Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي دلالات لاستهداف مقر الأمم المتحدة في ليبيا؟

تباين آراء المراقبين حول خريطة طريقة تيتيه لتشكيل حكومة وإجراء انتخابات في البلاد

المبعوثة الأممية إلى ليبيا هنا تيتيه خلال إحاطة سابقة لها أمام مجلس الأمن الدولي (الأمم المتحدة)

ملخص

قالت السلطات الليبية في طرابلس إنها فتحت تحقيقاً لتحديد هوية الجناة، وهو استهداف عدته المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا مؤشراً إلى عجز وفشل وزارة الداخلية في حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة ومقار البعثات الدبلوماسية.

شهدت العاصمة الليبية طرابلس تحركات عسكرية، أمس الجمعة، بعد انتهاء المبعوثة الأممية إلى ليبيا هنا تيتيه من تقديم إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي، أول من أمس الخميس، حول الوضع في البلد الأفريقي، حيث سجلت منطقة تاجوراء شرق العاصمة استنفاراً مسلحاً لقوات "رحبة الدروع" بمختلف أنواع الأسلحة.

استنفار مسلح سبقه استهداف لمقر البعثة الأممية للدعم في ليبيا بمنطقة جنزور بصاروخ لم يحقق هدفه، حيث تمكنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الموقتة من إحباط الهجوم من دون أضرار تذكر، معلنة العثور على صاروخين إضافيين وقاذفة داخل سيارة.

وقالت السلطات الليبية في طرابلس، إنها فتحت تحقيقاً لتحديد هوية الجناة، وهو استهداف عدته المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا مؤشراً إلى عجز وفشل وزارة الداخلية في حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة ومقار البعثات الدبلوماسية.

إرباك البعثة

وأكد رئيس الائتلاف الليبي الأميركي فيصل الفيتوري، أن محاولة استهداف مقر البعثة الأممية في جنزور، يحمل دلالات سياسية واضحة أكثر من كونها مجرد فعل عشوائي، موضحاً أن المؤشرات تحمل بصمات فصائل مسلحة في طرابلس متضررة من خطط تقليص نفوذها، لذلك سعت إلى إرباك الحكومة والبعثة الأممية في لحظة دقيقة، يليها شبكات اقتصادية غير شرعية ترى في الاستقرار تهديداً مباشراً لمصادر تمويلها.

ولم يستبعد الفيتوري أن يكون لبعض الأطراف الخارجية دور في الهجوم على مقر البعثة الأممية عبر وكلائهم المحليين لتعطيل مسار التسوية، قائلاً إن بصمات الجماعات المتطرفة تبقى أيضاً حاضرة.

ونوه بأن الهجوم ينسجم مع أسلوبها الدعائي المعتاد القائم على استخدام وسائل بدائية مثل صاروخ "أس بي جي" لإحداث أثر سياسي وإعلامي لضرب رمزية الوجود الدولي في العاصمة، مستبعداً قوة الردع من دائرة الاتهام باعتبارها قوة رسمية تابعة للدولة الليبية.

ودعا رئيس الائتلاف الليبي الأميركي، حكومة عبدالحميد الدبيبة ووزارة داخليتها، إلى الكشف عن الفاعلين عبر تحقيق جاد واعتقالات حقيقية، مطالباً البعثة الأممية بتعزيز حضور قوات أممية لحماية مقارها وضمان استمرار عملها.

وهنا قال المحلل السياسي محمود الرملي، إن العثور على منصة صواريخ موجهة نحو البعثة تزامناً مع الإحاطة الأممية يدل على هشاشة أمنية في ظل التوترات الأمنية والسياسية بين حكومة الدبيبة وقوة الردع.

وحذر من إمكانية حدوث خروقات أمنية ليست بالبعيدة، في الغرب والشرق والجنوب الليبي، مما يتطلب بحسب رأيه الإسراع في توحيد المؤسسة الأمنية للخروج من هذه الأزمة.

خريطة 18 شهراً

وقدمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا هنا تيتيه، إحاطة شاملة أمام مجلس الأمن الدولي، عرضت خلالها خريطة طريق جديدة تتكون من ثلاثة محاور رئيسة، تذهب أولاً إلى تشكيل إطار قانوني وانتخابي جديد عبر تعديل الأطر القانونية والدستورية خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، تزامناً مع إعادة هيكلة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وضمان استقلالها المالي.

وخصص المحور الثاني للخريطة لتشكيل حكومة جديدة موحدة مهمتها تهيئة المناخ الانتخابي، أما المحور الثالث فقد نص على إجراء حوار وطني موسع يضم مختلف مكونات المجتمع الليبي من نساء وشباب ومختلف المكونات الثقافية (تبو وأمازيغ وطوارق وعرب)، وذلك لبحث التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية.

