ملخص
تختلف تفسيرات المتابعين لمجريات الأحداث في ليبيا لهزيمة جماعة "الإخوان" بالانتخابات البلدية التي جرت أخيراً، حيث يرى قسم كبير أن الانقسامات التي عرفها هذا التيار تعد سبباً بارزاً في ذلك.
أثارت مؤشرات قوية إلى هزيمة جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا بالانتخابات البلدية التي جرت أخيراً تساؤلات جدية حول مصير التنظيم الذي يواجه نفوذه انحساراً كبيراً لحضوره في المنطقة، إثر سقوطه من دفة الحكم في مصر وتونس والمغرب.
وبحسب النتائج الأولية فإن عديداً من قوائم "الإخوان" أو المحسوبين عليهم قد هزموا، ومن أبرز تلك القوائم "قائمة الرسالة" التي خسرت السباق البلدي في مدينة زليتن (150 كيلومتراً شرق العاصمة طرابلس) أمام "قائمة البصمة" المستقلة، كما خسرت جماعة "الإخوان" السباق الانتخابي في بلدية طرابلس، حيث فازت قائمة "السارية" بغالبية المقاعد، فيما فازت قائمة "عودة الحياة" ببلدية الزهراء، و"القلم 1" في بلدية السواني، وكلها نتائج أتت على حساب قوائم للجماعة.
ليست ظاهرة جديدة
لم تعلق الجماعة فوراً على هذه الهزيمة، فيما تسعى أطراف أخرى من بينها بعثة الأمم المتحدة للدعم إلى الضغط على الفرقاء من أجل استكمال الاستحقاق البلدي، حيث كان من المقرر أن يشمل 63 مجلساً بلدياً، لكن جرى تنظيم الانتخابات في 26 منها فقط، حيث علقت سلطات الشرق هذه الانتخابات.
وعد الناشط السياسي والحقوقي حسام القماطي أن "خسارة 'الإخوان المسلمين' في ليبيا ليست بالظاهرة الجديدة، بل استمرت على مدار العقد الماضي". واستدل القماطي بخسارة الجماعة، شأنها شأن بقية الأحزاب الإسلامية، الانتخابات البرلمانية في 2014، وهو الأمر "الذي أدى إلى الانقسام السياسي الذي تعرفه البلاد الآن، حيث رفضت الجماعة والميليشيات نتائج تلك الانتخابات".
وأوضح القماطي أن "خسارة 'الإخوان' هي حال متكررة في ليبيا، مما يعني أن الجماعة فقدت أي نوع من التأثير داخل المجتمع وأن نفوذها داخل الإدارات في غرب البلاد ليس مبنياً على شرعية شعبية. وهناك عديد من الأسباب التي تقود إلى هذا الأفول لـ'الإخوان'، أهمها وجود وعي مجتمعي رافض للجماعة ومشروعها ويحملها مسؤولية ما حدث في البلاد من صراعات. وهناك أيضاً مرشحون منافسون لهم حتى من نظام القذافي نفسه يبدو أنهم حققوا بعض النجاح".
أقل شعبية
يذكر أن جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا حظرها البرلمان الذي يتخذ من طبرق مقراً له، وذلك في تصويت أجراه عام 2019 في خطوة يرى كثر أنها زادت من إضعاف التنظيم.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024 شن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة هجوماً لاذعاً على الجماعة، وصنفها ضمن 4 كيانات تعوق تقدم العملية السياسية في ليبيا.
واعتبر الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الليبية جلال الحرشاوي أن "'الإخوان المسلمين' في ليبيا أقل شعبية بكثير مقارنة بوضع الجماعة في بقية الدول السنية... تاريخياً، عام 1998 قام معمر القذافي بتدمير الجماعة وتفكيكها بصورة شبه كاملة، وفي عام 2011 لعب أعضاء من 'الإخوان المسلمين' دوراً في الانتفاضة ضده، لكن ذلك الدور لم يكن مبكراً ولا قوياً بأي حال من الأحوال".
