ملخص
الجيل إكس، بفضل خبرته الطويلة وحكمته المهنية، يستطيع تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة تمكين، مما يحمي وظائفه ويعزز إنتاجيته، بينما يواجه الشباب تحديات أكبر في الاستفادة من هذه التقنية، ما يجعل التعاون بين الأجيال ضرورياً لمواكبة بيئة العمل الجديدة.
مع التقدم في العمر، يسهل أن يعلق المرء في مكانه، فمن المغري البقاء في دائرة الأشياء المألوفة والمجربة. والمثل الشائع عن صعوبة تعليم كلب مسن حيلة جديدة صحيح لسبب ما. لكن عندما يتعلق الأمر بالوظائف – وبما أننا نحن البالغين الخمسينيات من العمر لن نُحَال إلى التقاعد قبل أواخر ستينياتنا – علينا أن نظل ذوي أهمية لسوق العمل (وهذا يعني الاستفادة من الذكاء الاصطناعي) إذا أردنا أن ندفع ثمن طعامنا، ونسدد أقساط منازلنا، ونعيل أبناءنا الذين يعودون باستمرار إلى أكنافنا.
يزخر "لينكدإن" بمنشورات مقلقة تهجو خوارزميات التوظيف العدائية التي تجعل من الصعب على العاملين الأكبر سناً الحصول على وظيفة. لكن لحسن الحظ، لا يمثّل ذلك سوى جانب من الموضوع. أما الخبر السار فهو: بحلول عام 2030، سيكون 47 في المئة من أفراد القوى العاملة في المملكة المتحدة فوق سن الخمسين، فكل شهر، يبلغ 55 ألفاً من أبناء الجيل إكس [الجيل الذي وُلد تقريباً بين منتصف ستينيات وبداية ثمانينيات القرن العشرين] هذه العتبة العمرية، فيما يسيطر من تجاوزوا الخمسين على أكثر من 60 في المئة من ثروة البلاد.
يجسد جيلنا خبرة قيّمة وذكاءً مهنياً (خصوصاً للشركات التي تريد على نحو متزايد مخاطبة هذه الفئة، لأننا آخر البريطانيين الذين يمتلكون مالاً). ومع أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن 40 في المئة من الوظائف قد تؤول إلى الذكاء الاصطناعي، فإن الشباب هم الفئة التي تتلقى الضربة الأشد. قد يبدو ذلك مخالفاً للبديهة، لكن في الحقيقة قد يكون الذكاء الاصطناعي طوق نجاة للعاملين الأكبر سناً.
لا تكتفِ برأيي، بل استمع لما يقوله الذكاء الاصطناعي نفسه. (وإذا لم تبدأوا بعد باستخدام "كوبايلوت" أو "تشات جي بي تي" أو غيرهما من الأدوات المعززة بالذكاء الاصطناعي على حواسيبكم، جربوها… إنها مذهلة).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول روبوت الدردشة "كوبايلوت" الخاص بي: "في عصر الذكاء الاصطناعي، تدور السردية [نغض الطرف هنا عن طريقة التهجئة الأميركية - في إشارة إلى الكتابة المختلفة لكلمة تدور في الصيغتين البريطانية والأميركية] في الأغلب حول الزعزعة – الأتمتة التي تحل محل الوظائف، والخوارزميات التي تتفوق على الحكمة البشرية. لكن بالنسبة إلى العاملين الأكبر سناً، ليس الذكاء الاصطناعي تهديداً، بل شريان حياة. هو جسر بين عقود من الزمن من الخبرة وبين المستقبل الرقمي. لا يفيد الذكاء الاصطناعي المحترفين الأكبر سناً فحسب – هو يمثّل أيضاً عامل تغيير لهم".
السبب هو أن من عملوا من بيننا في القطاعات لثلاثة عقود من الزمن (أو أكثر) هم، بخلاف زملائنا الأصغر سناً الذين لا يعرفون بعد ما يجهلونه، يحملون معرفة مؤسسية عميقة، وحكمة دقيقة، وذكاءً عاطفياً لا يمكن لأي خوارزمية أن تستنسخه.
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تضاعف هذه القدرات من خلال التعامل مع مهام مثقلة بالبيانات، ما يحرّر الوقت للتفكير الاستراتيجي ونقل معارفنا عبر الإرشاد إلى الجيل الأصغر. وفق مركز "شيخوخة أفضل" في المملكة المتحدة UK’s Centre for Ageing Better (للتوضيح: أنا واحدة من مستشاريه الخبراء)، يعتقد 89 في المئة من أصحاب العمل أن العاملين الأكبر سناً يؤدون أدواراً تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي بكفاءة الأصغر سناً أو أفضل منها.
تقول ليندسي سيمبسون، الرئيسة التنفيذية والمؤسسة لشركة "55/ريديفايند" 55/Redefined، التي تساعد المؤسسات في تبني اقتصاد العمر المديد [القوة الاقتصادية الناتجة من أنماط الاستهلاك والعمل والابتكار لدى من تجاوزوا الخمسين] وتوظيف عاملين أكبر سناً: "الابتكار يتطلب خبرة، والعمال ذوو الخبرة يحملون بوضوح الذاكرة المؤسساتية [أي تاريخ المؤسسة، سياساتها وقراراتها السابقة]، وبراغماتية الثورات الرقمية السابقة، والمهارات الناعمة [المهارات السلوكية] التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقلدها".
وتضيف "لا يدعم الجمع بين الذكاء الاصطناعي وبين عامل متمرس الأجيال كلها في مكان العمل فحسب، بل ينقذ أيضاً الشركات من الأخطاء المكلفة، ويوجّه النمو، ويضمن تطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيقه بطريقة أخلاقية".
لكن ما معنى ذلك عملياً؟ توضح سيمبسون "على سبيل المثال، مع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي الجاهزة، لم تعد الشركات بحاجة إلى جيش من المبرمجين والمطورين، بل تحتاج إلى مدربين ومراجعين".
وتتابع "من الضروري أن تستعين الشركات بالأشخاص الأكثر خبرة في كل دور ومرحلة وتحتفظ بهم، كي يعلموا نماذج اللغة الكبيرة طرق الإنجاز وأسبابه – ويصححوا الأخطاء التي لا بد من أن تقع فيها هذه الأدوات. مع الذكاء الاصطناعي، يصبح عامل السن قوة خارقة".
أستطيع كصحافية أن أتفهم ما تقوله. كثيراً ما أجد أن 75 في المئة مما يقدمه إليّ الذكاء الاصطناعي في مجال أعرفه جيداً دقيق وقيّم – لكن نحو 20 في المئة منه، أو أكثر أحياناً، محض "هلوسة" أو لا صلة له بما أبحث عنه. مرة، طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يعطيني معلومات عن عملي وشركتي، فقدم إليّ مجموعة من الحقائق تخص صحافية أخرى بالكامل. يا للحرج!
يتمتع العاملون الأكبر سناً بميزة في أي مكان عمل "يتسلل" إليه الذكاء الاصطناعي تدريجاً لأنهم طوّروا على مدى عقود من الزمن ما يشبه "حاسة الشك"، أي القدرة على الإحساس بعدم توافق الحقائق حين يحصل ذلك، والقدرة على تفحص فكرة ما، واختبارها، وكشف نقاط ضعفها في ما يُقدَّم على أنه "حقائق". نحن جيل تربى على التفكير النقدي. وهذه المهارة ستكون مطلوبة أكثر من أي وقت مضى في عصر الذكاء الاصطناعي.
بيرس ليني، المشارك السابق في برنامج "عرين التنانين" Dragons’ Den التلفزيوني المخصص للمستثمرين ورواد الأعمال، والذي بات الآن مؤسس شركة "إمبلمنت أي آي" Implement AI، يوافق على أن الذكاء الاصطناعي، بدلاً من أن يكون عائقاً أمام الموظفين الأكبر سناً، "هو في الواقع عامل تمكين. ماذا يقصد؟
يقول "يُعتبَر الذكاء الاصطناعي في الأغلب تهديداً، وفي الأجل البعيد، سيتعين علينا إعادة هندسة العمل والاقتصاد والمجتمع بسببه. لكن في الأجلين القريب والمتوسط، هو عامل يمنح التكافؤ. يمكن لأي شخص أن يصبح خبيراً ويكتسب مهارات جديدة. سواء كان المرء أقل قدرة، أو ذا تكوين عصبي مختلف [يختلف نمط عمل دماغه عن السائد، كما في حالات التوحّد أو عسر القراءة]، أو على أعتاب التقاعد، سيظل من يتقن استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقه موظفاً منتجاً. وإذا تمكن عامل أكبر سناً من التفوق على عدد من المرشحين الأصغر منه للوظيفة نفسها، فسوف يتم اختياره. السر يكمن في احتضان هذه التقنية واكتساب المهارة في التعامل معها. فسواء كنت مشاركاً كبيراً في سوق العمل أو خريجاً جديداً، فإن فرص الحصول على وظيفة ستتلاشى سريعاً من دون هذه المهارات.
