Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يكون تراجع الدولار أكثر ضررا على الاقتصاد المصري؟

محللون يرون أن هبوط العملة الأميركية أو ارتفاعها بصورة عنيفة دليل على عدم استقرار الأسواق ويستبعدون نزوله إلى أقل من 40 جنيهاً

ارتفعت تحويلات المصريين في الخارج إلى نحو 36.5 مليار دولار حتى يونيو الماضي (اندبندنت عربية)

ملخص

"لا أظن تراجع قيمة الدولار مقابل الجنيه في مصر إلى ما دون الـ40 جنيهاً يصب في مصلحة الاقتصاد المحلي، فالهبوط العنيف ليس في مصلحة الاقتصاد المصري".

لا يمكن تجاهل الصعود الأخير للجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، خصوصاً في أغسطس (آب) الجاري، تزامناً مع تحسن مؤشرات عدة من بينها ارتفاع رصيد احتياط النقد الأجنبي للقاهرة بعدما وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، علاوة على ارتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج التي ارتفعت أمس الثلاثاء إلى نحو 36.5 مليار دولار حتى يونيو (حزيران) الماضي موعد انتهاء السنة المالية 2024-2025.

لكن ما لا يمكن تجاهله أيضاً، أن القاهرة لديها محفظة مثقلة بالديون واجبة السداد قبل نهاية العام الحالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل يستطيع الجنيه المصري الصمود أمام العملة الأميركية حتى نهاية هذا العام

المحللون مختلفون خلال حديثهم إلى "اندبندنت عربية"، فيرى بعضهم أن الجنيه المصري سيواصل الزحف بقوة أمام الدولار، بل توقع أحدهم أن تتراجع قيمة العملة الأميركية أمام نظيرتها المصرية إلى أقل من 40 جنيهاً، وهو الأمر الذي استقبله فريق آخر من المحللين بالدهشة والاستغراب على رغم تحسن المؤشرات الاقتصادية أخيراً.

سعر الصرف سيتراجع ليكون أقل من مستوى 40 جنيهاً

فتوقع رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري فخري الفقي تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بصورة تدريجية خلال السنة المالية الحالية (2025-2026)، مؤكداً في تصريحات صحافية أن "سعر الصرف سيتراجع ليكون أقل من مستوى 40 جنيهاً".

الفقي استند في تقديراته إلى استمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية في مصر، أبرزها من وجهة نظره تراجع الدين الخارجي، إضافة إلى تحسن التصنيف الائتماني، فضلاً عن نمو متوقع لمختلف مصادر إيرادات العملة الأجنبية للاقتصاد المصري أبرزها تحويلات المصريين العاملين في الخارج.

ووفقاً لبيان البنك المركزي المصري الصادر أمس الثلاثاء، فشهدت السنة المالية 2024-2025 تدفقات قياسية في تحويلات المصـريين العاملين بالخارج، إذ سجلت نحو 36.5 مليار دولار بمعدل زيادة بلغ 66.2 في المئة، مقابل 21.9 مليار دولار في السنة المالية السابقة 2023-2024.

وأشار المركزي المصري أيضاً إلى ارتفاع التحويلات خلال الربع الأخير من العام المالي 2024-2025 في الفترة من أبريل (نيسان) حتى يونيو الماضيين بمعدل 34.2 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى نحو 10.0 مليار دولار، مقابل نحو 7.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من السنة المالية 2023-2024 (من أبريل إلى يونيو عام 2024).

أما على المستوى الشهري، فحققت التحويلات خلال يونيو2025 أعلى مستوى شهري مسجل تاريخياً بمعدل زيادة بلغ 40.7 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى نحو 3.6 مليار دولار (مقابل نحو 2.6 مليار دولار خلال يونيو 2024).

