Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصريون حائرون بين "حلاوة المولد" ومرارة الغلاء

مواطنون يرون أن سداد الأولويات أهم وآخرون يشترون بالقطعة والأسعار تبدأ بدولارين وحتى 67 دولاراً

 أسعار حلاوة المولد للعام الحالي تبدأ من 2.07 دولار في المناطق الشعبية وتصل إلى 83 دولاراً (أ ف ب)

ملخص

مع استشراء الغلاء عدلت شريحة كبيرة من المصريين أولويات الإنفاق (نمط الاستهلاك) بعدما وجهت أكثر من 95 في المئة من دخلهم لشراء السلع الأساسية والخدمات الضرورية بعيداً من السلع غير الأساسية أو ما يطلق عليها السلع الترفيهية، وعلى رأس قائمة تلك السلع تأتي سلع المناسبات ومنها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

أعادت موجة الغلاء المستفحل التي ضربت مصر منذ 2022 تشكيل أولويات الإنفاق أو أولويات سلة الاستهلاك لدى شريحة كبيرة من المصريين، تلك الشريحة الكبرى هي التي تحملت الضغط المستمر لوتيرة ارتفاع معدلات التضخم طوال الأعوام الثلاثة الماضية.

ومع استشراء الغلاء عدلت تلك الشريحة أولويات الإنفاق (نمط الاستهلاك) بتوجيه أكثر من 95 في المئة من دخلهم لشراء السلع الأساسية والخدمات الضرورية بعيداً من السلع غير الأساسية أو ما يطلق عليها السلع الترفيهية، وعلى رأس قائمة تلك السلع تأتي سلع المناسبات ومنها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي تحل ذكراه خلال الأيام القليلة المقبلة، إذ اقتضت العادات المصرية شراء حلويات مصنعة خصيصاً احتفالاً بهذا اليوم يطلق عليها شعبياً "حلاوة المولد" (تتشكل في صورة عروسة أو حصان من الحلوى أو قطع الحلوى المختلفة بألوان مبهجة تغمرها المكسرات) وينتشر بيعها هذه الأيام من خلال شوادر الحلوى وبعض المحال التجارية والمجمعات الاستهلاكية.

عهد الفاطميين

"تعود صناعة وتوزيع وشراء حلاوة المولد إلى عهد الفاطميين، فهم أول من صنعوا حلوى المولد، إذ كان لديهم مسألة الترويج السياسي لحكمهم وليس الترويج الديني، فهم يقومون بدراسة طبيعة وطبائع الشعوب التي يخرجون إليها، من وجهة نظر اجتماعية، وبمعرفتهم بطبيعة الشعب المصري، وحب المصريين للاحتفالات، لا للأسلحة والحروب، ومن خلال آليات العصر الموجودة في هذا الوقت، استغلوا هذه النقطة كنوع من التودد والترويج لسياستهم"، بحسب ما قال الباحث الأثري المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية سامح الزهار، في تصريحات صحافية.

وأضاف الزهار أن "الفاطميين كانوا يقيمون احتفالات بجميع المناسبات الدينية، مثل الاحتفال بآل البيت والمولد النبوي، وقاموا بعمل مخازن لصناعة الحلوى، وقبل المولد النبوي بشهرين تجهز الحلوى وتوزع مجاناً على الشعب، وعندما زادت الاحتياجات بدأ ظهور محال لبيعها، وحلويات المولد كانت تسمى ’العلاليق‘، لأنها كانت تعلق على أبواب المحال التجارية في سوق مخصوصة للحلويات كانت تسمى سوق الحلوين، ومن ثم أصبحت عادة سنوية مستمرة حتى يومنا هذا".

وحول قصة العروسة والحصان، قال الزهار "هناك رأيان حول أصل حصان المولد، الرأي الأول، أنه يمثل الخليفة صاحب الفتوحات والانتصارات، وهو يجلس فوق الحصان ويحمل السيف، أما الرأي الآخر، في وقت الحاكم بأمر الله، منع جميع الاحتفالات في مصر مدة طويلة وأبقى الاحتفال بالمولد النبوي وحسب، ومن أهم الاحتفالات التي ألغيت الاحتفال بالزواج، واستغل المصريون يوم احتفالات المولد النبوي لإقامة حفلات زفافهم، وهناك كانت رمزية الحصان تمثل العريس الذي استطاع أن يقتنص عروسه في هذا اليوم، فكانت تقام كثير من الزيجات في هذا اليوم، منوها بأنه يميل للرواية الأولى".

أما عن عروسة المولد فأوضح الزهار أن المؤرخين أرجعوا أنها كانت تمثل زوجة الخليفة، وكان هناك أكثر من 1000 شكل لحلويات المولد، ولكن العروسة والحصان هما الأشهر لما يمثلانه من فرحة، لافتاً إلى أن الاحتفالات بالمولد النبوي مرت بكثير من المنعطفات التاريخية والسياسية والاجتماعية، وأصبحت شكلاً من أشكال الصبغة الدينية، وفي مصر الخديوية انتقل من الاحتفال الشعبي للاحتفال الرسمي بتنظيم وزارة الأوقاف.

نابليون بونابرت وحلاوة المولد

المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي أشار في كتابه "التراجم والأخبار" إلى أن المصريين لم يحتفلوا في أحد الأعوام بالمولد النبوي لظروف اقتصادية خلال فترة الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، قائلاً "نابليون بونابرت في حملته الشهيرة على مصر اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها 300 ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكري (نقيب الأشراف في مصر) بحي الأزبكية، وأُرسلت أيضاً إليه الطبول الضخمة والقناديل، وفي الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمناسبة، وعاود نابليون الاحتفال بها في العام التالي في محاولة منه لاستمالة قلوب المصريين، والتودد إليهم".
يقول الفنان التشكيلي، الأستاذ بكلية التربية الفنية، الدكتور عبدالغني الشال صاحب كتاب "عروسة المولد" الصادر عام 1973، "يرجع الربط بين العروس والاحتفال إلى معتقد قديم، وهو أن الله تعالى يخلق الإنسان ومعه القرين، فإذا كان ذكراً كانت قرينته أنثى، وإذا كانت أنثى كان قرينها ذكراً، وشكل العروس يؤكد جمالية المرأة، وفقاً لما اشتهر في العصر الفاطمي".


على أية حال، فقد مرت السنون، وتوارث المصريون ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي بصناعة وشراء وتناول الحلوى في هذا اليوم من كل عام، إلا أن هذا العام تتزامن الاحتفالات مع ضائقة اقتصادية وغلاء مستشرٍ في السلع والخدمات بالتأكيد كان له أكبر الأثر في تغيير السلوك الاستهلاكي خصوصاً بين محدودي ومتوسطي الدخل في مصر.

يقول حازم خليل الذي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص، "التضخم وارتفاع الأسعار خلال الأعوام الثلاثة الماضية جعلاني أعيد التفكير وترتيب أولوياتي، فبعد أقل من شهر سيعود أبنائي لموسم دراسي جديد بما يشمله من مصروفات دراسية وملبس وشراء كتب مدرسية ودروس خصوصية تبدأ من اليوم الأول في العام"، مضيفاً "قررت عدم شراء حلوى هذا العام والاكتفاء بصناعة حلويات منزلية كالرز باللبن، وتوجيه المبلغ الذي وفرته لدفع مصروفات الدراسة لأبنائي الثلاثة"، مشيراً إلى "أنني لكي اشتري علبة حلوى المولد بسعر متوسط وزن لا يقل عن ثلاثة كيلوغرامات حتى يكفي الجميع وليس من النوع الفاخر أحتاج إلى مبلغ وقدره، قد أحتاج إليه لدفع نفقات أخرى".