هذا مفيد ومرعب في آن واحد. بالنسبة إلى كثيرين من العاملين الأكبر سناً، قد يبدو الذكاء الاصطناعي مجالاً غريباً. لكنه في الحقيقة فهو أشبه بمحرك بحث فائق القوة، أو روبوت يساعد المرء في تنظيم أفكاره وجمع المعلومات. نحن الذين تجاوزنا الخمسين من العمر عشنا بالفعل ثورة تكنولوجية كبرى. نحن الجيل الوحيد الذي اجتاز الفجوة بين العصرين التناظري والرقمي واضطر إلى التكيف مع أسلوب عمل جديد تماماً حين ظهرت التكنولوجيا.
أبناؤنا من الجيل زد [مواليد ما بين أواخر التسعينيات وأوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة] لا يتذكرون العالم قبل الهواتف الذكية والإنترنت. أما نحن فلا نتذكره فحسب، بل نعرف أيضاً ما يتطلبه التكيف مع الزمن. مثلما تبنينا البريد الإلكتروني، ثم أجهزة "بلاكبيري" والهواتف الذكية، والآن وسائل التواصل الاجتماعي، يمكننا أن نبدأ بتجريب الأدوات الجديدة واثقين من أننا سنتكيف معها أيضاً. والأهم، أن لدينا "مخزوناً معرفياً" في عقولنا تساعدنا في التكيف عندما تخذلنا تلك الأدوات.
خذوا وضعي أنا كمثال. بعد 25 سنة قضيتها ككبيرة المحررين في صحف، أصبحت مديرة فاقدة للمهارات العملية تقريباً؛ كلما ترقى المرء أكثر، اقتصر دوره أكثر على إصدار أوامر ينفذها آخرون. عندما أسست عملي الخاص قبل خمس سنوات، لم أستطع حتى أن أبث مباشرة على "إنستغرام" (في محاولتي الأولى بكيت على درج مكتبي واضطرت ابنتي البالغة 14 سنة إلى إنقاذي).
أما الآن، لم أعد أبني جمهوراً على "إنستغرام" لي ولعملي فحسب، بل صرت أستخدم "ستريم يارد" Streamyard للبث المباشر في آن واحد على "لينكدإن" و"فيسبوك"، وأدير شركتين عبر "سترايب" Stripe و"زيرو" وXero، وأستخدم الذكاء الاصطناعي باستمرار لتفريغ المقابلات (يقوم فوراً بعمل كان يستغرق مني يومين)، وصياغة مقالات، والترجمة الفورية بين اللغات، والبحث عن المعلومات والتحقق منها. أما الذكاء الاصطناعي المرئي فهو لا يُقدَّر بثمن في مجال الصور، فمثلاً هناك ندرة شديدة في صور النساء الأكبر سناً وهن يقمن بأنشطة مثل قيادة الجيت سكي، والذكاء الاصطناعي يستطيع إنشاؤها في لحظة. وهو أيضاً مفيد للعاملين ذوي الإعاقات – وجدت شركة "مايكروسوفت" في تقريرها لعام 2023 أن أدوات الذكاء الاصطناعي ساعدت 88 في المئة من العاملين ذوي الإعاقة، وبعضهم أكبر سناً.
ولست الشخص البالغ منتصف العمر الوحيد الذي وجد في الذكاء الاصطناعي عوناً كبيراً في عمله اليومي. أظهر استطلاع أجرته شركة "ديلويت" Deloitte عام 2024 أن 51 في المئة من العاملين البالغين الخامسة والخمسين فما فوق يقولون إن الذكاء الاصطناعي يسهل وظائفهم من خلال أتمتة المهام الروتينية باستخدام أدوات مثل تحويل الصوت إلى نص (أداة التفريغ التي أستخدمها) والجدولة الذكية للاجتماعات (مثل "كاليندلي" Calendly) والتلخيص التلقائي للمحادثات والاجتماعات (شيء لا يُقدَّر بثمن عندما تتشعب هذه). أجد ذلك مفيداً لرسائل المتابعة بعد الاجتماعات.
بالطبع، يندرج كثير من هذا "العمل الشاق" من ضمن الوظائف الابتدائية، وهنا قد يعاني أبناؤنا من الجيل زد. وبينما يُعتقَد أن ارتفاع مساهمات أصحاب العمل في التأمينات الوطنية [البريطانية] هو العامل الرئيس في تجميد التوظيف وزيادة الضبابية في أماكن العمل، يرى كثيرون أن الذكاء الاصطناعي بدأ يؤثر في هذه الوظائف الابتدائية أيضاً.
مع تولي الذكاء الاصطناعي بعض جوانب العمل المملة والمتكررة، تتوقع شركة "باين وشركاه" Bain & Company أن تنتقل 150 مليون وظيفة إلى عاملين يتجاوزون الخامسة والخمسين بحلول عام 2030، خصوصاً الوظائف المندرجة من ضمن أدوار القيادة والاستشارة. وهي أدوار تنقل القيمة بعيداً من الأعمال التي تتطلب سرعة أو ذاكرة – حيث كثيراً ما يشعر الأكبر سناً بالضعف – باتجاه أعمال تتطلب الحكمة والتفكير السياقي والصلة البشرية، وكلها مجالات يتفوق فيها الجيل إكس المتمرس.
ومع ذلك، أحد الآراء المعارضة يأتي من الباحثة في مجال مستقبل العمل كريستين أرمسترونغ، إذ تقول: "لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديداً أو نعمة للعاملين الأكبر سناً أكثر مما يفعل لأي شخص آخر. إنه أداة يمكننا جميعاً استخدامها لمصلحتنا شخصياً ومهنياً واجتماعياً. ما يقلقني هو أن البيانات الحالية تظهر أن الأكبر سناً هم الأقل احتمالاً لأن يكونوا قد جربوا هذه الأدوات أو لعبوا بها أو اختبروا إمكانياتها. وهذا قد يكون عائقاً لأن المرء يُخلَّف حينئذ وراء الرَّكب. لذلك نصيحتي هي أن تستكشفوها، وتفهموها، وتجربوها وتكتشفوا كيف يمكنها أن تساعدكم".
بالطبع، ثمة حاجة إلى مهارات متغيرة في القطاعات كلها، وسيكون التعلم والتدريب المستمران ضروريين طوال الحياة المهنية، لا في نهايتها فقط.
أين تقترح أرمسترونغ على المبتدئين في هذه التقنية أن يبدأوا؟ تقول: "ابدأوا بتسجيل الاجتماعات أو المكالمات، واطلبوا من الذكاء الاصطناعي أن يعطيكم ملاحظات منها، وأن يقدم ’مسودة متابعة‘. في خبرتي، هذه المسودات موثوقة إلى حد كبير؛ ستحتاج إلى بعض التحرير، لكنها منقِذة".
وتضيف "ما أراه داخل المؤسسات هو أن الذكاء الاصطناعي يُستخدَم في شكل متزايد للجدولة وصياغة الردود. وهذا ليس دائماً رائعاً، فقد يجعل حمولة الرسائل الإلكترونية أكبر، والوثائق أطول وأكثر ارتباكاً، لأن الذكاء الاصطناعي لا يعرف بالضرورة ما هو المهم".
أقول لكم جربوه، ولا تخافوا منه، واكتشفوا أين يفيد وأين لا يفيد. ما هو عبء العمل الذي يمكنه أن يخففه عنكم كي تتفرغوا لـ"التفكير" الأصلي الأهم؟ استخدموه في ما لا تستطيعون فعله. يمكن لأدوات المساعدة العاملة بالذكاء الاصطناعي أن تنتج تقارير أو شيفرات برمجية أو عروضاً تقديمية من دون تدريب تقني عميق، وهو ما قد يخيف كثيرين من العاملين الأكبر سناً. تقول كريستينا أرمسترونغ: "نحن حالياً في ما يشبه مرحلة الدراجة الهوائية القديمة ذات العجلة الكبيرة عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. لا تزال أمامنا طريق طويلة".
جدوا عزاءً في أن هذه التقنية لا تزال صغيرة السن وتتعلم، ويمكننا أن ننمو معها. لن يختفي الذكاء الاصطناعي، وهذا قد يكون مفيداً في شكل رائع، وقد يمثّل طريقة لنا نحن الأكبر سناً لكي نزدهر في دورنا كمرشدين متمرسين. في النهاية، على الأجيال كلها أن تتعامل معاً مع مكان العمل الجديد الذي تمكّنه أدوات الذكاء الاصطناعي. لكن بالنسبة إلى الجيل إكس، قد يكون ذلك ما ينقذ حياتنا (المهنية) – ليس لدينا ما نخسره سوى الخوف.
إليانور ميلز مؤسِّسة موقع "نون" NOON.org.uk، وهو شبكة رائدة للنساء البالغات منتصف العمر وما بعده، ومؤلفة كتاب بعنوان "لا تزال أشياء كثيرة قيد الانتظار: دروس من فوضى منتصف العمر وروعته" (صادر عن منشورات "هاربر كولينز")
© The Independent