ملخص
طالبت جبهة الإصلاحات في إيران بتحرير الاقتصاد من قبضة الأوليغارشية الحاكمة وتكريس فرص متساوية لجميع المواطنين، مع توفير بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، وأما في السياسة الخارجية فقد شددت على ضرورة إصلاح النهج القائم على المصالحة الوطنية وتعزيز التعاون مع دول الجوار، إضافة إلى استثمار الفرص للتفاعل البناء على المستوى الإقليمي.
أصدرت جبهة الإصلاحات في إيران بياناً أشارت فيه إلى أن الإيرانيين لا يزالون يعيشون تحت وطأة الضغوط النفسية، وأن ظلال اليأس والقلق لا تزال تخيم على حياتهم اليومية.
وركزت الجبهة في بيانها على ضرورة اتخاذ خطوات عملية ملموسة من أبرزها "تعليق طوعي لبرنامج تخصيب اليورانيوم وفتح مساحة أوسع للتحرك في المجالات السياسية والاقتصادية، في محاولة لإعادة الأمل إلى الشارع الإيراني المتأزم".
وأشار البيان الذي أثار ردود فعل سلبية من التيار المحافظ في إيران إلى نتائج الحرب مع إسرائيل التي دامت 12 يوماً، مؤكداً أن تداعياتها، إضافة إلى التضخم الجامح وركود الإنتاج وانهيار قيمة العملة الوطنية وهرب رؤوس الأموال، جعلت خطر شلل الاقتصادي أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
ودعت الجبهة إلى إعلان الاستعداد لتعليق التخصيب الطوعي وقبول إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقابل رفع كامل للعقوبات، معتبرة ذلك تمهيداً لبدء مفاوضات مباشرة وشاملة مع الولايات المتحدة وفتح الطريق أمام تطبيع العلاقات معها، كما خاطبت مختلف القوى السياسية الوطنية المؤمنة بالإصلاح السلمي ونبذ العنف، إضافة إلى مؤسسات القرار الداعمة لحقوق الشعب، مطالبة إياها إلى التلاقي حول المصلحة الوطنية بدل الاستمرار في الاصطفافات المصطنعة وغير المجدية.
وشدد البيان على أن استمرار النهج الحالي القائم على هدنة هشة ومفاوضات تكتيكية لشراء الوقت لن تنقذا إيران، وأن الطريق الوحيد لإصلاح النظام هو المصالحة الوطنية وإعادة هيكلة الحكم عبر انتخابات حرة وإلغاء رقابة مجلس صيانة الدستور، إضافة إلى إنهاء التوتر والعزلة الخارجية.
مخاوف قيادات إصلاحية بارزة
وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة أصوات قيادات إصلاحية بارزة بينهم الرئيس الأسبق حسن روحاني والمعارض مهدي كروبي، مطالبة بإصلاحات هيكلية عاجلة وعودة الحاكمية للشعب، كما حذر مهدي كروبي من أن استمرار المسار النووي الحالي جرّ البلاد إلى قاع الوادي، داعياً إلى إصلاحات جذرية قائمة على إرادة الشعب قبل فوات الأوان.
في المقابل أكد روحاني أن خفض التوتر مع الولايات المتحدة واجب وضروري، محذراً من أن تجاهل الإصلاحات قد يعيد إيران لخطر اندلاع حرب، داعياً إلى صياغة إستراتيجية وطنية جديدة تركز على التنمية وتعزيز مكانة البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خريطة طريق للإصلاح
وفي بيانها الأخير وضعت جبهة الإصلاحات المكونة من 27 تنظيماً إصلاحياً 11 مطلباً رئيساً، شملت إعلان عفو عام ورفع الإقامة الجبرية عن زعيمي "الحركة الخضراء" مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، وإنهاء القيود السياسية على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي، ووقف قمع المعارضين الإصلاحيين بهدف إعادة بناء الثقة الوطنية ومعالجة الفجوة بين الشعب والنظام.
ودعت الجبهة إلى تغيير خطاب الحوكمة من الصراع الأيديولوجي إلى التنمية الوطنية وحل المؤسسات الموازية، وإعادة هيكلة الأجهزة المعينة وإرجاع كامل الصلاحيات للحكومة، بعيداً من تدخل المؤسسات التي تعمل فوق القانون، كما أكدت ضرورة عودة القوات المسلحة لثكناتها وابتعادها من السياسة والاقتصاد، وفتح المجال أمام حرية الصحافة وإصلاح الإعلام الرسمي، إضافة إلى مراجعة القوانين المتعلقة بحقوق المرأة.
واقتصادياً طالبت الجبهة بتحرير الاقتصاد من قبضة الأوليغارشية الحاكمة، وتكريس فرص متساوية لجميع المواطنين، مع توفير بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، أما في السياسة الخارجية فقد شددت على ضرورة إصلاح النهج القائم على المصالحة الوطنية وتعزيز التعاون مع دول الجوار، مع استثمار الفرص للتفاعل البناء على المستوى الإقليمي.
ردود الفعل التيار المحافظ
وفي المقابل أثار بيان جبهة الإصلاحات موجة من الانتقادات داخل التيار المحافظ، فرأت صحيفة "كيهان" المقربة من المرشد علي خامنئي أن النص والمضامين تسير في خط واحد مع مطامع الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، ووصفت مطالب رفع الحصار عن موسوي ورهنورد والإصلاح الإعلامي والمصالحة الوطنية بأنها "تعكس مصالح الخصوم الخارجيين وتقوض النظام الإسلامي"، كما أكدت "وكالة فارس" التابعة للحرس الثوري الإيراني في تقرير لها أن البيان أثار انتقادات واسعة بين المحللين، واعتبر بعضهم أنه يمثل "وثيقة خضوع لأعداء خارجيين"، في حين رأى مؤيدو الإصلاحات أنها تشكل خريطة طريق تهدف إلى منع الانهيار الاقتصادي والأمني، وأن "محتواه يتوافق مع أهداف طويلة المدى للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مما قد يشير إلى تبعية أيديولوجية أو عملية".
ويعكس تاريخ الإصلاحات السياسية في إيران جدلاً مستمراً حول أهدافها الحقيقية، فكثير من الإيرانيين يرون أن فكرة الإصلاح لم تكن أكثر من خديعة نفذتها أجهزة الاستخبارات داخلياً وخارجياً وحسب، بل إن عملية إصلاح النظام عملية عقيمة، ويؤكد هذا الرأي مؤسس "الحركة الإصلاحية" ومنظرها سعيد حجاريان الذي نجا من محاولة اغتيال نفذها التيار المتشدد، حين صرح بأن "الهدف الرئيس من انبثاق الحركة الإصلاحية هو تكريس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران".
كما اعترف محمد خاتمي، أول رئيس إصلاحي، بأنه لم يكن سوى موظف ضمن النظام، مما يعكس محدودية تأثير التيار الإصلاحي ويكشف الهدف الحقيقي وراء ظهوره، ويبرز هذا التاريخ بوضوح حجم التحديات التي تواجه الإصلاحات السياسية في إيران، ويعكس صعوبة التوفيق بين الطموحات الإصلاحية والقيود الهيكلية للنظام.