ملخص
تلعب الجغرافيا دوراً أساساً في مشروع إسرائيل الكبرى بالأدبيات الصهيونية القديمة والحديثة، لذا تجد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليست لها حدود ثابتة.
حين تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقابلة له قبل منتصف أغسطس (آب) الجاري عن تمسكه الشديد بما سماه "رؤية إسرائيل الكبرى" لم يكن ذلك مجرد تصريح عابر.
ولا يعود مصطلح "إسرائيل الكبرى" حتى إلى ما بعد حرب 1967 مباشرة كما يعتقد البعض، على اعتبار أن المشروع يسعى، إلى جانب ضم فلسطين بكاملها، إلى ضم أجزاء من سوريا والأردن ومصر.
بل إن المشروع يسبق حتى بروز الصهيونية مع تيودور هرتزل نهاية القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، فهناك كتابات كثيرة تتحدث عن هذا المشروع في الأدبيات الصهيونية من قبل، بما في ذلك استعادة ما يسمى "ممر الملك داوود" (الطريق من حيفا عبر الأردن وسوريا إلى شمال العراق).
وتلعب الجغرافيا دوراً أساساً في مشروع إسرائيل الكبرى بالأدبيات الصهيونية القديمة والحديثة، لذا تجد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليست لها حدود ثابتة.
ولا يرجع ذلك إلى حال الحرب والعداء بينها وبين جيرانها وإنما لأنها تواصل عمليات "توسيع" حدودها بالاحتلال والضم.
وأهمية الجغرافيا تتجاوز مساحة "الدولة اليهودية" الكبرى في المشروع الصهيوني إلى شبكة طرق تعيد تشكيل خطوط سلاسل الإمداد فيما بعد العولمة، ويتم المزج بين التراث الأسطوري والديني والأطماع الاقتصادية الحديثة ضمن هذا المشروع.
ما هو كيان تريليونات الدولارات؟
مطلع هذا العام، في أواخر يناير (كانون الثاني) 2025، نشرت صحيفة "ذي تايمز أوف إسرائيل" على جزءين مطولين دراسة حول مشروع إسرائيل الكبرى، أو ما سماه كاتبها "الصهيونية 2.0.. مفاهيم ومقترحات".
وأعد الدراسة المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "تايب وان إنتربرايز إنك" والشركات التابعة لها المنخرطة في استشارات التكنولوجيا أدريان شتاين، الذي يعد من مفكري الصهيونية المشهورين وله نشاط واسع في المجالات العلمية والطبية وغيرها.
وخصص الجزء الأول من الدراسة للمفاهيم المتعلقة بمشروع الصهيونية الجديدة، إسرائيل الكبرى، ليس فقط استناداً للميثولوجيا اليهودية وإنما أيضاً لخطط وأفكار الصهاينة المؤسسين.
أما في الجزء الثاني من الدراسة، فيركز شتاين على تطورين مهمين عالمياً يمكن أن يكونا الأساس لكيان "إسرائيل الكبرى" ضمن مشروع الصهيونية 2.0 من وجهة نظره هما العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي.
ويعزو الباحث تطور هذين القطاعين ضمناً لما يسميه "الذكاء اليهودي والنفوذ المالي" من دون تصريح واضح، لكن ذلك لم يمنعه من الخلاصة بأن رجال المال اليهود كانوا وراء "عولمة" النظام المالي العالمي، إذ يقول في الجزء الثاني من الدارسة، "عبر طاولات صرافة العملة لعائلة روتشيلد في حواري فرانكفورت إلى مراكز المال في وسط وغرب أوروبا تمكن اليهود من إنشاء سوق السندات المدعومة بالذهب عالمياً، وهو إطار سمح بأكبر حركة وتصدير لرأس المال في تاريخ البشرية، وهي الحركة التي كانت أساس العولمة الاقتصادية".
بالنسبة إلى بناء "اقتصاد تريليونات الدولارات" فالأساس برأي الباحث هو أن تستثمر إسرائيل الكبرى ذلك الإرث التاريخي في "تحويل تل أبيب إلى مركز عالمي للعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي"، إضافة إلى ما يرتبط بذلك من صناعات متقدمة ومبادرات فضائية وعلمية في الطب وغيره.
