ملخص
خلال العام الحالي أصبح انقطاع الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وحتى شبكات "الواي فاي"، أمراً شائعاً في جميع أنحاء روسيا، واستمر بعضها لأكثر من ثلاثة أيام. في السابق بررت السلطات ذلك بأنه إجراء أمني، إذ يزعم أنها كانت تحاول منع التحكم بالطائرات الأوكرانية المسيرة عبر شبكات مدنية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يقطع الإنترنت في أوكرانيا على رغم الغارات الجوية المنتظمة للطائرات الروسية المسيرة؟
في نوفمبر 2024 صرح نائب مجلس الدوما الروسي أنطون غوريلكين بأنه "لا يمكن الوثوق في خدمة 'سبيد تيست'، على رغم أن هذه الخدمة اعتبرت لأعوام كثيرة المعيار العالمي لقياس سرعة اتصال الإنترنت، فإنها طوال هذه الفترة كانت تجمع معلومات حول إعدادات الشبكات لمصلحة وكالات الاستخبارات الأميركية".
منذ مطلع أغسطس (آب) الجاري يشتكي الروس في جميع أنحاء البلاد بصورة جماعية من استحالة إجراء مكالمات الفيديو عبر "واتساب" و"تيليغرام". هذه المشكلة التي خلقتها السلطات الرسمية للحد من استخدام هذين التطبيقين الشهيرين أثرت في ملايين المستخدمين بطول البلاد وعرضها، وبدت كما لو أنها مسألة جزائية - قانونية مع أنها في الأصل إجراء سياسي - أمني يراد منه فرض رقابة حكومية واستخباراتية صارمة على كل ما يجري تداوله وتناوله على وسائل التواصل الاجتماعي في زمن الحرب.
ووصف مجلس النواب الروسي (الدوما) في البداية عرقلة عمل تطبيقي "واتساب" و"تيليغرام" بأنها "إشاعات"، ورفضت هيئة الاتصالات الروسية (روسكومنادزور) التعليق على الأمر. إلا أن الهيئة أقرت لاحقاً بتقييدها جزئياً المكالمات عبر تطبيقات المراسلة الأجنبية. وقالت "نفيدكم بأنه لمكافحة المجرمين، ووفقاً لوثائق أجهزة إنفاذ القانون، تتخذ إجراءات لتقييد المكالمات عبر هذه التطبيقات الأجنبية جزئياً". ولم تفرض أي قيود أخرى على وظائفها، وفقاً لبيان صادر عن هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية.
وبعدما أكدت هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية (روسكومنادزور) رسمياً في الـ13 من أغسطس الجاري، "الحظر الجزئي" على المكالمات عبر تطبيقي "تيليغرام" و"واتساب"، بدأ المستخدمون الروس يشكون من مشكلات في الاتصال عبر هذين التطبيقين. وبررت السلطات القيود الجديدة بقلقها على المستخدمين، معتبرة أن حظر المكالمات عبر تطبيقات التراسل من شأنه أن يسهم في مكافحة الاحتيال الهاتفي.
رد فعل التطبيقين!
رداً على الإجراءات الروسية الحكومية في حقهما وعد "واتساب" بالحفاظ على حق الناس في التواصل الآمن، بينما ذكر "تيليغرام" بإمكاناته واستجاب فوراً لحظر المكالمات الصوتية والمرئية على تطبيقه. وصرح ممثلو المنصة بأنهم يحذفون يومياً "ملايين المواد" التي تتضمن محتوى ضاراً ودعوات إلى التخريب والعنف، إضافة إلى رسائل احتيالية. وقال المكتب الصحافي للخدمة "إضافة إلى ذلك طبق 'تيليغرام'، وللمرة الأولى، إعدادات خصوصية مفصلة للمكالمات، بحيث يمكن لكل مستخدم اختيار الجهة التي يستقبل منها المكالمات أو إيقافها تماماً".
بعد ذلك بقليل نشر "واتساب" بياناً رسمياً باللغتين الإنجليزية والروسية، وجاء فيه: "'واتساب' تطبيق خاص، مشفر بالكامل افتراضياً، ويقف في وجه محاولات الحكومات لتقويض حق الناس في التواصل الآمن - ولهذا السبب تسعى السلطات الروسية إلى حظر 'واتساب' على أكثر من 100 مليون مستخدم في البلاد. سنواصل بذل قصارى جهدنا لضمان استمرار توفير الاتصالات المشفرة بالكامل لجميع الناس حول العالم، بما في ذلك بروسيا".
هناك اختلاف جوهري في الصياغة. حاول ممثلو شركة "ميتا" المالكة لتطبيق "واتساب" شرح السبب الحقيقي لحجب إحدى الوظائف الرئيسة لتطبيقهم، إضافة إلى ذلك يوجه النداء بالأساس إلى المستخدمين أنفسهم، الذين تعهدت الشركة تقديم الدعم لهم، لكن يبدو بيان الخدمة الصحافية لـ"تيليغرام"، الذي يستحوذ على غالبية أسهمه مؤسسه الروسي بافيل دوروف، أشبه بمحاولة لتبرير موقفه أمام السلطات، بما في ذلك إظهار مدى جدية إدارة التطبيق في مكافحة المحتوى الضار، وتأكيد أن موقف الخدمة، بصورة عامة، يتوافق مع تطلعات هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية (روسكومنادزور). لا يذكر التعليق الحجب بحد ذاته، وهو ما أشارت إليه أيضاً بعض وسائل الإعلام الروسية. إنه أكثر تحفظاً وحيادية، وهو بالضبط نوع الرسالة المتوقعة من شركة أميركية كبيرة مثل "ميتا".
لكن الأهم هو أن ممثلي "تيليغرام" لم يدلوا بأي تصريحات حتى الآن حول خطط الخدمة لمقاومة القيود. يختلف الموقف الحالي للخدمة اختلافاً جوهرياً عن الموقف الذي اتخذته عام 2018، عندما حاولوا حظر تطبيق المراسلة بالكامل في روسيا. حينها، قاومت "تيليغرام" هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية بنشاط وبنجاح، ونشر مؤسسها، بافيل دوروف، الموقف الرسمي للمنصة شخصياً، لكن هذه المرة لم يعلق رائد الأعمال على حظر المكالمات عبر تطبيقه.
صوت من دون فيديو
كانت مكالمات الفيديو عبر "واتساب" و"تيليغرام" في روسيا توقفت الساعة 11:00 من صباح الـ11 من أغسطس، وحرم سكان عديد من المناطق الروسية من التواصل عبر الفيديو بالصوت والصورة. وبذلك يفقد الروس تدريجاً إمكان الوصول إلى تطبيقات المراسلة المفضلة لديهم حتى إشعار آخر.
وأفاد مصدر في سوق الاتصالات الروسية لصحيفة "كوميرسانت" بأن المشكلات المتعلقة بالمكالمات في تطبيقات المراسلة قد تكون مرتبطة بالحظر الانتقائي للمكالمات في تطبيقي "تيليغرام" و"واتساب"، والذي بدأ اختباره منذ الأول من أغسطس.
وبحلول منتصف أغسطس 2025، كانت روسيا حظرت تقريباً جميع تطبيقات المراسلة الأكثر شيوعاً في روسيا مثل "سيغنال" و"فايبر" و"ديسكورد". وتهدد السلطات بإدراج "واتساب" على لائحة الحظر في الأقل اعتباراً من خريف 2025 وبحظر ميزة "القنوات"، مثل "تيليغرام" الذي لن يتوفر في روسيا في نهاية المطاف.
ليس جرس الإنذار الأول
نشأت استحالة إجراء مكالمات الفيديو عبر "واتساب" و"تيليغرام"، في جميع أنحاء روسيا تقريباً، بعد أقل من يوم على ظهور معلومات في مصادر مفتوحة حول محاولات شركات الاتصالات الأربع الكبرى الضغط من أجل حظر جميع المكالمات عبر هذه التطبيقات. وتحديداً في الـ10 من أغسطس 2025، كتبت مجلة "فوربس"، نقلاً عن مصادرها في الحكومة الروسية، أن شركات الاتصالات بررت طلبها بدافع القلق على المواطنين.
وأوضحت المجلة أن مبادرة المشغلين طرحت في مايو (أيار) الماضي، في إطار جلسة استراتيجية لتطوير الاتصالات. ووفقاً لهم، فإن نمو حركة الإنترنت عبر الهاتف المحمول، مقترناً بارتفاع كلفة محطات القاعدة، قد يؤثر سلباً في سرعة الوصول إلى الإنترنت.
يزعم أن سكان المدن الروسية الكبرى معرضون للخطر، ولكن إذا حظرت جميع المكالمات عبر تطبيقات المراسلة الأجنبية، فلن يكون هناك فائض في حركة الاتصالات المحمولة، وفقاً لممثلي شركات الاتصالات الفيدرالية.
وكسبب إضافي لحظر المكالمات حصرياً في برامج المراسلة الأجنبية، تحجج مشغلو الاتصالات بنشاط المحتالين الإلكترونيين الذين يقولون إنهم يتصلون بالروس في المقام الأول من خلال الخدمات الأجنبية.
كل شيء متوقف على قرار بوتين
ومع ذلك لا يزال النقاش جارياً جول اعتماد الحظر الكلي لهذين التطبيقين الشهيرين، أو الاكتفاء بالحظر الجزئي المفروض حالياً، لكن القرار النهائي في هذا الأمر كما في كل الأمور الأخرى، بيد الرئيس فلاديمير بوتين. بالتالي، فإن الروس، بمن فيهم من لديهم أقارب في الخارج، والذين تكلفهم كلفة باهظة للاتصال بالإنترنت المنتظم، لا يزالون يخاطرون بفقدان فرصة توفير كلفة المكالمات.
من المهم تأكيد أن جميع هذه المناقشات تجري في ظل انتشار تطبيق المراسلة المحلي "ماكس". ومن الواضح أن اقتراح المشغلين بحظر المكالمات في تطبيقات المراسلة لن ينطبق عليه، لأنه روسي.
وأعلن رئيس لجنة سياسة المعلومات في مجلس الدوما الروسي، سيرغي بويارسكي، عن احتمال إطلاق برنامج مراسلة وطني روسي متعدد الوظائف. وأشار إلى أنه جرى تقديم مشروع لمجلس الدوما الروسي لاستحداث برامج مراسلة وطني روسي متعدد الوظائف، قائلاً "سيكون برنامجاً فريداً يجمع بين إمكانات تطبيق المراسلة ووظائف الخدمات الحكومية. ويواصل هذا التطبيق من نواح عدة نهج تطوير النظام الرقمي الوطني بأكمله. ومن الشروط الإلزامية أن يكون هذا التطبيق مطوراً محلياً ومدرجاً في سجل البرمجيات الروسية، ما يعني استيفائه لأعلى متطلبات الأمان".
وأضاف "الخدمة ستساعد بالتحقق من هوية المستخدم بالاعتماد على الهوية الرقمية بدلاً من الوثائق الورقية، وسيكون هذا الأمر مفيداً لمستخدم مثلاً عند الوصول إلى الفنادق لإجراء الحجز الفندقي أو عند الحاجة إلى شراء تذاكر السفر على سبيل المثال".
وأشار بويارسكي إلى أن التطبيق سيوفر للمستخدمين إمكانات المراسلة وعديداً من الخدمات الأخرى، كما سيوفر فرصة قانونية للسلطات الحكومية والبلدية لاستخدامه للتواصل مع المواطنين بصورة آمنة من دون الحاجة إلى التطبيقات التي قد تتعرض للاختراق أو يمكن استغلالها للاحتيال على المواطنين.
من جهته، ذكر النائب الأول لرئيس لجنة سياسة المعلومات في مجلس الدوما الروسي أنطون غوريلكين أنه ومن خلال التطبيق المذكور سيتمكن المعلمون والطلاب وأولياء الأمور من التفاعل عبر الإنترنت.
وتشيع السلطات الروسية أن تطبيق "ماكس" سيثبت على جميع الهواتف الذكية الجديدة المبيعة في روسيا. تجدر الإشارة إلى أن شركة "في كا" القابضة المعروفة سابقاً باسم مجموعة "مايل رو"، هي التي تقف وراء هذه الخدمة. ومنذ يوليو (حزيران) الماضي تولت شركة "كومينيكاشين بلاتفورم"، وهي شركة تابعة لها، تطوير تطبيق "ماكس".
فإذا نشرت أي قناة مجهولة بيانات مسربة على "واتساب" و"تيليغرام"، فسيكون من الصعب للغاية على السلطات الوصول إلى أصحابها، ولكن على هذا التطبيق الروسي الحكومي الجديد سيتم تحديد هوية جميع المستخدمين، كما هو الحال على بوابة الخدمات الحكومية.
ومع ذلك لا يوفر "ماكس" في الواقع أي حماية لمعلومات المستخدم: لا يوجد تشفير شامل للمحادثات أو المحادثات السرية أو الرسائل ذاتية التدمير أو المصادقة الثنائية.
إضافة إلى ذلك ووفقاً لسياسة الخصوصية، "يجوز للشركة نقل بيانات اعتماد المستخدم أو البيانات الأخرى إلى أطراف ثالثة ضمن الغرض المحدد وإذا كانت هناك أسباب قانونية"، وبناءً على طلب الوكالات الحكومية، يجوز للخدمة نقل بيانات المستخدم مثل: عنوان "أي بي" ونظام التشغيل ونوع المتصفح والموقع والمزود وجهات الاتصال من دفتر العناوين والوصول إلى الكاميرا والميكروفون، إضافة إلى معلومات حول الإجراءات في التطبيق.
وتتهم السلطات "واتساب" بالخصوصية والتشفير الكامل افتراضياً ومقاومة محاولات الحكومة انتهاك حق الناس في التواصل الآمن. ولذلك، تسعى السلطات الروسية إلى حجب التطبيق عن أكثر من 100 مليون مستخدم في روسيا.
ومن المفارقات أن تطبيق "واتساب" مملوك لشركة "ميتا" ("فيسبوك" سابقاً). التي تعدها روسيا منظمة متطرفة، وهي محظورة في روسيا منذ عام 2022. كما أن شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لها مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" محظورة أيضاً في روسيا منذ ثلاثة أعوام.
حظر سياسي!
كثيراً ما قامت السلطات الروسية بجهود مستهدفة ومتعددة الجوانب لتقييد الوصول إلى الإنترنت ومراقبة كل ما يجري في الشبكة العنكبوتية، لكن التجربة أثبتت أن هذا الأمر من المستحيلات. لذلك لجأت السلطات لتفسير قرارها الأخير بمنع المكالمات عبر تطبيقات المراسلة للمستخدمين بأنه "مكافحة للمحتالين".
وفي بيانها، بررت هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية، ضرورة اتخاذ هذا الإجراء بمكافحة الجريمة، مشيرة إلى أنه "وفقاً لوكالات إنفاذ القانون والطلبات العديدة من المواطنين، أصبح تطبيقا المراسلة الأجنبيان 'تيليغرام' و'واتساب' الخدمتين الصوتيتين الرئيستين المستخدمتين في الخداع وابتزاز الأموال، وكذلك لإشراك المواطنين الروس في أنشطة التخريب والإرهاب".
وتزعم الهيئة التنظيمية أيضاً أن "أصحاب التطبيقين تجاهلوا الطلبات المتكررة لاتخاذ تدابير مضادة".
لكن الوقائع على الأرض تؤكد عكس، إذ فقاً لأحدث استطلاع للبنك المركزي الروسي عام 2024، ظلت المكالمات الهاتفية هي الطريقة الأكثر استخداماً لسحب الأموال بطرق احتيالية (45.6 في المئة)، بينما احتلت تطبيقات المراسلة الفورية المرتبة الثانية بنسبة 15 في المئة (على رغم تفعيل نظام مكافحة الاحتيال عام 2024 لمكافحة المكالمات الاحتيالية عبر شبكة الهاتف المحمول).
وقال متحدث باسم "واتساب" إن التطبيق "يتحدى محاولات الحكومة لانتهاك حق الناس في الاتصال الآمن، ولهذا السبب تحاول روسيا حظره على أكثر من 100 مليون مواطن روسي".
وتبذل السلطات الروسية جهوداً حثيثة لتقييد الوصول إلى الإنترنت. وعلى مر الأعوام، سنت قوانين تقييدية وحظرت مواقع ومنصات إلكترونية لا تلتزم بتعليماتها. وقد أتقنت تقنيات مراقبة حركة الإنترنت والتلاعب بها.
في حين أنه لا يزال من الممكن تجاوز القيود باستخدام خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية (في بي أن)، إلا أن هذه الخدمات يتم حظرها بانتظام أيضاً.
وأكدت هيئة "روسكومنادزور" الحكومية الروسية أنها اتخذت إجراءات لتقييد المكالمات جزئياً في تطبيقي المراسلة "واتساب" و"تيليغرام" لدواعٍ أمنية وجنائية. وذكر المكتب الصحافي لـ"روسكومنادزور" أنه "لمكافحة الجريمة ووفقاً لمواد من أجهزة إنفاذ القانون، يتم اتخاذ إجراءات لتقييد المكالمات جزئياً في هذه التطبيقات الأجنبية للمراسلة. ولم تفرض أي قيود أخرى على وظائفهما"، كما ذكرت الهيئة. وأكدت "روسكومنادزور"، بالاستناد إلى تقارير من الشرطة وشكاوى المواطنين، أن هذين التطبيقين أصبحا من الأدوات الرئيسة التي يتم من خلالها خداع المواطنين الروس وابتزاز أموالهم، وكذلك تجنيدهم في أنشطة تخريبية وإرهابية. وقد تجاهل مالكو التطبيقات "الطلبات المتكررة لاتخاذ إجراءات مضادة".
وأضافت الهيئة أيضاً أنه منذ عام 2024، يعمل في روسيا نظام "مكافحة الاحتيال" الذي يسمح بحظر المكالمات التي تستخدم أرقاماً مزيفة في شبكات الهاتف التابعة لمشغلي الاتصالات المحليين. وأصبحت معظم هذه المكالمات الآن تتم عبر تطبيقات المراسلة الأجنبية، التي لا تضمن الأمان للمستخدمين والمجتمع الروسي.
روسيا تحظر خدمة "سبيد تيست"
وكانت الهيئة الاتحادية الروسية لرقابة الاتصالات وتقنية المعلومات والإعلام، قد أعلنت في يوليو (تموز) الماضي عن قرار حظر خدمة "سبيد تيست" في روسيا.
وقال مصدر في الهيئة لوكالة "جرى تقييد الوصول إلى خدمة 'سبيد تيست' في روسيا بموجب مرسوم حكومي صادر بتاريخ الـ12 من فبراير (شباط) 2022، لأنها تشكل تهديداً لأمن شبكة الاتصالات العامة وقطاع الإنترنت في البلاد".
من جهته قال عضو لجنة سياسة المعلومات في مجلس النواب الروسي (الدوما) أنطون نيمكين إن "خدمة 'سبيد تيست' لقياس سرعة وجودة اتصال الإنترنت تجمع بيانات تقنية حول تشغيل الشبكات، وهي معلومات قد تقع بسهولة في أيدي وكالات الاستخبارات الأجنبية".
وأضاف هذا النائب المقرب من بوتين "تقييد الوصول إلى هذه الخدمة ليس إجراءً شكلياً. نحن نتحدث عن تهديد حقيقي لأمن البنية التحتية للاتصالات الروسية. هذه الخدمة، على رغم أنها تبدو أداة بسيطة للتحقق من سرعة الإنترنت، تجمع بيانات تقنية بالغة الحساسية حول تشغيل الشبكات والمسارات ومعايير الاتصال. وبالنظر إلى أن الشركة التي تشغلها هي شركة أميركية، فإن كل هذه المعلومات قد تقع بسهولة في أيدي وكالات الاستخبارات الأجنبية".
وأشار نيمكين إلى أنه عام 2024، لفتت الأكاديمية الدولية للاتصالات الانتباه إلى الأخطار المحتملة لاستخدام مثل هذه المنصات والخدمات، وقال "كانت هذه إشارة لا يمكن تجاهلها. وفي سياق التهديدات السيبرانية المتصاعدة، يعد أي تسريب للمعلومات التقنية أداة محتملة لشن هجمات على عناصر أساسية في البنية التحتية الرقمية".
واعتبر هذا النائب الروسي أن تطبيقات المراسلة الأجنبية مثل "تيليغرام" و"واتساب" تستخدم كأدوات للضغط والاحتيال والتطرف، وأوضح أن "الجزء الأكبر من التواصل الرقمي لروسيا يتم على منصات خارجة عن السيطرة القانونية الروسية وتستخدم كأدوات للضغط والخداع والتطرف، هذه ليست مجرد مسألة أمن سيبراني، بل مسألة أمن قومي. نحتاج هنا لرد منهجي - بدءاً من تعزيز الإجراءات التقنية وحتى العمل الإعلامي مع المواطنين، لكي يفهم الجميع الأخطار ويعرفوا كيف يحمون أنفسهم في الفضاء الرقمي".
وأشار البرلماني إلى أن "تيليغرام" و"واتساب" أصبحا أداتين مفضلتين لمجرمي الإنترنت، حيث تسمح للمحتالين بالعمل بصورة مجهولة باستخدام حسابات مزورة ومكالمات إنترنت وأساليب الهندسة الاجتماعية. وأضاف "هناك أمثلة عدة لروس فقدوا جميع مدخراتهم بسبب عمليات النصب عبر 'تيليغرام' و'واتساب'، من مشاريع استثمارية وهمية إلى إعلانات بيع سلع وهمية، والأخطر أن المجرمين يتخفون تحت أرقام معروفة أو ينشؤون حسابات مقلدة، مما يخدع الضحايا".
وحول مشكلة أخرى، قال نيمكين إن هذه الخدمات تتجاهل بصورة منهجية القوانين الروسية.
واختتم حديثه بالقول "كل من 'واتساب' و'تيليغرام' يرفضان حذف المحتويات غير القانونية، بما في ذلك المحتوى المتطرف والإرهابي والمواد الإباحية للأطفال والمواد التي تروج للعنف. كما أنهم لا يلتزمون بمتطلبات حماية البيانات الشخصية، مما يجعل معلومات المستخدمين عرضة للتسريب وسوء الاستخدام. من المهم أيضاً تذكر أصل هذه المنصات. 'واتساب' تخضع لسيطرة شركة 'ميتا'، التي تم الاعتراف بها في روسيا كمنظمة متطرفة ومحظورة على أراضي البلاد. أما 'تيليغرام'، فعلى رغم ادعاءات الاستقلال والحياد، فإن التطبيق لا يظهر دائماً استعداداً للتعاون الكامل مع هيئاتنا التنظيمية".
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، صرح نائب مجلس الدوما الروسي أنطون غوريلكين بأنه "لا يمكن الوثوق بخدمة 'سبيد تيست'، على رغم أن هذه الخدمة اعتبرت لأعوام كثيرة المعيار العالمي لقياس سرعة اتصال الإنترنت، فإنها طوال هذه الفترة كانت تجمع معلومات حول إعدادات الشبكات لمصلحة وكالات الاستخبارات الأميركية".
الأمن الفيدرالي الروسي: استخبارات أوكرانيا تستخدم "تيليغرام" و"واتساب" للإرهاب
أكد الأمن الفيدرالي الروسي (الاستخبارات) أن الاستخبارات الأوكرانية تلجأ بصورة متزايدة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تنفيذ أعمال التخريب والإرهاب التي تخطط لها. وأوضح في بيان أن تلك الاستخبارات تستخدم تطبيقي "تيليغرام" و"واتساب" بصورة متزايدة لهذه الأغراض وجر المواطنين إلى المشاركة في أنشطة تخريبية واستخباراتية.
وأضاف البيان "تلفت هيئة الأمن الفيدرالي الروسي الانتباه إلى أن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية تستخدم بصورة متزايدة تطبيقي المراسلة 'تيليغرام' و'واتساب' لدفع المواطنين إلى المشاركة في أنشطة تخريبية واستخباراتية".
وفي مرات عدة سابقة أحبط الأمن الفيدرالي الروسي عديداً من العمليات الإرهابية والتخريبية التي تورط بها عملاء بعد تجنيدهم والتنسيق معهم عبر تطبيقات المراسلة، وعلى رأسها "تيليغرام".
وترتكز الاستخبارات الروسية في توصيتها بعدم الاعتماد على تطبيق "واتساب" بما أورده موقع "أكسيوس" الأميركي في شأن منع موظفي مجلس النواب الأميركي من استخدام "واتساب". فقد أفادت منصة "أكسيوس" بمنع الجهات المعنية موظفي مجلس النواب الأميركي من استخدام تطبيق "واتساب" المملوك لشركة "ميتا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت المنصة عن رسالة "إخطار أميركية داخلية"، "لا يسمح لموظفي مجلس النواب بتنزيل أو تخزين تطبيق 'واتساب' على أي جهاز تابع للمجلس"، سواء أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة المحمولة التي تحوي التطبيق، حيث سيتم "الاتصال بأصحابها لإزالته". وأوضحت أن إدارة الأمن السيبراني الأميركي اعتبرت استخدام "'واتساب' محفوفاً بأخطار عالية" بسبب "عدم الشفافية في حماية بيانات المستخدمين وغياب تشفير البيانات المخزنة".
من جانبه علق المتحدث باسم شركة "ميتا" آندي ستون قائلاً إن موظفي الشركة "يعارضون بشدة" هذا التقييم، مشيراً إلى أن جميع الرسائل "مشفرة افتراضياً" ولا يمكن حتى للشركة نفسها الوصول إليها. وأضاف أن أعضاء مجلس النواب وموظفيه الآخرين يستخدمون هذا التطبيق بانتظام.
ويقتصر الحظر على استخدام التطبيق في الأجهزة الرسمية التابعة لمجلس النواب فقط. بينما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن استخدام "واتساب" مسموح به لأغراض رسمية في مجلس الشيوخ الأميركي.
رئيس فنزويلا يتهم "واتساب" بالتجسس ويزيله من هاتفه
وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي يقود حملة مقاطعة ضد تطبيق "واتساب" اتهم هذا التطبيق بالتجسس عليه.
وقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو "لقد حذفت تطبيق 'واتساب' من حياتي". وأصر مادورو على مقاطعة هذا التطبيق متهماً المنصة الشهيرة بـ"التجسس"، في حين أكد أن حكومته تعمل على تطوير نظام مراسلة بديل.
في الخامس من أغسطس 2024، وفي أعقاب الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل 28 شخصاً وإصابة أكثر من 200 آخرين واعتقال ما لا يقل عن 2400، قام مادورو بإلغاء تثبيت تطبيق "واتساب" من هاتفه المحمول ودعا أنصاره إلى الانتقال إلى "تيليغرام" والتطبيق الصيني "وي تشات".
وقال الرئيس خلال برنامجه الأسبوعي "حذفت 'واتساب' من حياتي... وداعاً 'واتساب'... ارحل يا 'واتساب'... أنا لا أحبك يا 'واتساب'... ارحل لأنك نظام تجسسي". وأضاف "إنهم يتجسسون عليك ويعرفون كل شيء عن حياتك عبر 'واتساب'"، بعدما اتهم في وقت سابق المنصة المستخدمة على نطاق واسع في فنزويلا، بالوقوف وراء "حرب نفسية" لزعزعة استقرار حكومته.
وعلى رغم دعوات مادورو إلى التوقف عن استخدامه، فإن تطبيق "واتساب" ليس محظوراً أو مغلقاً في فنزويلا.
وأثار عملاق الإنترنت "غوغل" موجة من الجدل بعد الكشف عن تحديث جديد يسمح لذكائه الاصطناعي "جيميني" بقراءة رسائل "واتساب" والمكالمات الهاتفية بصورة افتراضية من دون الحاجة إلى تفعيل خاصية تتبع النشاط. وهذا التغيير الذي بدأ تطبيقه فعلياً الأسبوع الماضي أثار مخاوف خبراء الخصوصية الذين عدوه انتهاكاً لمبدأ الموافقة المستنيرة. ووفقاً للبريد الإلكتروني الذي أرسلته "غوغل" لمستخدمي "أندرويد"، أصبح بوسع "جيميني" الآن الوصول إلى تطبيقات الطرف الثالث بما فيها "واتساب"، ما يمكن المستخدمين من إصدار أوامر صوتية مثل "أرسل رسالة 'واتساب' إلى اسم الشخص ليقوم الذكاء الاصطناعي بتنفيذها تلقائياً. واللافت أن هذه الميزة تعمل حتى عند إيقاف خاصية تتبع نشاط "جيميني"، خلافاً للإصدارات السابقة.
ويؤكد "غوغل" أن "جيميني" لا يخزن المحادثات محلياً على الجهاز، بل يتم إرسال البيانات إلى خوادمها لمعالجتها. وعلى رغم تأكيد الشركة أن الذكاء الاصطناعي لا يقرأ محتوى الرسائل أو يشاهد الصور المرسلة، فإن صفحة الدعم الرسمية تكشف عن أن محادثات المستخدمين قد تخضع للمراجعة من قبل موظفي "غوغل" وشركائها لغرض تحسين جودة الخدمة، مما دفع الشركة لتحذير المستخدمين من مشاركة أي معلومات حساسة عبر المنصة.
وواجه التحديث الجديد انتقادات حادة من خبراء التقنية الذين أشاروا إلى صعوبة تعطيل هذه الميزة، حيث وصفها مستشار الأعمال في "بيزنس مانجمنت" دانيال فريتش بأنها "قلب لمبدأ الموافقة المستنيرة"، إذ أصبح الوصول الافتراضي هو الأساس ما لم يقم المستخدم بإلغاء المشاركة يدوياً. بينما حث مؤسس نظام "جاميد" آندي كالاهان المستخدمين على مراجعة إعدادات الخصوصية بعناية وإلغاء أي أذونات غير مرغوب فيها.
من جانبها دافعت "غوغل" عن التحديث باعتباره تحسيناً لتجربة المستخدم، حيث أشارت للموقع التقني "آرس تكنيكا" إلى أن الميزة الجديدة تتيح إنجاز المهام اليومية مثل إرسال الرسائل وإجراء المكالمات حتى مع إيقاف تتبع النشاط، مؤكدة أن المحادثات لا تستخدم لتحسين النماذج الذكية في هذه الحالة. إلا أن الغموض حول آلية عمل النظام ومدى وصوله الفعلي إلى البيانات الشخصية يظلان مصدر قلق للمستخدمين، بخاصة مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في معالجة المعلومات الحساسة.
متخصصون يحذرون من عواقب حظر مكالمات "تيليغرام" و"واتساب"
أثارت قضية تقييد المكالمات عبر تطبيقات المراسلة الشائعة، والتي بدأت في الـ11 من أغسطس الجاري، جدلاً واسعاً. ويستبعد المحلل الرائد في مجموعة أبحاث الهاتف المحمول إلدار مرتضين أن يكون الحظر قد تم لأسباب جزائية أو تجارية وأن تكون شركات الاتصالات هي من بدأ الحجب، إذ استثمرت في تطوير الخدمات والتواصل مع تطبيقات المراسلة، ولا سيما "تيليغرام". ووصف خبير الهيئة الوطنية للاتصالات هذه الإجراءات بأنها "غير مبررة".
وذكرت وسائل إعلام روسية، نقلاً عن مصادر حكومية، أن المكالمات تحجب بناءً على طلب شركات الاتصالات الأربع الكبرى: "بيلاين" و"مبغافون" و"أم تي آس" و"تي 2"، وتهتم هذه الشركات بالروس الذين يستخدمون خدمات الهاتف العادية لإجراء المكالمات، نظراً إلى خسائرهم المالية الكبيرة بسبب المكالمات المجانية عبر تطبيقات المراسلة. إلا أنها، في سعيها لتحقيق مصالحها، تتستر وراء ذريعة مكافحة المحتالين الذين يبتزون الروس. وتلقي شركات الاتصالات باللوم على مراكز الاتصال الأوكرانية في هذا الأمر.
لكن رئيس جمعية "روستيليست" أوليغ جريشينكو أكد أن الحد من المكالمات في تطبيقات المراسلة لا يجلب أي فوائد لمزودي خدمات الوصول إلى الإنترنت عريض النطاق، بل يزيد فقط من الحمل على مراكز الاتصال بسبب شكاوى المستخدمين.
ويشير مرتضين إلى أن مثل هذا الحظر قد يكون له تأثير سلبي في المستخدمين ذوي الإعاقة، وبخاصة الأشخاص غير المرئيين، لأن "واتساب" هو المصدر الرئيس للتواصل والدعم في المجتمع.
ويشير المتخصصون أيضاً إلى أن البدائل المحلية للمكالمات في تطبيقات المراسلة لم يتم تطويرها بصورة كافية بعد، مما يجبر المستخدمين على التحول إلى الاتصال الصوتي.
يذكر أن سكان مدينة بيلغورود الحدودية الروسية مع أوكرانيا أفادوا بأنهم لا يستطيعون التواصل مع أقاربهم في روسيا عبر "تيليغرام"، لكنهم يستطيعون التواصل مع أولئك القاطنين في مدينة خاركوف الأوكرانية من دون أي مشكلات. وتساءل أحد مستخدمي الإنترنت "عن أي مكافحة للمحتالين يتحدث المسؤولون الحمقى في هذا الكيان؟".
وفي روسيا لا تزال اضطرابات تطبيقي "واتساب" و"تيليغرام" مستمرة منذ مطلع أغسطس. وقد علم أن السلطات تخطط لحظر المكالمات الصوتية عبر هذين التطبيقين. وقد اتخذ قرار الحظر "على أعلى المستويات"، ويقدم كإجراء لمكافحة الإرهاب والمحتالين. لا يزال من الممكن الآن إجراء مثل هذه المكالمات عبر شبكة "واي فاي"، ولكنها عادةً لا تتم عبر إنترنت الهاتف المحمول.
"خنق" الخدمات غير المرغوب فيها
لضمان تفعيل واستمرار الرقابة على الروس وآرائهم ومداولاتهم لجأت السلطات بعد الهجوم على أوكرانيا، إلى تعزيز الرقابة في روسيا، بما في ذلك على الفضاء الإلكتروني، حيث جرى حظر مئات آلاف المواقع الإلكترونية والمراسلين.
وكقاعدة عامة يتم اتخاذ القرارات بالاتفاق مع هيئة "روسكومنادزور" التي تتمثل إحدى مهامها في تنفيذ أوامر بوتين والاستخبارات الروسية "بخنق" المواقع الإلكترونية والتطبيقات الرقمية الغربية.
لذلك، لم يعد بإمكان الروس استخدام "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام" و"سيغنال" و"يوتيوب" من دون التحايل عبر استخدام شبكة افتراضية خاصة (في بي أن)، وهو أمر لا يدوم طويلاً أيضاً، إذ تعمد السلطات إلى تعطيل برامج الشبكة الافتراضية (في بي أن). وفي الـ30 من يوليو الماضي حجبت هيئة الاتصالات الروسية "روسكومنادزور" خدمة قياس سرعة الإنترنت "سبيد تيست" من شركة "أوكلا"، مشيرة إلى تهديد لأمن شبكة الإنترنت الروسية، وهي تروج لبديل محلي يدعى "برو سيت".
وقال المدير التنفيذي لجمعية حماية الإنترنت ميخائيل كليماريف "إنهم يريدون الآن سيطرة أكبر على المعلومات التي يتداولها ويستهلكها الروس. على سبيل المثال، يمنعهم تطبيق 'تيليغرام' من ذلك، لكنهم لا يستطيعون إيقافه دفعة واحدة، لما لذلك من تأثير كبير في الاقتصاد. وسيكون من الصعب عليهم شرح ذلك للمواطنين بأي صورة من الصور".
ويتوقع أنه عندما تصبح المكالمات عبر هذه التطبيقات مستحيلة تماماً، فإنهم سيسمحون لهذه التطبيقات باستقبال وإرسال الرسائل الصوتية والنصية، مما سيصبح أسوأ فأسوأ، وبحلول العام الجديد سيتم حظرهم تماماً.
روسيا تحاول تشغيل "إنترنت سيادي"
خلال عام 2025 الحالي أصبح انقطاع الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وحتى شبكات "الواي فاي"، أمراً شائعاً في جميع أنحاء البلاد، استمر بعضها لأكثر من ثلاثة أيام. في السابق بررت السلطات ذلك بأنه إجراء أمني، إذ يزعم أنها كانت تحاول منع التحكم بالطائرات الأوكرانية المسيرة عبر شبكات مدنية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يقطع الإنترنت في أوكرانيا على رغم الغارات الجوية المنتظمة للطائرات الروسية المسيرة؟
في عام 2019، قبل الهجوم الشامل على أوكرانيا، أدخل قانون "الإنترنت السيادي" تقنيات للتحكم في الجزء الروسي من شبكة الإنترنت الروسية وتصفيتها وعزلها. وهكذا، قرر قيصر الكرملين، على غرار أقرب حلفائه في الصين وكوريا الشمالية وإيران - حماية شعبه من المعلومات "الضارة". ومنذ ذلك الحين، تنفذ دورياً عمليات حصار إقليمي ومحاكاة لقطع الاتصال بالشبكة العالمية.
وفي اليوم الأخير من يوليو الماضي وقع بوتين قانوناً يحمل المواطنين مسؤولية البحث المستهدف عن المواد المحظورة في الاتحاد الروسي. العقوبة حالياً هي غرامة مالية، ولكن كما يقال "البداية السيئة بداية سيئة".
وهكذا، أضيفت المادة 13.53 إلى قانون المخالفات الإدارية في شأن المسؤولية عن البحث المتعمد على الإنترنت عن "مواد متطرفة بوضوح" مدرجة في قائمة خاصة، تضم حالياً 5.5 ألف مادة، والوصول إليها، بما في ذلك استخدام شبكة افتراضية خاصة (في بي أن)، وتراوح غرامة هذه المخالفة بين 3 و5 آلاف روبل (بين 40 و60 دولاراً).
في الوقت نفسه لا ينص القانون حتى الآن على غرامات لاستخدام "إنستغرام" و"فيسبوك" عبر خدمة "في بي أن"، ولن يعتبر مجرد استخدام الخدمة لتجاوز الحظر جريمة.
مع ذلك فإن الوثيقة المصاغة ببراعة تجعل من شبه المستحيل تشغيل شبكات "في بي أن" في روسيا. فهي تضع عدداً كبيراً من الشروط لهذه الخدمات، وسيؤدي عدم الالتزام بها إلى غرامات باهظة. ومن بين هذه الشروط تقييد الوصول إلى مصادر المعلومات المحظورة في البلاد. إضافة إلى ذلك تلزم هذه الخدمات التعاون مع هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية "روسكومنادزور". بالتالي، يمكننا التنبؤ بثقة بانتهاء عمل شبكات "في بي أن" بالبلاد.
امتداد لجهاز المراقبة الحكومي الصيني
يدفع الروس عملياً نحو استخدام تطبيق "ماكس" المحلي، وهو نسخة مشابهة لتطبيق "وي تشات" الصيني، الذي طرح إصداره التجريبي في مارس (آذار) 2025. حتى الآن، تتضمن الخدمة تطبيق مراسلة ومصمم روبوت دردشة ونظام دفع وتطبيقات مصغرة، كما تم إطلاق بنك رقمي، لكن للتسجيل في الخدمة، يلزمك بطاقة أو شريحة هاتف بيلاروسية أو روسية.
وقال المدير الفني لشركة تكنولوجيا المعلومات الروسية نيكيتا نازاروف في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية، "تخزن 'تيليغرام' و'واساب' البيانات خارج البلاد، على خوادم أجنبية، ولكن هنا سيكون كل شيء في روسيا". تجدر الإشارة إلى أن الخدمة الوطنية تجمع معلومات عن المستخدمين أكثر بكثير مما هو مذكور في سياسة الخصوصية. وقد وجد خبراء الاتصالات أن تطبيق "ماكس" الروسي يتتبع الإشعارات ويتحقق من التطبيقات المثبتة على الهاتف الذكي، ويسجل أيضاً الموقع الدقيق للجهاز. علاوة على ذلك، فهو نشط باستمرار، ويمنع الهاتف من الدخول في وضع السكون، ويرسل جميع البيانات إلى خوادم تتم مراقبتها.
في الوقت نفسه صرح فلاديمير بوتين في مطلع يونيو الماضي بضرورة نقل جميع الخدمات الحكومية إلى خدمة "ماكس"، وهي خدمة مشكوك في سريتها. وفي الوقت نفسه أوصى وزير التنمية الرقمية في الاتحاد الروسي ماكسوت شاداييف جميع المسؤولين بالانتقال إلى خدمة المراسلة المحلية.
بعد هذه الأخبار، حتى أولئك الذين يحنون إلى الاتحاد السوفياتي وأنصار "العالم الروسي" والوطنيون، شعروا بخوف شديد من الرقابة الحكومية التي تفرض عليهم داخل بيوتهم وفي أسرتهم. فتطبيق "ماكس" الروسي مثله مثل تطبيق "وي تشات" الصيني لا يوفر للمستخدمين الخصوصية التي توفرها تطبيقات المراسلة الأخرى التي تستخدم التشفير من البداية إلى النهاية، على رغم أنه يقول إنه لا يبيع بيانات المستخدم للمعلنين.
وغالباً ما يصف منتقدو "ماكس" الروسي تطبيق "وي تشات" ويقولون إنه امتداد لجهاز المراقبة الحكومي الصيني، لأن التطبيق يخضع لمراقبة "شرطة الإنترنت" الصينية، التي تعاقب المستخدمين بناءً على نشاطهم على "وي تشات". فعندما كتب طبيب ووهان لي وين ليانغ في دردشة جماعية عام 2019 عن انتشار فيروس جديد عرف لاحقاً باسم فيروس كورونا المستجد (سارس-كوف-2)، استُدعي إلى مركز الشرطة. وهناك أُجبر على توقيع إفادة تفيد بأنها مجرد "إشاعات".
عدد مستخدمي "واتساب" شهرياً في روسيا يصل إلى 97.5 مليون شخص، بينما يستخدم "تيليغرام" 90.5 مليون شخص، أي غالبية سكان البلاد. وصرح مصدر رفيع المستوى مقرب من الكرملين بأن القيود على الاتصالات الصوتية هي الخطوة الأولى نحو حظر كامل لتطبيقات التراسل الأجنبية في روسيا.
قائمة البرمجيات من الدول "غير الصديقة" التي تتحدث عنها السلطات بدأت الحكومة الروسية بإعدادها بعد اجتماع فلاديمير بوتين مع رجال الأعمال في أواخر مايو (أيار) الماضي، والذي دعا فيه الرئيس الروسي إلى "خنق" الخدمات الأجنبية، قائلاً "علينا خنقهم، أقول هذا من دون أي حرج لأنهم يحاولون خنقنا، علينا أن نرد بالمثل، هذا كل شيء".