ملخص
"كل واحد من أطفالي لديه حصالة وأحاول تعويدهم على الادخار، لكن الأزمة الحالية هي الارتفاع الكبير في الأسعار والمتطلبات الغالية للأطفال التي لم تعد لعبة بسيطة أو الذهاب للملاهي"... المصروف والحصالة ثنائية الادخار المجربة
دائماً ما كانت الحصالة هي الوسيلة الأولى للادخار عند الأطفال بأبسط أشكالها، مثل أن تكون علبة أو صندوقاً بسيطاً، يحتفظ فيه الطفل بجزء من مصروفه، وحتى أفخر الأنواع التي بدأت في الظهور خلال الأعوام الأخيرة التي تباع بأسعار ربما تفوق المبالغ البسيطة التي يدخرها فيها الصغار، لكن بكل صورها وبين مختلف الطبقات تبقى الحصالة هي التجربة الأولى لتعامل الطفل مع النقود، وهي الشكل المبسط لإدارة الأموال. فهل لا يزال الأطفال حريصين على الادخار؟ وهل لا تزال الأسر تعطي المصروف اليومي للأطفال؟ وهل لا تزال الحصالة موجودة في البيوت على اختلاف مستوياتها؟
الحصالة... التربية المالية
تقول نجلاء سالم (أم لطفلين 10 وسبع سنوات)، "منذ بداية دخول طفليَّ المدرسة وحصولهما على مصروف أعودهما على الادخار، لكل منهما حصالته التي أحاول إقناعه بأن يضع فيها أي مبلغ ولو بسيط بشكل أسبوعي، وفي المناسبات مثل الأعياد وأعياد الميلاد عندما تتوافر معهما مبالغ كبيرة نسبياً أقنعهما بأن يضعا نصفها في الحصالة، وينفقا النصف في شراء لعبة أو أي شيء يحتاجان إليه، الحصالة هي الأسلوب الأمثل للادخار، وبالمناسبة لدي حصالة، أحاول تجنيب بعض المبالغ فيها بقدر المستطاع لتكون بعيدة من يدي".
بينما تقول هدى حسين (أم لثلاثة أطفال 12 وتسع وست سنوات)، "كل واحد من أطفالي لديه حصالة وأحاول تعويدهم على الادخار، لكن الأزمة الحالية هي الارتفاع الكبير في الأسعار والمتطلبات الغالية للأطفال التي لم تعد لعبة بسيطة أو الذهاب للملاهي، كان أطفالي يرغبون في شراء بلاي ستيشن فاتفقت معهم على أن يدخروا عاماً كاملاً وبنهايته وضعنا ما يعادل نفس قيمة ادخارهم واشتريناه، فعلت ذلك حتى يشعروا بقيمة الأشياء ويحافظوا عليها، متطلبات الأطفال حالياً تحتاج إلى آلاف الجنيهات والوضع أصبح مكلفاً ومعقداً بصورة كبيرة".
مثلما أوجدت "السوشيال ميديا" متخصصين في كل شيء أصبح الادخار له متخصصون ومتخصصات يقدمون نصائح وإرشادات للكبار عن تنظيم الموازنات وإدارتها وكيفية العمل على ادخار أي مبلغ بعيداً من المصروفات الشهرية المعتادة، وامتد هذا الوضع أخيراً للصغار، وظهرت كورسات ومتخصصون لتقديم الإرشادات للأطفال عن النقود والتوفير واتخاذ القرارات المالية والتخطيط والأولويات، اعتبر بعض المصريين أن هذا اتجاه جيد، وآخرون رأوا أن الأمر أبسط من ذلك والمصروف والحصالة لا يحتاجان إلى متخصصين وليس كل شيء يحتاج إلى أن يضخم على "السوشيال ميديا" كالمعتاد.
نسرين أحمد، متخصصة اجتماعية في واحدة من مدارس اللغات بالقاهرة، تقول "الادخار قيمة مهمة لا بد أن يتعود عليها الطفل وفي المدرسة ومنذ بداية مرحلة الروضة نعرفهم بأهمية الحصالة، وأن يضعوا فيها ولو شيئاً بسيطاً كل فترة، والأطفال الأكبر نقدم لهم مفاهيم تتناسب مع سنهم مع الفرق بين الرغبات والحاجات وكيف ندير موازناتنا الصغيرة ونتدرج معهم حتى مرحلة المراهقة، الحصالة في السن الصغيرة هي الأساس، وهي ما سيدرب الطفل على التعامل مع الحسابات البنكية لاحقاً".
وتستكمل "في بعض المناسبات مثل شهر رمضان نطلب من الأطفال الادخار طوال الشهر ووضع مبلغ بسيط في الحصالة وبنهايته نجمع المبلغ ونوجهه لواحد من الأعمال الخيرية باسم طلاب المدرسة، حتى يتعلم الأطفال قيمة الادخار والعمل الخيري في آن واحد، لا بد من توجيه الأسرة والمدرسة الطفلَ منذ الصغر ليتمكن من إدارة أموره المالية والبداية تكون الحصالة".
بدأ مصطلح الإدارة المالية في ما يتعلق بالموازنات الشخصية في الظهور والانتشار، وأصبح هناك وسائل يجري اتباعها لضبط الموازنات ومحاولة توفير مبلغ شهري، التوجه ذاته بدأ في الظهور في ما يتعلق بالأطفال، وأصبحت فكرة الإدارة المالية بصورتها المبسطة من بين أمور يؤكد متخصصو التربية أهميتها وأهمية البدء فيها منذ الصغر.
الاستشارية النفسية والتربوية، منة الله إبراهيم، تقول "الادخار صورة من صور التربية المالية، وهو يعلم الصغار إدارة الموارد المالية والتخطيط للمستقبل وتأجيل الإشباع، فالادخار يعلم الطفل التحكم في الرغبات الفورية، مما ينمي لديه قدرة على ضبط النفس، وهي مهارة أساس للصحة النفسية والنضج وهي مهارات تبنى منذ الصغر، وهو يعزز الشعور بالأمان والاستقرار، وعندما يدخر الطفل ويحقق هدفاً مثل شراء لعبة أو هدية يزداد شعوره بالكفاءة والاستقلالية، ومن هنا يتعلم الطفل أنه قادر على تحقيق رغباته من دون الاعتماد الكلي على الآخرين".
وتضيف "يجب أن نأخذ في الاعتبار الآثار السلبية المحتملة إذا فُرض الادخار بصورة صارمة أو باستخدام التهديد والحرمان، فقد يشعر الطفل بالحرمان العاطفي أو القلق المالي، فالتربية المالية يجب أن تكون مبنية على التوازن بين التوجيه والدعم النفسي، ولا بد من أن نبدأ مبكراً وبطريقة مبسطة كاستخدام الحصالة وسيلة بصرية ومفهومة للادخار، وتعليم الطفل أن الادخار لا يعني التمسك المفرط بالمال، بل إدارة ذكية لمصروفه، ويجب أن نحاول قدر المستطاع التحدث عن المال بصورة إيجابية ولا نجعله مصدراً للقلق".
بطاقة إلكترونية بديل الحصالة
منذ فترة نشرت سيدة منشوراً على "فيسبوك" أثار جدلاً، يتضمن صورة لابنتها الطفلة من واحدة من القرى السياحية الفاخرة في الساحل الشمالي مصحوبة بإشادة بأن الطفلة نجحت في ادخار أول 100 ألف جنيه من مشروعها لبيع الأكسسوارات البسيطة في القرية السياحية الفاخرة خلال أشهر الصيف، أثار المنشور موجة من الجدل، بعض المصريين اعتبره استفزازاً لمشاعر الناس في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، بينما آخرون اعتبروه موجهاً لفئة وطبقة لا تدرك شيئاً من الأساس عن الأزمة الاقتصادية التي يعانيها قطاع كبير من الناس وامتد تأثيره بالقطع للأطفال بصورة أو بأخرى.
في الوقت ذاته فإن تساؤلات كثيرة طرحت عن كيفية الموازنة بين المبالغ القليلة التي يدخرها القطاع الأكبر من الأطفال والأسعار المرتفعة لكل شيء حالياً، التي تجعل أهداف الطفل من الادخار بعيدة من المبالغ البسيطة الموجودة في حصالته.
تقول شيماء هاني (أم لطفلة ثماني سنوات) "الادخار قيمة لا بد من أن يتعلمها الأطفال، لكن الواقع أصبح مختلفاً، فقد اشتريت لطفلتي حصالة بنحو 500 جنيه مصري (10 دولارات أميركية) تصدر أصواتاً وأضواء ولها رقم سري كانت ترغب فيها لتشجيعها على الادخار، وأحرص على أن أضع معها قائمة بالأشياء التي ترغب في شرائها ووضع أولويات بحيث يكون لديها هدف ترغب في تحقيقه، فهذا سيشجعها على الادخار وسيجعلها تعرف قيمة الأشياء، وبالفعل اشترت أشياء عدة بهذه الطريقة، وكانت سعادتها عارمة، لا بد من أن تساعد الأسرة الطفل على إدارة النقود والأولويات".
وفي الأعوام الأخيرة أتاحت بعض البنوك خدمة إصدار بطاقات مدفوعة مسبقاً بداية من 14 سنة وحتى سن 18 سنة تُمكّن من استخراج بطاقة "فيزا" تابعة لحساب أحد الوالدين، ويتيح هذا لهذه الفئة العمرية إدارة مصروفاتهم والاعتماد على أنفسهم بصورة كبرى في المعاملات المالية من دون الحاجة إلى حمل كثير من النقود.
يقول عبدالرحمن (15 سنة) "استخرجت أسرتي هذه البطاقة منذ فترة قريبة، ويشحنونها شهرياً بمبلغ أستخدمه في مصروفاتي، مثل شحن الموبايل والخروج مع أصحابي في نهاية الأسبوع، وأي متطلبات أحتاج إليها، وقد يتبقى مبلغ في بعض الأوقات أدخره لهدف معين، سابقاً كان لدي حصالة مثل كل الأطفال لكن حالياً هذا هو الوضع الأنسب، لأنه يمكنني من تنظيم نفقاتي لأني أحصل على مبلغ شهري".
اتخاذ القرارات الشرائية
كيف يمكن أن توجه الأسر أطفالها للادخار وما قيمة الحصالة في تعليم الطفل أساسات التعاملات المالية؟ وكيف يؤثر ذلك في الأطفال من ناحية إكسابهم ثقة في النفس وقدرة على اتخاذ القرارات؟ تجيب الاستشاري النفسي للأطفال والمراهقين هالة حماد "الادخار قيمة لا بد من أن نعود الأطفال عليها منذ الصغر حتى لو بأبسط الأشكال مثل علبة أو حصالة صغيرة، لكن حتى يأتي الأمر بنتيجة جيدة لا بد من أن تكون النقود تحت تصرف الطفل فتوضع الحصالة في غرفته، ويكون له حق اتخاذ القرار في الأشياء التي يرغب في شرائها، بالطبع تحت إشراف الأسرة، لكن أحد الأخطاء التي تقع فيها كثير من الأسر هو أخذ النقود من الأطفال تحت مسمى أنهم سيحتفظون له بها، بدلاً من أن ينفقها في أشياء تافهة، بخاصة لو كان مبلغاً كبيراً نسبياً أو عيدية حصل عليها الطفل بعد العيد فهذا يحبط الطفل، ويجعله يشعر أنه لا جدوى من الادخار، لأنه ليس صاحب قرار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف، "قضية التعامل مع النقود لا بد من أن تسير من سن مبكرة بداية من أربع أو خمس سنوات فيتم وضع مبلغ معين لشراء شيء للطفل من السوبرماركت، مثلاً يختار في إطاره، وعند سن سبع سنوات نعطي مبلغاً للطفل كمصروف يومي ونسمح له باتخاذ القرار في المدرسة، وهذا له دور اجتماعي في التفاعل والشراء، وتشجيعه على ادخار جزء من نقوده في الحصالة لهدف معين يرغب في الحصول عليه، في سن المراهقة بدأت تظهر فكرة الكروت المدفوعة مقدماً التي تصدرها البنوك، وهي فكرة جيدة، لأنها تعلم الطفل المسؤولية وفي الوقت نفسه تتيح للأسرة مراقبة إنفاقه وادخاره".
وتشدد حماد على أنه "من الأمور المهمة التي يجب أن تهتم بها الأسر هو تشجيع الطفل على العطاء، فالمبلغ الذي يتوفر في الحصالة يمكن أن تدفعه الأسرة لاستخراج جزء بسيط منه لعمل خيري، فمهما كان بسيطاً سيتعلم الطفل قيمة من خلاله، وفي الوقت نفسه فإنه لو كان للطفل هدف معين يدخر للحصول عليه فيمكن عقد اتفاق بأن يدخر نصف المبلغ والأسرة ستدفع النصف الآخر، فهذا يكون حافزاً للطفل على الادخار".