ويرى الفقي أن حساب سعر الصرف في أية دولة يتم عبر طريقتين، الأولى من خلال العرض والطلب، بينما الطريقة الثانية عبر قياس السعر الفعلي الحقيقي للعملة وهو مؤشر يقيس مدى قوة اقتصاد الدولة بوجه عام، ويربط سعر العملة المحلية بسعر عملات أكبر 18 شريكاً تجارياً للدولة".

وتوقع كذلك ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 35 مليار دولار، مدعومة باقتراب تنفيذ مشاريع عربية ضخمة على ساحل البحر المتوسط، أبرزها مشروع ستنفذه شركة قطرية في منطقة "علم الروم" باستثمارات أولية 4 مليارات دولار، مضيفاً أن "مع افتتاح المتحف الكبير والرواج المتزايد لمشاريع مدينة العلمين الجديدة نتوقع نمو عائدات السياحة لتراوح ما بين 18 و20 مليار دولار"، إضافة إلى ذلك، رجح الفقي ارتفاع إيرادات قناة السويس إلى 9 مليارات دولار بحلول يونيو عام 2026.

توقعات رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس  النواب المصري، اصطدمت بتوقعات أخرى مهمة لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في تقرير حديث صادر أول من أمس الإثنين، إذ توقعت أن يبلغ متوسط سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار خلال العام الحالي 48.91 جنيه للدولار، ثم يتعافى الجنيه خلال العام المقبل إلى 47.5 جنيه للدولار، يعقبه تراجع للجنيه في السنوات المقبلة بعد العام 2026، حتى يصل إلى 55.65 جنيه للدولار بحلول العام 2034، وتوقعت "فيتش" أيضا تسارع نمو الاقتصاد المصري إلى 4.7 في المئة خلال السنة المالية الجارية بما يتجاوز مستهدفات الحكومة البالغة 4.5 في المئة مرجحة أن يصل إلى 5 في المئة خلال السنة المالية المقبلة، فيما توقعت معدل نمو بمتوسط ما بين 4.3 في المئة و5 في المئة سنوياً خلال الفترة من 2027 إلى 2034..

في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، كشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع حجم الاحتياط النقدي الأجنبي خلال يوليو (تموز) الماضي إلى49.036 مليار دولار، مقابل نحو 48.7 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، بزيادة قدرها 336 مليون دولار.

ويتكون الاحتياط النقدي الأجنبي لمصر من سلة عملات دولية رئيسة، تشمل الدولار الأميركي والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو" والجنيه الاسترليني والين الياباني واليوان الصيني، وهي نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها في الأسواق الدولية، وتتغير بحسب خطة موضوعة من قبل مسؤولي البنك المركزي المصري.

وعادة يستخدم البنك المركزي المصري حصيلته من العملات الأجنبية، بمكوناته من الذهب والعملات الدولية المختلفة، في تدبير السلع الأساسية وسداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، والتدخل لمواجهة الأزمات الاقتصادية الطارئة أو الاستثنائية، مع تأثر الموارد من القطاعات المدرة للعملة الصعبة.

الهبوط العنيف ليس في مصلحة الاقتصاد

وحول التوقعات التي تشير إلى تراجع الجنيه في مصر، يقول المحلل الاقتصادي هاني جنينة "لا أظن أن تراجع قيمة الدولار مقابل الجنيه في مصر إلى ما دون الـ40 جنيهاً يصب في مصلحة الاقتصاد المحلي"، معتبراً أن هذا الهبوط العنيف ليس في مصلحة الاقتصاد المصري، قائلاً "مش كويس بصراحة".