وتابع الحرشاوي أنه "في انتخابات عام 2012 لم يحقق 'الإخوان المسلمون' نتائج جيدة، وفي عام 2018 بدأت الجماعة في ليبيا تظهر مؤشرات إلى رغبتها في الاصطفاف مع المشير خليفة حفتر، لكن الحرب على طرابلس في 2019 – 2020 أخرت ذلك المخطط، لكن في السنوات الأخيرة أصبح 'الإخوان' في ليبيا يقتصرون على عدد قليل من الشخصيات الليبية، وأفعالهم غير مفهومة من قبل الشارع، وعملهم تقني للغاية، وغالباً سري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إنهاك متزايد
وتختلف تفسيرات المتابعين لمجريات الأحداث في ليبيا لهزيمة جماعة "الإخوان"، حيث يرى قسم كبير أن الانقسامات أيضاً التي عرفها هذا التيار تعد سبباً في ذلك، إذ سبق أن انشق محمد صوان عن حزب "العدالة والبناء"، الذراع السياسية لتنظيم "الإخوان" في البلاد، وأسس "الحزب الديمقراطي" الذي يتزعمه الآن وبات يقول إنه "محايد".
وإثر هذا الانسحاب الذي قام به صوان، وهو شخصية مؤثرة في تيار الإسلام السياسي في ليبيا، أعلنت الجماعة عن تحولها إلى جمعية تحمل اسم "الإحياء والتجديد" في خطوة اعتبرها منتقدوها مناورة.
وقال الحرشاوي إن "هزيمة جماعة 'الإخوان' في الانتخابات البلدية ستزيد من إنهاكها وإضعافها، والجماعة في ليبيا لم تكن قوية أبداً، واليوم هم منقسمون إلى فصيلين. أحد الفصيلين منشغل بالعمل ليس كحزب ليبي، بل كمنظمة صغيرة تركز على المناورات السياسية التي لا يشرحونها للشعب".
ومضى قائلاً، "هي دائماً سرية جداً وتقنية جداً، ولا يتابعها سوى قلة من الليبيين الأثرياء. لم يعد هذا حزباً سياسياً، بل أصبح شيئاً آخر، وهذا الشيء الآخر سيستمر على الأرجح في العمل بالطريقة نفسها التي كان عليها خلال السنوات الأخيرة. هناك فصيل آخر يقوده عماد بنة، وما زال يحاول أن يعمل كحزب سياسي، لكن هذا الحزب بات أقل أهمية، وأقل شعبية لدى الشارع الليبي. وفي جميع الأحوال شعبية 'الإخوان المسلمين' ضئيلة للغاية الآن".
تنوع كبير وخروقات
وشهدت الانتخابات البلدية في ليبيا مشاركة واسعة بلغت 71 في المئة من المقترعين، مما لفت انتباه كثر، خصوصاً أن هذه المشاركة تأتي على رغم نحو عقد من الانقسام السياسي والمؤسساتي الذي يتربص بالبلاد.
إلى ذلك أقر عميد بلدية زليتن السابق والمرشح للانتخابات البلدية مفتاح حمادي بهزيمة قائمة تابعة لـ"الإخوان" وأخرى للنظام السابق، حيث فازت قوائم مقربة من الجيش الليبي. وأضاف حمادي أنه "في هذا العام هناك تنوع كبير في القوائم التي ترشحت إلى الانتخابات البلدية". وفسر هزيمة "الإخوان" وأنصار نظام القذافي بـ"الانحياز القبلي لدى تصويت الناخبين في ليبيا على حساب الأمور الفكرية والأيديولوجية".
لكن الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الليبية محمد صالح العبيدي يعتقد أن "هذه الهزيمة متصلة في الواقع بانحسار نفوذ جماعة 'الإخوان' في المنطقة، حيث تساقطت أوراقها في المغرب كما تونس والجزائر ومصر".
وبين العبيدي أن "كثيراً من قيادات 'الإخوان' توارى عن الأنظار في ليبيا، أو يحاول لعب دور جديد من خلال المجتمع المدني أو غيره، مما يعكس بالفعل تراجعاً حاداً للجماعة التي بات مصيرها على محك حقيقي".
وفي خضم ذلك ثارت مخاوف جدية من "تزوير" نتائج الانتخابات البلدية، حيث قالت منظمات حقوقية إنها "رصدت خروقاً ومحاولات لتغيير النتائج"، لكن المفوضية العليا للانتخابات لم تعلق على هذه المزاعم.