حساسة من دون مداولات كافية، مثل غارة اليمن التي أسفرت عن مقتل 30 مدنياً وجندي أميركي.
عند تولى جو بايدن الرئاسة، أمر وزير الدفاع لويد أوستن بإجراء تحقيق مستقل في مهمة كوريا الشمالية. وعام 2021 تم إطلاع أعضاء الكونغرس الرئيسين على نتائج التحقيق، التي لا تزال سرية حتى اليوم.