ملخص
من دون سابق إنذار تحركت يد الإجرام في مناطق عدة من الجزائر بصورة أثارت استغراب المتابعين، بخاصة أن الاعتداءات التي استعلمت فيها الأسلحة البيضاء جاءت متزامنة تقريباً، وما زاد من "قلق" الجزائريين المشاهد الدموية والاشتباكات العنيفة بالسيوف والخناجر، التي وثقتها مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد جرى تصويرها عبر كاميرات الهواة والهواتف النقالة.
تشهد شوارع الجزائر عمليات اعتداء وحوادث عنف مروعة، يقف وراءها شباب أثبتت التحقيقات بأنهم من ذوي السوابق العدلية من مروجي المخدرات والمهلوسات والمنحرفين، بينما اختلفت مستويات وأعمار الضحايا من الجنسين، تارة من أجل سرقة هاتف نقال أو مجوهرات أو دراجة كهربائية أو نارية، وأخرى بغية الاستيلاء على مبالغ مالية، مما أفرز وضعاً مرتبكاً لا سيما بعد تداول الجرائم على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة واسعة.
من دون سابق إنذار تحركت يد الإجرام في مناطق عدة من الجزائر بصورة أثارت استغراب المتابعين، بخاصة أن الاعتداءات التي استعلمت فيها الأسلحة البيضاء جاءت متزامنة تقريباً، وما زاد من "قلق" الجزائريين المشاهد الدموية والاشتباكات العنيفة بالسيوف والخناجر، التي وثقتها مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد جرى تصويرها عبر كاميرات الهواة والهواتف النقالة.
المشاهد الصادمة لم تكشف عن بشاعة الفعل فقط، بل سلطت الضوء على ظاهرة اجتماعية آخذة في التفاقم، إذ تتقاطع فيها عوامل انحلال القيم، وتراجع الوازع الأخلاقي، وتزايد تعاطي المهلوسات بين الشباب، وهو الوضع الذي لم يسلم منه كبار السن ولا الأطفال والنساء.
حوادث عنف ودم
عرف شاطئ "شنوة" بمحافظة تيبازة نحو 70 كيلومتراً غرب العاصمة حادثة وثقتها كاميرا هاو لأشخاص هجموا بالسيوف والخناجر على المصطافين، زارعين الرعب وسط العائلات، ثم يتحول الاعتداء إلى مشاجرة كبيرة مع بعض الشباب الذين انتفضوا ضد المجرمين.
كما هزت جريمة أخرى الرأي العام بسبب ما احتوته من لقطات عنيفة، إثر تعرض رجل ستيني إلى اعتداء بالأسلحة البيضاء أمام الملأ، وفي وضح النهار من شخصين قاما بسرقة حقيبته، ثم لاذا بالفرار تاركين إياه ينزف دماً، قبل أن ينقل إلى المستشفى ويخضع لجراحة صعبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حادثة ثالثة وقعت في مدينة بوفاريك التابعة لمحافظة البليدة، نحو 50 كيلومتراً عن العاصمة الجزائر، تداول نشطاء فيديو لأربعة أشخاص ينتمون إلى عصابة أحياء تورطت في بث الرعب بين المواطنين وتهديد أمنهم.
وشاهد ملايين على شاشات هواتفهم وحواسيبهم، الحادثة التي اعتدى فيها شاب على صاحب دراجة نارية، كما جرى تداول فيديو يوثق اعتداء فتاة قاصر تبلغ من العمر 17 سنة على شاب عمره 27 سنة باستعمال أداة الجراحة.
وبقدر ما ارتفعت وتيرة الاعتداءات والجرائم في الشوارع، ارتفع معها الضمير المجتمعي بالتقاط مواطنين صوراً ومقاطع فيديو باستعمال الهاتف النقال وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة للمشاركة في فضح المجرمين والمنحرفين وتسهيل مهمات المصاح الأمنية في القبض على المعتدين، وهو ما تفاعلت معه الجهات المعنية التي ألقت القبض على كل من ظهر في مقاطع الفيديو والصور، ما عدا الذين لاذوا بالفرار.
ولقيت ظاهرة التنسيق "اللاإرادي" بين المواطنين والمصالح الأمنية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي الترحيب والإشادة، لا سيما أنها تجربة جديدة، لكن قطاعات أخرى أدرجت تلك التسجيلات ضمن مجال التشهير والمس بالخصوصية.
لا لانتهاك الخصوصية
يشير الباحث في الجريمة الإلكترونية عبدالرحمن غافر، إلى أن الجرائم الإلكترونية متنوعة، ومنها مقاطع الفيديو التي هي أكثر ما يجري تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، وأكثر ما يجري اتخاذ إجراءات فورية رسمية حياله، مما يستوجب توضيح الأمر في شأن ما إذا كان تصوير تلك المقاطع وتداولها يعتبر ضمن الجرائم الإلكترونية.
ويقول غافر إن بعضهم قد يرى أمامه حادثة معينة يظلم فيها طرف ما، ويمتنع عن تصويرها خشية محاسبته لكونه ارتكب جريمة إلكترونية، بينما قد يقوم آخر بتصويرها ويثبت من خلالها حق طرف ويساعد جهة ما في تبيان الحق، غير أنه قد يتهم بارتكاب جريمة إلكترونية.
