ملخص
عقب هدوء الجبهات وتوقف الاشتباكات الصاروخية والجوية بين إيران وإسرائيل، ازدادت حركة تدفق المساعدات العسكرية الأميركية إلى مناطق شمال وشرق سوريا عبر أرتال ضخمة من الشاحنات والعربات العسكرية، تحمل وقوداً وكتلاً أسمنتية لتعزيز حماية القواعد وتأسيس أخرى، وكذلك حاويات لا يعرف محتواها، وذلك إلى جانب طائرات شحن كان تحط في مطارات القواعد مثل قسرك وخراب الجير بريف الحسكة على متنها جنود ومعدات، وغيرها من لوازم عسكرية.
بضعة أسابيع ويكتمل عمر العلاقة بين "قوات سوريا الديمقراطية" والتحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية 10 سنوات، في حين أن الدعم والعلاقة بدأت قبل ذلك بعام تقريباً مع "وحدات حماية الشعب" التي تشكل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وذلك أثناء تصديها لتنظيم "داعش" داخل مدينة كوباني.
منذ ذلك التاريخ عملت هذه القوات مع القوات الدولية كتفاً بكتف في مقارعة تنظيم "داعش" الذي كان في أوج قوته وسيطرته على مناطق واسعة داخل كل من سوريا والعراق، وخاضتا معارك شرسة على مدى أكثر من أربعة أعوام توجت بالانتصار المشترك في معركة الباغوز. ومع تقلص المعارك العسكرية، تبدل التعاون بين الطرفين إلى حملات أمنية ودعم استخباراتي وعسكري إلى جانب تقديم التدريبات والعتاد في إطار دعم مالي سنوي من موازنة وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، كان آخره تخصيص 130 مليون دولار لدعم مكافحة الإرهاب في سوريا.
حينما بدأت تتشكل "قوات سوريا الديمقراطية" في خريف 2015 كان تعداد عساكرها بضعة آلاف، بينما اليوم يقترب من 100 ألف عسكري مدربين من مختلف الاختصاصات. وعلى رغم تعرض هذه العلاقة خلال الأعوام الماضية لهزات وتلقي "قوات سوريا الديمقراطية" ضربات عسكرية من الجارة تركيا خلال عمليتي "غصن الزيتون" التي انتهت باحتلال تركيا لمنطقة عفرين، وكذلك "نبع السلام" باحتلال سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، فإن المصلحة المشتركة بين "قوات سوريا الديمقراطية" والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بقيت صامدة ولم تنته على رغم بعض "الخذلان" الذي شعر به المقاتلون السورين في بعض المواقف. فمكافحة الإرهاب وما أفرزته من عوامل وآثار جانبية باتت تهم الطرفين، وتدفع بأحدهما تجاه الآخر لتعزيز الشراكة التي باتت استراتيجية مع انتهاء سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق سوريا، لا سيما في شرق الفرات حيث مناطق الإدارة الذاتية. خلال وقت كان التنظيم ينتعش بين الفينة والأخرى داخل مناطق سيطرة نظام الأسد والمناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة السورية أيضاً، لينطلق منها التنظيم لاحقاً ويعيد تنظيم نفسه ويستغل سقوط نظام الأسد وينتقل إلى حواضر المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية الانتقالية.
مد وجذب أميركي
خلال الأشهر الأخيرة، تضاربت التحليلات والتصريحات في شأن الوجود الأميركي والقواعد العسكرية التابعة للتحالف، ولعل أبرزها جاءت على لسان المبعوث الرئاسي الأميركي السفير توم براك الذي تحدث لوسائل إعلام عن نية بلاده تقليص عدد قواعدهم من ثماني ثم خمس فثلاث والاستقرار غالباً في واحدة فحسب. لكن ذلك خلال وقت كانت تشتد فيه التهديدات واحتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران، إذ جرى التصريح أيضاً بأن عدد القوات انخفض من 2000 جندي أميركي إلى 1500 مع بدايات يونيو (حزيران) الماضي، وذلك تزامناً مع إخلاء القوات الأميركية قاعدتي حقل العمر وكونيكو بريف دير الزور الشرقي. كذلك توالت أنباء عن خلو قاعدتي استراحة الوزير وتل بيدر بريف الحسكة من الجنود الأميركيين وبقاء "قوات سوريا الديمقراطية" فيها، ليتبين لاحقاً أنه إجراء احترازي تفادياً لأي ردود فعل عسكرية جراء الضربات الإسرائيلية لإيران بعد أيام معدودة من هذا الانسحاب الأميركي، في حين رجح محللون أنه يندرج ضمن إطار إعادة تموضع للقوات الأميركية في سوريا.
ثمة شيء من عدم الوضوح أو عدم الإفصاح الأميركي حول توزع وتنقلات الجيش والقوات داخل مناطق شمال وشرق سوريا. فعقب هدوء الجبهات وتوقف الاشتباكات الصاروخية والجوية بين إيران وإسرائيل، ازدادت حركة تدفق المساعدات العسكرية الأميركية إلى مناطق شمال وشرق سوريا عبر أرتال ضخمة من الشاحنات والعربات العسكرية، تحمل وقوداً وكتلاً أسمنتية لتعزيز حماية القواعد وتأسيس أخرى، وكذلك حاويات لا يعرف محتواها، وذلك إلى جانب طائرات شحن كان تحط في مطارات القواعد مثل قسرك وخراب الجير بريف الحسكة على متنها جنود ومعدات وغيرها من لوازم عسكرية. وكل ذلك لا تصرح به القوات الأميركية أو المسؤولون الأميركيون، لكن ما يبدو واضحاً أن بقاء القوات بات أمراً استراتيجياً لصانع القرار الأميركي في سوريا، لا سيما مجلس الشيوخ الذي بات قريباً من مراقبة قرارات حكومة ترمب في شأن وجود الجيش الأميركي في سوريا.
تشريع أميركي
تحدثت صحيفة "المونيتور" أمس الثلاثاء عن مشروع قانون الإنفاق الدفاعي للعام المقبل في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي يتضمن بنداً يمنع البنتاغون من تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا بصورة أكبر من دون إبلاغ المشرعين أولاً.
ويحظر الإجراء، الذي وافقت عليه لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي، على البنتاغون تعزيز أو تقليص قواعد قواته في سوريا حتى يشهد وزير الدفاع أمام اللجان ذات الصلة، بأن التحركات المخطط لها "ستستمر في تلبية الأهداف بصورة كافية" لمهمة هزيمة تنظيم "داعش".
وبموجب هذا البند، سيطلب من وزير الدفاع الأميركي تقديم تقرير عن "أية ثغرات" قد يولدها مثل هذا الخفض، "بما في ذلك في المساعدة أو التدريب أو التمكين المسموح به للمجموعات والأفراد السوريين".
وبحسب صحيفة "الموقع الأميركي"، إذا ما أقر هذا الإجراء في مشروع قانون الإنفاق الدفاعي لعام 2026، فسيضيف مستوى جديداً من التدقيق إلى تلك الخطط. وكان إجراء سابق في قانون الدفاع الوطني يحظر على السلطة التنفيذية الأميركية خفض عدد القوات الأميركية في سوريا إلى أقل من 400 فرد حتى يصدق البنتاغون على قدرة القوات المحلية على احتواء "داعش" بمفردها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دمج "قسد": استراتيجية أميركية
لذا، فإن الاهتمام الأميركي بالمنطقة عامة وسوريا على وجه الخصوص لا سيما الجزء الشمالي الشرقي، يأتي ضمن استراتيجية جديدة عقب التطورات التي شهدتها المنطقة بعد سقوط نظام الأسد. ويقول الباحث والصحافي السوري-الأميركي سيروان قجو إنه منذ سقوط نظام الأسد لم يتغير مستوى إرسال المساعدات العسكرية الأميركية إلى "قوات سوريا الديمقراطية" بل على العكس تماماً، فقد زادت تلك المساعدات لمستويات مختلفة، وذلك لأسباب عدة أهمها المخاوف من عودة تنظيم "داعش" واستغلاله الفراغ الأمني الحاصل، وهذا أمر مهم يفسر ليس فقط عدم قطع الولايات المتحدة علاقاتها مع "قوات سوريا الديمقراطية"، بل تعزيزها. فعلى رغم التقارب الحاصل مع حكومة دمشق، فإن "أميركا لا تثق تماماً بدمشق، لأن حكومتها حديثة العهد وخلفيتها المتطرفة تشكلان سببين لاستمرار العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة و’قسد‘".