ما أهمية التوسع الجغرافي للمشروع؟
حسب دراسة شتاين، وكتابات سابقة له تناولت الموضوع ضمن كتبه ومقالاته، فإن اقتصاد "إسرائيل الكبرى" يعتمد على سكانها اليهود، الذين يصفهم بالذكاء والمهارة التاريخية والوصول إلى رأس المال وحرفية الاستثمار، لكنه لا يتطرق مباشرة لأهمية التوسع الجغرافي كما جاء في كتابات هرتزل ومن قبله من الصهاينة ومن بعده من المسؤولين الإسرائيليين حتى أوديد ينون مستشار آرييل شارون، الذي طرح ما عرف باسم "خطة ينون".
الشائع دوماً هو "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"، لكن أحداً لا يشير مثلاً إلى أن جزيرة قبرص هي أيضاً ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى"، ولم يكن الجدل حول تقسيم ثروات الغاز الطبيعي البحرية بين إسرائيل وقبرص سوى مرحلة في استيلاء إسرائيل على حقوق ربما تقع ضمن خطوط المياه الدولية الأقرب لقبرص، وقد كان ذلك قبل أعوام محل جدل حتى مع مصر التي تتشارك احتياطات الغاز التابعة لمياهها مع روافد ضمن مياه قبرصية.
هناك أهمية كبيرة للتوسع الجغرافي، سواء بالاحتلال والضم أو ترسيخ النفوذ عبر اتفاقات و"إضعاف الدول المعنية" كما جاء في خطة ينون مطلع ثمانينيات القرن الماضي ودفعها نحو التقسيم لبسط النفوذ الإسرائيلي.
من المزايا الاقتصادية للتوسع الجغرافي المفترضة، الاستيلاء على الأراضي الخصبة من حوض النيل إلى حوض الفرات والوصول إلى مصادر مواد أولية من طاقة ومعادن وغيرها وتحول في شبكة سلاسل التوريد والإمداد بعيداً من المضايق وقناة السويس، كل هذا يعد ضرورياً لكي تصبح "إسرائيل الكبرى" مركزاً لوجيستياً أساسياً بين الشرق والغرب.
بالطبع هناك تحديات يحملها مثل هذا التوسع الجغرافي، بغض النظر عن التحديات العسكرية والسياسية، من تلك التحديات عدم اتساق النشاط الاقتصادي ومعدلات النمو في مختلف المناطق التي سيضمها الكيان المفترض مما يشكل ضغطاً سلبياً في مشروع التوسع، كما أن التوسع الجغرافي سيؤدي إلى زيادة للمنافسة مع دول الجوار الجديد مع احتمال تعقيدات تجارية ولوجيستية، فضلاً طبعاً عن بروز الحاجة إلى تمويل تغييرات ديموغرافية هائلة في مناطق مختلفة لضمان يهودية الدولة بحسب القانون الأساسي الذي أقر عام 2018.
ممر داوود
من المشاريع غير المعلنة رسمياً ما يسمى "طريق النبي داوود" أو "ممر داوود" الذي يصل ميناءي حيفا وأسدود على البحر الأبيض المتوسط بكردستان العراق حتى الحدود العراقية الإيرانية، إذ يمر الطريق المقترح الذي يثار أمره بصورة غير رسمية كل فترة من مرتفعات الجولان المحتلة في الجنوب الغربي لسوريا ويمر بالمحافظات الجنوبية المحاذية لـإسرائيل والأردن، وهي القنيطرة ودرعا، ثم يتسع شرقاً عبر السويداء في جبل العرب ويدخل البادية السورية باتجاه معبر التنف الإستراتيجي على الحدود السورية – العراقية – الأردنية.