"سداد الأولويات أفضل"​​​​​​​

بينما تقول أمينة خليل "لدي متأخرات يجب أن أسددها تضمن فواتير كهرباء وغاز ومياه بأكثر من 1500 جنيه (31 دولاراً أميركياً)"، متسائلة "ليه أشترى حلاوة المولد وعليا تلك المستحقات، نسدد الأولويات أفضل"، في حين تؤكد ليلى وحيد مدرسة تعمل بالقطاع الخاص، إنها أقنعت أسرتها أن يأكلون حلاوة المولد هذا العام بالقطعة، وتوضح "بدلاً من شراء علبة كاملة نشتري القطع المحببة لنا فحسب، مما يعني أننا تناولنا الحلويات كما جرت العادة وفي الوقت نفسه لن ننفق مبلغ كبير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 أسعار حلاوة المولد للعام الحالي تتفاوت بين مناطق وأخرى ومحال ونظائرها، لذلك تتراوح الأسعار ما بين 100 جنيه (2.07 دولار) في المناطق الشعبية وأكثر من 4 آلاف جنيه (83 دولاراً) في المناطق الراقية.

وتبدأ الأسعار للعلبة (11 قطعة) بـ100 جنيه، بينما يصل سعر العلبة (19 قطعة) 220 جنيهاً (4.5 دولار)، أما العلبة (22 قطعة) 350 جنيهاً (7.23 دولار) والعلبة (25 قطعة) بـ530 جنيهاً (11 دولاراً)، والعلبة (31 قطعة) 700 جنيه (15 دولاراً)، والعلبة (38 قطعة) بـ950 جنيهاً (20 دولاراً)، والعلبة (47 قطعة) بـ1200 جنيه (25 دولاراً)، والعلبة صفيح عروسة (42 قطعة) 1500 جنيه (31 دولاراً).

وفي ما يتعلق بأسعار حلاوة المولد 2025 في المحال الفاخرة فتتراوح أسعار العلب ما بين 700 جنيه (15 دولاراً) وحتى 3200 جنيه (67 دولاراً)، مع اختلاف كبير في الأحجام والتشكيلات المتاحة، إذ تميز العلب بالألوان، فالأزرق بـ1500 جنيه، والنبيتي بـ1900 جنيه (40 دولاراً)، والفضي بـ2600 جنيه (54 دولاراً)، والأخضر الأعلى سعراً بـ3200 جنيه.

تراجع وتيرة الدعاية والإعلانات

ويبدو أن تراجع وتيرة شراء حلوى المولد أثر أيضاً في الدعاية والإعلانات التي تقوم بها المحال الشهيرة، فغاب عدد من محال الحلويات الشهيرة عن سباق إعلانات موسم "المولد النبوي" هذا العام، على عكس العام السابق، الذى شهد منافسة قوية بينها في الترويج لمنتجاتها.

وأرجع متخصصون في التسويق ذلك إلى الارتفاعات الكبيرة في الأسعار هذا العام، التي أثرت بصورة سلبية في تراجع القوة الشرائية، مما أجبر شركات الحلويات على خفض موازنتها الإعلانية، باستثناء القليل.

وأوضح رئيس مجلس إدارة شركة "اسبريشن" للاستشارات التسويقية خالد النحاس، أن "السياسة التسويقية لمحال الحلويات الخاصة خلال موسم المولد النبوي الشريف اختلفت هذا العام على رغم كونه من المواسم المهمة لهم التي كان من المتوقع أن تشهد منافسة إعلانية مرتفعة، ولكن نظراً إلى الأزمات الاقتصادية الحالية التي أثرت بالسلب في الأسعار، أجبرت بعضهم على الاكتفاء بالترويج عبر مواقع السوشيال ميديا".

وأضاف النحاس في تصريحات صحافية "بعض المنتجين فضلوا عدم التسويق والاعتماد على ولاء الجمهور وحسب، فيما قرر آخرون المغامرة باعتبار أن التسويق يحقق اسماً أكبر ويجذب الانتباه بصورة أعلى".

اقرأ المزيد