وأوضح جنينة أن "الهبوط إلى مستويات 45 أو 46 47 جنيهاً مقابل الدولار الواحد هو نطاق جيد بالنسبة إلى معدلات التضخم وكذلك في مصلحة الصادرات المصرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف عن أن "تراجع قيمة الدولار إلى أقل من حاجز الـ40 جنيهاً سيسبب أضراراً بالغة في قطاعات مهمة في الاقتصاد المصري على رأسها قطاع السياحة وضرراً أكبر على حجم الصادرات للخارج وقيمتها"، مشيراً إلى أن استمرار تدفق تحويلات المصريين في الخارج وارتفاعاتها المتتالية أخيراً قد يساعدانا مستقبلاً في تكوين رصيد جيد من احتياط العملات الأجنبية يصمد أمام تحركات سعر الصرف ولا يهم هنا ارتفاع أو تراجع قيمة العملة المحلية، ولفت إلى أننا في مرحلة بناء قوي لرصيد احتياط نقدي أجنبي جيد وليس صحياً الهبوط إلى مستوى أقل من 40 جنيهاً في الأقل هذا العام، وقد يكون ذلك ممكناً العام المقبل، حتى لو كانت هناك وفرة في الحصيلة الدولارية التي تعتمد في جزء كبير منها على الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية).

ارتفاع كلفة التصنيع

وأوضح جنينة أن "ارتفاع قيمة العملة المحلية وتراجعها أمام الدولار سيدفعان التضخم إلى أعلى، مما سيرتفع كلفة التصنيع في مصر ضمن قطاعات مهمة من بينها قطاع المنسوجات، مما يضر بقطاع الصادرات وسط المنافسة في السوق العالمية مع ارتفاع أسعاره".

في أغسطس (آب) الجاري، تدهورت أوضاع الأعمال في القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر للشهر الخامس على التوالي خلال يوليو(تموز) الماضي، إلا أن وتيرة التراجع كانت أقل حدة مقارنة بيونيو السابق له، مع انكماشات طفيفة في النشاط والطلبات الجديدة.

وأظهر مؤشر مديري المشتريات الرئيس "PMI" لمصر الصادر عن "ستاندرد أند بورز غلوبال" في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، أن الشركات رفعت مستويات التوظيف للمرة الأولى منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024، مع انخفاض في حدة تقليص المشتريات.

وارتفع المؤشر من 48.8 نقطة في يونيو إلى 49.5 نقطة في يوليو من العام الحالي، ليظل دون المستوى المحايد البالغ 50.0 نقطة للشهر الخامس على التوالي، ولكنه سجل في الوقت ذاته أعلى قراءة خلال هذه الفترة، مما يشير إلى تراجع طفيف فقط في أداء القطاع الخاص غير النفطي.

استقبلت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة في جامعة القاهرة الدكتورة عالية المهدي، تراجع سعر صرف الدولار في مصر بدهشة، قائلة على صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي "مفيش أي سبب موضوعي مقبول يجعل سعر صرف الجنيه قصاد الدولار يرتفع"، موضحة أن "الصادرات المصرية لم ترتفع بقوة ولم يشهد عجز الميزان التجاري تراجعاً لافتاً، ولم ينخفض معدل التضخم في مصر ليكون أقل من معدل التضخم عند شركائنا التجاريين، كذلك لم تتراجع التزاماتنا تجاه الخارج، ولا تزال هناك أعباء سداد المديونية الضخمة سنوياً!".

وأضافت "صحيح أن رؤوس الأموال الساخنة زادت ووصلت إلى نحو 41 مليار دولار تقريباً"، مستدركة  أن "تلك المؤشرات مقلقة ولا تدعو إلى التفاؤل على الإطلاق، إذ إن تخارج الأموال الساخنة من مصر وارد في أية لحظة، وقد يسبب أزمات كبيرة للاقتصاد المصري"، مؤكدة "يجب أن نفهم سر تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري".

قفزة كبيرة في الدين الخارجي

وعلى رغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، فإن بيانات البنك الدولي كشفت عن أن القاهرة ستسدد نحو 20.3 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي، وتشمل 4.6 مليار دولار ودائع معظمها لمصلحة دول خليجية.

وبحسب البنك الدولي يشهد الربع الأول من عام 2026 ارتفاعاً في المطلوبات لتصل إلى 23.8 مليار دولار، بينها 13.6 مليار دولار فوائد، بينما شهد الربع الثاني من العام الحالي سداد مصر 16.63 مليار دولار.

أما صندوق النقد الدولي فكشف في وثائق المراجعة الرابعة عن أن دول الخليج لن تسترد ودائعها قبل نهاية البرنامج، ولكن قد تحولها إلى أصول.

وتفاوض الحكومة المصرية لتحويل ودائع خليجية لديها إلى استثمارات بما يخلق تحسناً كبيراً في هيكل الدين الخارجي للبلاد ويقلص المبالغ المستحقة التي تؤثر في تصنيفها الائتماني.

وسجل الدين الخارجي لمصر حتى مارس (آذار) الماضي 156.7 مليار دولار، مدفوعاً بزيادة قروض الحكومة بمقدار 2.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، لتسجل 82 مليار دولار مقابل 79.2 مليار دولار بنهاية ديسمبر (كانون الأول) عام 2024.

وتوقع صندوق النقد الدولي قفزة كبيرة في الدين الخارجي لمصر خلال السنة المالية الحالية، ليصل إلى 180.6 مليار دولار مقابل نحو 162 مليار دولار متوقعة بنهاية يونيو الماضي، بحسب المراجعة الرابعة لبرنامج مصر التي أصدرها الصندوق أخيراً.

الصعود أو الهبوط العنيف للجنيه لا يبشر بالخير

ومؤيداً لتصريحات عالية المهدي، اعتبر المحلل الاقتصادي الدكتور مدحت نافع تحرك الدولار مقابل الجنيه في هذا المدى السعري الكبير ليكون أقل من 40 جنيهاً دليلاً على انخفاض ما يسمى "عمق السوق" إذا لم يكُن هناك عمق كافٍ في السوق.

وقال إن "لم تكُن هناك سيولة كافية دولارية تسمح بأن يتحرك الدولار في مدى سعري منضبط ينم عن الاستقرار"، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تراجع قيمة العملة الأميركية إلى أقل من 40 جنيهاً يفتح مجالاً لأن يبلغ سعر صرف الدولار أمام الجنيه 60 جنيهاً أو 70 جنيهاً في النطاق السعري نفسه الذي توقعه"، ولفت إلى أن السيولة وعمق السوق يتحكمان في حركة سعر الصرف، ومع شح السيولة واتساع عمق السوق ستتحرك العملة المحلية بصورة عنيفة غير منضبطة سواء صعوداً أو هبوطاً، ففي حالة الندرة الدولارية أو جفاف السوق بصورة كبيرة مع زيادة الطلب من جانب الحكومة من أجل الوفاء بالالتزامات الدولارية سواء لصندوق النقد الدولي أو غيره ستكون هناك ارتفاعات حادة جداً للعملة الأميركية، أما في حالة الندرة مع زيادة في تحويلات المصريين العاملين بالخارج في ظل التدفقات الاستثمارية غير المباشرة (الأموال الساخنة مثلاً) أخيراً ستدفعان العملة المحلية إلى الارتفاع العنيف، قائلاً "الصعود العنيف أو الهبوط العنيف للعملة المحلية لا يبشر بالخير، مما يعني عدم استقرار السوق المحلية والاقتصاد المصري".

وأكد نافع أن "ارتفاع قيمة العملة أو هبوطها على مدى زمني طويل أو حتى متوسط مرتبط بأدوات تصحيحية في الاقتصاد الحقيقي يشير إلى أن الاقتصاد المصري يسير في الطريق الصحيح، أما تقلب السوق صعوداً وهبوطاً بهذه الصورة الحادة فيعد مؤشراً سلبياً للغاية، لافتاً إلى أن الهبوط السريع يعد عادة مكافأة للأموال الساخنة عند الخروج من السوق، وعادة يعقبه ارتفاع شديد أو ردة شديدة في الاتجاه المعاكس".

اقرأ المزيد