ملخص
على كل شواطئ مصر وطوال فصل الصيف كان مصورو الشاطئ من العلامات المميزة بالزي الأبيض الناصع والقبعة والحقيبة السوداء التي يضع فيها الصور والأدوات، تقلص عددهم بشدة خلال الأعوام الأخيرة مع انتشار التكنولوجيا والهواتف المحمولة التي أصبح الناس يستخدمونها في التصوير
في عصر لم يعرف الكاميرات الرقمية ولا الهواتف المحمولة كان مصورو الشواطئ في مصر الوسيلة الوحيدة للحصول على صورة تذكارية، إذ كانوا ينتشرون على الشواطئ بأعداد كبيرة بزيهم الأبيض الناصع والقبعة والحقيبة السوداء التي يضع فيها الصور والأدوات، إضافة إلى الكاميرا المعلقة على الأعناق، وما إن يظهر المصور حتى تلتف حوله الأسر المصرية سعياً إلى توثيق ذكرى الرحلة السنوية بصورة تنضم إلى ألبوم الصور العائلية.
لم يكن الحصول على الصورة فورياً كهذه الأيام، إنما تفاصيل كثيرة من تحميض وطباعة كان الجميع ينتظر متشوقاً رؤية تلك الصور السعيدة، إذ المصور يلتقط الصور على الشاطئ وبنهاية يومه يتجه إلى استوديو التصوير، لتحميض وطباعة الفيلم، ومن ثم يتوجه إليه الناس مساءً لتسلم الصور، وفي بعض الأحيان قد يتيح لهم المصور أن يتسلموها منه شخصياً في اليوم التالي على الشاطئ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عائلات وأطفال وأزواج وأصدقاء ومصطافون من كل الأنحاء كانوا يحرصون على الحصول على صورة على الشاطئ، لكن عاماً بعد عام ومصيفاً بعد آخر تزداد الصور ويكبر الأطفال، ويتحول الألبوم إلى جزء من تاريخ العائلة، ووسيلة أساسية لاسترجاع ذكريات اللحظات السعيدة.
وحتى بدايات الألفية كان حضور مصوري الشواطئ كبيراً من الصباح وحتى غروب الشمس، لكن مع بدايات ظهور الكاميرات الرقمية وانتشار الهواتف المحمولة ذات الكاميرا بدأ دورهم في التقلص، إذ اعتمد الناس على أحد أفراد عائلتهم أو أصدقائهم، الذي يمتلك هاتفاً محمولاً له كاميرا لتصويرهم على الشاطئ، ومع تطور الهواتف والكاميرات والواقع الحالي أصبح الكل مصوراً، فقل الطلب على مصوري الشاطئ.
صورة العائلة
يقول توكل صيام، صاحب معمل تحميض أفلام بمدينة بلطيم الساحلية، "منذ عشرات الأعوام كان مصورو الشاطئ كثراً، معظمهم كانوا طلبة يمتهنون هذه المهنة في فصل الصيف، بعضهم استمر في مجال التصوير، وكثير منهم اتجه إلى مهن أخرى، لكن مصوري الشاطئ كانوا من علامات الشواطئ في كل المدن الساحلية في مصر، ولا يزال عدد محدود جداً من المصورين موجوداً على الشاطئ، يعتمد عليهم البسطاء الذين ربما لا يمتلكون هاتفاً محمولاً بكاميرا جيدة، أو لا يستطيعون التصوير بأنفسهم، لكن بصورة عامة هذه المهنة في طريقها للاختفاء تماماً".
ويضيف صيام، "في الماضي كان الحصول على الصورة يحتاج إلى خطوات عدة، فبعد أن يلتقط المصور الصورة على الشاطئ يتوجه بالأفلام في نهاية اليوم إلى معمل الطبع والتحميض لاستخراج الصورة، ويأتي المصطافون لتسلم الصور من استوديو التصوير، إنما حالياً بعض المصورين على الكورنيش لا على الشاطئ يصورون المصطافين ويرسلون الصور على تطبيق ’واتساب‘. وعليه، فكرة الطباعة والحصول على الصورة على كارت كادت تختفي، ولم تعد مثل زمن سابق".
ويتابع صيام، الذي امتهن طباعة الصور وتحميضها على مدى أعوام كثيرة، "طبيعة الصور ذاتها اختلفت حالياً. سابقاً كانت الصور بسيطة وتلقائية وغير مفتعلة، الهدف منها توثيق اللحظة والاحتفاظ بالذكرى على الشاطئ، أما الآن فكل شيء أصبح مفتعلاً ومنمقاً بشكل مبالغ فيه، أفقده جماله، كذلك من الملاحظ ندرة الصور العائلية، قديماً كانت العائلة تحرص على الاجتماع في صورة واحدة على البحر، أما حالياً فالسائد هو صور الشباب أو صور البنات التي يلتقطونها بغرض النشر على صفحاتهم على وسائل التواصل، وبما يتوافق مع أجواء ’السوشيال ميديا‘ من أوضاع وملابس ومكياج وفلاتر وأشياء كلها مبالغ فيها، الزمن السابق ببساطته وأيامه الجميلة قد ولى وانتهى".
عالم الديجيتال
على مدى عشرات الأعوام كانت الإسكندرية الوجهة الأساسية لكل من يرغب في قضاء عطلة على البحر في خلال أشهر الصيف بمصر، وربما لا يخلو بيت من صورة عائلية أو صور للأطفال على بحر الإسكندرية التقطها واحد من مصوري الشاطئ الذين كانوا يجوبون البحر منذ الصباح الباكر حتى غروب الشمس، ليلتقطوا عشرات الصور يومياً ترصد وتسجل وتوثق لحظات سعيدة لأصحابها مقابل مبلغ بسيط في إمكان غالب رواد الشاطئ.
يرصد المصور السكندري أحمد كوتة حال مصوري الشاطئ بين الماضي والحاضر، قائلاً "مصورو الشاطئ كانوا دائماً من علامات الإسكندرية، وهم لا يزالون موجودين على البحر، لكن بصورة أقل من فترات سابقة وبنفس شكلهم وزيهم التقليدي الأبيض وقبعاتهم المميزة، وما زالت بعض الفئات تعتمد عليهم في التصوير، ومثلما تغير كل شيء انتقل هؤلاء المصورون إلى عالم الديجيتال في الكاميرات، واختفى التحميض، لكن لا يزالون يطبعون الصور في استوديو ليتسلمها المصطافون بصورة الكارت التقليدي، غالب مصوري شواطئ الإسكندرية معروفون بالاسم وكل مصور له منطقة معينة يتجول فيها، لكن بالطبع الإقبال لم يعد مثل السابق باعتبار الاعتماد حالياً على الموبايل".
ويضيف كوتة، "أكثر ما يميز هؤلاء المصورين أنهم اجتماعيون وودودون وقادرون على التعامل مع مختلف الفئات، بخاصة الأطفال الذين كان التقاط صورة على الشاطئ يمثل لهم سعادة بالغة، كما كان يميز مصوري الشاطئ أنه يصطحب شيئاً أشبه بالألبوم به نماذج من صوره وبعضها به بعض الابتكارات التي تشبه تعديل الصور حالياً، لكنها كانت تجري بصورة يدوية، وكان هذا مبهراً للناس في هذا الزمن".
ويتابع المصور السكندري، "المصورون جزء من تاريخ المدينة ومع حب الناس للتصوير حالياً يمكن العمل على تطوير وضعهم، بالعمل على وجود كيان يجمعهم على سبيل المثال، وينظم وجودهم، إحدى الأزمات التي تعانيها هذه المهنة حالياً هو وجود كثير من الأشخاص انتشروا على كورنيش المدينة لعرض خدماتهم في تصوير الناس استغلالاً لحب الناس للتصوير، لكنهم ليسوا باحترافية كافية، إضافة إلى تسببهم في كثير من المضايقات للبعض بعكس مصوري الشاطئ المعروفين بالكفاءة في التصوير والتعامل مع المصطافين".
صور وذكريات
ربما لا يخلو منزل في مصر من ألبوم صور يضم جانباً من ذكريات العائلة في أحداث ومناسبات وأماكن مختلفة، من بينها صور المصايف التي كانت جزءاً رئيساً من الرحلة، يحرص عليه الناس بشكل سنوي، ليمثل تصفح هذه الألبومات استرجاعاً للذكريات مع مرور الأعوام، إضافة إلى التأمل في كيف تغيرت الأماكن وكيف كبر الصغار. حالياً ومع تغير الزمن اختفى ألبوم صور المصايف من منازل الأجيال الجديدة وحلت محله السوشيال ميديا والفلاتر والصور الكثيرة المنمقة التي يلتقطها الناس على مدى الساعة، التي أصبحت هي بذاتها الهدف في بعض الأوقات.
تتذكر السيدة سعاد عبدالله (70 سنة) ذكريات صور المصيف قائلة "في طفولتي كان مصيفنا الرئيس هو مدينة رأس البر، التي كانت من أهم وجهات الصيف في ذلك الوقت، كنا نحرص على أن نجعل مصور الشاطئ يلتقط لنا صوراً عدة كل عام، إذ لم تكن الصور متاحة وكثيرة مثل الآن، لدي حتى الآن مجموعة من الصور مع عائلتي بالأبيض والأسود تشهد على زمن مضى، بعدما تزوجت وأنجبت كانت وجهتنا الإسكندرية وعلى المنوال نفسه كنا نجعل المصور يلتقط صوراً لأطفالي، كانت وقتها الصور ملونة وكان الأطفال يشعرون بسعادة بالغة وقت تسلمها".
وتستكمل، "حالياً في المصيف وفي كل وقت لا يكف أبنائي وأحفادي عن التقاط الصور بالهواتف المحمولة ونشرها على وسائل التواصل بشكل مبالغ فيه، حتى إنني أشعر بأنهم لا يستمتعون بالوقت بقدر اهتمامهم بالتصوير".
تلتقط الحديث ابنتها مروة (38 سنة) قائلة "أتذكر مصور الشاطئ جيداً، وقتها كنا أنا وإخوتي في قمة السعادة عندما يلتقط لنا صوراً على البحر ومعنا ألعاب الشاطئ المختلفة، أتذكر جيداً ملابسهم البيضاء والكاميرات المعلقة في رقبتهم، والقبعات المميزة التي كانوا يرتدونها، وفي واحدة من الصور جعلني أرتدي قبعته ما زلت أحتفظ بها حتى الآن، في هذا الزمن كانت الصورة مصدراً للسعادة، لأنها لم تكن بالوفرة المتاحة الآن".
فيما لا يستوعب مالك (11 سنة) ماذا يعني مصور الشاطئ من الأساس، ولماذا يعتمد عليه الناس لتصويرهم قائلاً "في كل رحلاتنا سواء للساحل الشمالي أو البحر الأحمر نستخدم هواتفنا المحمولة في التصوير، لدينا كثير من الصور. يحتفظ الناس بالصور على الهاتف أو اللابتوب أو يضعونها على ’إنستغرام‘، شاهدت صوراً لأمي وأبي مطبوعة وهما صغيران، كنت أتخيل أن الأسرة من صورتهما".