Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يفرض المهاجرون الأفارقة وضعا اجتماعيا جديدا في تونس؟

اليد العاملة تزايدت بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة بخاصة في مجال البناء وحتى الفلاحة

غالبية المهاجرين يعتبرون تونس بلد عبور إلى أوروبا وليس بلد استقرار (أ ف ب)

ملخص

تساؤلات حول طبيعة هذا التعايش بين أبناء البلد والوافدين إليه، هل أسهم في تصاعد التوتر بين الطرفين مع ظهور ممارسات عنف عدة من قبل الطرفين أم أفرز نوعاً من القبول بالآخر وانصهار المهاجرين في ثقافة جديدة؟

تغير ملحوظ في تركيبة المهاجرين غير النظاميين من ناحية العمر والحال الاجتماعية مقارنة بفترات سابقة، إذ أصبح الوافدون ينتمون إلى جنسيات أكثر تنوعاً.

أصبح وجود المهاجرين الأفارقة في تونس مشهداً معتاداً في كل الأماكن وكل المدن والقرى تقريباً، بخاصة مدن العبور نحو الضفة الشمالية للمتوسط. وهذا الوجود الذي تفاقم منذ أعوام أسهم في بروز وضع اجتماعي جديد في تونس، وهو العيش المشترك بين التونسيين والمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. وفي ظل هذا الواقع الجديد تطرح تساؤلات حول طبيعة هذا التعايش بين أبناء البلد والوافدين إليه، هل أسهم في تصاعد التوتر بين الطرفين مع ظهور ممارسات عنف عدة من قبل الطرفين أم أفرز نوعاً من القبول بالآخر وانصهار المهاجرين في ثقافة جديدة؟

يقول ناندا شاب ثلاثيني من بوركينا فاسو إنه جاء إلى تونس عبر الجزائر هرباً من الفقر، بحثاً عن آفاق أفضل، وهو يعمل حالياً في مجال البناء بالعاصمة تونس، ويواصل بخصوص تعايشه مع التونسيين أنه يحاول التأقلم على رغم صعوبة الأمر، قائلاً "أشعر بأن أهل البلد لا يثقون بمهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، فهم يعتبرونهم لصوصاً يريدون احتلال بلدهم"، ويضيف وهو يبتسم "أنا هنا فقط لتحسين وضعي المادي وربما أهاجر بعدها إلى أوروبا". وعن الثقافة التونسية يقول ناندا "حقيقة أحببت الأكل التونسي وأصبحت أتناوله يومياً"، إلا أن ناندا وهو أب لطفلين، يكشف عن أن عائلته متشبثة أيضاً بهويتها وأنهم يمارسون كل عاداتهم ويستمعون إلى موسيقاهم ويطبخون أطباق بلدهم.

تعايش قانوني

أما زوجته زولا، فتقول إن لديها بعض الأصدقاء في تونس وإن عملها كمعينة منزلية في بيت تونسي جعلها أقرب للثقافة التونسية التي تعتبرها مختلفة تماماً عن ثقافتهم، إلا أنها وبحكم تعايشها مع التونسيين تحاول التأقلم معهم لكنها تعجز عن التخلي عن هويتها وثقافتها. وتضيف "أرى أن نسبة ضئيلة ترفضنا وتمارس ضدنا العنصرية لكن الغالبية تحاول تقبلنا ومساعدتنا".

من جهته يعتبر الشاب التونسي محمد علي أن لكل إنسان الحق في العيش في أي مكان يريده من العالم، لكن يرى أنه من الضروري أن يكون هذا العيش بحسب القانون، وعلى كل مهاجر أن يحترم قوانين البلد الذي اختار الهجرة إليه، أيضاً من واجبه احترام عاداته وتقاليده، ويؤكد أن التونسيين اليوم أصبحوا أكثر تقبلاً لهؤلاء المهاجرين الذين يعملون في مجالات مختلفة، لكن يرى أنهم لم ينصهروا في المجتمع التونسي، "مثلاً في حينا بمحافظة أريانة شمال العاصمة، تكون تجمعات هؤلاء المهاجرين خاصة بهم فقط ولا نجدهم مثلاً في حفلات وتجمعات التونسيين، فالعلاقة ما زالت حذرة نوعاً ما وكل طرف متخوف من الآخر".

في هذا السياق، تقول الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي إن التونسيين يرفضون التعايش مع الأفارقة جنوب الصحراء وإن العلاقة بين الطرفين متوترة بسبب ظهور فيديوهات عدة لتجاوزات يقوم بها بعض الأفارقة، مما جعل التونسيين متوجسين من التعامل معهم.

وتضيف "من جانب آخر، الأفارقة المهاجرون في تونس هم أيضاً يرفضون التأقلم والتعايش مع أهل البلد ويرفضون حتى التبادل الثقافي"، معتبرة أن الأفارقة في تونس متشبثون بعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، وفسرت ذلك بأنه نوع من الحماية لهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نوع جديد من التعايش

لكن الباحث في علم الاجتماع حسان قيصر يعتقد بأن التعايش بين الأفارقة والتونسيين أصبح أمراً واقعاً، موضحاً أن اليد العاملة الوافدة من أفريقيا جنوب الصحراء تزايدت بصورة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، بخاصة في مجال البناء وحتى الفلاحة، وهي مجالات تنقص فيها اليد العاملة التونسية. وأضاف أنه بعد أعوام لن نجد يداً عاملة تونسية وسنعتمد على اليد العاملة من أفريقيا جنوب الصحراء، وهذا الوضع بحسب تحليله، سيفرز نوعاً جديداً من التعايش. ودعا قصار السلطة إلى التفكير في تقنين وضعية العمال حماية لهم وحماية لأمن البلاد.

وقبل أسبوع عرضت دراسة بعنوان "المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء: الملامح والعيش وانحرافات السياسات الهجرية"، وهي خلاصة عمل بحثي ميداني أنجزه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالشراكة مع مخبر "الدولة والثقافة وتحولات المجتمع" في جامعة صفاقس جنوب تونس. وشملت الدراسة عيّنة مكونة من 379 مهاجراً ومهاجرة وافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في جبنيانة والعامرة من ولاية صفاقس ومدينة جرجيس الواقعتين في الجنوب الشرقي التونسي اللتين تعدان من مدن العبور نحو الضفة الشمالية للمتوسط.

في هذا السياق، بيّن المشرف على الدراسة التي تتوزع على مقالات علمية عدة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صفاقس زهير بن جنات أن ملامح المهاجر الأفريقي في تونس تغيرت منذ عام 2010، وتابع أنه "منذ الثمانينيات عرفت تونس كثيراً من المهاجرين من أفريقيا غالبيتهم من الطلبة، ولم ترصد أية مشكلات. واليوم المهاجر أصبح من العمال إما في المنازل أو في مجال البناء والفلاحة". ويضيف أن هذه الفئات حرمت من حقوقها في بلدانها الأصلية واليوم تبحث عن آفاق أخرى.

ويؤكد أن غالبية المهاجرين يعتبرون تونس بلد عبور إلى أوروبا وليس بلد استقرار، باستثناء بعض المهاجرين من بوركينا فاسو والكونغو الذين يختارون الاستقرار في تونس.

تغير تركيبة المهاجرين

ويطمح هذا البحث العلمي، وفق ما أكده القائمون عليه، إلى تفكيك السرديات المرتبطة بقضية الهجرة غير النظامية لمهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء التي تصور هذه الهجرة على أنها "غزو" أو "تغيير للتركيبة الديموغرافية" أو "مؤامرة دولية"، وبيّنت الدراسة عدم وجود أدلة ملموسة تدعم هذه السرديات.

وكشفت الدراسة عن أن 85 في المئة من المهاجرين غير النظاميين دخلوا إلى تونس عبر الحدود البرية، 60 في المئة منهم دخلوا من الحدود الجزائرية و25 في المئة قدموا من ليبيا، في حين وصل 14 في المئة منهم إلى تونس جواً عبر المطارات، نظراً إلى أن تونس لا تفرض تأشيرات دخول على مواطني عدد كبير من هذه الدول.

وأوضح بن جنات أن هناك تغيراً ملحوظاً في تركيبة المهاجرين غير النظاميين من ناحية العمر والحال الاجتماعية مقارنة بفترات سابقة، فأصبح الوافدون ينتمون إلى جنسيات أكثر تنوعاً من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ووصلت أعمارهم إلى 48 سنة، فضلاً عن تسجيل وجود عدد كبير من الأطفال، سواء كانوا برفقة أوليائهم أو غير مصحوبين من أحد، إضافة إلى ظهور ما يسمى "الهجرة العائلية".

كما سجلت الدراسة تصاعد ما يعرف بـ"تأنيث الهجرة"، إذ أصبحت النساء يشكلن نحو 27 في المئة من مجموع المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس.

كذلك أبرز هذا البحث العلمي أن المستوى التعليمي للمهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يعد في المجمل "متقدماً"، فيتمتع 27 في المئة منهم بمستوى جامعي، مقابل 10 في المئة لا يجيدون القراءة والكتابة، في حين تتوزع النسبة الباقية على مستويات تعليمية متوسطة.

ويرى ناشطون أن الهجرة في تونس أصبحت أمراً واقعاً يجب التعامل معه بجدية أكبر من خلال تطوير القوانين وتنظيم وجودهم في البلاد لحمايتهم وحماية الأمن العام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير