ملخص
يشير المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه "فكرة إسرائيل"، الذي يكشف تناقضات الرواية الصهيونية مع التاريخ والواقع، إلى أن بعض هذه السرديات قدّمت فلسطين بوصفها وطناً فارغاً سيسترجعه اليهود بعد عودتهم من المنفى، إذ انتشرت بين الصهاينة الأوائل أغنية ألمانية وطنية تدور معانيها حول إظهار ما باتت تعنيه فلسطين الخالية لهم "هنالك حيث تعانق أشجار الأرز السماء، وحيث ينساب نهر الأردن مسرعاً، هنالك يرقد رفات أبي، في تلك الأمة المجيدة، على البحر والرمال… هناك أرضي المحبوبة، أرض آبائي، ولا أبغي سواها".
احتلت في الآونة الأخيرة فكرة "إسرائيل الكبرى" مكانة بارزة في الأوساط السياسية والفكرية، ليس بوصفها مجرد أطروحة جغرافية، بل كمشروع متشابك الأبعاد دينياً وقومياً وسياسياً. هذه الفكرة لم تنبثق من الفراغ، بل تشكلت تدريجاً عبر تراكم أحداث وصراعات، مرت خلالها الحركة الصهيونية – وهي حركة سياسية قومية أسسها ثيودور هرتزل أواخر القرن التاسع عشر بهدف إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، واستمدت اسمها من "صهيون" في القدس – من منظمات عسكرية مثل "الهاغاناه" و"شتيرن" إلى أحزاب سياسية كـ"الليكود"، أسهمت جميعها في صياغة الأيديولوجيا وتطبيقها على أرض الواقع لتصبح مشروعاً متكاملاً مؤثراً في مسار الصراع الإقليمي حتى اليوم.
ولم يكن بحث المؤرخين الصهاينة عن الجذور القومية مجرد رحلة في بطون التاريخ، بل مشروعاً ممنهجاً لإضفاء الشرعية على سردية كاملة، محاولين أن ينسجوا خيطاً تاريخياً يربط حاضر المشروع الصهيوني بذاكرة بعيدة. ويرجع بعضهم هذه الجذور إلى ما قبل عام 1882، وهي المرحلة التي بدأ فيها الاستيطان المنظم في فلسطين. غير أن المحطات الكبرى، مثل وعد بلفور عام 1917 وقيام دولة إسرائيل عام 1948 وحرب 1967، شكلت نقاط تحول مفصلية. ويظهر أثر هذه المحطات اليوم في السياسات الإسرائيلية الراهنة، حيث يشير التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وضم القدس عملياً إلى تطبيق جزئي لفكرة "إسرائيل الكبرى"، ولو من دون إعلان رسمي.
الوعد الإلهي
لم يكن بحث المؤرخين الصهاينة عن الجذور القومية مجرد رحلة في بطون التاريخ، بل كان أشبه بمشروع ممنهج لإضفاء الشرعية على سردية كاملة محاولين أن ينسجوا خيطاً تاريخياً يربط حاضر المشروع الصهيوني بذاكرة بعيدة يرجح بعضهم هذه الجذور إلى ما قبل عام 1882، وهي المرحلة التي بدأ فيها الاستيطان المنظم في فلسطين.
يشير المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه "فكرة إسرائيل"، الصادر عن دار فيرسو عام 2014، إلى دور الأيديولوجيا الصهيونية في تشكيل التعليم والإعلام والسينما داخل إسرائيل. ويعرض بابيه ثلاث مراحل مفصلية في التاريخ الفكري للحركة الصهيونية: الصهيونية الكلاسيكية التي صاغت السردية الرسمية للدولة العبرية، ثم حركة ما بعد الصهيونية التي برزت في التسعينيات، وصولاً إلى ما يسميه "الصهيونية الجديدة" ذات الطابع القومي المتشدد والعنصري.
ويرى المؤرخ بابيه أن هذه السرديات تكشف تناقضاً صارخاً مع التاريخ والواقع، إذ صوّرت فلسطين على أنها "أرض فارغة" في انتظار عودة اليهود إليها بعد المنفى، موضحاً في كتابه أنه حتى أن الصهاينة الأوائل تداولوا أغنية تعكس هذا التصور الخيالي، وجاء في كلماتها: "هنالك حيث تعانق أشجار الأرز السماء، وحيث ينساب نهر الأردن مسرعاً، هنالك يرقد رفات أبي، في تلك الأمة المجيدة، على البحر والرمال… هناك أرضي المحبوبة، أرض آبائي، ولا أبغي سواها".
هذا الطرح لم يقتصر على الأغاني أو الأدبيات الصهيونية، بل انعكس أيضاً في بعض الموسوعات الأكاديمية المختصة بتاريخ إسرائيل، التي وصفت أرض فلسطين بأنها "الأرض الخالية"، ووضعت على غلافها رسماً لشجرة أرز وحيدة ترتفع في السماء فوق تلة قاحلة، في مشهد يستحضر صورة قصيدة قديمة.
أما فريق آخر من المؤرخين فقد ذهب أبعد من ذلك، مستنداً إلى نصوص التوراة، مثل ما ورد في سفر التكوين: "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات" (تك 15: 18-21). وهنا يتضح أن فكرة "إسرائيل الكبرى" لم تكن مجرد طرح سياسي لاحق، بل ارتبطت منذ البداية بتأويلات دينية ونصوص توراتية استعملت لتبرير مشروع سياسي لاحق.
إسرائيل الكبرى بين التاريخ والسياسة
ينظر البعض إلى "إسرائيل الكبرى" كفكرة تاريخية تستند إلى نصوص توراتية والقسم الآخر ينظر لها كفكرة حديثة العهد ووليدة تحولات سياسية واقتصادية وثقافية في أعقاب ظهور الحركة الصهيونية كحركة قومية يهودية تعمل في أجواء استعمارية غربية، وتهدف إلى البحث عن دولة أو إطار دولة للشعب اليهودي.
وفي مداخلة مع "اندبندنت عربية"، أكد المؤرخ والباحث الفلسطيني المقيم في حيفا جوني منصور أنه لا شك في أن الحركات الصهيونية بحثت منذ بداياتها عن نصوص دينية لتثبيت فكرتها ونشرها، على رغم أن كثيراً من هذه الحركات وصفت في القاموس الديني اليهودي بأنها "ملحدة".
وأضاف منصور أن جذور مصطلح "إسرائيل الكبرى" تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، في مرحلة تأسيس الحركة الصهيونية وسلسلة مؤتمراتها الأولى، بدءاً من المؤتمر الصهيوني في مدينة بازل السويسرية عام 1897. وأوضح أن الإشارة آنذاك كانت إلى "أرض إسرائيل"، أي فلسطين، لكن من دون تحديد حدود واضحة. ويرى منصور أن هذا الغياب المتعمد للحدود كان يعكس توجه تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، الذي كان علمانياً وركز بالأساس على فكرة إقامة دولة يهودية حديثة باعتبارها "وطناً قومياً لليهود"، أكثر من تركيزه على ترسيم جغرافي محدد لهذه الدولة.
لكن من ينظر إلى الزعيم الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي، يلاحظ أنه ذهب أبعد في توسيع مفهوم "إسرائيل الكبرى"، إذ مال إلى تحديد حدود جغرافية صريحة على قاعدة "أرض إسرائيل الكاملة". ورأى أن فلسطين لا تقتصر على ما هو غربي نهر الأردن، بل تشمل أيضاً شرقه باعتباره جزءاً رئيساً من الدولة اليهودية الكبرى. ويعد جابوتنسكي مؤسس التيار الصهيوني التصحيحي الذي انبثق منه لاحقاً حزب "الليكود"، وبذلك حاول أن يصحح – وفق رؤيته – ما اعتبره "خطأ" وقع فيه أسلافه الذين تجنبوا تحديد الحدود الجغرافية للمشروع الصهيوني بشكل مباشر.
من التطبيق العملي إلى الأيديولوجيا التوسعية
كما يوضح منصور في تحليله بأنه في عام 1948، مع قيام دولة إسرائيل، بدأت تتحقق بعض جوانب الحدود الجغرافية، على رغم أن زعماء الدولة لم يقروا بذلك رسمياً. مضيفاً "لا شك أن حرب 1948 أسهمت كثيراً في تحويل مفهوم "إسرائيل الكبرى" من فكرة سياسية إلى مشروع عملي على الأرض، أي التطبيق الفعلي، إذ أسفرت الحرب عن إقامة دولة إسرائيل وطرد نحو 800 ألف فلسطيني، وسيطرة إسرائيل على نحو 78 في المئة من الأراضي في فلسطين، أي أكثر مما منحها قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة".
واستطرد المؤرخ الفلسطيني جوني منصور موضحاً أنه بعد إعلان الدولة برز اختلاف واضح بين ما عرف بـ"الصهيونية العملية" و"الصهيونية التصحيحية" في السياسات الإسرائيلية المبكرة. فقد كان نهج ديفيد بن غوريون، مؤسس تنظيم "الهاغاناه" المسلح وأول رئيس وزراء لإسرائيل، براغماتياً، إذ اعتبر أن إسرائيل حققت أكثر مما ورد في قرار التقسيم، وشدد على أن الكلمة الفصل يجب أن تكون للمستوى السياسي الحاكم لا للمؤسسة العسكرية. وانطلاقاً من هذا التصور، بادر إلى حل التنظيمات العسكرية كافة وتوحيدها في جيش الدولة تحت اسم "جيش الدفاع الإسرائيلي".
في المقابل، رفضت بعض التنظيمات الأخرى، وخصوصاً تلك التي كان لمناحيم بيغين، قائد تنظيم "الإرجون" المسلح، الانضواء في البداية تحت إطار الجيش الدفاع الإسرائيلي. غير أن طرح بن غوريون هو الذي رجح الكفة لمصلحة تأسيس مؤسسة عسكرية واحدة للدولة الناشئة. ويرى منصور أن هذا النهج أسهم في كبح جماح التيارات التصحيحية التي دعت إلى التوسع بلا هوادة، ولو لفترة زمنية محدودة، حتى وقوع حرب حزيران (يونيو) 1967 التي أعادت إحياء خطاب التوسع وفتحت الباب أمام تطبيقات أوسع لفكرة "إسرائيل الكبرى".
حرب 1967 ... نقطة التحول نحو أيديولوجيا التوسع
يبين المؤرخ جوني منصور أن السبب في انطلاقة الترويج لمصطلح "أرض إسرائيل الكاملة"، بمعنى قريب من "إسرائيل الكبرى"، كان حرب 1967، على رغم مرور عقود على طرح كل من هرتزل وجابوتنسكي للفكرة. فوسط نشوة الانتصار في أعقاب حرب حزيران 1967، أو كما تعرف في القاموس الإسرائيلي بـ"حرب الأيام الستة"، حققت إسرائيل توسعاً واحتلت مساحات واسعة من الأراضي، شملت الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، إضافة إلى هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
وقد شكلت نتائج هذه الحرب نقطة التقاء للفكرين الديني والقومي، إذ استفادت منها الحركات الدينية واليمينية المتطرفة لتأسيس المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. وفي ظل حكم حزب العمل جرى تكريس هذا التوجه، ثم توسع بشكل أكبر مع صعود "حزب الليكود" بقيادة مناحيم بيغين بعد فوزه بالانتخابات عام 1977، حيث عزز البعد الأيديولوجي للتوسع، ورفض أي تسوية مع الفلسطينيين، بل وصل الأمر إلى حد إنكار وجودهم كلياً.
ويضيف منصور أن الحركة الاستيطانية القائمة في الضفة الغربية والقدس حالياً، والدعوة إلى تجديدها في غزة، تمثل مثالاً واضحاً على التمسك بالفكر الديني والقومي معاً. وليس هذا فحسب، بل أيضاً إجازة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها، أي الفلسطينيين، وإعادتها إلى ما يعتبرونه "أصحاب الحق الشرعي"، لتسيطر إسرائيل كلياً على الأراضي الفلسطينية، ضاربة عرض الحائط بكل الدعوات والقرارات الدولية الداعية إلى الانسحاب منها والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.
إذاً لم يأت هذا التوسع فقط من خلفية عسكرية ورؤية استراتيجية وعمق ردعي في المنطقة، وإنما أيضاً من قواعد أيديولوجية أسهمت في تطويرها حركات استيطانية، من أبرزها "غوش إيمونيم"، و"مجلس يهودا والسامرة الاستيطاني"، و"عطيرت كوهانيم" وغيرها. كل ذلك جرى تحت غطاء حكومي لإضفاء صفة رسمية وقانونية، وترجم لاحقاً إلى فكر سياسي يجري الترويج له إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً، ليصبح أحد ركائز السياسة الإسرائيلية الحديثة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التنفيذ السياسي للأيديولوجية الصهيونية
لا يمكن فهم فكرة "إسرائيل الكبرى" من دون النظر إليها باعتبارها أيديولوجيا متكاملة وليست مجرد حلم أو خطاب تعبوي. فالأيديولوجيا بطبيعتها تسعى إلى تفسير الواقع من جهة، واقتراح الحلول وتقديم الوسائل العملية لتحقيقها من جهة أخرى. وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق لـ"اندبندنت عربية" أن أي أيديولوجيا تتكون من جزأين مترابطين: الأول شرح الوضع القائم وأسباب الأزمة، والثاني تقديم الحل مع استراتيجيات واضحة للوصول إليه.
وفي حالة الصهيونية، فسر تيودور هرتزل أزمة اليهود في اوروبا التي تمثلت في تصاعد معاداة السامية وفشل محاولات الاندماج، ورأى أن الحل لا يكون داخل المجتمعات الأوروبية بل عبر إقامة وطن قومي مستقل. ومن جانبه تناول كارل ماركس "المسألة اليهودية" في إطار نقده الاجتماعي والسياسي، معتبراً أن المشكلة ليست دينية بقدر ما هي متجذرة في البنية الاقتصادية والاجتماعية لأوروبا. لكن هرتزل قدم الحل من وجهة نظره، وهو الهجرة إلى فلسطين باعتبارها "أرض الشعب اليهودي"، مع تنفيذ المشروع من خلال سياسات الإحلال والاستيطان وعمليات التهجير، وهو ما يوضح كيف تتحول الفكرة إلى خطة عملية للتنفيذ على الأرض.
ويضيف أستاذ علم الاجتماع السياسي بأن كل أيديولوجية تتحول إلى برنامج سياسي عملي عندما تحدد خريطة طريق واضحة وأدوات تنفيذ محددة، تشمل سياسات ومؤسسات وقوانين وأجهزة تنفيذية.
موضحاً "في الحالة الصهيونية، شملت هذه الخريطة، الهجرة المنظمة لليهود، إنشاء مستوطنات، الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وطرد أهلها. وبهذا الشكل، تصبح الأيديولوجيا مخططاً عملياً لتغيير الواقع وتحقيق الهدف السياسي".
مستطرداً "وتكون وسائل التنفيذ متعددة مثل التعليم والإعلام والقوانين التي تشكل أدوات أساسية لغرس الأيديولوجيا، من أجل إعداد الأجيال، والشعب، والجيش، والبيروقراطية، وصياغة مجتمع متماسك حول هذه القيم. كما تقوم هذه الأدوات بتمجيد الرموز الوطنية، وإعادة تعريف الأعداء، وتشويههم لتسهيل محاربتهم أو إبادتهم وفق رؤية الأيديولوجيا".
وأوضح سعيد صادق "لا يتوقف هذا التحول من الأيديولوجيا إلى البرنامج السياسي عند النخبة، بل يشمل تشكيل السرديات الجماعية، مثل "الجيتو" و"الهولوكوست" وفكرة "شعب الله المختار"، ليصبح الإطار الفكري والسياسي مبرراً للسيطرة على الأرض وإقصاء السكان غير اليهود. وعلى رغم أن معظم الإسرائيليين علمانيون، فإنهم، وفق الأيديولوجيا، آمنوا بأن هذه الأرض هي "أرضهم الموعودة"، ومن عليها يعتبرون درجة ثانية ويباح قتلهم، ما يعكس كيف يمكن للأيديولوجية أن تتحول إلى خطة استراتيجية شاملة للتوسع والسيطرة السياسية والاجتماعية".
من بيتار إلى كاخ الجماعات الصهيونية و "إسرائيل الكبرى"
وعودة إلى قراءة المؤرخ الفلسطيني جوني منصور لتاريخ هذه التيارات أو المنظمات الصهيونية فإنها أجمعت على تبني مفاهيم مرتبطة بتعريف أرض إسرائيل الكبرى فحركة "بيتار" التي أسسها جابوتنسكي كانت تنظر بجدية إلى تبني هذا المفهوم، أي أنها لم تقبل بتقسيم الأراضي، أو حتى سماع فكرة التقسيم التي طرحت رسمياً مثل تقرير اللجنة الملكية البريطانية (لجنة بيل 1937). لذلك، دمجت الحركة بين رؤيتها الأيديولوجية السياسية ورؤيتها العسكرية الساعية إلى تنفيذ طروحاتها التوسعية لتليها منظمة الأرغون التي تأسست فكرياً على مبادئ جابوتنسكي، وتعد علمياً الجناح العسكري للصهيونية التصحيحية وكان شعارها يضم خريطة فلسطين والأردن، وعليها صورة بندقية، وكُتب حولها "راك كاخ" فقط، مما يدل على أن الطريق العسكري والقوة هو السبيل الوحيد لتطبيق فكرة إسرائيل الكبرى ونشاطات هذه المنظمة ضد الانتداب البريطاني وضد الحركة الوطنية الفلسطينية تشير إلى عمق جذور هذه الفكرة.
ويضيف بالنسبة لـ"حزب الليكود" الذي يتبنى في طرحه السياسي بوضوح فكرة "إسرائيل الكبرى" فهو إطار حزبي برلماني تأسس في عام 1973 على خلفية حزب "حيروت" بزعامة مناحيم بيغين، وهو في الأساس من أتباع منظمة "أتسيل الإرغون" وكونه تأسس بعد حرب 67 يطرح ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى سيادة إسرائيل ورفضه إقامة أي سيادة أخرى إلى جانب دولته أي رفض فكرة دولة فلسطينية وبالتالي رفض فكرة الدولتين على أرض فلسطين.
وفي سياق التطرف السياسي داخل الحركة الصهيونية المؤمنة بفكرة "إسرائيل الكبرى"، يبرز تنظيم "كاخ" بزعامة الحاخام مائير كهانا الذي دعا صراحة إلى طرد العرب الفلسطينيين. وعلى النهج ذاته يسير كل من بتسلئيل سموتريتش، زعيم "الصهيونية الدينية"، وإيتمار بن غفير، زعيم حزب "عظمة يهودية"، وكلاهما يشغل مواقع وزارية في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية. ويدعو الحزبان إلى سياسات تقوم على التطهير العرقي ورفض أي تسوية تقوم على حل الدولتين، بما يعكس استمرار تأثير أيديولوجية "إسرائيل الكبرى" في رسم السياسات الإسرائيلية المعاصرة.
من حلم توراتي إلى برنامج سياسي
ويكشف جوني منصور في حديثه بأن استخدم مفهوم "إسرائيل الكبرى" أو "أرض الميعاد" في عدة اتجاهات، دعائية وسياسية، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
مضيفاً على الصعيد الداخلي، تمت إزالة مصطلح "احتلال"، فلم يعد موجوداً حتى في كتب الصحافة الموالية كما تم نشر خريطة "أرض إسرائيل الكبرى" مع الجولان بعد ضمه إلى السيادة الإسرائيلية بفعل قانون أقره الكنيست، وشرقي الأردن (المملكة الأردنية الهاشمية) حتى بعد إبرام اتفاقية وادي عربة مع حكومتها.
أما على الصعيد الدولي، فقد كانت دعوة قيادات إسرائيل إلى التمسك بفكرة "إسرائيل الكبرى" تدريجية، لتجنب إثارة الغضب السياسي وإحراج الدول، ولإظهار أن إسرائيل تسعى إلى السلام مع جاراتها لكن مع ازدياد قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية وتفوقها في ميادين عدة على محيطها، إلى جانب سيطرة اليمين السياسي والديني وتراجع اليسار والمركز، تعززت فكرة التمسك بأرض إسرائيل الكبرى والسعي إلى توسيعها والإعلان عنها صراحة.
حتى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومبعوثه إلى المنطقة توم براك أشاروا إلى أن ترتيبات سايكس-بيكو لم تعد تلائم إسرائيل، ما يعكس تبنياً ضمنياً للفكرة في الذهنية الاستعمارية الأميركية بهدف تحقيق الدعم الكامل لإسرائيل من دون أي حق للفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم.
ضمنياً، كان هذا الخطاب حاضراً، حتى ولو في حدود النص الديني، إلا أنه تطور مع الزمن ليصبح نصاً سياسياً معمولاً به على أرض الواقع من خلال المستوطنات، مصادرات الأراضي، طرد الفلسطينيين، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وصولاً إلى طرح فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة على سبيل المثال بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
بهذا يظهر الربط القوي بين الطرح الديني والسياسي، وكيف تمكنت حكومات إسرائيل من توجيه هذين الطرحين لمصلحة مشاريعها السياسية التوسعية.