ويضيف أن التشهير عبر التصوير أو غيره يعد من المسائل التي يعاقب عليها قانوناً، لأنه يهدف إلى التلصص والتجسس على الحياة الخاصة للأشخاص ونشرها من دون إذنهم، بما يؤذيهم ويؤذي محيطهم العائلي أو العملي وغيره، لكن في حال حصول واقعة ترتبط بجريمة أو حادثة سير أو غيره، فإن القصد الجنائي لا يتوافر عند التصوير في هذه الحال، إنما يكون هدف الشخص إثبات قيام الجريمة أو إثبات الخطأ بوقوع الحادثة.
وأوضح أن هناك من المواطنين من يمر بمواقف مختلفة ربما يحتم عليه أحدها استخدام هاتفه النقال لتوثيقها وضمان حقه، لا سيما أن التصوير يكون هو الدليل الوحيد الذي يدعم موقفه، غير أن بعضهم يتجاوز حقه في التوثيق إلى المساس بخصوصية الآخرين من خلال تصوير وجوههم أو التعليق سلباً، لا سيما إذا اقترن ذلك بتسريب التصوير ونشره على منصات التواصل الاجتماعي.
على رغم العقوبات
ودفع الوضع "غير الآمن" إلى تحرك مختلف الجهات للفت انتباه السلطات إلى ما يتهدد المجتمع، إذ أجمعت منظمات حقوقية وسياسية ومدنية على أن تفشي الاعتداءات المتكررة بالسلاح الأبيض في الأماكن العامة وعلى مرأى من المواطنين، بات يتسبب في ارتفاع درجة الغضب ويحرك مشاعر الانتقام، وطالبت بضرورة تطبيق أقصى العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم ومنع استفادتهم من أي عفو مستقبلي، وقالوا إن حماية الأرواح واستعادة الطمأنينة مسؤولية وطنية تستدعي التدخل العاجل لوقف هذه الظواهر الإجرامية.
وما زاد من المخاوف حدوث الجرائم بصورة عنيفة وعلى نطاق واسع على رغم العقوبات المشددة، إذ يعاقب على حيازة أو استعمال الأسلحة البيضاء من الصنف الثاني أو الثالث من دون ترخيص بالسجن من خمس إلى 10 سنوات وغرامة مالية، أما عن السرقة باستعمال السلاح فتعتبر جناية تصل عقوبتها إلى المؤبد، بينما السرقة مع العنف وتعدد الفاعلين يعاقب عليها بالسجن بين 10 و20 سنة إضافة إلى غرامة.
أمام هذا الوضع "الغريب" فربطت أطراف الظاهرة بانتشار المخدرات على اختلاف أنواعها بما فيها المميتة، وإقبال الشباب عليها بصورة كبيرة على مختلف المستويات من الفقير إلى المستقر مادياً، وفي الأعمار كلها من القاصر إلى الخمسينيات، إذ لم يعد من السهل التحكم في المتعاطين، على رغم الجهود المبذولة حكومياً ومن المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والتعليمية والرياضية.
ترى المتخصصة النفسية سميرة فكراش أن انتشار العنف في المجتمع الجزائري ليس مجرد حوادث فردية معزولة، بل هو انعكاس مباشر لانحلال تدريجي في منظومة القيم والأخلاق داخل المجتمع، كما أن المظاهر المادية والسطحية أصبحت تطغى على السلوكيات، مما أدى إلى تراجع قيم الاحترام والتضامن، وفتح المجال أمام سلوكيات عدوانية تمس الأفراد والجماعات على حد سواء.
وأبرزت أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، التي كثيراً ما اعتبرت أحد أبرز أسباب العنف في المجتمع، لم تعد اليوم سوى غطاء يتذرع به بعض المنحرفين لتبرير أفعالهم العدوانية والحصول على تعاطف المجتمع، موضحة أن الظروف القاسية نفسها أنتجت في المقابل أشخاصاً ناجحين وأسوياء، استطاعوا تحويل معاناتهم إلى قوة دفع نحو التميز، بدل الانجرار وراء السلوكيات الهدامة.
وأشارت فكراش إلى أن المعتدين لا يتحركون فرادى، بل ينخرطون في جماعات أو شبكات صغيرة، إذ يوفر لهم الانتماء إلى هذه المجموعات إحساساً بالقوة والحماية، ويغذي لديهم شعوراً زائفاً بالهيمنة، موضحة أن الفاشلين وحدهم من يلجأون إلى العنف وسرقة ممتلكات الغير أو الاعتداء على الآخرين كوسيلة مختصرة لتسلق السلم الاجتماعي وإثبات الذات بصورة زائفة، في حين أن النجاح الحقيقي يقوم على العمل والاجتهاد واحترام القيم.
وشددت أن الأسرة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في تنامي السلوك العدواني لدى الشباب، بخاصة في بعض التجمعات السكنية ذات الطابع الاجتماعي، إذ يتقاعس الأولياء عن أداء دورهم في تربية وتوعية أبنائهم، بل إن بعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك، فيظهر فخراً بانخراط أبنائه في تعاطي المخدرات أو انتمائهم إلى عصابات الأحياء.
وأضافت أن هناك تحولاً لافتاً في المشهد الإجرامي، إذ لم يعد الأمر مقتصراً على الذكور كما كان في الماضي، بل امتد ليشمل الإناث، في ظاهرة لم تكن مألوفة من قبل، وهو مؤشر خطر على اتساع رقعة الانحراف وتغير البنية الاجتماعية للقيم، وختمت أن بعض حالات العنف قد تكون ناتجة من اضطرابات نفسية أو عقلية غير معالجة، التي يمكنها التأثير في إدراك الشخص للواقع وتدفعه إلى سلوكيات عدوانية.