ملخص
مشروعٍ إسرائيلي جديد يستند إلى فكرة "توطين" و"إسكان" الطلبة والشباب والرياديين والأزواج- علمانيين ومتدينين- في "قرى طلابية" و"ريادية" بالضفة الغربية بهدف تعزيز الاستيطان.
تمكّنت "أياليم" من الحصول على دعمٍ رسمي كبير من الكنيست الإسرائيلي لمشاريعها الاستيطانية المُقامة تحت مسمّيات تعليمية مختلفة.
تحزم أيال كوهين (25 سنة) أمتعتها من شقتها وسط تل أبيب، حيث التظاهرات اليومية المطالبة بإنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن، وتستعد لخوض تجربةٍ جديدةٍ وغير مسبوقة في عالم الطبيعة. فالمنحة الدراسية التي حصلت عليها أخيراً لتوسيع معرفتها بالعلوم الحيوية لمدة ستة أشهر من إحدى المؤسسات الإسرائيلية، وفرت لها إلى جانب قاعات دراسية ومهجعاً ملائماً وثلاث وجبات يومية، أنشطة ثقافية ورياضية واجتماعية وتعليمية لا حصر لها جميعها مجاناً، مقابل ساعات عمل تطوعي، تشترط عليها يومياً الاعتناء ببعض الأبقار وتقديم الرعاية لصغارها داخل المزرعة. ظن البعض أن التجربة الفريدة التي تروّج لها كوهين عبر منصتها الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي تقع في منطقة أبنزل Appenzell السويسرية المشهورة بـ "مسيرات الأبقار الجبلية Alpfahrt إلا أن المفاجأة كانت أن التجربة برمتها ستطبق في مستوطنات الضفة الغربية. وخلال العقود الماضية، بدأت منظمات إسرائيلية تسوق برامج مختلفة في وصف "النشاط الاستيطاني" بطرقٍ ووسائل عدة ومتنوعة للسيطرة على الأرض ومصادرة الممتلكات، في إطار مشروع مُمنهج ومتكامل مُسخّر لضمان استمرار وتقدّم مشروعٍ يستند إلى فكرة "توطين" و"إسكان" الطلبة والشباب والرياديين والأزواج- علمانيين ومتدينين- في "قرى طلابية" و"قرى ريادية" بهدف تعزيز الاستيطان، الذي من شأنه إطباق الخناق على الحيّز المتبقي للفلسطينيين في الضفة الغربية والنقب والجليل والمناطق القريبة من حدود قطاع غزة، عبر أنشطةٍ ممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية وجمعياتٍ استيطانية من شأنها بحسب ما هو معلن "تطوير التعليم والثقافة اليهودية والنسيج الاجتماعي والتواصل الحر بين اليهود المشاركين". وتمنحهم فرصة السكن والتعلم والعمل داخل هذه القرى على المدى البعيد.
حاضنة تعليمية
وتحت مسمّى قُرى طلابية وشبابية وشعار "العودة إلى الجوهر: الاستيطان والثقافة والعمل الاجتماعي" أسس الجنديان متان دهان وداني غليكسبيرغ اللذان أنهيا خدمتهما العسكرية في الجيش عام 2002، جمعية "أياليم" الاستيطانية، ليس فقط لتعزيز الاستيطان في النقب والجليل على وجه الخصوص واعتبارها مسألة مصيرية بالنسبة لليهود، بل في كل ما أسمياه "أرض إسرائيل" إيماناً برسالة أول رئيس حكومة لإسرائيل في عام 1952 ديفيد بن غوريون، حين اعتبر أن "تطوير النقب هو الاختبار الذي سيُحدّد مصير دولة إسرائيل". وبعد أن وسعت الجمعية نشاطها الطلابي عام 2006 ليصل إلى منطقة الجليل وأسدود واللد وعكا بعد أن كان مقتصراً حتى ذلك الوقت على النقب، تمكّنت "أياليم" من الحصول على دعمٍ رسمي كبير من البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي لمشاريعها الاستيطانية المُقامة تحت مسمّيات تعليمية مختلفة، خصوصاً بعد نجاح الطلاب اليهود المتطوعين والمشاركين في عام 2021 من إقامة القرية الطلابية "معاليه شاحاك" في منطقة ديمونا، كأول مستوطنة خضراء في النقب. وبحسب موقعها الإلكتروني، يختار طلاب هذه القرى بعد أن يسهموا في تطوير وتعزيز الاستيطان في المنطقة إتمام دراستهم ومواصلة العيش في النقب أو الجليل وبناء منازلهم هناك، إما في إطارهم الخاص أو ضمن إحدى البؤر الاستيطانية التي بلغ عددها حتى اللحظة 22 "قرية طلابية" و"نواة ريادية". ولأن دمج العمل الاجتماعي مع المهام العسكرية هو جوهر عمل "أياليم"، فقد أعلنت الجمعية أخيراً عن فتح مسار "إياليم نحال كور" الذي يتيح للطلبة الإسرائيليين والمهتمين بأداء سنة الخدمة، والتجنيد فور إتمامها مع أعضاء "إياليم نحال كور" للخدمة العسكرية في لواء "نحال"، الذي من المقرر أن يقود مهمة الاستيطان في قطاع غزة في الأعوام المقبلة، ويشارك في مهمة إعادة إعمار النقب الغربي بعد الحرب، على حد وصفهم. وبحسب بيانات وزارة العدل الإسرائيلية، فإن عدد المشاركين في أنشطتها الاستيطانية بشكلِ دائم يبلغ قرابة 1200 مستوطن بمعدل 500 ألف ساعة عمل.