يتابع الباحث السوري الأميركي أن الجديد في واشنطن أنها تسعى لوضع علاقاتها السابقة مع "قسد" في إطار العلاقة الجديدة مع الحكومة السورية الانتقالية، وعليه فإن الخطاب الرسمي الأميركي يدعو لأن تصبح "قوات سوريا الديمقراطية" جزءاً من الدولة والمؤسسات الرسمية، لكنها لا تحدد صورة هذا الانضمام كأفراد أو حل نفسها، "بل تدعم الحوار بين دمشق و’قسد‘. وفي المحصلة فإن واشنطن تربط علاقتها العسكرية مع ’قسد‘ بتلك العلاقة الجديدة مع دمشق".
فبالنسبة إلى الولايات المتحدة بحسب قجو، لا يوجد بديل موثوق لعلاقة واشنطن مع "قسد"، وكذلك من الصعب قطع تلك العلاقة التي نشأت منذ 10 أعوام. وعلى مستوى آخر، ثمة قناعة مهمة في واشنطن بأن العلاقة مع "قوات سوريا الديمقراطية" ككيان عسكري غير دولتي أو رسمي (non-state actor) هي الأنجح من نوعها للولايات المتحدة، و"هذا يعد أمراً مهماً لها، على رغم أن بعض الأصوات تدعو لحصر العلاقة مع دمشق، لكن لا يمكن لواشنطن التخلي عن ’قسد‘، وأن هذه العلاقة ستكون أقوى من أية علاقة أخرى قد تنشأ مع أية حكومة في دمشق خلال الأعوام المقبلة.
ويخلص الصحافي والباحث السياسي المقيم في واشنطن إلى أن العلاقة بين أميركا وقوات سوريا الديمقراطية ستدوم لأنها استراتيجية، ولا تريد واشنطن إعادة تجربة العراق في سوريا عقب سحب القوات وظهور "داعش" في عهد الرئيس باراك أوباما. وعليه، يجهد الأميركيون للبقاء في سوريا خلال هذه المرحلة في الأقل بناءً على أساس علاقتهم مع "قسد". وعليه، فإننا سنشهد تطوراً في مستوى العلاقة بين الطرفين خصوصاً إذا ما نجح الاتفاق بين دمشق وشمال شرقي سوريا، فإن الولايات المتحدة ستكون هي من تقف خلف هذا الإنجاز، لأن ذلك يصب في مصلحتها الاستراتيجية في المنطقة، وفق تعبيره.
عمليات مشتركة مرتقبة
وإلى جانب المفاوضات المتعثرة حالياً بين دمشق وشمال شرقي سوريا والتي تنتظر جولة جديدة، وهذه المرة في باريس برعاية الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب البلد المستضيف، فقد كشف مظلوم عبدي خلال الأيام الماضية ضمن مقابلة صحافية مع إحدى الوكالات، أن "قوات سوريا الديمقراطية" وحكومة دمشق والولايات المتحدة في إطار التحالف يعملون على إنشاء مركز أو غرفة عمليات مشتركة بين الأطراف الثلاثة لمكافحة الإرهاب، وذلك لتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية مشتركة في الداخل السوري، لكن عبدي ربط ذلك بنجاح المفاوضات واللقاءات القائمة مع دمشق والنتائج التي ستتمخض عنها.