ملخص
تواصل روسيا قصف كييف بصورة مكثفة، في إطار استراتيجية ترهيب نفسي تهدف إلى إنهاك المدنيين ودفعهم للاستسلام، بينما تفشل الجهود الدبلوماسية في إنهاء الحرب وسط اتهامات غربية لبوتين بعدم السعي إلى السلام.
بعد أقل من أسبوعين على الوعد الذي قطعه ترمب بوضع حد لسفك الدماء في أوكرانيا، شنت روسيا يوم الخميس الماضي هجوماً جوياً على كييف، هو الثاني الأكبر منذ اندلاع الحرب، وقد تسبب بمصرع ما لا يقل عن 23 شخصاً وإصابة 48 آخرين.
يجد سكان العاصمة الأوكرانية، الواقعة على مسافة مئات الكيلومترات من الجبهة، أنفسهم مرغمين، منذ اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022، على التكيف مع الدوامة اللانهائية من الضربات الصاروخية وهجمات المسيرات المدمرة التي تنهال عليهم. وباتت دوي صفارات الإنذار والتوجه إلى الملاجئ من الأمور الروتينية، وجزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
في الأشهر القليلة الماضية، صعدت موسكو وتيرة هجماتها على البلدات والمدن، في خطوة اعتبرها الخبراء محاولة متعمدة لبث الرعب بين المدنيين وتحطيم معنوياتهم.
وفي حديث مع "اندبندنت"، قالت ليليا سكاي، وهي طالبة دكتوراه من كييف: "تضغط روسيا على أوكرانيا باعتماد أساليب القمع النفسي والترهيب، في استراتيجية مصممة لإنهاك المعنويات وبث الرعب في النفوس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى حد تعبيرها، "فإن هذه الحملة ممنهجة ومتواصلة، وهدفها استنفاد المعنويات والقدرات الجسدية، ودفع الناس إلى الاستسلام والموافقة على التخلي عن أراضيهم، فقط في سبيل إنهاء للحرب، بيد أن الأوكرانيين يعتمدون منطقاً مختلفاً تماماً، ويقولون: ’نفضل الموت على الاستسلام‘".
في الهجوم الليلي الأخير، تضرر أكثر من 100 مبنى، بما يشمل مركزاً تجارياً. وقد همت فرق الإنقاذ، على الضفة الشرقية لمدينة كييف، بالحفر بين الأنقاض لانتشال الجثث العالقة، بينما سعى رجال الإطفاء جاهدين إلى مكافحة النيران المشتعلة في المباني السكنية.
في حديث مع "اندبندنت"، كشف كير جايلز، وهو باحث ضمن برنامج روسيا - أوراسيا في مركز "تشاتهام هاوس" للأبحاث، أن هدف موسكو هو "التسبب بأكبر قدر ممكن من البؤس والمعاناة في صفوف المدنيين".
وأضاف "شاهدنا تطبيق المبدأ عينه في سوريا والشيشان، وفي عدد لا يحصى من الحروب التي شنتها موسكو على مر العقود والقرون".
أما ناشيا سيسكوريا، وهي باحثة مشاركة في مركز "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" للأبحاث (اختصاراً "روسي" RUSI)، فأكدت أن "الاستهداف الممنهج للبنية التحتية المدنية هو عنصر محوري في الاستراتيجية الروسية، وقد صمم لبث الرعب في صفوف الأوكرانيين وتقويض معنويات العموم".
وقالت لـ"اندبندنت" إنه "وفق الحسابات الكامنة [خلف هذه الاستراتيجية]، فإن المجتمع الذي أنهكته الحرب الذي لا ينفك يتعرض لهجمات مستمرة، قد يمارس الضغوط على حكومته لتوافق على أية تسوية تقريباً من شأنها أن تضع حداً للهجمات".
وأضافت "لكن حتى الآن، أثبتت هذه الاستراتيجية عدم جدواها، لا سيما أن الأوكرانيين يظهرون مستويات استثنائية من العزم والصلابة في مواجهة العدوان المستمر".
يوم الخميس الماضي، تعرضت أوكرانيا لقصف بنحو 629 صاروخاً ومسيرة، استهدف في معظمه العاصمة كييف. ولم يتجاوز هذا الهجوم من حيث الحجم سوى هجوم واحد آخر منذ يونيو (حزيران)، وهو الهجوم الذي وقع في التاسع من يوليو (تموز) وشمل 741 صاروخاً وطائرة مسيرة استهدفت مدينة لوتسك.
وفي حوار مع "اندبندنت"، قال يوري ساك، مستشار وزير الصناعات الاستراتيجية "كالمعتاد، لا يحقق الروس أي نجاحات على أرض المعركة، وبالتالي، يحاولون التعويض عن طريق ترهيب المدن الآمنة".
أما جايلز، فقال إن أوكرانيا "ضحـية المحاولات الروسية لتحطيم معنويات ضحاياها باعتماد أساليب لا إنسانية"، مضيفاً أنه تحديداً "السبب الذي يحثها على استهداف مستشفيات الولادة ودور الحضانة، والتعرض للفئات الأكثر هشاشة ضمن المجتمع، إلى جانب ضلوعها في التعذيب الممنهج والتجويع في حق الأسرى الأوكرانيين، من عسكريين ومدنيين، من دون أن يكون لديها أي هدف غير التعمد في إظهار القسوة والإجهار بها".
في سياق متصل، يواصل القادة الغربيون اتهام فلاديمير بوتين بتجنب أية محاولة جادة لإنهاء الحرب، بينما يؤكد الكرملين أنه لا يزال مهتماً بإجراء محادثات سلام، على رغم الهجوم الجوي الذي وقع يوم الخميس الماضي.
ولفتت الباحثة سيسكوريا من "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" أيضاً إلى أن "الموجة الأخيرة من الضربات الروسية تؤكد أن بوتين لا يملك أية نية بالسعي إلى تحقيق السلام، ولا يعتزم إحداث أي تغيير في أهدافه السياسية والعسكرية في أوكرانيا".
أما قمة ألاسكا التي انعقدت الشهر الماضي وجمعت بين الرئيسين الأميركي والروسي، فلم تثمر عن أي اتفاق. وفي أعقاب القمة، أكد ترمب أن الاجتماع كان "مثمراً جداً"، مع أن أحدث محاولة دبلوماسية لإنهاء الحرب لم تسفر بعد عن أية نتيجة. وعقد في الأيام الأخيرة اجتماع بين مسؤولين أوكرانيين وممثلي إدارة ترمب لمناقشة الخطوات المقبلة.
ومن جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أعقاب الهجوم "إن روسيا تختار الصواريخ الباليستية بدلاً من طاولة المفاوضات. وتختار مواصلة القتل بدلاً من إنهاء الحرب، ننتظر رداً من كل من دعا إلى تحقيق السلام حول العالم، مع أن كثراً يفضلون اليوم التزام الصمت على اتخاذ مواقف مبدئية".
يشار إلى أن الهجوم على كييف ألحق أضراراً بمقر "بعثة الاتحاد الأوروبي" ومكاتب "المجلس الثقافي البريطاني" في المدينة، وهو ما دفع لندن وبروكسل إلى استدعاء المبعوثين الروس لديهم. بيد أن جايلز من "تشاتهام هاوس" حذر من أن خطورة هذه الضربات تتجاوز حدود أوكرانيا، وقال في هذا الصدد "إن الدول الأخرى المجاورة لروسيا تدرك أن المصير نفسه في انتظارها في حال سقوط أوكرانيا، [وتعرف] أن موسكو بدأت تبحث عن ضحيتها التالية، لكن لا ينبغي لأي كان أن يظن أنه في مأمن من هذا كله، لمجرد وجوده في مكان بعيد من روسيا، إذ اعتادت موسكو تصدير الموت والدمار على نطاق واسع، علماً بأن أوروبا الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة، تقع فعلياً ضمن هذا النطاق، ومعرضة للنوع عينه من الهجمات اللاإنسانية التي تشن حالياً على كييف".
في سياق متصل، أوردت تقارير يوم الخميس الماضي أن القادة الأوروبيين يدرسون حالياً احتمال إنشاء منطقة عازلة على امتداد 40 كيلومتراً بين الجبهتين الأوكرانية والروسية، في سياق صفقة محتملة لإنهاء الحرب.
وفي التفاصيل، أبلغت خمسة مصادر دبلوماسية صحيفة "بوليتيكو" Politico بأن منطقة من هذا القبيل قد تشكل جزءاً من اتفاق لوقف إطلاق النار أو من ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب في أوكرانيا. واللافت في الأمر هو أن الولايات المتحدة ليست طرفاً في هذه المحادثات حالياً، ولم يتضح بعد ما إذا كانت كييف ستقبل بالخطة، لا سيما أن تنفيذها قد ينطوي على تنازل عن بعض أراضيها.
© The Independent