إطار علاجي
وإلى حد كبير، تتشابه جمعية "كاديما" مع "أياليم" من حيث المبدأ الاستيطاني، إلا أنها تستهدف المراهقين الذين لم يجدوا مكانهم في الأطر التعليمية العادية، تتراوح أعمارهم بين 14 و18 سنة، ضمن ما تصفه بـ"إطارٍ تعليمي علاجي للمراهقين" إذ توفر لهم في مقرها الذي يقع في مستوطنة "معاليه أفرايم" بالقرب من مدينة أريحا شرق الضفة الغربية، العلاج بالفن والعلاج بالحيوانات وركوب الخيل وعلم النفس إلى جانب "مزرعةٍ علاجية" تضم منحل ودفيئاتٍ زراعية وحظائر للحيوانات، تزعم الجمعية أنها "تسمح للمستوطنين الشباب ببناء مسارٍ جديد لأنفسهم يقوي ارتباطهم بالأرض". وتمكنت "كاديما" منذ تأسيسها في عام 2013 حتى اليوم من بناء ثماني "قرى علاجية للمراهقين" في الضفة وقريتين في غلاف غزة والجليل، يعيش فيها نحو 300 مستوطن، بفضل دعمٍ حكومي ومالي واسع يُصنفها نموذجاً مثالياً للتعليم الاجتماعي للمستوطنين في مختلف أنحاء الضفة. ويرى مراقبون فلسطينيون أن هذه التجمعات الاستيطانية التي تنتحل صفاتٍ تعليمية واجتماعية تتحول تدريجاً إلى بؤر استيطانية غير قانونية، فالمنح التي يحصل عليها المشاركون والمتطوعون في تلك القرى والتجمعات مشروطة بالانخراط في أنشطة زراعية وخدماتية، وأيضاً نوبات حراسةٍ ليلية لحماية المستوطنات المزارع.
دعم رسمي
ووفقاً لما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في وقت سابق، فقد منحت جامعة مستوطنة "أريئيل" القريبة من محافظة سلفيت وسط الضفة الغربية نقاط استحقاق أكاديمية لطلابها، مقابل تطوعهم في البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقيمت على شكل مزارع، حيث دعت الطلاب إلى التطوع فيها، على رغم أنه صدرت أوامر إسرائيلية بهدم تلك البؤر. وكتبت الجامعة عبر موقعها الإلكتروني أن هدف التطوع في البؤر الاستيطانية العشوائية هو "ربط الطلاب بالمهمة الصهيونية والقومية للزراعة الآنية". وزعمت أنها "مزارع قانونية أقيمت في أراضي دولة بموجب القانون". في حين نشرت منظمة "هشومير يوش" اليمينية المتطرفة مقطع فيديو ظهر فيه رئيس اللجنة الإدارية لجامعة "أريئيل"، يؤكد من خلاله أن المنظمة تعمل ضد "الذين يسعون إلى عرقلة حق شعب إسرائيل بالاستيطان في الأرض وتطوير الزراعة"، داعياً إلى دعم المنظمة بشتى الوسائل والطرق. وبحسب ما ذكره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فإن الجامعة وضعت آلية للتطوع بين الطلاب تشمل 50 ساعة حراسة ليلية وأعمالاً زراعية في السنة. في المقابل، يعاني الفلسطينيون في "القرية الشبابية"، التي أنشأها منتدى شارك الشبابي (منظمة غير ربحية) في بلدة كفر نعمة شمال غربي رام الله عام 2012 وتشغل مساحة 35 ألف متر مربع، من تضييقات وملاحقات مستمرة من قبل الجيش والمستوطنين، خصوصاً بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وإلى جانب احتجاز المتطوعين ومنعهم من دخول القرية، التي يمارس الفلسطينيون فيها أنشطة زراعية وثقافية واجتماعية مختلفة بحجة قربها من المستوطنات، قام مستوطنون بتخريب المكان وسرقة محتوياته من أثاث وأسطوانات غاز وكراسٍ وأدوات للطهي وكاميرات مراقبة وألواح الطاقة الشمسية. كما تعمد المستوطنون في عام 2019 بناء بؤرةٍ استيطانية على مقربة من المكان على أراضي "جبل الريسان" غرب رام الله، لمراقبة ومنع الفلسطينيين من دخول "القرية الشبابية" التي باتت تشهد توافداً فلسطينياً غير مسبوق من قبل الشباب والمتطوعين وجهات رسمية ومحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استيلاء وعنف
وبحسب تقرير المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة "بتسليم"، فإن المستوطنات الرعوية والمزارع الاستيطانية العشوائية "أصبحت أداة رئيسة في سيطرة إسرائيل على أراضي الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين، إذ يمكن إنشاؤها بسرعة وبإمكانيات محدودة وبتكلفة أقل، كما تتيح للحكومة الإسرائيلية التنصل من مسؤوليتها المباشرة عن عمليات الاستيلاء والعنف الذي يمارسه المستوطنون، على رغم تقديمها الدعم لهم بطرق مختلفة". وكشف تقرير منظمتي "السلام الآن" و"كرم نابوت" الإسرائيليتين في مارس (آذار) الماضي، أن "دائرة الاستيطان التابعة لـ‘المنظمة الصهيونية العالمية‘، التي تدير مئات الآلاف من الدونمات في الضفة الغربية من دون رقابة، منحت عشرات المستوطنين عقود تخصيص المراعي"، مما سمح لهم بالسيطرة على أراضٍ فلسطينية واسعة. ووفقاً للنيابة العامة الإسرائيلية، جرى تخصيص نحو 80 مليون متر مربع من أراضي الضفة الغربية للمستوطنين لأغراض الرعي، لكن المستوطنين استغلوا هذه العقود للسيطرة على مساحات تتجاوز تلك المحددة "رسمياً". وبحسب ما كشفه التقرير، فقد خصصت الحكومة الإسرائيلية 54 مليون شيكل (13 مليون دولار) سنوياً لتعزيز الأمن في هذه البؤر، من خلال بناء الطرق وتركيب الألواح الشمسية والبوابات الكهربائية، إضافة إلى تزويد المستوطنين بالمولدات وأعمدة الإنارة والمركبات. إلى جانب ذلك، تنفق الحكومة نحو 30 مليون شيكل (9 ملايين دولار) سنوياً لتمويل رواتب أفراد الدوريات والمعدات والطائرات المسيرة ونصب الكاميرات وإقامة البوابات، كما وفرت الحكومة دعماً مالياً بملايين الشواكل سنوياً لمنظمات تُشغّل متطوعين يعيشون في البؤر الاستيطانية لتعزيز وجودهم في هذه المناطق.
ومنذ عام 2017 وحتى عام 2024، قدمت وزارة الزراعة الإسرائيلية مِنحاً بقيمة 3 ملايين شيكل (880 ألف دولار) لدعم أنشطة الرعي في هذه البؤر، إلى جانب مِنحٍ إضافية بقيمة 2.6 مليون شيكل (765 ألف دولار) لمستوطني "ميبو حورون" الذين يسيطرون على نحو 9 ملايين متر مربع في منطقة "كندا بارك" التي أقيمت على أنقاض قرى عمواس ويالو وبيت نوبا في الضفة الغربيّة. ناهيك عن حصول أصحاب البؤر الاستيطانية الرعوية على ما يقارب 1.6 مليون شيكل (471 ألف دولار) من قسم الاستيطان لتطوير مشاريعهم، إلى جانب قروضٍ بمبالغ غير محددة. كما واستثمرت منظمة "أمانا" اليمينية المتطرفة التي فُرض على أفرادها عقوبات من قبل دول أوروبية لدورهم في إنشاء بؤر استيطانية لتورَّط سكانها في أعمال عنف ضد الفلسطينيين، ملايين الشواكل في هذه البؤر، وقدمت قروضاً وتسهيلاتٍ لإنشائها. في حين قدم "الصندوق القومي الإسرائيلي" بحسب التقرير، نحو 4.7 مليون شيكل (1.3 مليون دولار) لدعم هذه البؤر، عبر تمويل المتطوعين الذين يعملون هناك، تحت غطاء "مساعدة الشباب المعرضين للخطر". وتم منحهم إعفاءاتٍ ضريبية وامتيازات حكومية.
وإلى جانب نحو 146 مستوطنة مقامة في أراضي الضفة الغربية تشكل ما يقارب 70 في المئة من مساحات الأراضي في مناطق "جيم"، هناك أيضاً 20 منطقة صناعية، إضافة إلى نحو 144 بؤرة استيطانية أقيمت بعد عام 2017، بينما أقيمت 16 في المئة منها (أي 26 بؤرة استيطانية) في عام 2023 وحده.