Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طهران وطريق ترمب الدولي: هل تنتصر الجغرافيا أم السياسة؟

تكريس حضور أميركي أعمق في محيط ظل فضاء روسياً وإيرانياً بامتياز

الرئيس الأميركي يتوسط رئيس الوزراء الأرميني والرئيس الأذري لحظة توقيع اتفاق سلام (أ ف ب)

ملخص

طريق ترمب الدولي مشروع يتجاوز حدود البنية التحتية ليصبح إعلاناً صريحاً بأن واشنطن تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة وأنها لم تعد تكتفي بإدارة الملف الإيراني من بعيد بل تريد أن تدخل من بوابة الجغرافيا حيث يكون الطريق نفسه هو رسالة النفوذ.

منذ الإعلان عن اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة أميركية برز مشروع "طريق ترمب الدولي" كأحد أخطر التحولات في القوقاز. كما يبدو هنا أن أغسطس (آب) الجاري ساخن سياسياً أيضاً، فالمسألة تتجاوز فكرة ممر بري أو خط نقل، بل إنها محاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ في منطقة شديدة الحساسية حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى وحيث ظلت إيران لعقود طويلة بوابة أساسية وممراً لا يمكن تجاوزه.

هذا المشروع الذي يحمل اسم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقدم كطريق اقتصادي جديد ولكنه في جوهره أداة سياسية لتكريس حضور أميركي أعمق في محيط ظل فضاءً روسياً وإيرانياً بامتياز. وتبرز هنا أهمية هذا الممر، إذ إنه يربط تركيا بأذربيجان عبر أرمينيا ليفتح منفذاً استراتيجياً يمتد نحو بحر قزوين وآسيا الوسطى ويوفر بديلاً عن الطرق التقليدية التي تمر عبر الأراضي الإيرانية.

بهذا المعنى فإن المشروع يتجاوز حدود البنية التحتية ليصبح إعلاناً صريحاً بأن واشنطن تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة وأنها لم تعُد تكتفي بإدارة الملف الإيراني من بعيد، بل تريد أن تدخل من بوابة الجغرافيا حيث يكون الطريق نفسه هو رسالة النفوذ.

في طهران لا ينظر إلى هذا المشروع على أنه صفقة اقتصادية بين جيرانها بل على أنه تهديد مباشر لمكانتها الجيوسياسية عملياً، فهو يقلص دورها كحلقة وصل بين الشرق والغرب ويعيد ترتيب أولويات القوقاز بعيداً منها ويمنح منافسيها فرصة لفرض موازين جديدة على حدودها الشمالية. ولهذا لم تكُن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أرمينيا زيارة بروتوكولية، بل تحركاً سياسياً يرمي إلى التأكيد أن طهران لن تقف متفرجة أمام محاولات تطويقها.

وجاءت زيارة بزشكيان هذه أمس الإثنين لتؤكد في توقيتها ومضامينها أن طهران تتحرك بدقة في مواجهة مشروع الممر الدولي، رافضة أن يرسم مستقبل القوقاز من دون حضورها. والرسالة كانت واضحة، أي طريق يرسم في القوقاز لا يمكن أن يفتح من دون حساب طهران وعلى رغم ذلك لا يتعلق الأمر بالخرائط وحدها، فمشروع كهذا يعني إعادة توزيع موارد الطاقة ومساراتها وإضعاف أوراق إيران الاقتصادية في سوقي أوروبا وآسيا. ومن ثم فإن اعتراض طهران ليس مجرد موقف سياسي، بل معركة دفاع عن عمقها الاستراتيجي وعن فكرة أن وجودها الجغرافي ذاته جزء من معادلة الأمن الإقليمي. والمشروع يضعها أمام اختبار، إما أن تجد طريقة لتوظيف موقعها من جديد أو أن تواجه تراجعاً تدريجياً في قدرتها على التأثير.

والذي يحدث الآن وفي الأفق تتعدد للسيناريوهات. إذا مضى المشروع قدماً بدعم أميركي وترحيب أذربيجاني وتركي، فستكون إيران مضطرة إلى تعويض خسارتها عبر تعزيز شراكاتها مع روسيا والصين أو عبر ضخ استثمارات في ممرات بديلة تمر بأراضيها لتبقى جزءاً من حركة التجارة والطاقة. أما إذا تمكنت من تعزيز اتفاقات حقيقية مع أرمينيا، فستضمن لها دوراً في أية خطط جديدة لهذا الممر الحيوي الشديد الأهمية لها وقد تنجح في إبطاء المشروع أو إعادة هندسته بما لا يهمش موقعها.

وفي كلا الاحتمالين، فإن طهران تدرك أن المسألة لم تعُد مجرد سياسة خارجية بل قضية داخلية أيضاً لأن أية خسارة على حدودها الشمالية ستنعكس مباشرة على ميزان القوى داخل إيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ما الذي يحدث في ما هو أبعد من تفاصيل الممر؟ يبدو من قراءة المشهد السياسي أن المشروع الأميركي يطرح سؤالاً أكبر عن مستقبل موازين القوى في الشرق الأوسط وآسيا معاً، فهل نحن أمام بداية مرحلة جديدة تدفع خلالها إيران إلى عزلة جغرافية متدرجة، بينما تمنح تركيا وأذربيجان موقعاً متقدماً في معادلة الطاقة والنفوذ، أم أن طهران ستستطيع قلب المعادلة وتحول الجغرافيا إلى ورقة ابتزاز استراتيجي تعيد بها فرض نفسها لاعباً لا يمكن تجاوزه؟ الجواب بالتأكيد ليس محسوماً، لكن ما هو مؤكد أن القوقاز لن يبقى كما كان وأن طريق ترمب ليس مجرد طريق، بل إنه مسار كامل يعيد تعريف من يملك القدرة على التحكم في الممرات ومن يترك على الهامش. وفي لحظة سياسية دقيقة يبدو أن إيران أمام خيارين، إما التكيف الذكي مع هذه المتغيرات أو التصعيد الذي يحول ربما القوقاز إلى ساحة مواجهة جديدة.

إذاً، بحسب هذا الواقع نجد أن هذا الممر لن يقاس بنجاحه في شق الأرض وحسب، بل بمدى قدرته على إعادة تشكيل التحركات الأمنية للدول الكبرى في المنطقة. فإذا استقر المشروع، سيكون سابقة تؤكد أن واشنطن قادرة على فرض معادلات جديدة حتى في تخوم روسيا وإيران. وإذا تعثر، فإن ذلك سيمنح طهران فرصة ذهبية لتأكيد أن الجغرافيا لا تزال أقوى من السياسة وأن الطريق نحو آسيا لا يمكن أن يفتح من دون المرور عبرها. وفي كلتا الحالين ستكون الأعوام المقبلة اختباراً لمعادلة القوة والضعف في المنطقة ومعياراً حقيقياً لما إذا كانت إيران قادرة على حماية موقعها من التراجع أو أنها ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة تعريف دورها بالكامل.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء