ملخص
وصول الاستخبارات التركية إلى معسكر الرجمة جاء مباشرة بعد استقبال القيادة العامة للجيش داخل الشرق الليبي رئيس الاستخبارات المصرية اللواء حسن رشاد في زيارة رسمية، وكان ميناء بنغازي استقبل قبلها مباشرة السفينة الحربية "تي جي غي كينالي آدا" التركية، إذ صنفت القيادة العامة الزيارة كدليل على العمق التاريخي للعلاقات بين البحريتين الليبية والتركية.
بدعوة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيتوجه كل من القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى القاهرة، لبحث الاتفاق الليبي - التركي والملف السوداني.
يأتي ذلك بعد زيارة رسمية لرئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن أول من أمس الإثنين، التقى خلالها حفتر في مدينة بنغازي، وركزت المحادثات الثنائية على الأمن الإقليمي والمصالح المشتركة، وتطرقت أيضاً إلى الأمن البحري وتطوير التعاون العسكري.
وصول الاستخبارات التركية إلى معسكر الرجمة جاء مباشرة بعد استقبال القيادة العامة للجيش داخل الشرق الليبي رئيس الاستخبارات المصرية اللواء حسن رشاد في زيارة رسمية، وكان ميناء بنغازي استقبل قبلها مباشرة السفينة الحربية "تي جي غي كينالي آدا" التركية، إذ صنفت القيادة العامة الزيارة كدليل على العمق التاريخي للعلاقات بين البحريتين الليبية والتركية.
يُذكر أن هذه التحركات التركية والمصرية جاءت مباشرة بعد إعلان المبعوثة الأممية لدى ليبيا هانا تيتيه عن خريطة طريق جديدة، تركز على الذهاب نحو تشكيل حكومة موحدة جديدة خلال شهرين، مما دفع عدداً من المراقبين إلى تصنيف هذا الزخم التركي والمصري بأنه يصب في خانة دعم العملية السياسية الليبية، في حين أكد آخرون أنه يأتي في إطار التسابق على التموقع في المياه الإقليمية.
تنافس وتوسع
يقول الكاتب السياسي عبدالله الكبير إنه لا يمكن الحديث عن تقارب مصري - تركي بقدر ما هو تنافس يحكمه تحقيق أهداف توسعية، موضحاً أن مصر تخشى من تقرب تركيا إلى حليفها التقليدي، بخاصة مع تواتر معلومات استخباراتية عن قرب تنصيب حفتر نفسه رئيساً على مناطق سيطرته في الشرق والجنوب والانفصال عن طرابلس.
ويضيف الكبير لـ"اندبندنت عربية" أن وصول اللواء المصري حسن رشاد إلى بنغازي يندرج أيضاً في إطار معرفة موقف حفتر من تهجير أهل غزة إلى ليبيا.
ويرجع الكاتب السياسي هذا النشاط العسكري الدولي في الشرق الليبي إلى هدف تركيا المتمثل في التقرب من حفتر باعتبار أنه يسيطر على الشرق الليبي، حيث منطقة الحدود البحرية مع جنوب المتوسط، وقدرته على دفع مجلس النواب إلى المصادقة على الاتفاق البحري المبرم بين تركيا وحكومة طرابلس عام 2019، وبخاصة أن هناك ضغطاً يونانياً في هذا المجال، والتي ترفض هذا الاتفاق ولا تعترف به وتخشى من مصادقة برلمان عقيلة صالح عليه، منوهاً بأن اليونان تتابع بقلق تطورات العلاقة بين تركيا من جهة، ومصر وحفتر من جهة أخرى.
غاز المتوسط
وينوه الكبير إلى أن ما يهم مصر هو استقرار الوضع في الشرق والجنوب الليبي لارتباط ذلك باستقرار أمنها القومي، وبخاصة بعد رصد تحركات صهيونية مريبة في ليبيا والسودان، أما تركيا فقضيتها الأساس غاز شرق المتوسط والمنافسة حوله مع اليونان وقبرص، ثم التمدد الاستراتيجي في ليبيا.
ويذكر أن تحرك تركيا نحو معسكر الشرق جاء بعد رفض اليونان للاتفاق بصورة رسمية في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وفي مذكرة دبلوماسية أيضاً إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت رسالتها إلى الأمم المتحدة، وفق ما نقله موقع "كاثيميريني" اليوناني، أن أثينا أعلنت أن مواقف ليبيا تفتقر إلى أي أساس قانوني، مؤكدة حقوق اليونان السيادية بحكم الواقع ومن البداية على جرفها القاري ومواردها داخل المناطق المعنية.
وأضافت الرسالة أن" الكتل البحرية المعلنة لليونان الواقعة جنوب بيلوبونيز وكريت، تقع بالكامل ضمن الولاية القضائية اليونانية، وفقاً للقانون البحري الدولي". وأوضحت أيضاً "أن هذه المناطق نشرت سابقاً ضمن النشرات الرسمية للاتحاد الأوروبي والنشرات الوطنية منذ عام 2014 دون أي اعتراض من ليبيا".
أما رسالتها التي احتوت مذكرة دبلوماسية إلى حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، فقد أعلنت عن تشكيل لجنتها الفنية برئاسة نائبة وزير الخارجية ألكسندرا بابادوبولو، لاستئناف المناقشات حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة المعلقة منذ عام 2011.
وانتقدت اليونان مذكرة التفاهم البحرية بين تركيا وليبيا لعام 2019 على خلفية تجاهلها الجزر اليونانية مثل جزيرة كريت وجزر دوديكانيسيا، معلنة أنها بلا أثر قانوني. ونوهت إلى أنها تعيد تذكير الأمم المتحدة بأن موقفها كان دائماً في غياب اتفاقات ترسيم الحدود أن الخط الوسطي المتساوي البعد من أقرب يابسة هو الحد المناسب.
شرعية حفتر
يصف العقيد المتقاعد بالقوات المسلحة الموريتانية البخاري مؤمل الزيارات الرسمية التركية والمصرية إلى معسكر الرجمة بـ"المثيرة للجدل"، ويقول إنها تأتي على القدر نفسه من التوازن الاستخباراتي، ويستبعد أن تكون إحداهما جاءت للرد على الأخرى، متوقعاً أن تكون بعلم الطرفين وبتنسيق بين السلطات التركية والمصرية.
ويرى العقيد الموريتاني أن هناك تنافساً سياسياً سلمياً بين البلدين يحكمه تقارب من أهم مؤشراته زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تركيا العام الماضي، وتبادل كثير من الزيارات الرسمية بين البلدين بعد ذلك.
ويوضح المتخصص في الشؤون العسكرية أن هذا الزخم التركي والمصري تجاه حفتر يعطيه شرعية على حساب حكومة الدبيبة، وبخاصة أن رئيس الاستخبارات التركية تجاوز حكومة طرابلس وتوجه للقاء حفتر رسمياً، محذراً من أن هذا التوجه لا يصب في خانة حل الأزمة السياسية الليبية ولا في استقرار المنطقة المحيطة بليبيا ككل، وبخاصة أن حفتر اتجه لتوريث الحكم لأبنائه.
ويقول إن هكذا زيارات دولية توسع من قوة حفتر مما قد يشجعه على الاندفاع إلى بعض الصراعات في المنطقة وبخاصة منها الصراع في السودان، لا سيما أنه اتهم أكثر من مرة بمساعدة قوات "الدعم السريع" على حساب القوات المسلحة السودانية، وأيضاً سيكون له أثر في انتشار السلاح داخل منطقة الساحل انطلاقاً من ليبيا.
توسيع نفوذ
المتخصص في الشؤون الأمنية العميد عادل عبدالكافي يؤكد أن ما شهده معسكر الرجمة من زخم استخباراتي تركي ومصري يعد أمراً عادياً في إطار بحث الدول على مصالحها، منوهاً بأن التقارب الروسي - التركي شجع تركيا على توسيع نفوذها داخل الشرق الليبي بحكم الامتداد الروسي في المنطقة الشرقية، داخل قواعد "معطن السارة" و"الجفرة" و"براك الشاطئ" و"الخادم" جنوب بنغازي، و"الكفرة" جنوب شرقي ليبيا.
وكشف عبدالكافي أن الأتراك لهم نفوذ في الغرب الليبي ويسعون حالياً إلى توسيع نفوذهم داخل المنطقة الشرقية، وأي وجود عسكري لن يأتي إلا من خلال عقد اللقاءات والاتفاقات وهو ما حدث بالفعل، إذ وقعت اتفاقات عسكرية بين تركيا ومعسكر الرجمة، وفق معلوماته.
وأكد أن الزيارات الرسمية التركية تقلق الجانب المصري الذي يعد الحليف التقليدي لحفتر، موضحاً أن عملية توسيع نفوذ تركيا في الشرق تزعج مصر، وبخاصة أنها تأتي تزامناً مع رجوع حفتر للخلف وتقدم أبنائه على رأس المناصب العسكرية.
ورجح أن تشهد العلاقات الدولية تغيراً في منهجها مع كل من تركيا ومصر، التي ترى أن ممثلها في ليبيا بصدد الانجذاب إلى أنقرة، لذلك سارعت مصر بالحضور إلى الرجمة مباشرة بعد وصول الوفد العسكري التركي إلى معسكر الشرق، حفاظاً منها على الوتيرة نفسها للعلاقات الثنائية مع شرق ليبيا.
المياه الإقليمية
المتخصص في الشؤون الأفريقية بمركز "الجزيرة" محمد تورشين يؤكد أن "مصر تربطها علاقات تاريخية مع حفتر، وتعد من أهم الداعمين الإقليميين له، وفي الاتجاه الآخر تركيا هي الداعم الأكبر لحكومة طرابلس ولكنها الآن تتبع مصالحها، فالشرق الليبي يسيطر عليه حفتر وفيه برلمان، والبرلمان له تأثير ونفوذ في ما يتعلق باتفاقات المياه الإقليمية، وتركيا مهتمة بهذا الأمر كثيراً".
ويقول تورشين إن تركيا تبحث عن ضمان موقف ليبي داعم لها في ما يتعلق بالمياه الإقليمية، بالتالي فنسج خيوط من حرير مع معسكر الرجمة سيسهم في تقوية الموقف التركي الذي تتنازعه اليونان من جهة ومصر من جهة أخرى، وتركيا تدرك جيداً أن الموارد البحرية المتوسطية في حاجة إلى تفاهمات مشتركة.
ويوضح أن عدم وجود تفاهمات ليبية - تركية من الناحية الشرقية سيضر بتركيا باعتبارها ظلت وحيدة، لا سيما أن شمال قبرص هو الذي يدعم تركيا فحسب، وهي في حاجة إلى موقف ليبي موحد داعم لمصالحها للاستفادة من ثروات البحر الأبيض المتوسط، مؤكداً أن توجه تركيا إلى معسكر الرجمة جاء انطلاقاً من الحاجة إلى توطيد العلاقات ولعب دور الوسيط بين الشرق والغرب الليبي، للتوصل إلى تسوية من شأنها تحقيق الاستقرار في البلد.
وحول حضور الاستخبارات المصرية مباشرة بعد وصول الوفد العسكري التركي، يري تورشين أن مصر بصدد تعزيز نفوذها التاريخي، فمصر تعد أي تهديد يأتي من ليبيا خطراً حقيقياً على أمنها واستقرارها، لذلك تعمل على توطيد علاقاتها مع حفتر أكثر، مما يعني أن كل طرف لديه رؤية مختلفة تماماً عن الآخر، وربما تحتاج مصر إلى الاستفادة من الموقف التركي حتى تكون بصورة أو بأخرى مع الجانب اليوناني ولا تخسر الاستفادة من الثروات والمعادن في البحر الأبيض المتوسط، مؤكداً أن تزامن الزيارات الرسمية التركية والمصرية يأتي في إطار التكامل.
وفي ما يتعلق بهدف هذه الزيارات الرسمية، يقول تورشين إن حل الأزمة الليبية يستوجب تقارباً بينهما لأن كليهما لديه مصالح في ليبيا، وتحقيق المصالح لا يتم إلا باستقرارها، لأن مصر بإمكانها فتح أسواق جديدة للتصدير شأنها شأن تركيا.
وأكد أن التموقع في المياه الإقليمية هدف لكليهما للاستفادة من ثروات مياه البحر المتوسط، فإذا توصل إلى تحالف فإنه سيسهم بصورة أو بأخرى في إبعاد اليونان وقبرص من الحلف، منوهاً بأن التحركات الدبلوماسية التركية والمصرية لها دوافع سياسية مرتبطة بالمصالح الاقتصادية التي تظل في حاجة إلى مشاريع سياسية لتحقيقها.