ملخص
خلال الأعوام الأربعة الماضية، استخدمت حركة "طالبان" القبضة الحديدية التي ورثتها عن الأمير عبدالرحمن خان، الحاكم القاسي لأفغانستان بين عامي 1880 و1901، لقمع معارضيها ومنتقديها داخل البلاد بوسائل متعددة. واليوم وبعد ترسيخ سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية، تراجعت حتى أصوات المعارضة خارج البلاد ضد حكم حرم الشعب من حقوقه الإنسانية.
بعد أربعة أعوام على عودة حركة "طالبان" للسلطة، غاب اسم أفغانستان عن الصفحات الأولى في وسائل الإعلام الدولية، فيما تواصل الحركة إدارة أحد أكثر الأنظمة قمعاً في تاريخ البلاد المعاصر بعيداً من رقابة المنظمات الحقوقية.
كما استخدمت "طالبان" أسلحة أميركية متطورة تركت في أفغانستان بقيمة تتجاوز 7 مليارات دولار، لتأمين حاجات أجهزتها الأمنية التي تضم 150 ألف عنصر، وتسعى الآن إلى رفع عدد قواتها العسكرية إلى ما لا يقل عن 200 ألف فرد.
وأعلن رئيس أركان جيش "طالبان"، قاري فصيح الدين فطرت الخميس الماضي خلال حديث إلى إذاعة "أميد" التابعة للحركة، أن خطة زيادة عدد أفراد جيش "طالبان" مطروحة على جدول الأعمال، وحدد سقفها ليصل إلى 200 ألف عنصر.
وخلال الأشهر الأخيرة، استقطبت "طالبان" مئات الشبان من مناطق مثل بنجشير وأندارب وكابيسا وبروان التي تعرف بأنها قواعد اجتماعية للمقاومة ضد الحركة، للانضمام إلى جيشها. ووصفت هذه الخطوة بأنها محاولة لاكتساب الشرعية بين القوميات غير البشتونية والتغلغل في الهياكل الشعبية التي كانت انتفضت سابقاً ضد حركة "طالبان"، في وقت تخضع الأجهزة الأمنية للحركة بصورة كاملة لسيطرة قادة من أصول بشتونية، مع قمع صارم لأية معارضة أو انتقاد.
وخلال السنوات الأربع الماضية، استخدمت "طالبان" القبضة الحديدية التي ورثتها عن الأمير عبدالرحمن خان، الحاكم القاسي لأفغانستان بين عامي 1880 و1901، لقمع معارضيها ومنتقديها داخل البلاد بوسائل متعددة. واليوم وبعد ترسيخ سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية، تراجعت حتى أصوات المعارضة خارج البلاد ضد حكم حرم الشعب من حقوقه الإنسانية.
وخلال الفترة ما بين 2021 و2022، اندلعت احتجاجات واسعة داخل أفغانستان وخارجها ضد "طالبان"، كما عقدت منظمات دولية عدة اجتماعات، غير أن العام الحالي لم يشهد سوى بعض التجمعات الصغيرة في مدن أوروبية محدودة، إضافة إلى بيانات صادرة عن خبراء الأمم المتحدة، فيما لم تصدر أية جهة رسمية أو منظمة دولية بياناً رسمياً يدين ممارسات الحركة.
وعلى رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في مطلع أغسطس (آب) الجاري مذكرة توقيف بحق زعيم "طالبان" الملا هبة الله أخوند زادة ورئيس المحكمة العليا للحركة عبدالحكيم حقاني بتهمة ارتكاب انتهاكات ممنهجة ضد النساء، فإن حكومات العالم لم تبدِ أي دعم لهذا القرار، فيما أعلنت "طالبان" أنها لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية.
وخلال العام الأول من حكم "طالبان"، اتخذت الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأوروبية ودول الجوار الأفغاني مواقف واضحة، إذ دعت باستمرار إلى تشكيل حكومة شاملة وضمان حقوق النساء واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على مكاسب عشرين عاماً من حكم الجمهورية. غير أن إصرار نظام "طالبان" على رفض هذه المطالب وإصدارها مراسيم متتالية ضد الحقوق الأساسية للشعب الأفغاني، ولا سيما النساء، دفع دول العالم إلى تعديل مواقفها.
وبعد مرور أربعة أعوام على حكم "طالبان"، بات دبلوماسيو الحركة موجودين في أكثر من 20 دولة حول العالم، من بينها ألمانيا والنرويج، فيما اعترفت روسيا رسمياً بحكومتهم. وخلال العام الماضي، وعلى خلاف ما كان عليه الوضع سابقاً، لم تتلقَّ "طالبان" أية مطالبات من حكومات العالم بتشكيل حكومة شاملة أو احترام حقوق النساء. وعلى رغم استمرار المنظمات الحقوقية في هذا المسار، تصف الحركة معظم هذه المنظمات بأنها أجهزة دعائية وحظرت أنشطتها داخل أفغانستان.
كما منع المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لشؤون أفغانستان ريتشارد بينيت منذ عام 2023 من دخول البلاد، إذ ترفض "طالبان" السماح له بالسفر إليها. وهو، على غرار كثير من الصحافيين والباحثين الأفغان في المنفى، يضطر إلى متابعة الشأن الأفغاني عبر الإنترنت ومن خارج البلاد، مما يصعب حصوله على معلومات مباشرة من الميدان.
قرارات زعيم "طالبان"
منذ عودة "طالبان" للسلطة، أصدر زعيم الحركة الملا هبة الله أخوند زادة أكثر من 100 قرار استهدفت معظمها الحقوق الأساسية للنساء. وأكدت هيئة المرأة في الأمم المتحدة أن أياً من هذه المراسيم لم يلغَ منذ عودة "طالبان" للحكم، مشيرة إلى أن هذه القيود ليست موقتة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أغسطس عام 2024، صادق أخوند زادة على هذه المراسيم في إطار قانون تحت مسمى "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، مانحاً عناصر هذه الهيئة صلاحيات خاصة لتنفيذه. ويشمل القانون قيوداً صارمة في مجالات متعددة، من بينها حظر رؤية وجوه النساء أو سماع أصواتهن ومنع نشر صور الكائنات الحية ومنع نشر محتوى نقدي في وسائل الإعلام، وصولاً إلى فرض قيود على كيفية إقامة حفلات الزفاف ومراسم التشييع.
وعلى رغم أن بعض هذه الإجراءات قوبلت بمقاومة شعبية وحتى من بعض عناصر ومسؤولي نظام "طالبان"، لا يزال عناصر وزارة الأمر بالمعروف يملكون صلاحيات واسعة لتطبيقها.
الجبهات العسكرية والمعارضة ضد "طالبان"
مع انهيار النظام الجمهوري وسيطرة حركة "طالبان"، تشكلت "جبهة المقاومة الوطنية" بقيادة أحمد مسعود في ولاية بنجشير ودخلت في مواجهات مع الحركة، غير أن المعارك الدامية التي خاضتها هذه الجبهة خمدت أواخر عام 2022 بعد مقتل نحو 500 من عناصرها، مما دفع كثيراً من مقاتليها إلى مغادرة أفغانستان. وعلى رغم استمرارها في شن هجمات واتباعها حرب العصابات داخل المدن، لم تتمكن الجبهة من السيطرة على أية منطقة جغرافية محددة.
أما "جبهة حرية أفغانستان" بقيادة الجنرال ياسين ضياء التي ظهرت في أبريل (نيسان) عام 2022، فنفذت خلال الفترة الماضية هجمات متفرقة على "طالبان" في مدن مختلفة. وفي أحدث عملياتها، استهدفت مساء الخميس الماضي نقطة تفتيش للحركة في كابول، لكنها بدورها لم تنجح في فرض سيطرة جغرافية أو تشكيل تهديد جدي لنظام "طالبان".
ومن جهة أخرى، فشل قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة للحركة خلال الأعوام الأربعة الماضية في التوحد وتشكيل جبهة منسجمة. وعلى رغم أن الأحزاب السياسية في المنفى تعلن عبر بياناتها واجتماعاتها الافتراضية دعمها للمقاومة ورفضها مبايعة "طالبان"، فإن جبهة موحدة قادرة على تهديد بقاء الحركة لم تتشكل بعد.
وهذا الواقع جعل أفغانستان، بعد أربع سنوات على عودة "طالبان" للسلطة، تواجه فضلاً عن الفقر والبطالة الواسعة، مستقبلاً غامضاً ومظلماً، مستقبلاً لا مكان فيه للنساء.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"