تبدو التطورات الجيوسياسية الحالية ومحاولات إسرائيل التوسع في سوريا وتعزيز علاقتها بالدروز والأكراد إلى تهيئة الأرضية لإمكانية طرح هذا المشروع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الفوائد المحتملة لهذا المشروع تسهيل التبادل التجاري مع الداخل العربي، وإمكانية الوصول إلى أسواق الخليج والعراق، مع فرص التحكم بمصادر الطاقة وتقليص الكلف اللوجيستية والنقل، ومن شأن مشروع الممر استقطاب الاستثمارات والبنية التحتية ودعم الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا.
ومن الأهداف الإستراتيجية أيضاً على المدى البعيد تقويض أهمية قناة السويس وباب المندب ومواجهة النفوذ الإيراني، ذلك فضلاً عن تعزيز النفوذ الإسرائيلي شرقاً وتعميق التطبيع مع دول عربية بالربط الإستراتيجي بين إسرائيل ومحيطها العربي.
إلا أن الكلفة الهائلة للمشروع بمليارات الدولارات وضعف وانعدام البنية التحتية في البادية السورية يجعلونه مشروعاً غير ذي جدوى اقتصادياً، في الأقل بالوقت الحالي.
قناة بن غوريون
قبل أكثر من أربعة أعوام، وضمن ما عرف وقتها بما يسمى "صفقة القرن" التي تحمست لها الإدارة الأميركية في فترة حكم الرئيس دونالد ترمب الأولى أعلنت إسرائيل عن قناة تربط إيلات على خليج العقبة بموانئ إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط، على أن تكون "قناة بن غوريون" عبارة عن قناتين منفصلتين تربطان البحر الأحمر بالبحر الأبيض، مما يجعلها ممراً ملاحياً أفضل من قناة السويس المصرية.
قدرت الخطط الإسرائيلية أن تكون القناة بعمق 50 متراً وعرض لا يقل عن 200 متر لكل قناة، أي زيادة عن قناة السويس 10 أمتار بالعمق، ذلك كي تتمكن سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم، من العبور في القناة الجديدة، وكان التوقع أن تبلغ مدة البناء خمسة أعوام وسيعمل في المشروع 300 ألف شخص من مهندسين وفنيين في جميع المجالات، يأتون من كوريا ومن دول آسيوية، ومن دول عربية، على أن يبقى منهم عدد يتجاوز 30 ألفاً لتشغيل القناة، وقدرت كلفة القناة بنحو 16 مليار دولار قابل للزيادة بحسب ظروف المشروع، على أن توفر عائداً سنوياً بنحو 6 مليارات دولار.
وتضمن مشروع قناة بن غوريون أيضاً الاتفاق مع الأردن على سحب مياه من القناة إلى البحر الميت، الذي تتناقص مياهه سنوياً، وفي حال الاتفاق فإن أنابيب ضخمة ستصب من قناة بن غوريون إلى البحر الميت، مقابل أن يقدم للأردن تسهيلات لإقامة فنادق ومنتجعات أردنية على البحر الميت، ويشترك الأردن في سياحة إسرائيلية – أردنية في منطقة البحر الميت.
وبالفعل بحثت إسرائيل مع ثلاثة مصارف استثمارية أميركية تمويل المشروع بقرض ميسر لا تزيد فائدته عن نسبة واحد في المئة يسدد على 30 عاماً، إلا أن مصير المشروع لا يبدو واضحاً في ظل تطورات المنطقة الحالية، إنما هو مكون أساس في رؤية "إسرائيل الكبرى".
ممر الخليج – إسرائيل
من المشاريع التي برزت مع توقيع "اتفاقات أبراهام" بين بعض دول الخليج وإسرائيل عام 2020 ما أعلن عنه عام 2023 من ممر إستراتيجي من الخليج إلى البحر المتوسط يتضمن طرق نقل من موانئ على الخليج إلى موانئ إسرائيلية دون حاجة للملاحة البحرية عبر مضيق هرمز أو غيره.
حسب تقديرات المسؤولين الإسرائيليين كما نشرت وسائل الإعلام العبرية قبل عامين فإن الطريق البري يوفر ما يصل إلى 80 في المئة من كلفة الشحن البحري، وبعد ذلك ممراً للتجارة من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا عبر دول الخليج والأردن وإسرائيل.