Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران لم تنتصر على الظلام والعطش بعد نصف قرن من الوعود

كل يوم عطلة جراء أزمة الطاقة أو تلوث الهواء يتسبب بخسائر لا تقل عن 54 مليون دولار

أصبح حجم الأزمة شديداً لدرجة إغلاق الإدارات والبنوك في عدد من محافظات إيران (أ ف ب)

ملخص

تجاهل المرشد علي خامنئي، ومدراؤه المعينون، ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة وشبكات نقل الكهرباء والمصادر المائية والبيئة، وصرفوا مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز على تطوير المنشآت الصاروخية والبرنامج النووي ودعم الميليشيات العسكرية في العراق ولبنان واليمن وغزة.

بعد مرور أربعة عقود ونصف عقد على وعد مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني، بتوفير الماء والكهرباء مجاناً للفئات المستضعفة، تواجه إيران في فصل الصيف لهذا العام أزمة حادة حذر الخبراء منها منذ سنوات، إذ إن النقص الشديد في الماء والكهرباء، اللذين كان من المفترض أن يصبحا مجانيين، دفع البلاد عملياً إلى حالة شبه مشلولة.

بدلاً من معالجة جذور سياساتهم الخاطئة في إدارة الطاقة والبنية التحتية، لجأ مسؤولو النظام الإيراني مرة أخرى إلى أسهل وأغلى حل، وهو إغلاق عشرات المدن والمحافظات وتعطيل دورات العمل والإنتاج والخدمات.

وأصبح حجم الأزمة اليوم شديداً لدرجة أن الإدارات والبنوك في عدد من محافظات إيران، بينها طهران وخراسان رضوي وخراسان شمالي وكرمان وقم وكردستان والأحواز وقزوين وجهارمحال وبختياري، أغلقت ابتداء من أمس الأربعاء الـ20 من أغسطس (آب) وحتى السبت الـ23 من أغسطس الجاري.

وأعلن محافظ طهران أن جميع المؤسسات الحكومية، باستثناء مراكز الطوارئ والرعاية الصحية والأمنية، ستغلق أبوابها السبت أيضاً، وهذا القرار يبدو في ظاهره يهدف إلى تقليل استهلاك الكهرباء، لكنه عملياً يمثل ضربة جديدة لاقتصاد إيران المنهك.

ويقدر الخبراء الاقتصاديون أن كل يوم عطلة في إيران بسبب أزمة الطاقة أو تلوث الهواء يتسبب بخسائر لا تقل عن 5 آلاف مليار تومان (نحو 54 مليون دولار)، وهو رقم قد يلحق أضراراً مميتة بالصناعات الصغيرة والمتوسطة في ظل الركود الاقتصادي وارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الريال والعجز المالي غير المسبوق.

وفي الأسواق المحلية، تسود حالة واسعة من الاستياء، فقد نظم عدد من التجار في طهران وجوانرود وساوه وبابلسر والأحواز وزاهدشهر في محافظة فارس، وعدد من المدن الأخرى، خلال الساعات الـ48 الماضية، احتجاجات على زيادة مدة انقطاع الكهرباء من ساعتين إلى ست أو ثماني ساعات يومياً.

ولا يقتصر تأثير الانقطاعات المتكررة للكهرباء على تعطيل الإدارات فحسب، بل إن تدهور أبراج الاتصالات والبطاريات الاحتياطية لمحطات BTS أدى إلى توقف شبكات الهاتف المحمول مع كل انقطاع للكهرباء.

ويشير المستخدمون في عدد من مناطق إيران إلى فقدان الإشارة بعد دقائق قليلة من انقطاع الكهرباء، مع تراجع شديد في سرعة الإنترنت، بمعنى آخر، لم تعد اليوم في إيران تنطفئ المنازل والشوارع فقط، بل تتوقف أيضاً الشبكة الاتصالاتية والافتراضية عن العمل. 

