ملخص
استغلت حكومة "طالبان" المجال الجوي الأفغاني كمصدر دخل مربح، مع فرض رسوم عبور تبلغ 700 دولار للطائرة. ارتفع عدد الرحلات اليومية من 50 إلى أكثر من 200 بعد الحرب بين إيران وإسرائيل، مما يدر نحو 4.2 مليون دولار شهرياً. وعلى رغم الأخطار، تفضل شركات الطيران هذا المسار لتوفير الوقود، فيما تبقى آليات الدفع غير واضحة بسبب عزلة "طالبان" الدولية.
وجدت حكومة "طالبان" التي تعاني ضائقة مالية، في المجال الجوي الأفغاني مصدراً محتملاً مربحاً للدخل بعدما وفر مساراً جوياً أقل اضطراباً وأسرع خلال الحرب بين إسرائيل وإيران، مقابل رسوم عبور ثابتة تبلغ 700 دولار، وفقاً لمصادر مطلعة على القطاع.
وخففت هيئة الطيران الأميركية القيود المفروضة على المجال الجوي لأفغانستان ومهدت الطريق للمرور التجاري عام 2023، أي بعد عامين من استيلاء "طالبان" على السلطة.
وبعدما كانت الشركات تتجنب المرور في المجال الجوي الأفغاني لفترة طويلة وسط معاناة البلاد من أربعة عقود من الحرب وتغير مراكز القوى، أصبحت هذه الأجواء فجأة خياراً عملياً سمح لشركات طيران بتقصير المسارات وتوفير كلف الوقود.
ولكن هذا المسار لم يكتسب زخماً حقيقياً إلا إثر الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي، مما أتاح لحكومة "طالبان" جني الملايين.
ومع إغلاق المجال الجوي فوق إيران والعراق، وفتح وإغلاق أجواء بصورة غير متوقعة في أنحاء الشرق الأوسط، رأت شركات طيران مبرراً لتغيير مسارها فلجأت إلى أفغانستان.
وفيما كانت الصواريخ تخرق المجال الجوي المجاور "كان خطر التحليق فوق أفغانستان شبه معدوم" بحسب مستشار الطيران والدفاع المقيم في فرنسا كزافييه تيتلمان، مضيفاً أنه "أشبه بالتحليق فوق البحر".
وأظهرت بيانات موقع "فلايت رادار 24" لتتبع حركة الطيران أن معدل عدد الطائرات التي كانت تعبر أفغانستان يومياً، ارتفع من 50 طائرة في مايو (أيار) إلى نحو 280 طائرة بعد الـ13 من يونيو، عندما اندلعت الحرب بين إيران وإسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، كثيراً ما تعبر أجواء أفغانستان يومياً أكثر من 200 طائرة، أي ما يعادل عائدات تبلغ نحو 4.2 مليون دولار شهرياً، وإن كان يصعب التحقق من الرقم لأن السلطات لا تنشر موازناتها وترفض التعليق.
اقتصاد منهك
على رغم أن رسوم الطيران لا تمثل مبلغاً كبيراً من جهة الإيرادات الحكومية، فإنها توفر دفعة مالية ضرورية لخزانة أفغانستان وسط ما تعانيه من أزمة إنسانية هائلة واقتصاد منهك بفعل الحرب.
ويعيش نحو 85 في المئة من سكان أفغانستان على أقل من دولار واحد يومياً وفقاً للأمم المتحدة، ويعاني نحو ربع الأفغان ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة البطالة.
ويشير البنك الدولي إلى أن رسوم الطيران كانت تسهم في نمو متواضع في الاقتصاد الأفغاني في 2024، قبل أن يبدأ هذا المسار في جذب شركات طيران تحتاج إلى تفادي المرور فوق إيران.
وعادت شركات طيران دولية إلى أفغانستان بدءاً من عام 2023، مع تسيير الخطوط التركية و"فلاي دبي" و"العربية للطيران" رحلات شبه يومية من مطارات أفغانية.
وتسير شركات أخرى مثل الخطوط الجوية السنغافورية و"إير فرانس" و"إيروفلوت واير" كندا والخطوط السويسرية، رحلات فوق كابول أو مزار الشريف أو قندهار، ذلك أن الجدوى العملية تفوق الأخطار التي لا تزال قائمة.
وحذر المستشار تيتلمان من أن أفغانستان لا تزال مكاناً غير مثالي لهبوط الطائرات في حالات الطوارئ التقنية أو الطبية، مع احتمال حدوث مضاعفات بسبب نقص قطع الغيار وتدهور خدمات الرعاية الصحية، ومع ذلك أشار إلى أن "الطائرات تهبط في كابول يومياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سبل الدفع
تتجنب شركات الطيران مناقشة آليات دفع الرسوم لحكومة "طالبان" التي لا تزال معزولة من كثير من الدول، لأسباب منها القيود التي تفرضها على النساء.
وأفادت كثير من الشركات التي اتصلت بها وكالة الصحافة الفرنسية بأنها لا تقدم معلومات عن دفع رسوم التحليق فوق هذا البلد.
ولم يرد مسؤولو الطيران الأفغان على طلبات متكررة للتعليق، ولم يؤكدوا رسوم التحليق أو آلية دفعها.
وقال متخصص في البنك الدولي طالباً عدم الكشف عن هويته، إن "الشركات ليست ممنوعة رسمياً من التعامل التجاري مع أفغانستان لأن العقوبات الأميركية تستهدف فقط مسؤولين محددين من ’طالبان‘". وأضاف أن "بعض الشركات يمتنع عن التعامل خشية أن يرتبط اسمها بالسلطة الحاكمة".
وقال مطلعون على قطاع الطيران طلبوا عدم الكشف عن هويتهم إن رسوم التحليق البالغة 700 دولار تدفع لوسطاء خارجيين، مثل شركة "جي أي أي سي" (GAAC) القابضة، ومقرها في دولة الإمارات، التي تدير مطارات في أفغانستان، أو لوسطاء طيران.
وقد تدفع بعض شركات الطيران الآن رسوم التحليق مباشرة، مع ازدياد عدد الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع حكومة "طالبان".
وفقط روسيا اعترفت رسمياً بسلطات كابول التي تقيدها الأصول المجمدة والعقوبات المفروضة على أفراد وانعدام الثقة في القطاع المصرفي.
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية المعاكسة، يرى نائب وزير الصناعة والتجارة السابق في الحكومة السابقة مؤسس شركة "كاتاليستس أفغانستان" الاستشارية، سليمان بن شاه، أن إيرادات المجال الجوي "مفيدة للإدارة الحالية التي تعاني أزمة مالية".
لكن بن شاه أكد أن حركة المرور الجوية توفر أكثر من مجرد فوائد مالية، إذ تزيد من تقبل الآخرين سلطات "طالبان". وقال "إنها تعزز قبضتهم على وظائف الدولة وتدعم صورة حكومة فاعلة، حتى في غياب الاعتراف الدولي الرسمي". وأضاف "لذا، وبينما لا يحدث الدخل بحد ذاته تحولاً، إلا أنه يؤدي دوراً مهماً في الرواية الاقتصادية للسلطة ومكانتها السياسية".