Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يخاف زيلينسكي من سفيره في لندن؟

يرى الرئيس الأوكراني أنه لن يفوز بالرئاسة لولاية جديدة إلا إذا أصبح المرشح الوحيد الذي يدعمه الأوروبيون

زيلينسكي وسفيره إلى لندن ومنافسه الرئاسي فاليري زالوجني (مكتب الرئيس الأوكراني)

ملخص

رفض منافسه الرئيس وغريمه المحتمل في هذه الانتخابات السفير الأوكراني لدى المملكة المتحدة، والقائد العام للقوات الأوكرانية سابقاً الجنرال فاليري زالوجني، عرضاً للانضمام إلى فريق الرئيس زيلينسكي، وتحفظ عن كشف نياته حول ترشحه للانتخابات الرئاسية، لكنه وعد بالامتناع عن انتقاد الرئيس الأوكراني الحالي علناً.

خلال محادثات في البيت الأبيض في الـ18 من أغسطس (آب)، أبلغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نظيره الأميركي دونالد ترمب، أن كييف منفتحة على إجراء الانتخابات الرئاسية المؤجلة منذ عام 2024، ولكن يجب أن تعقد في بيئة آمنة. وقال "بالتأكيد نحن منفتحون على إجراء الانتخابات، لكننا في حاجة إلى الأمن، ونحتاج إلى انتخابات نزيهة. والآن، في ظل الحرب لا يمكننا إجراؤها، ولا يمكننا أن نمزق الدولة قبل ذلك".

بالتوازي مع ذلك رفض منافسه الرئيس وغريمه المحتمل في هذه الانتخابات السفير الأوكراني لدى المملكة المتحدة، والقائد العام للقوات الأوكرانية سابقاً الجنرال فاليري زالوجني، عرضاً للانضمام إلى فريق الرئيس زيلينسكي، وتحفظ عن كشف نياته حول ترشحه للانتخابات الرئاسية، لكنه وعد بالامتناع عن انتقاد الرئيس الأوكراني الحالي علناً، بحسب ما ذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية في الـ24 من أغسطس، نقلاً عن مصادرها.

ظلال من الغموض

ذكرت الصحيفة أن مدير مكتب زيلينسكي، أندريه يرماك، عرض على زالوجني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 الانضمام رسمياً إلى الفريق السياسي للرئيس لتشكيل جبهة موحدة في الانتخابات المقبلة، لكن زالوجني رفض هذا العرض، وإن وعد أيضاً بالولاء له حتى نقطة معينة.

مع ذلك وعد زالوجني بعدم إثارة مشكلات عامة لزيلينسكي وإدارته بينما يستمر القتال، لكنه تعهد بإبلاغ يرماك شخصياً إذا قرر دخول حلبة السياسة الكبرى، بحسب ما كتبت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية.

حتى في محادثاته السرية مع مقربيه، لا يكشف الجنرال عن خططه المهنية، كما أشارت صحيفة "غارديان". ويعتقد المحللون أنه يتبع نهج التريث قبل الانتظام في العمل السياسي والمشاركة في السباق الرئاسي.

وفقاً للمحلل السياسي الأوكراني فولوديمير فيسينكو، فإن زالوجني كجنرال لا يملك خبرة سياسية كبيرة، ويتصرف بحذر شديد، وإذا اتخذ قراراً فسيكون في اللحظة الأخيرة عشية الانتخابات.

ويثير موقف زالوجني المتحفظ والمشوب بظلال كثيفة من الغموض استياء بعض خصوم الرئيس زيلينسكي في كييف، خصوصاً لدى أولئك الذين كانوا يعلقون عليه آمالاً كبيرة في ما يتعلق بالتغييرات السياسية في البلاد. ويشار إلى أن زالوجني نفسه يبدي قلقاً إزاء أخطار زعزعة الاستقرار الهش في البلاد، وهذا ما يمنعه من بدء صراع سياسي مفتوح.

وفقاً لمصدر صحيفة "غارديان"، لا يؤمن هذا الجنرال المتمرس في الحرب الدفاعية ضد القوات الروسية، بمواجهة بين مرشحين اثنين فيما الوطن يعيش حال طوارئ، لأنها ستكون كارثة على البلاد ولا يعتقد أنه مستعد لها، لذا يعتقد هذا المصدر أنه لن يترشح للرئاسة إلا إذا استطاع إقناع زيلينسكي بعدم الترشح. 

مناورة زيلينسكي

في الأثناء، ذكرت صحيفة "سترانا. وا" الأوكرانية، نقلاً عن مصادر في مكتب زيلينسكي، أن الأخير يسعى إلى إقناع القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، بعدم المشاركة في الانتخابات، معتبراً إياه منافساً له .

وأفادت مصادر في مكتب زيلينسكي أن المكتب يبذل جهوداً حثيثة لإقناع زالوجني بالتخلي عن فكرة الترشح للانتخابات (أو الترشح، ولكن على قائمة حزب زيلينسكي). مع ذلك ووفقاً لمعلوماتهم، لم يعط القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية إجابة واضحة عن هذه التساؤلات بعد، وهذا ما يجعل مكتب الرئيس ينظر إليه كمنافس محتمل.

 

كما ذكر مصدر "سترانا" أن مكتب زيلينسكي هو من بدأ "الترويج" لأندريه بيلتسكي، مؤسس منظمة "آزوف" المتطرفة المحظورة في روسيا، في المجال الإعلامي، ووفقاً لخطة المكتب، من المفترض أن يسحب بيلتسكي بعض الأصوات من زالوجني إذا شارك في الانتخابات ويضمن فوز زيلينسكي.

علاوة على ذلك، أفاد صحافيون بتداول إشاعات بين السياسيين الأوكرانيين حول احتمال مشاركة رئيس مديرية الاستخبارات الرئيسة بوزارة الدفاع الأوكرانية كيريل بودانوف، في الانتخابات، الذي سيرشح مع قوته السياسية المنافسة لزيلينسكي، وكما يقر الصحافيون الأوكرانيون، لم تؤكد هذه الإشاعات بعد.

أجريت آخر انتخابات رئاسية في أوكرانيا عام 2019، وهي محظورة حالياً بسبب الأحكام العرفية التي فرضتها السلطات في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، والتي تمدد باستمرار. وانتهت ولاية زيلينسكي التي استمرت خمسة أعوام رسمياً في مايو (أيار) 2024.

وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مجموعة "ريتينغ" الاجتماعية نهاية يوليو (تموز) الماضي، لو أجريت الانتخابات بعد أسبوع من ذلك التاريخ سيصوت 31 في المئة من المشاركين لمصلحة زيلينسكي، و25 في المئة لمصلحة زالوجني في الدورة الأولى، يليهما بفارق كبير الرئيس السابق بيترو بوروشينكو، ورئيس الاستخبارات العسكرية كيريل بودانوف (ستة وخمسة في المئة على التوالي).

وانتهت ولاية زيلينسكي الرئاسية في الـ20 من مايو 2024، لكن السلطات ألغت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في أوكرانيا بحجة إعلان الأحكام العرفية والتعبئة العامة. وصرح زيلينسكي بأن الانتخابات "غير مواتية" الآن. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد وصف زيلينسكي سابقاً بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات"، وقال إن شعبيته انخفضت إلى أربعة في المئة.

استعدادات سرية

ويسود اعتقاد قوي داخل الأوساط السياسية والاستخباراتية في روسيا بأن المملكة المتحدة تجهز القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، وسفير كييف الحالي في لندن، فاليري زالوجني، سراً للانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، وقد بدأ مقر حملته الانتخابية العمل في العاصمة البريطانية، وهو بصدد توظيف موظفين. أما لماذا تسعى بريطانيا إلى استبدال زيلينسكي وتراهن على زالوجني، وما الذي سيتغير في حال فوزه؟ فهذا جوابه سر من أسرار الدولة في لندن.

وتستشهد الأوساط الروسية بما صرحت به الصحافية الأميركية كاتي ليفينغستون، المقربة من دوائر الاستخبارات، من أن زالوجني الذي شغل منصب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية حتى ربيع العام الماضي، يعد سراً للانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، وأفادت أن مقر حملته الانتخابية بدأ العمل بصورة غير رسمية في لندن.

وكتبت هذه الصحافية على موقع التواصل الاجتماعي (إكس) "يستعد زالوجني سراً للترشح للرئاسة. مقره الرئيس يعمل بالفعل في لندن، ويجري تجنيد المرشحين لحملته الانتخابية".

وأشارت ليفينغستون إلى أن جميع الفعاليات تجري حتى الآن بصورة غير رسمية. وحسب قولها، قد يترأس مقر المرشح الفريق المتقاعد في القوات المسلحة الأوكرانية سيرغي ناييف، ومن المقرر أن تكون نائبته فيكتوريا سيومار، النائب في البرلمان الأوكراني عن حزب التضامن الأوروبي الذي يتزعمه الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو .

ووفقاً للصحافية الأميركية، ستكون نائبة رئيس المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا، بولينا ليسينكو، مسؤولة عن التعاون الدولي. وستعين الصحافية السابقة في النسخة الأوكرانية من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أوكسانا توروب، مسؤولة عن الإعلام. ومن المتوقع أن يضم المقر الرئيس أيضاً النائب السابق والرئيس السابق لمجلس الإشراف على شركة "أوكروبورونبروم" سيرغي باشينسكي.

استخبارات روسيا تحذر

عرفت رغبة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في استبدال زيلينسكي كرئيس لأوكرانيا في يوليو الماضي، عندما أفاد جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي أن ممثلي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إضافة إلى القيادة السياسية العليا في أوكرانيا، قد ناقشوا هذه القضية. ووفقاً للجهاز، حضر الاجتماع في جبال الألب رئيس الديوان الرئاسي أندريه يرماك، ورئيس الاستخبارات العسكرية كيريل بودانوف، وزالوجني نفسه، الذي يرغبون في رؤيته زعيماً جديداً لأوكرانيا.

وصرح رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين، بأن واشنطن تعتقد أن الحكومة في أوكرانيا ستستبدل قريباً. وأضاف أن المرشح الرئيس للرئاسة هو القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني. وأضاف "سيلتقي فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأميركي قبل الانتخابات، إذ من المرجح أن يناقشا التنافس بين الزعيم الأوكراني والجنرال".

وأفاد مدير جهاز الاستخبارات الخارجية، أن الدول الغربية تناقش بصورة متزايدة الحاجة إلى تغيير السلطة في أوكرانيا. وإضافة إلى القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، تشمل قائمة المرشحين المقترحة حليف زيلينسكي ورئيس إدارته أندريه يرماك، والمستشار السابق للإدارة والمدون أليكسي أريستوفيتش، ورئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو.

وقال ناريشكين إن جهاز الاستخبارات الخارجية لديه "معلومات موثوقة" عن مثل هذه المناقشات بين كبار المسؤولين في الدول الغربية الرائدة، مضيفاً أن اختيار خليفة زيلينسكي تمت مناقشته خلف الكواليس خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

بحسب مسؤولين أوروبيين، سيلعب المرشح المحتمل دور "بيلسودسكي الأوكراني"، الذي سينشئ "طوقاً صحياً" بين روسيا وأوروبا، وفقاً لرئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي. وأوضح ناريشكين "يتضمن هذا السيناريو وقف إطلاق نار بين موسكو وكييف في اللحظة التي تفقد فيها القوات المسلحة الأوكرانية قدرتها الهجومية".

ونوقشت آفاق استبدال فولوديمير زيلينسكي في رئاسة أوكرانيا. واتفق جميع المشاركين في الاجتماع على أن هذه القضية طال انتظارها. وأشار جهاز الاستخبارات الخارجية إلى أن استبدال زيلينسكي أصبح شرطاً أساساً لإعادة ضبط علاقات كييف مع شركائها الغربيين، وفي مقدمهم واشنطن، ومواصلة تقديم الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا.

من يقوم بإعداد زالوجني؟

وأشار النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي (الدوما) أليكسي تشيبا، إلى أن تعيين زالوجني سفيراً لبلاده في لندن كان عملية من عمليات جهاز الاستخبارات البريطاني (أم آي 6).

وأوضح البرلماني أن "البريطانيين، الذين أدركوا أن الأوقات الصعبة قادمة للقوات المسلحة الأوكرانية، وأن الثقة في زالوجني كبيرة داخل أوكرانيا، قبلوه بكل سرور كسفير، وبطبيعة الحال يقومون الآن بإعداده ليكون الرئيس المستقبلي الموالي لهم، ويتنافسون مع أميركا وكل الآخرين".

وبحسب قوله، رتب جهاز الاستخبارات البريطاني أيضاً اجتماعاً مغلقاً مع يرماك وزالوجني. مضيفاً "كان زالوجني مستعداً منذ فترة طويلة. من الواضح أنه عندما كان زالوجني قائداً عاماً للقوات المسلحة، كانت نسبة الثقة به في أوكرانيا أعلى من نسبة الثقة بزيلينسكي، لذا كان زيلينسكي سعيداً بإقالته".

 

وأشار تشيبا إلى أن لندن لديها "خطط كبيرة" لساحل البحر الأسود في أوكرانيا. وأضاف "يشمل ذلك مدن أوتشاكوف ونيكولاييف وأوديسا. وهم يسعون إلى إنشاء مناطق نفوذ رئيسة هناك. ويسهمون بنشاط في تمويل ونقل الأسلحة إلى أوكرانيا. لقد كان البريطانيون محرضين سياسيين وما زالوا كذلك".

وبحسب تشيبا، إذا قاوم زيلينسكي المنتهية ولايته الرئاسية منذ أكثر من عام، فإن أجهزة الاستخبارات البريطانية قد تنفذ انقلاباً في أوكرانيا. وزيلينسكي سيقاوم بالتأكيد. فهو يطمح بالبقاء في السلطة لأن مصيره في المستقبل سيكون حزيناً. لذلك، وحدها السلطة هي التي تخوله الحفاظ على منصبه، وربما حياته، لهذا السبب سيناضل من أجل ذلك، وسيحاول البريطانيون إما استبداله في الانتخابات، أو، كما يقولون، تدبير انقلاب، وهو ما يعشقونه، وقد فعلوه مراراً في بلدان مختلفة.

ما الذي سيتغير؟

صرح النائب السابق في البرلمان الأوكراني فولوديمير أولينيك، بأنه لا توجد عملياً أية مشاريع سياسية أو ممثلين لـ"حزب السلام" مع روسيا في أوكرانيا. وأضاف "الجميع هناك ينتمون لحزب الحرب. على سبيل المثال سيفوز زالوجني، لكن بماذا يختلف هذا الجنرال عن زيلينسكي؟ لقد صرح بالفعل بأنه إذا لزم الأمر، لخدمة مصالح أوروبا، سنحشد النساء. الأمر سيان".

ذكرت صحيفة "أوكرينسكا برافدا" أن الصراع بين زالوجني ورئيس أوكرانيا تصاعد في أوائل نوفمبر الماضي بعد تصريحات القائد العام لمجلة "إيكونوميست"، حين أشار الجنرال إلى أن الجيش الأوكراني لا يستطيع تحقيق اختراق على الجبهة، وأكد أن "إطالة أمد القتال بشكله الحالي محفوف بأخطار كبيرة على القوات المسلحة الأوكرانية".

وآنذاك رد زيلينسكي علناً على كلام زالوجني، ففي مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قال إنه لا يعتبر الوضع على الجبهة مأزقاً، مضيفاً أن "جيش البلاد يجد نفسه في ظروف أكثر صعوبة". وقد وفر هذا الجدل لوسائل الإعلام مبرراً للحديث عن تحضير مكتب الرئيس الأوكراني لإقالة القائد العام بهدف التخلص من منافسه في الانتخابات.

الجنرال النبيل

على رغم إقالة زيلينسكي للجنرال زالوجني من منصبه وإبعاده من البلاد في مهمة سفير لأوكرانيا في بريطانيا، رفض زالوجني الرد على اتصال هاتفي من نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بعد التلاسن بين فلاديمير زيلينسكي والرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، فبراير الماضي، معتبراً أن هذا التلاسن مع رئيس البلاد أمام الكاميرات إهانة وطنية.

ونقلت صحيفة "غارديان" البريطانية عن مصادر مطلعة أنه بعد الفضيحة في المكتب البيضاوي، حاول بعض أعضاء فريق ترمب على ما يبدو الاتصال بالمرشحين المحتملين لمنصب رئيس أوكرانيا. وجرت الإشارة إلى أن فانس أراد استخدام "قنوات دبلوماسية مختلفة وغيرها" للتواصل مع زالوجني، لكن الأخير بعد التشاور مع رئيس مكتب زيلينسكي أندريه يرماك، رفض الرد على المكالمة.

وترى الصحيفة أن هذه الحادثة تظهر مدى تعقيد وضع زالوجني، فهو من جهة لا يزال مخلصاً للحكومة التي أرسلته إلى لندن بعد تركه منصب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، ومن جهة أخرى يضغط عليه كثر في أوكرانيا وخارجها لإطلاق حملته السياسية الخاصة استعداداً لانتخابات رئاسية محتملة في أوكرانيا.

ماذا يقول المتخصصون؟

لم يثر خطاب زالوجني في نوفمبر الماضي حول عجز الجيش الأوكراني عن تحقيق اختراق على الجبهة موجة من الإشاعات حول خلافه مع زيلينسكي فحسب، بل أثار أيضاً الحديث عن إمكان بدء حوار بين روسيا وأوكرانيا. وذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز"، نقلاً عن مصادر لم تسمها، أنه بعد تصريحات القائد العام حول الوضع على خط المواجهة، تساءل بعض القادة الغربيين عما إذا كان الوقت قد حان لكييف للانتقال إلى المفاوضات. 

"لقد فاجأت صراحة زالوجني كثيراً من الأوكرانيين، حتى إن بعض القادة الغربيين اتصلوا بكييف ليسألوا عما يعنيه ذلك، وما إذا كانت المفاوضات أصبحت الآن أولوية"، كما كتبت الصحيفة.

وخاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجنرالات الأوكرانيين علناً في الأيام الأولى لبدء هجوم القوات الروسية على أوكرانيا، داعياً إياهم إلى انتزاع السلطة من أيدي "مدمني المخدرات والنازيين الجدد المقيمين في كييف" والتفاوض مع موسكو. وقال الرئيس بوتين آنذاك "يبدو أن التفاوض سيكون أسهل علينا".

لكن وعلى رغم أن زالوجني يعتبر شخصية معارضة لزيلينسكي، فإنه لا ينبغي أن تكون هناك أوهام غير ضرورية في شأنه، كما يقول عالم السياسة السابق في دونيتسك والمراقب لمجموعة "روسيا اليوم" الإعلامية فلاديمير كورنيلوف.

عندما نناقش احتمالات وصول زالوجني إلى السلطة، أود أن أذكركم بأنه كان يعشق الوقوف أمام تمثال ستيبان بانديرا. وقد صور زالوجني نفسه، أخيراً في الأقل، قومياً راديكالياً. لذا، لا جدوى من الانغماس في الأوهام، على ما يبدو، كما أوضح كورنيلوف.

بماذا يشتهر زالوجني؟

وفاليري زالوجني عسكري محترف، خاض جميع مراحل الخدمة العسكرية. وتولى أول منصب قيادي له عام 2007، حين أصبح رئيساً للأركان ونائباً أول لقائد اللواء الآلي الـ24 في يافوريف (منطقة لفيف). بعد ذلك قاد زالوجني اللواء الآلي المنفصل الـ51 في منطقة فولين، ومنذ يوليو 2014 شارك في العمليات القتالية في دونباس، وعين نائباً لقائد القطاع "ج"، وخاض معركة ديبالتسيف.

في عام 2017 منح رتبة لواء وعين نائباً أول لقائد إحدى القيادات العملياتية الثلاث التي تقسم إليها القوات البرية الأوكرانية (القيادة الغربية). من عام 2018 إلى 2019 كان رئيساً لهيئة العمليات المشتركة للقوات المسلحة الأوكرانية ونائباً أول لقائد القوات المشتركة، ومنذ عام 2019 قائداً لقوات القيادة الشمالية.

في يوليو 2021 أصبح زالوجني القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، وفي مارس (آذار) 2022، رقي إلى رتبة جنرال في الجيش الأوكراني. ويصفه المحللون العسكريون بأنه مؤيد لتكتيكات حلف شمال الأطلسي، على سبيل المثال ألزم زالوجني الجيش دراسة اللغة الإنجليزية، ودافع بنشاط عن الانضمام إلى الحلف.

 

في العام الماضي، أدرج اسمه ضمن قائمة مجلة "تايم" لأكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم. وكما هو معلوم من تسريبات مختلفة من أروقة السلطة في كييف، فقد عبر القائد العام مراراً وتكراراً عن معارضته لقرارات زيلينسكي. على سبيل المثال لم يرد تنفيذ أمر الرئيس بالدفاع حتى النهاية عن باخموت (أرتيموفسك)، حيث تكبدت القوات المسلحة الأوكرانية في النهاية خسائر فادحة، واعترض على تكرار عملية مماثلة في أفدييفكا.

وقال نائب رئيس مجلس مدينة أوديسا السابق والمتخصص السياسي والعسكري إيغور ديميتريف "من خلال خطاباته، نجح زالوجني حقاً في كسب تعاطف المواطنين، وكذلك كثير من النقاط السياسية، وخلق تهديداً للرئيس".

وبحسب ديميتريف فإن هذا هو السبب في تحول اهتمام زيلينسكي من شخصية القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية إلى "خصمه" في التسلسل الهرمي العسكري، قائد القوات البرية الجنرال أوليكساندر سيرسكي.

وبحسب مصادر كثيرة، يشكل زالوجني الآن تهديداً سياسياً لزيلينسكي، إذ تضاعفت سلطته تقريباً. ويتحدث كثر عن احتمال وقوع انقلاب عسكري أو فوز رسمي لزالوجني على زيلينسكي في حال إعادة انتخابه، ويعتبر سيرسكي بطلاً عسكرياً بديلاً يتحول التركيز إليه في التصريحات العامة، كما أضاف ديميترييف.

فرص زالوجني

يعتبر المتخصص السياسي دميتري جورافليف أن زالوجني الذي يشغل حالياً منصب السفير الأوكراني لدى بريطانيا لديه كل الفرص ليصبح رئيساً جديداً لأوكرانيا، وأوضح أن القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية لن يواجه أية مشكلات إلا إذا لم تدعم واشنطن ترشحه.

وقال جورافليف "هناك احتمالات، فقد غادر زالوجني من دون هزيمة، إذ ترك القوات المسلحة الأوكرانية بسلام. علاوة على ذلك نعلم أن بريطانيا تدعمه، والبريطانيون متخصصون في العلاقات العامة وممتازون".

في الوقت نفسه أشار إلى أن فوز زالوجني في حال مشاركته في الانتخابات الرئاسية قد يعرقل من قبل الولايات المتحدة. وأقر المتخصص السياسي بأن واشنطن ستعارض ترشحه إذا رأت أن القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية يقوض عملية السلام.

إذا أدركت الولايات المتحدة أن زالوجني ينوي مواصلة الصراع، فستتدخل، كما أكد المتخصص السياسي. أما بالنسبة إلى العلاقات مع روسيا فمن المستبعد بالطبع أن يكون معجباً بنا، لكن في الأقل لم يكن لدى زالوجني الوقت الكافي لتوقيع أية وثائق، لذا فهو يتمتع بحرية أكبر من تلك التي يتمتع بها الرئيس الأوكراني الحالي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع من تتفاوض روسيا؟

يعتقد المراقب السياسي لمجموعة "روسيا سيغودنيا" الإعلامية، فلاديمير كورنيلوف، أن فاليري زالوجني أصبح منذ فترة طويلة "ربيب لندن"، وأن إعداده كخليفة لزيلينسكي مستمر منذ فترة طويلة.

وأشار إلى أن "نشاطه في جميع المجالات لاقى استحسان كثر، لقد رأينا أحدث جلسات التصوير حتى في مجلات الموضة اللامعة، حين يحاول تقديم نفسه كشخصية مدنية مؤثرة". ويشكك كورنيلوف في أن تكون هذه المبادرة للعلاقات العامة من صنع واشنطن، ويرى أنه في مثل هذه السيناريوهات لا تلعب الولايات المتحدة الدور الرئيس، و"الخيوط الحقيقية تنسج في لندن".

لكن عالم السياسة يؤكد استحالة الحديث عن انتخابات نزيهة في ظل الأحكام العرفية والرقابة الشاملة في أوكرانيا. وأوضح كورنيلوف "هذه هي رواية زيلينسكي أساساً. مع أننا نعرف أمثلة على إجراء انتخابات في ظل ظروف مماثلة". ويرى أن الوضع في أوكرانيا لا يبشر بمنافسة عادلة، حتى مع رفع الأحكام العرفية. مضيفاً "إنها ممارسة شائعة استخدمت مراراً وتكراراً في مختلف الدول التابعة. عندما يفقد الحاكم السيطرة يستبدل به ببساطة شخص قادر على إرضاء الأسياد في تلك اللحظة".

ويعتقد كورنيلوف أنه مهما طرأ من تغييرات على الكادر فمن الضروري التذكير ليس بمن يوقع الاتفاقات، بل بمن يطبقها عملياً - لا سيما على خط التماس - وأشار إلى أن موسكو أجرت بالفعل حواراً مع ممثلي كييف في بداية عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لكن ذلك الحوار لم يسفر عن شيء.

وختم قائلاً "الجميع يدرك أن سلطة التفاوض باسم أوكرانيا ليست بيد زيلينسكي أو زالوجني، بل بيد الولايات المتحدة الأميركية. وأياً كان من يعينونه هناك - السفير الأميركي، أو ممثل وزارة الخارجية، أو وزير الدفاع – فيمكن التفاوض مع أي شخص، لكن السؤال الأهم هو من سينفذ الاتفاقات؟".

بمجرد أن يبدأ السباق إلى منصب الرئاسة في أوكرانيا سينضم كثر، لأن زيلينسكي، في الواقع، لا يحظى بكثير من المؤيدين. هناك قوى تؤيد استمرار الحرب، وهي تؤيد زيلينسكي حالياً، لكنها قد تؤيد غداً الرئيس السابق بوروشينكو، الذي أيد أيضاً استمرار الحرب، وزالوجني، لأنه القائد العام، وهذا دوره في العلاقات العامة. وقد يؤيد مؤيدو السلام رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، لأن هذه السيدة التي يطلق عليها لقب "أم الجدايل" قالت كثيراً في حياتها، بما في ذلك كلمات مؤيدة لروسيا، وليس فقط كلمات معادية لها، وفي وقت ما، كانت اتصالاتها الرسمية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصفتها وزيرة الطاقة في أوكرانيا ناجحة للغاية، كما أشار عالم السياسة.

ويرى زيلينسكي أنه لن يفوز بالرئاسة لولاية جديدة إلا إذا أصبح المرشح الوحيد للحزب، وعندها ستجبر أوروبا على التوحد حوله. أما في الحالات الأخرى فهو مقتنع بأنه ربما يخسر.

وأفادت صحيفة "بوليتيكو" بأن ممثلين لإدارة الرئيس الأميركي ترمب أجروا محادثات سرية مع خصوم زيلينسكي السياسيين. وتمحورت المحادثات، وفقاً للصحيفة، حول الانتخابات الرئاسية، إذ تهتم الولايات المتحدة بمعرفة كيفية وسرعة إجرائها في أوكرانيا، وعلى أي مرشح يمكنها أن تراهن للفوز بقصب الرئاسة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير