Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تراجع المساعدات يضع أفريقيا أمام أزمة غير مسبوقة

أعلنت مؤسسات الإغاثة في كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا إنها ترزح تحت ضغط متزايد، إذ فاقم تدني المساعدات من الولايات المتحدة في عهد دونالد ترمب ودول أخرى من آثار أزمة المناخ والارتفاع الحاد في كلفة المعيشة

سيدة تتسلم رزمة غذائية من بنك الطعام فود بانكينغ كينيا، الذي سجل ارتفاعاً هائلاً في الطلب عقب خفض تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (فود بانكينغ كينيا)

ملخص

خفض المساعدات الأميركية والبريطانية والدولية ضرب بنوك الطعام في كينيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا، حيث قفز الطلب على المساعدات بنسبة 300 في المئة في بعض المناطق وسط تفاقم الفقر والجوع. ومع التضخم وتغير المناخ وضعف المحاصيل، تواجه هذه الدول أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد بخسائر اجتماعية واقتصادية مدمرة.

كشفت مؤسسات إغاثية في أنحاء أفريقيا لـ"اندبندنت" أن خفض المساعدات الخارجية – ولا سيما من الولايات المتحدة في عهد دونالد ترمب، وأيضاً من المملكة المتحدة – أسهم بصورة كبيرة في زيادة أعداد المحتاجين إلى دعمها، مما قلص حجم الإمدادات التي تستطيع توزيعها.

وقالت منظمة "فود فورورد جنوب أفريقيا" إن الطلب على خدماتها الغذائية شهد قفزة كبيرة منذ مطلع العام، ومن المتوقع أن يزداد أكثر مع نفاد المنح التي قدمتها "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" USAID خلال الأشهر المقبلة، فيما كشف "فود بانكينغ كينيا" أن الطلب ارتفع بنسبة 300 في المئة هذا العام، متجاوزاً بصورة كبيرة قدراتها على الاستجابة. وفي نيجيريا، يستعد "لاغوس فود بنك" أيضاً لمواجهة نقص حاد نتيجة خفض المساعدات الأميركية.

ويقول الرئيس التنفيذي لـ"فود بانكينغ كينيا" جون غاثونغو: "الأرقام التي نراها هذا العام هائلة بحق. كنا نعتقد أن الأعداد مرتفعة خلال أعوام سابقة، لكن ما نشهده الآن لا يصدق على الإطلاق. نبذل كل ما في وسعنا لضبط الناس وثنيهم عن التزاحم لأخذ الطعام منا".

ويتعاون "فود بانكينغ كينيا" مع الصليب الأحمر الكيني، الذي تضرر هو الآخر من تقليص المساعدات، ويتولى إدارة خدمات صحية وإسعاف في مختلف أنحاء البلاد. ويساعد البنك في إيصال المواد الغذائية التي يعجز الصليب الأحمر عن تغطيتها بالكامل، لكنه يظل عاجزاً عن تلبية كل الطلب المتزايد، وهو ما أدى أحياناً إلى عواقب مأسوية.

ويتابع غاثونغو: "في إحدى المرات اتصل الصليب الأحمر بمكاتبنا ليبلغنا بوجود عائلة في منطقة معينة - امرأة مع ثلاثة أطفال - في وضع بائس بعدما مضت ثلاثة أيام من دون طعام. لكن عندما وصل سائقنا بالتوصيل، كان الأوان قد فات: المرأة أقدمت على الانتحار... وكان ذلك صادماً ومؤلماً للغاية بالنسبة إلينا".

تلقت كينيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا ضربات قاسية عندما أنهت "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" أكثر من 80 في المئة من عقودها خلال مايو (أيار)، بقيمة تقدر بنحو 260 مليون دولار (191 مليون جنيه استرليني)، و224 مليون دولار، و178 مليون دولار على التوالي.

لكن ليست قرارات واشنطن وحدها ما يضغط على موازنات حكومات أفريقيا جنوب الصحراء، فبحسب منظمة أوكسفام، سيشهد العام المقبل تراجعاً في إنفاق مجموعة الدول السبع على المساعدات للعام الثالث على التوالي، إذ خفضت الولايات المتحدة (33 مليار دولار) والمملكة المتحدة (5 مليارات دولار) وألمانيا (3.5 مليار دولار) وفرنسا (3 مليارات دولار) مساعداتها الخارجية بصورة ملحوظة مقارنة بالأعوام السابقة.

وانعكس ذلك على تدهور الخدمات العامة وإعانات الضمان الاجتماعي في كينيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا، مع تعرض خدمات علاج فيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا والمساعدات الغذائية داخل نيجيريا لضربة قاسية على نحو خاص.

 

مدهوش من عدد المنظمات التي كانت تعتمد على المساعدات

يشكل القطاع الزراعي ركيزة أساس لاقتصاد كينيا، فهي تصدر الغذاء إلى مختلف أنحاء العالم، لكنها خلال الوقت نفسه تواجه تحديات خطرة في الأمن الغذائي، حيث يعيش 46 في المئة من السكان على أقل من ثلاثة دولارات يومياً، وفقاً للبنك الدولي.

ويشرح غاثونغو أن أزمة انعدام الأمن الغذائي تفاقمت هذا العام على نحو خاص بفعل خفض المساعدات، موضحاً أن "فود بانكينغ كينيا" وفر العام الماضي أكثر من 20 مليون وجبة داخل المدن الخمس الكبرى في البلاد، معظمها من فائض الإنتاج الزراعي.

ويضيف أن مكتب "فود بانكينغ كينيا" يتلقى الآن تدفقاً مستمراً من الرسائل الإلكترونية والاتصالات من منظمات تسعى إلى التعاون، وعندما تنطلق شاحنات لتوزيع طرود الطعام على الأسر، فإنها تفعل ذلك وفق قوائم محددة بأسماء المستفيدين، لأن الوضع لم يعد قابلاً للإدارة بغير ذلك.

ولا يقتصر الأثر على المستفيدين المباشرين من المساعدات الغذائية، بل طال أيضاً عدداً كبيراً من الشركاء الخيريين الذين تضرروا بشدة من خفض التمويل، ويحاول البنك سد هذه الفجوة قدر الإمكان. ويقول غاثونغو: "فوجئت حقاً بعدد الشركاء والمشاريع التي كان تمويلها يعتمد على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية".

فعلى سبيل المثال، كان من المفترض أن يطلق البنك شراكة مع شركة تدعى "نيتشر لوك" Nature Lock لتوفير وجبات مدرسية في 200 مدرسة داخل مستوطنات عشوائية. وعلى رغم توقيع جميع الأوراق، فإن قرار وقف العمل الذي أصدرته الوكالة الأميركية جمد المشروع بالكامل، إلى أن تدخل "فود بانكينغ كينيا" لسد الفراغ عبر موارده الغذائية وعملياته اللوجيستية الخاصة. ويقول غاثونغو: "لم يكن بمقدورنا ببساطة أن نقول لـ20 ألف طفل كانوا بانتظار الطعام إن ذلك لن يحدث بعد الآن".

 

الأسوأ لم يأت بعد

في جزء آخر من القارة، وزعت منظمة "فود فورورد جنوب أفريقيا" 25 مليون كيلوغرام من المواد الغذائية العام الماضي، مما يجعلها أكبر منظمة إغاثية من نوعها في أفريقيا. وتعتمد المنظمة الخيرية، التي تستمد إمداداتها من المزارع والمصنعين والمتاجر، على مقرها في كيب تاون، لكنها تصل إلى مئات الآلاف من الأشخاص في المجتمعات الريفية الصغيرة من خلال برامج تشمل المساعدات الغذائية المباشرة، وخدمات تغذية الأمهات والأطفال، ووجبات الإفطار المدرسية، والمطابخ المجتمعية المخصصة للفئات الضعيفة.

ويقول المدير التنفيذي للمنظمة آندي دو بليسيس إن الطلب على خدماتها ارتفع بالفعل هذا العام، إلى حد اضطرهم معه إلى وقف استقبال طلبات الانضمام من شركاء توزيع جدد. ويضيف "كنا نتلقى عادة ما بين 100 و250 طلباً في الشهر، لكننا حالياً نتلقى ما بين 350 و400 طلب".

ويتوقع دو بليسيس أن يزداد الطلب بنسبة إضافية تراوح ما بين 10 و20 في المئة خلال الأشهر المقبلة، مع بدء نفاد المنح المقدمة من "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" وانتهاء تعويضات إنهاء الخدمة، مما سيدفع مزيداً من الناس إلى الاعتماد على خدماتهم. ويقول: "سيستكمل خفض المساعدات بحلول سبتمبر (أيلول)، كما أن إعانات البطالة توشك على النفاد هي الأخرى، لذلك نتوقع على مدى العام المقبل ارتفاعاً كبيراً في حجم الطلب".

ويتابع دو بليسيس موضحاً أن العوامل الرئيسة التي تغذي هذا الطلب تشمل أفراداً من الطبقة الوسطى فقدوا وظائفهم الممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وأصبحوا في حاجة إلى دعم مالي، إضافة إلى أشخاص يعانون أمراضاً مزمنة مثل فيروس نقص المناعة البشرية ولم يعد بإمكانهم العمل، فضلاً عن الخدمات التي كانت توفر الغذاء لمرضى هذه الحالات ولم تعد قادرة على ذلك.

وحتى قبل تداعيات خفض المساعدات، كان نحو 55 في المئة من سكان جنوب أفريقيا يعيشون تحت خط الفقر، فيما كان ربع الأسر يعاني انعدام الأمن الغذائي الحاد – على رغم أن جنوب أفريقيا من كبار مصدري الغذاء وتنتج ما يكفي لإطعام شعبها وأكثر.

من المتوقع أن تتفاقم صعوبات البلاد بفعل الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة ترمب بنسبة 30 في المئة، وهي ضريبة تعرض ما يصل إلى 100 ألف وظيفة للخطر، بحسب السلطات.

 

في نيجيريا، يعمل "لاغوس فود بنك" منذ 10 أعوام لإيصال الغذاء إلى المجتمعات في بلد يعاني فيه ملايين السكان انعداماً مزمناً في الأمن الغذائي. وخلال العام الماضي، تمكن فريق يضم 30 ألف متطوع من إطعام نحو 3 ملايين شخص عبر توجيه فائض الغذاء من المتاجر الكبرى والمزارع. لكن وفقاً للمدير التنفيذي للبنك مايكل سونبولا لم يكن ذلك سوى "قطرة في محيط".

وبعدما تكبدت المنظمة خسارة كبيرة في التمويل نتيجة تقليص ترمب برامج "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، تؤكد أن خفض المساعدات لن يؤدي إلا إلى تفاقم نمط قائم بالفعل، ناجم عن أزمة الغذاء المزمنة والتضخم في البلاد.

حالياً، يبلغ تضخم أسعار المواد الغذائية في نيجيريا أكثر من 30 في المئة، نتيجة ضعف المحاصيل وتراجع المخزون الغذائي. ويقول سونبولا: "شهد العام الماضي ارتفاعاً هائلاً في كلف المعيشة وتراجعاً كبيراً في الدخل المتاح للإنفاق، مما دفع بالطبقة الوسطى إلى هوة الفقر وزاد من اعتماد الناس على المساعدات".

 

ويضيف "كنا نعتقد أن الطلب خلال جائحة كوفيد كان مرتفعاً - لكن ما نشهده الآن يزيد عليه بخمسة أضعاف".

غير أن خفض المساعدات سيؤثر في قدرة هذه المؤسسات على الاستمرار في عملها، خلال وقت تفقد فيه المنظمات الدولية المانحة بدورها جزءاً من تمويلها نتيجة تقليص برامج "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" أو خفض المساعدات من مصادر أخرى.

ويقول سونبولا إن شريكين دوليين أوقفا دعمهما لبنك الطعام خلال وقت سابق من هذا العام، لكن البنك تمكن حتى الآن إلى حد كبير من سد الفجوة عبر التعاون مع شركاء جدد من القطاع الخاص.

المناخ يزيد الأمر سوءاً

يشكل تغير المناخ عاملاً رئيساً في أزمة انعدام الأمن الغذائي داخل نيجيريا، إذ يؤدي إلى أنماط متقلبة من الأمطار وإلى مواسم جفاف أطول، بحسب سونبولا، الذي يضيف "إن الإنتاج الزراعي، خصوصاً في المناطق الشمالية من نيجيريا، يتأثر بصورة خطرة".

ويتابع: "ضعف المحاصيل ينعكس مباشرة على أسعار الغذاء هنا في لاغوس".

وفي جنوب أفريقيا، "تزداد وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة مثل موجات الجفاف والفيضانات - وعندما تقع هذه الكوارث، غالباً ما نكون أول المستجيبين ونصل بالإمدادات الغذائية"، كما يقول دو بليسيس.

وفي الواقع، تشير البرامج الثلاثة جميعها إلى أن تغير المناخ يفاقم الضغوط على أنظمة الغذاء.

أما في كينيا، فقد بلغ تأثير المناخ خلال بعض الأعوام الماضية درجة من الشدة جعلت المزارعين أنفسهم في حاجة إلى مساعدات غذائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول غاثونغو: "أمست الأمطار أضعف وأقل قابلية للتنبؤ، فتفشل محاصيل المزارعين ويجتاح الجوع المجتمعات الريفية".

ويختم: "خلال عام 2023 واجهنا انحباساً في الأمطار، بينما شهد عام 2024 هطولاً غزيراً أدى إلى فيضانات في المزارع. وفي كلا العامين اضطررنا إلى تزويد صغار المزارعين بالغذاء، وهم الذين كانوا في السابق يمدوننا بالإمدادات".

يندرج هذا المقال في إطار مشروع "اندبندنت" حول إعادة التفكير في المساعدات الدولية.

إن كنت تشعر بالضيق أو تعاني صعوبات في التأقلم، يمكنك التواصل مع منظمة ساماريتانز بكل سرية على الرقم 116 123 (في المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا) أو عبر البريد الإلكتروني [email protected] أو من خلال زيارة موقع المنظمة للبحث عن أقرب فرع لك.

إن كنت تعيش في الولايات المتحدة وكنت أنت أو أي شخص تعرفه في حاجة للمساعدة في شؤون الصحة النفسية حالاً، اتصل بخط المساعدة الوطني للوقاية من الانتحار على الرقم) 1-800-273-TALK (8255. هذا رقم مجاني وسري متوافر للجميع على مدار الساعة والأسبوع.

إن كنت في بلد آخر، يمكنك زيارة www.befrienders.org للعثور على طرق مساعدة قريبة منك.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير