ملخص
تجهز إسرائيل مدينة خيم إنسانية على أنقاض مدينة رفح لنقل سكان غزة إليها قبل احتلال القطاع، فأين يعيش السكان حالياً وكيف تستعد تل أبيب لأكبر عملية عسكرية منذ بدء الحرب؟
في إطار استعدادات الجيش الإسرائيلي للسيطرة على مدينة غزة، أكبر مركز حضري في القطاع، بدأت تل أبيب تجهيز مدينة الخيم الإنسانية لتهجير نحو 1.1 مليون نسمة إلى أقصى الجنوب قرب مصر.
خطتا الاحتلال والمدينة الإنسانية
وأقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (كابينت) أخيراً خطة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للسيطرة الكاملة على مدينة غزة، وبحسب "هيئة البث الإسرائيلية الرسمية" (كان) فإن "الجيش يعمل على تسريع العملية العسكرية لاحتلال ما بقي من القطاع"، فقد بدأت "الفرقة 99" في الجيش الإسرائيلي عملها العسكري لاجتياح غزة، ولكن ذلك لا يعني بدء عملية احتلال المدينة، إذ لا يزال نحو 1.1 مليون نسمة يعيشون داخل المركز الحضري، بينما تتجهز تل أبيب لترحيلهم نحو مدينة الخيم الإنسانية، وفي يوليو (تموز) الماضي كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن مخطط لإنشاء منطقة مغلقة على أنقاض مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، والتي يحتلها الجيش منذ استئناف الحرب في مارس (آذار) الماضي.
وبحسب كاتس فإن الجيش أزال أنقاض رفح المدمرة ويعمل حالياً على إقامة مدينة إنسانية عبارة عن خيم وملاجئ إيواء استعداداً لاستيعاب جميع سكان القطاع، إذ تخطط إسرائيل لنقلهم نحو المنطقة المعزولة أثناء تنفيذها خطة احتلال القطاع بالكامل، ويقول "سنعمل على نقل الغزيين إلى مدينة الخيم الإنسانية وسيخضع السكان إلى عمليات تدقيق أمنية للتأكد من عدم انتمائهم لـ 'حماس'، وبمجرد دخولهم المنطقة فلن يسمح لهم بالمغادرة وسنعمل على توفير الطعام والمأوى لهم".
إجلاء نحو الجنوب
وبينما يتجهز الجنود الإسرائيليون لاحتلال غزة تعمل وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية على تجهيز مدينة الخيم الإنسانية، وفي الوقت نفسه تواصل القوات البرية التي تعمل في غزة على حشر السكان داخل مناطق ضيقة استعداداً لترحيلهم، إذ يبدو أن نتنياهو لن يتراجع عن العملية المكثفة، ويقول إنه "قبل شن الهجوم سيجري إجلاء السكان المدنيين البالغ عددهم نحو مليونين إلى مناطق آمنة جنوب القطاع، وأتعهد بالمضي قدماً في الهجوم الجديد، ففي نهاية العملية ستكون جميع مناطق القطاع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية".
خيم ومعدات مأوى
ميدانياً بدأت إسرائيل تجهيز مدينة الخيم الإنسانية، ويقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي "نجري تحضيرات لنقل السكان المدنيين من مناطق القتال في مدينة غزة إلى جنوب القطاع ضمن خطة إعادة السيطرة الكاملة على غزة"، مضيفاً "عملنا على توفير الخيم ومعدات المأوى لسكان غزة، ونقل هذه المعدات سيجري عبر الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، والهدف من هذه الإجراءات التمهيد للعملية العسكرية الكبيرة وأيضاً الحفاظ على أمن المدنيين"، موضحاً أن قوات الجيش تسعى إلى تفكيك القدرات العسكرية لـ"حماس"، كما أنها تتخذ احتياطات لتقليل الأذى الذي يلحق بالمدنيين.
وبحسب معلومات "اندبندنت عربية" فإن الجيش الإسرائيلي جهز خط مياه داخل المدينة الإنسانية وعمل على تجهيز أربعة مراكز لتوزيع المساعدات، وبدأ تركيب بوابات حديدية لتفتيش السكان قبل دخولهم للمنطقة الآمنة.
من دون الأمم المتحدة
وجميع هذه التجهيزات لا تشارك فيها الأمم المتحدة كما تؤكد إسرائيل، إذ يقول المستشار الإعلامي لمنظمات الأمم المتحدة عدنان أبو حسنة "لن نشارك في أي مشروع يهدف إلى إجبار سكان غزة على النزوح، والخطط الإسرائيلية لا تستهدف فقط نقل الفلسطينيين داخل القطاع بل تهجيرهم"، فيما يعتبر مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة أن "تجهيز مدينة الخيم الإنسانية محاولة مكشوفة لتجميل جريمة التهجير القسري الجماعي"، ويقول إن "تلك المنطقة فخ دموي، وهذا المشروع يأتي في سياق سياسة ممنهجة لتفريغ محافظات قطاع غزة من السكان واستبدال حق العودة الطوعي والآمن بواقع من الخيم والمناطق المعزولة".
ولا تهتم إسرائيل لرأي سكان غزة ولا لموقف الأمم المتحدة، إذ صدّق قائد الجيش إيال زامير على الفكرة المركزية لخطة إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، والتي تبدأ باحتلال مدينة غزة عبر تهجير الفلسطينيين منها ثم تطويقها وتنفيذ عمليات توغل داخل التجمعات السكنية.
سيطرة تدريجية
أما بالنسبة إلى الخطوات الفعلية على أرض الواقع فقد كثف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية وعمليات نسف وتفجير المباني السكنية في غزة، مما أجبر معظم السكان على النزوح قسراً باتجاه غرب المدينة، وبدأت إسرائيل خطوات فعلية على الأرض لاحتلال ما بقي من مدينة غزة متبعة أسلوب السيطرة التدريجية، إذ شرعت في حي الشجاعية الذي يعيش فيه 110 آلاف نسمة وتبلغ مساحته نحو 14.3 كيلومتر مربع، أي 20 في المئة من مساحة محافظة غزة الإجمالية التي تمتد على 70 كيلومتراً مربعاً ويسكنها 1.1 مليون نسمة.
وامتدت العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية إلى حي التفاح المقدرة مساحته بنحو 2.8 كيلومتر مربع، أي أربعة في المئة من مساحة مدينة غزة، ويسكنه 37 ألف نسمة، ثم بدأت العمليات العسكرية في حي الزيتون البالغة مساحته 9.1 كيلومتر مربع والذي يشكل 13 في المئة من مساحة المدينة ويقطنه 78 ألف نسمة.
ويسيطر الجيش الإسرائيلي حالياً على 37 في المئة من مساحة مدينة غزة المركزية، ويهدد مناطق الصبرة والبلدة القديمة وحي الدرج وتل الهوى بشن هجوم موسع، ليبقى فقط حي الشيخ رضوان والجلاء والنصر والشاطئ والرمال من كل ما تضمه مدينة غزة من أحياء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أين يعيش سكان غزة حالياً؟
أما عن باقي مناطق القطاع وأين يعيش الغزيون الآن، فتشير بيانات وخرائط "جهاز الإحصاء الفلسطيني" إلى أن الجيش يسيطر على 300 كيلومتر مربع من إجمال مساحة القطاع البالغة 365 كيلومتراً مربعاً، أي أن 82 في المئة من مساحة القطاع محتلة و18 في المئة من تلك المساحة يعيش عليها 2.2 مليون نسمة، وبالفعل يعيش سكان القطاع حالياً على مساحة لا تتجاوز 65 كيلومتراً، وبحسب تحليل بيانات أجراه "المرصد الأورومتوسطي" فإن الكثافة السكانية في المساحة الباقية من القطاع تبلغ 40 ألف شخص لكل كيلو متر مربع، وهي كثافة لم تسجل في أية منطقة مأهولة على كوكب الأرض، وخلال الوقت الحالي يعيش 1.1 مليون شخص في مناطق غرب مدينة غزة، ويعانون صعوبة في توفير حاجاتهم الأساس وخصوصاً المياه والغذاء، بينما يعيش 550 ألف نسمة في مناطق وسط القطاع وتحديداً في مخيمات النصيرات ودير البلح والبريج والمغازي، ويقضون حياتهم في ظروف صعبة وقاسية للغاية، أما المنطقة الثالثة التي يوجد فيها سكان القطاع فهي المواصي التي تضم نحو 600 ألف نسمة يعيشون على مساحة لا تتجاوز ثلاثة في المئة فقط من إجمال مساحة القطاع، وحيث لا توجد شبكات مياه أو صرف صحي.
ويعيش معظم سكان غزة في العراء ويجبرون على الفرار مع كل عملية عسكرية، وحالياً يشعر هؤلاء المدنيون بالخوف من سيناريو النزوح الجماعي ويخشون من تفريغ كامل للمدينة غزة، وأن يكون ذلك بوابة تهجيرهم بصورة جماعية خارج حدود القطاع.