ملخص
وفي أول تعليق على إشاعات وفاته، انتقد ترمب ما اعتبره انحيازاً من وسائل الإعلام ضده، لدرجة أنها تثير الشبهات بمجرد أن يتوقف عن عقد مؤتمرات صحافية ليومين، بينما لم يثِر أحد السؤال نفسه عندما كان جو بايدن يختفي "لأسابيع وأشهر".
ما إن توارى الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن الأضواء لبضعة أيام حتى اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بعبارات مثل "مات ترمب" و"أين ترمب"، بينما راحت بعض المواقع الإخبارية تنشر تكهنات حول وضعه الصحي.
وفي أول تعليق على إشاعات وفاته، انتقد ترمب ما اعتبره انحيازاً من وسائل الإعلام ضده، لدرجة أنها تثير الشبهات بمجرد أن يتوقف عن عقد مؤتمرات صحافية ليومين، بينما لم يثِر أحد السؤال نفسه عندما كان جو بايدن يختفي "لأسابيع وأشهر".
ازدواجية المعايير
تجلت ازدواجية المعايير التي ينتقدها ترمب في ضعف التغطية الإعلامية لتدهور قدرات بايدن البدنية والذهنية، فعلى رغم مشاهد تعثره على الدرج وارتباكه خلال الخطب العامة، تجنبت وسائل إعلام أميركية كبرى الخوض في تفاصيل حاله الصحية، في حين واصل فريق بايدن ما وصفها مراقبون بـ"حملة تستر" للإبقاء على حظوظه الانتخابية، وفق ما أقر به صحافيون وناشطون محسوبون على الديمقراطيين أنفسهم.
في كتابه "الخطيئة الأصلية"، كشف مذيع "سي أن أن" جيك تابر عن أن مساعدي بايدن نظروا في احتمال وضعه على كرسي متحرك لكن لم يكن بالإمكان فعل ذلك قبل الانتخابات، بل إن طبيبه الخاص كيفن أُكونور أقرّ بأن أي تعثر جديد قد يفرض اللجوء إلى كرسي متحرك بسبب صعوبة التعافي لمن في عمره.
وتابر، المقرب من المعسكر الديمقراطي، تعرض لانتقادات لاذعة بسبب الكتاب، مما دفعه إلى الاعتراف لاحقاً بأنه مثل زملائه في وسائل الإعلام التقليدية أسهم في التهوين من تدهور صحة بايدن، مما أدى إلى ترشح الرئيس لولاية ثانية، مؤكداً أن فريق الرئيس السابق كان مدركاً لتراجع حاله الصحية وتعمد تقليل ظهوره الإعلامي.
ويشير الكتاب إلى أن بايدن نسي أسماء عدد من مساعديه القدامى، ومن بينهم مستشاره المقرب مايك دونيلون ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وخلال إحدى المناسبات لم يتعرف الرئيس السابق إلى الممثل جورج كلوني، إذ استقبله بالقول، "شكراً لوجودك هنا"، فيما اضطر أحد مساعديه إلى التوضيح له "إنه جورج".
ولم تنكشف محاولات التستر على وضع بايدن الصحي إلا بعد أدائه الكارثي أثناء المناظرة مع ترمب في يونيو (حزيران) عام 2024، إذ بدا مرتبكاً ويواجه صعوبة بالتذكر والدفاع عن سياساته، ولم يمر شهر حتى أعلن بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في يوليو (تموز). وبعد المناظرة، صعّد ترمب وأنصاره إضافة إلى باحثين محايدين انتقاداتهم للإعلام الأميركي لفشله في إفراد تغطية وافية للشكوك الجدية حول صحة بايدن وقدرته على إدارة البلاد.
ترمب تحت المجهر
وصحة الرؤساء الأميركيين محل جدل ومتابعة، لكن المفارقة أن التكهنات طاولت ترمب الذي كان من أبرز من استخدم هذه الورقة ضد بايدن، إذ شكك مراراً في قدرته الذهنية والجسدية، وصوّره على أنه "دمية بيد مساعديه".
ومع أن الرئيس الأميركي ظهر لينفي بنفسه الإشاعات المتداولة حول إصابته بمرض خطر أو وفاته، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي ما زالت تضج بالصور والمقاطع المقتطعة من سياقها أو المعدلة رقمياً التي غذت هذه المزاعم.
وفي حين تناولت هذا الإشاعات مواقع إخبارية مثل "ذا هيل" و"نيويورك بوست" و"رولينغ ستون" و"برايتبارت"، فإن وسائل كبرى مثل "نيويورك تايمز" و"أسوشيتد برس"، و"فوكس نيوز" لم تتطرق إليها، حتى نفاها ترمب في المؤتمر الصحافي أمس الثلاثاء.
ومنذ الجمعة الماضي، تداول مستخدمو منصة "إكس" هاشتاغ "ترمب مات" نحو 104 آلاف مرة، مما ولّد 35.3 مليون مشاهدة، بحسب تحليل أجرته "نيوزغارد" وهي هيئة معنية بمكافحة التضليل الإعلامي.
وتزايدت التكهنات حول صحة ترمب بعدما أعلن البيت الأبيض في يوليو الماضي أنه يعاني قصوراً وريدياً مزمناً، وهي حال شائعة لدى الأفراد الذين تتجاوز أعمارهم 70 سنة. وأظهرت صور متفرقة كدمات على يد ترمب وتورماً في ساقيه، وصرح البيت الأبيض بأن كدمات اليد ناتجة من كثرة المصافحة، لا حاله الصحية.
وأظهرت الصور كدمة ظاهرة على يد ترمب اليمنى، بدت أحياناً مغطاة بالماكياج، في حين قال البيت الأبيض إن الكدمة نتيجة "عمله المستمر ومصافحته للناس طوال اليوم". أما طبيبه، فذكر في يوليو الماضي أن ترمب يتناول الأسبيرين كجزء من "برنامج وقائي للقلب والأوعية الدموية" وأن الكدمات مجرد آثار جانبية.
تهم بتحيز الإعلام
وأعادت الإشاعات حول صحة ترمب النقاش لموثوقية الإعلام الأميركي وتوازن معاييره في تغطية القادة السياسيين، ففي وقت تعامل مع بايدن بتكتم، يرى أنصار الرئيس الجمهوري أنه اختار نهج التهويل مع ترمب، ولم يتصدَّ لهذه الإشاعات كما يجب.
ويقول الناشط السياسي الجمهوري بيت سيت، "كانت هناك أدلة كثيرة على تراجع صحة بايدن، وكان يحجب عن الإعلام في بعض الأيام"، مضيفاً أن "بايدن كان يمر بأيام جيدة وأخرى سيئة"، ومع ذلك لم تكن وسائل الإعلام تسلط الضوء على تدهور صحته.
ونشر بعض ممن يدعون أن ترمب مات صورة لعلم البيت الأبيض منكساً، وهو إجراء يعتمد عادة لتكريم مسؤول من الطراز الأول قضى نحبه. وفي الواقع، أمر ترمب الأسبوع الماضي بتنكيس الأعلام في البيت الأبيض والمؤسسات العسكرية تكريماً لضحايا عملية إطلاق النار التي وقعت في مدرسة في مينيابوليس.
ونشر بعض مستخدمي الإنترنت خرائط تظهر طرقات مغلقة في محيط مركز" والتر ريد" الطبي قرب واشنطن، كدليل على خضوع ترمب للعلاج من مرض خطر، لكن لا توجد أية معلومة حقيقية حول إغلاق الطرقات في محيط المركز الطبي.
وشارك مستخدمون آخرون صورة لسيارة إسعاف مركونة أمام البيت الأبيض، مؤكدين أنها التقطت الشهر الماضي، لكن تبين أنها في الواقع صورة قديمة نشرها صحافي على "إكس" في أبريل (نيسان) عام 2023 خلال عهد الرئيس السابق جو بايدن، بحسب "نيوزغارد".
ويرى بعض المحللين أن ترمب ضحية لظهوره الإعلامي المفرط، فحين يغيب، حتى لو لفترة وجيزة، يندفع خصومه لملء الفراغ بالإشاعات والمبالغات.
واستمر نشر هذه المعلومات المضللة التي يبدو أنها تأتي من حسابات معادية لترمب حتى بعدما كتب على شبكته "تروث سوشال" في نهاية الأسبوع "لم أكُن يوماً أفضل حالاً مما أنا عليه اليوم"، ولم تتوقف حتى بعد المؤتمر الصحافي الذي نفى خلاله أمس الإشاعات المتداولة حول صحته.