ونوهت رئيسة البعثة الأممية إلى أن عملية التنفيذ ستكون بالتسلسل، موضحة أن مدة التنفيذ قد تراوح ما بين 12 و18 شهراً، مشيرة إلى صعوبة تحديد جدول زمني دقيق لتشكيل الحكومة الموحدة بسبب طبيعة المفاوضات المعقدة، محذرة من إمكانية عرقلة العملية من قبل أطراف تسعى إلى الاستفادة من الوضع الحالي لتعطيل الحقوق الديمقراطية، مؤكدة أن البعثة ستتخذ التدابير اللازمة لحماية هذه العملية.

 

وأشارت إلى استمرار الوضع الاقتصادي المتدهور، مشيدة بالإجراءات التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية لتحسين الرقابة المالية ومكافحة السوق السوداء، داعية إلى اعتماد موازنة موحدة. ووصفت الوضع الأمني بالمتقلب خصوصاً مع تصاعد التوتر في طرابلس ووجود نزاعات بين أجهزة أمنية، مطالبة جميع الأطراف بتجنب التصعيد والاحتكام للحوار.

وأشادت هنا تيتيه بنجاح الانتخابات في 26 بلدية، التي جرت السبت الماضي، رغم الصعوبات، مستدركة أن إجراء الانتخابات لم يكن متاحاً في الشرق والجنوب مرجعة الأمر لما وصفته بـ"سلطات الأمر الواقع في المنطقة الشرقية والجنوبية التي حرمت 27 بلدية من الاقتراع".

ترحيب محلي

رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة أكد ترحيبه بضرورة تعديل القوانين الانتخابية، مذكراً بأن حكومته تدعم إنهاء الأجسام السياسية الموازية، لكنها ترفض استخدامها كذريعة لتأجيل الانتخابات.

من جهتها عدت حكومة أسامة حماد (شرق ليبيا)، المكلفة من البرلمان، أن الذهاب نحو تشكيل حكومة جديدة موحدة أمر ضروري لتحقيق الاستقرار وتوحيد المؤسسات، معبرة عن التزامها بتنفيذ خريطة الطريق بما يشمل الإطار الزمني المحدد لتعديل القوانين الانتخابية خلال شهرين.

رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح دعا إلى تشكيل حكومة موحدة خلال شهرين، مؤكداً شرعية حكومة حماد باعتبارها الحكومة الشرعية المنتخبة من قبل البرلمان الليبي، مرحباً بتعديل القوانين الانتخابية باعتبارها العائق الرئيس الذي أوقف الانتخابات منذ عام 2021.

المجلس الأعلى للدولة من جهته، أكد في بيانه، أمس، ضرورة المضي قدماً نحو إنهاء المراحل الانتقالية للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة تضمن مشاركة واسعة لكل الليبيين، مبدياً استعداده للتعاون مع البعثة الأممية والأطراف الوطنية لتهيئة المناخ المناسب للعملية الانتخابية ومعالجة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه المواطنين. ولم يصدر أي موقف من قبل قائد القيادة العامة بالشرق خليفة حفتر تجاه خريطة طريق تيتيه حتى اللحظة.

دعم دولي

وأعلن كل من مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين واليونان والدنمارك والجزائر ممثلة عن مجموعة "3+1" التي تضم مصر وتونس عن دعمهم للمبعوثة الأممية للدعم في ليبيا وترحيبهم بخريطة الطريق الجديدة.

وقال مندوب روسيا في مجلس الأمن الدولي، إنه يفضل انسحاباً متوازناً وتدريجاً لكل القوات الأجنبية من ليبيا. في حين أعرب مندوب بريطانيا أمام مجلس الأمن عن ترحيبه بخريطة الطريق المطروحة من المبعوثة الأممية لضمان انتخابات وعملية سياسية سليمة، منوهاً بأنها توفر رؤية إيجابية بتوازن مدروس. وأوضح أن العنف في طرابلس يذكرنا بأخطار الفشل في التقدم بالمسار السياسي.

إهدار للوقت

وتعليقاً عن إحاطة هنا تيتيه، قال عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة، إن إحاطتها لا تختلف عن سابقيها، مؤكداً أن المحاور الثلاثة الواردة في خريطة الطريق الجديدة هي مجرد إضاعة للوقت، فالحديث عن الحاجة إلى تعديل القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة "6+6" عام 2023 في العاصمة المغربية الرباط هو إعلان صريح لإقصاء أطراف سياسية معينة أو رغبة في استمرار الانقسام والنهب.

وقال بن شرادة، إن قانون "6+6" اشتغلت عليه لجنة مشتركة بين مجلسي النواب والدولة وأخرجت قانوناً يسمح لكل ليبي بالترشح للانتخابات وهو ورقة خروج كل الأجسام الموازية ولكنه عطل في التنفيذ من قبل المتصارعين .

وتابع، أن القوانين الانتخابية الصادرة عن تلك اللجنة متفق عليها من قبل مجلسي النواب والدولة وهي لا تقصي أحداً، فالعسكريون ومزدوجو الجنسية بإمكانهم الترشح للانتخابات في مرحلة أولي. وفي حال جرى الانتقال إلى المرحلة الثانية من الانتخابات يصبح المترشح ملزماً بإسقاط الجنسية الثانية، وإذا كان عسكرياً يتخلى عن منصبه، لكن هذا القانون حاربه المجتمع الدولي لإقصاء أطراف دون غيرها.

 

وأكد عضو مجلس الدولة أن تيتيه خلطت الأوراق في إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي باعتبار أن اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أكدت في أحد مخرجاتها أنها ستعدل قوانين "6+6"، ولكن عند إحاطة الخميس ربطت المبعوثة الأممية تشكيل حكومة جديدة بتشريعات انتخابية جديدة، وهو ما يجرنا إلى إطالة أمد الأزمة لأن قوانين الانتخابات إذا فتحت سيكون هناك صراع، فالكل سيعمل على إقصاء طرف الصراع المواجه له.

وأكد أن خريطة تيتيه ستطيل أمد الأزمة الليبية لأنها تعد نقطة "العسكري" ومزدوجي الجنسية هي لب المشكلة، مما سيدخل ليبيا في معترك آخر لأن من لديه جنسية ثانية أو يحمل رتباً عسكرية لديه قوة تسيطر على نسبة كبيرة من الأراضي الليبية، ولا يمكن إقصاؤه من المشهد السياسي.

يذكر أن قوانين الانتخابات "6+6" جاءت من رحم اتفاق اللجنة المشتركة من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في المغرب عام 2023، وهي لجنة مكونة من ستة أعضاء عن مجلس النواب وستة أعضاء عن مجلس الدولة، كلفت بإعداد قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا لتمهيد الطريق أمام الانتخابات .

توجه عقلاني

في المقابل قال المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية الليبية محمود الرملي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن محاولة هنا تيتيه إنهاء وجود الأجسام السياسية الحالية في خريطة الطريق الجديدة هو توجه عقلاني، لأن ليبيا تمر بجمود سياسي وانسداد على جميع الأطر التشريعية والأمنية والاقتصادية زادها ثقل وجود حكومتين واحدة في الشرق والثانية في الغرب، وانقسام مؤسساتي حاد يوحي بوجود بلدين منفصلين في رقعة جغرافية واحدة.

وأكد أن ذهاب المبعوثة الأممية لليبيا إلى ضرورة تشكيل تشريعات انتخابية جديدة أمر مهم وضروري لأن صندوق الاقتراع هو الوحيد القادر على ابتلاع الأجسام السياسية الرافضة للتخلي عن السلطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح الرملي أن الواقع الليبي يتطلب خريطة طريق جديدة تسبقه خطوة تصحيحية تتمثل في حكومة جديدة موحدة تكون مهمتها تهيئة المناخ الانتخابي، مؤكداً أنه يعارض ما جاء على لسان عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة حين وصف إحاطة تيتيه بالمشابهة لسابقيها، لأنها جاءت مختلفة وحددت إطاراً زمنياً يراوح بين 12 و18 شهراً لتنفيذ خطتها، وهو أمر لم يسبق أن حصل في إحاطات سابقيها من رؤساء البعثة الأممية للدعم في ليبيا، مما يعني "جدية تيتيه" في حل الأزمة شرط معالجتها لأسباب عدم إجراء الانتخابات في 27 بلدية ليبية واقعة تحت سيطرة حفتر.

ورأى أن ليبيا في حاجة إلى حل سريع يكون بالعمل على تنفيذ خطة تيتيه بداية بتعديل قوانين الانتخابات من زاوية، ومن زاوية ثانية وجود حكومة خلال هذه المدة تزامناً مع معالجة التشريعات الانتخابية ثم التوجه للإعداد لانتخابات تشريعية تنتهي بتغيير مجلسي النواب والدولة.

وعلاقة بمدى إمكانية إنجاز خريطة طريق تيتيه، أوضح الرملي أن هناك عثرة واحدة تتمثل في عدم قبول حفتر بالانتخابات، خصوصاً بعد عمله على توزيع المناصب العليا بالجيش على أبنائه ما يبين أنه يريد توريث الحكم ولا يرغب في تغيير سياسي تحمله صناديق الاقتراع، ولكن الواضح أن المجتمع الدولي ماض نحو التغيير، وذلك واضح من خلال التفافه حول مقترح رئيسة البعثة الأممية في ليبيا القاضي بتشكيل حكومة توافق جديدة.

وطالب المجتمع الدولي بالالتفاف حول خريطة تيتيه للضغط على أطراف الصراع الليبي بالذهاب نحو تشكيل حكومة موحدة جديدة. وبخصوص مصير الأجسام السياسية الحالية قال إن مجرد الحديث عن تشكيل حكومة جديدة كفيل بإذابتها وإزاحتها من المشهد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير