Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنصرية ضد عرب إسرائيل تبلغ معدلات غير مسبوقة قبيل الانتخابات الإسرائيلية في أبريل المقبل، والعالم لا يبالي

في السابق كانت مسائل مثل العنصرية تحت رقابة وضبط اليسار الإسرائيلي ويهود الشتات في دول مثل الولايات المتحدة. ولكن الردود على مثل هذا التمييز خبت وخفت صوتها

ضحايا حرب غزة 2014  ورقة في الحملات الانتخابية الإسرائيلية (أ. ف.ب)

طوال أكثر من عقد في القاهرة درجت على استعمال عبارة عربية متقادمة حين أطلب علبة سجائر. ولذا، انزلقت من فمي هذه العبارة الأربعاء، حين كنتُ في أحد المتاجر المحلية لبيع الجرائد والصحف التي أرتادها في القدس الغربية، حيث يلقبني العاملون الفلسطينيون بـ"الفتاة المصرية" نتيجة لهجتي القاهرية الثقيلة. ولكن في ذلك النهار، كان ثمة موظف جديد على الصندوق، جاوبني بحدة قائلاً: "هنا إسرائيل، لماذا تتكلمين العربية؟". وحدَّة نبرته حملت كثيرين في المتجر على الالتفات لرؤية ما يجري. "أنتِ في بلد عليكِ النطق بلغته. فإذا كنتُ في المملكة المتحدة لن أفكر أبداً بالتكلم بغير الإنكليزية. لذا تكلمي بالعبرية".

 والحق أنني كنتُ حينها في الجانب الإسرائيلي من خط وقف النار في1967، الذي يعبر في مدينة القدس المتنازع عليها. ولكن، حتى على هذا الجانب من الحدود في إسرائيل، 20 في المئة من السكان، أي 1.8 مليون شخص، هم عرب إسرائيليون. وكذلك هناك في البلاد يهود لغتهم الأم العربية.

 والعربية، كانت إلى حين المصادقة العام الماضي على قانون الدولة القومية المثير للجدل، لغةً رسمية. ولكن اليوم لهذه اللغة مكانة خاصة فحسب، وهي ليست طبعاً لغة أجنبية: فعلى سبيل المثل شارات الطرق في إسرائيل مكتوبة بالعبرية والعربية والإنكليزية.

 والقدس نفسها يُطالب بها الإسرائيليون والفلسطينيون، على حد سواء، عاصمةً لهم، وترى الأمم المتحدة أنها لا تزال متنازعاً عليها، ويُفترض أن يحدد اتفاق سلام نهائي وضعَ المدينة النهائي وحدودها.   

 وللأسف، ليس هذا التراشق الكلامي المقتضب مع موظف الصندوق حادثاً معزولاً. فكثير من الفلسطينيين، سواء هم مقدسيون شرقيون أم من سكان الضفة الغربية أم عرب إسرائيليون، أبلغوني الأسبوع الماضي حين نشرتُ تفاصيل هذا الحادث، أن إسرائيليين غالباً ما يُطالبونهم بالتكلم بالعبرية، أو أنهم يخشون التحدث بالعربية مخافة ردود سلبية أو حتى ردود عنيفة.

 وعلى مدى سنوات وقع عدد من الحوادث تعرض فيها أشخاص من الأقلية الناطقة بالعربية في إسرائيل، تحديداً من الدروز(وولاؤهم مطلق للدولة ولا يعرّفون أنفسهم بأنهم فلسطينيون)، لهجمات. وفي فبراير(شباط) 2015 أُدخل جندي إسرائيلي درزي إلى المستشفى بعد أن ضربه شباب إسرائيليون جزاء تحدثه بالعربية في ملهى ليلي. وكان هذا الحادث الثاني من نوعه ذاك الأسبوع.

 وتفاقمت العنصرية في إسرائيل على مر السنين، مع تعاظم النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ثم مع انحساره. وتعاظم ترويج حكومات يمينية أجندات مناوئة للعرب والفلسطينيين، وأجندات تثير المخاوف الأمنية لاستمالة عامة الإسرائيليين، الذين عاشوا خلال مراحل بلغ فيها العنف ذروته. ومع توجه البلاد إلى صناديق الاقتراع في 9 أبريل (نيسان) المقبل، تفشّت هذه المشاعر في الحملات الانتخابية مع توسل أشخاص كثر وأحزاب خطاباً عنصرياً صريحاً للفوز بالأصوات.  

 "غالباً ما أؤمر بالتحدث بالعبرية. وقبل شهرين في مقهى طلبتُ ما أريد بالعربية ولم يُسجل طلبي إلا حين كررته بالعبرية"، يقول سمير الشريف، وهو منتج تلفزيوني فلسطيني من القدس الشرقية. وأضاف "أقلق على أولادي الذين يعيشون في القدس الغربية. فماذا لو تكلموا من غير قصد بالعربية؟ ماذا سيكون مصيرهم؟".

 ويخشى سمير الشريف من تحول الانتخابات المقبلة إلى أكثر الانتخابات عنصرية إلى اليوم، ويخشى من أثرها في عملية السلام في المستقبل. فما السبيل إلى بلوغ اتفاق سلام، إذا كان من في السلطة يحتفون بالمعادين للعرب والمعادين للفلسطينيين؟  

 "فالجناح اليميني يشعر بأنه نافذ في الحكومة والشارع". وليست العنصرية شاغلاً يؤرقهم في وقت أن الحكومة الأميركية تدعم العنصرية هذه.

ويوحي سيل فيديوات الحملة الانتخابية، الذي يغرق وسائط التواصل الاجتماعي بأن الشريف قد يكون مصيباً في ما يقول. 

 وتقول إليزابيث تسوركوب، الباحثة في منتدى التفكير الإقليمي، وهو مركز دراسات تقدمي إسرائيلي، إن كثيراً من أشرطة الفيديو هذه نواتها، تنافس المرشحين على من قتل عدداً أكبراً من الفلسطينيين.

"كل موسم انتخابي، هو مرحلة تضخ في الإسرائيليين جرعة مركزة من التجييش العنصري على شاشات التلفزيون ووسائط التواصل الاجتماعي، وحتى في الرسائل النصية"، على نحو ما قالت لي تسوركوب. وأضافت "أعتقد أن ما نشهده في هذه الحملة هو استهداف الأقليات الفلسطينية في إسرائيل. فالسياسة الإسرائيلية تنحرف إلى اليمين أكثر فأكثر. واليوم التنافس الأساسي هو بين عدد من الأحزاب اليمينية".

وأشارت إلى شريط فيديو صادم خاص بالبرلمانية عنات بيركو من حزب بنيامين نتانياهو الحاكم، حزب الليكود. وفي الشريط، يرتدي زوجها لباساً فلسطينياً، ويظهر وهو يخطف الدكتورة بيركو. وفي هذا الشريط القصير، تُعدّد بيركو مؤهلاتها العسكرية في قتال "الإرهابيين الأجانب" (أي الفلسطينيين)، في وقت تدور عملية "خطفها". ثم تحاكي ساخرة اللغة العربية ولفظها لتشير إلى أن الفلسطينيين لم يملكوا يوماً دولة خاصة بهم.

 وثمة شريط آخر فظيع نشره فريق حملة بيني غانتز، قائد الأركان الإسرائيلي السابق، الذي يُفترض أنه البديل "المعتدل" عن نتانياهو. وارتفعت، هذا الأسبوع، شعبية الجنرال غانتز، الذي أشرف على حرب غزة في العام 2014، في استطلاعات الرأي، وحلّ في المرتبة الثانية بعد رئيس الوزراء الحالي. وفي شريط غانتز الأخير، يُضاف إلى لقطات مآتم مقاتلين في غزة عدّادٌ يظهر عدد القتلى الفلسطينيين في نزاع 2014، إذ قتل خلاله أكثر من 2100 فلسطيني و70 إسرائيلياً. ويخلص الشريط إلى أن الجنرال غانتز مسؤول عن قتل 1364 مقاتلاً في غزة في الحملة العسكرية التي دامت سبعة أسابيع. والمشكلة، أن أعداد جثامين المقاتلين في الفيديو، تفوق الرقم الذي تُجمع عليه إسرائيل وهي تقريباً ضعفا الأعداد التي أحصتها الأمم المتحدة. ويُظهر تحليل الأرقام هذه، أن حملة غانتز تضيف 935 قتيلاً فلسطينياً، تعتقد إسرائيل أنهم مقاتلون إلى أكثر من 420 ذكراً في سن القتال (أي بين السادسة عشرة والخمسين) سقطوا في هذه الحرب، وصفتهم (مقاتل، أم مدني) غير واضحة.  خلاصة القول، إن الفيديو يُمجّد قتل مدنيين.  

 وشنّ سياسيون يهود حملة انتقاد على نظرائهم من العرب الإسرائيليين. فعضو الكنيست الليكودي أورن حزان، وشعبيته كثيرة، استخدم منصة البثّ الحيّ على "فيسبوك" ليصف أعضاء الكنيست الفلسطينيين بـ"الإرهابيين"، وأشار أكثر من مرة إلى عضو الكنيست العربي الإسرائيلي، جمال زحالقة بـ"زحالكاكا"، أي "زحالقة البراز".

وترى تسوركوب أن جزءاً من المشكلة، يعود إلى تزايد الدعم الأميركي لأجندة تيار اليمين في إسرائيل في عصر دونالد ترمب، الذي نقل في خطوة مثيرة للجدل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بهذه المدينة عاصمةً لإسرائيل في مايو (أيار). وفي العام الماضي، قلّص تمويل وكالات الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين قائلاً "إنه لا يخالف تعداد الأمم المتحدة للاجئين".

 في السابق، كانت مسائل مثل العنصرية تحت رقابة وضبط اليسار الإسرائيلي ويهود الشتات في دول مثل الولايات المتحدة، وكان كثيرون يُحاجون أن الأحكام المسبقة على العرب تسيء إلى إسرائيل، وتساهم في عزلتها وتفاقم عسر التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. ويبدو أن هذه الردود خبت. وبالكاد أثارت مصادقة البرلمان الإسرائيلي على قانون "قومية الدولة" العام الماضي، ردوداً في الخارج. وهو قانون يقول منتقدوه إنه مثل تشريعات نظام الفصل العنصري، الأبارتايد. وخفّض القانون هذا مرتبة اللغة العربية، ولم تعد لغةً رسمية، وروّج لإنشاء مستوطنات يهودية وحسب، واعتبر أن حق تقرير المصير القومي، هو "حق حصريّ بالشعب اليهودي". ولم يثر إقرار القانون أكثر من احتجاج ضعيف خارج إسرائيل.

 وختمت تسوركوب بالقول "اليوم، اليمين مبرأ الكفة ومطلق اليد". وأضافت "في السابق، كان اليسار ليقول، إنهم يقودون [إسرائيل] إلى عزلة دولية مع توسلهم على الدوام بالعنصرية، وهي ورقتهم الوحيدة. ولكن هذه لم تعد الحال اليوم".    

© The Independent

المزيد من آراء