من جهة أخرى، يزيد نقص الكوادر الطبية الضغط على النظام الصحي في إيران، فقد حذر المدير العام لمنظمة نظام التمريض من أن الأقسام الحيوية في بعض المستشفيات، مثل العناية المركزة والطوارئ، أغلقت بسبب النقص الحاد في التمريض.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن إيران تعاني نقصاً لا يقل عن 100 ألف ممرض، ويزداد هذا النقص يوماً بعد يوم، وهجرة مئات من الممرضين سنوياً بسبب الرواتب المتدنية وضغط العمل الشديد تشكل مؤشراً آخر على الانهيار التدريجي للبنية التحتية الحيوية في البلاد.

خامنئي وسياساته المكلفة

لا يمكن عزو الأزمة الحالية في قطاع الماء والكهرباء في إيران إلى ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاض معدلات الأمطار فحسب، فهذه الأزمة هي نتيجة مباشرة لأولويات النظام الحاكم في إيران خلال أربعة عقود مضت، إذ تجاهل المرشد علي خامنئي، ومدراؤه المعينون، ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة وشبكات نقل الكهرباء والمصادر المائية والبيئة، وصرفوا مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز على تطوير المنشآت الصاروخية والبرنامج النووي ودعم الميليشيات العسكرية في العراق ولبنان واليمن وغزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أدت هذه السياسات إلى حرمان إيران من المياه والكهرباء التي يحتاج إليهما سكانها وصناعتها المحلية في الصيف، ومواجهة نقص حاد في الغاز والكهرباء في الشتاء.

فمحطات الطاقة في إيران، بسبب تآكلها وغياب الاستثمارات الجديدة، لا تمتلك قدرة دعم متبادل، وبمجرد انخفاض مستويات مياه السدود تتراجع طاقة محطات الطاقة الكهرومائية أيضاً، وفي فصل الشتاء، عندما يقل الغاز، تتوقف المحطات الحرارية عن العمل، مما يؤدي في النهاية إلى انقطاعات كهرباء مخططة وتعطيل الأعمال في معظم أشهر العام.

ولا تقتصر أزمة الطاقة حالياً على شل الصناعات والإنتاج فحسب، بل جعلت الحياة اليومية للمواطنين العاديين شبه مستحيلة، فالعائلات التي تضطر يومياً إلى تحمل ثلاث إلى أربع فترات انقطاع للماء تواجه الآن أيضاً انقطاعات كهرباء تصل إلى أربع ساعات أو أكثر.

وأكدت شركة إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء في إيران (توانير) الثلاثاء الماضي، أن الانقطاعات ستنفذ مرتين في الأقل يومياً، مشيرة إلى انخفاض حاد في مخزون السدود وموجة الحر كأسباب للأزمة.

إن إغلاق الشركات والورش الصناعية في محافظة طهران لمدة يومين في الأقل أسبوعياً يعد مثالاً صارخاً على هذه الكارثة، وبحسب نائب المحافظ للشؤون الاقتصادية، فإن المولدات الكهربائية قادرة على تزويد الكهرباء لمدة خمس ساعات فقط، وحتى باستخدام الديزل يمكن تعويض نصف هذا النقص فقط، مما أدى عملياً إلى دخول مئات المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة في حالة شبه توقف.

وعلى المستوى الكلي، تعني هذه الإغلاقات المتكررة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة وتصاعد هجرة القوى العاملة المتخصصة، وعندما تفتقد المستشفيات للكوادر التمريضية وتتوقف مرافق الكهرباء والمياه عن العمل ولا تتمكن الأسواق المحلية من الاستمرار في نشاطها، فإن النتيجة لا تكون سوى تآكل النسيج الاجتماعي وانهيار الثقة العامة واحتمال توسع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام في الأسابيع والأشهر المقبلة.

وفي هذا السياق، لا تزال السلطات الإيرانية تطالب المواطنين بـالتوفير في استهلاك الطاقة، في حين لا تظهر أية إرادة حقيقية لتغيير المسار، فوعودها المتكررة في شأن إنشاء محطات جديدة أو إدارة استهلاك الطاقة لم تتحقق قط، وما يلبث أن تتجدد الأزمة كل صيف وشتاء بأشكال مختلفة، سواء بانقطاع الماء أو انقطاعات الكهرباء الطويلة أو نقص الغاز.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات