ملخص
متلازمة "غيلان باريه" مرض نادر وخطر وقد يقتل حامله، ينتشر في غزة بسرعة ويسبب شللاً لحامله. إليكم قصة هذا المرض الغريب الذي ظهر في القطاع بسبب الحرب.
كانت لارا منهمكة بتدبير حاجات صغارها، تنتقل بين نار الحطب لتطهو، ثم تتجه لمتابعة غسيل الملابس وتقطع عملها لتتفقد صغارها داخل الخيمة، وفجأة سقطت من طولها، حاولت النهوض مجدداً لكن عبثاً تحاول، فقد فقدت قدرتها على التحكم في أطرافها العلوية والسفلية.
لم يخطر ببال لارا أنها مصابة بأي مرض، وظنت أنها مرهقة من الحياة البائسة في غزة، وأن سقوطها وعجزها عن الحركة نتيجة الجوع. بمساعدة صغارها الذين سحبوا أمهم العاجزة تماماً عن الحركة إلى الفراش، نامت السيدة ليلة تجهل ما بعدها.
تخطيط عصب صادم
في الصباح، كان الزبد يخرج من فم لارا، صرخ الأطفال وأصيبوا بفاجعة، فقد ظنوا أن أمهم فارقت الحياة، مباشرة نقلت إلى مستشفى في غزة، وفي المرفق الطبي وقف الأطباء عاجزين تماماً عن التدخل لإنقاذها، وأبلغوا أهلها أن حياتها في خطر.
بدأ الطبيب اختصاصي أعصاب عماد الفيومي بمعاينة حالة لارا، أجرى لها فحوص الدم وكانت النتائج سيئة للغاية، زاد الشك عند العامل الصحي، ليقول "ارتخاء تام في اليدين والأقدام ترافقه صعوبة في التنفس والبلع"، ذهب العامل الطبي في خيالاته إلى ما هو غريب ونادر، متمتماً "إنها متلازمة غيلان باريه، يا للهول".
بسرعة أجرى الطبيب تخطيطاً للأعصاب تبين معه ضعف شديد في الأعصاب، وعندما أجرى اختبار قوة العضلات استنتج أن لارا لا تستطيع التحكم بعضلاتها وأن قوتها شبه معدومة، جن العامل الطبي واستدعى عدداً من زملاء مهنته لمعاينة الحالة النادرة.
بعد إجراء الاختبارات السريرية، تأكد الأطباء أنها تعاني مشكلة مخيفة ومقلقة في الأعصاب، لكن جموع العاملين الصحيين وقفوا عاجزين عن التأكيد إذا كانت الحالة هي متلازمة "غيلان باريه" أو مرضاً آخر.
يقول الطبيب الفيومي "جميع العلامات التي ظهرت على لارا تؤكد أنها تعاني مرض الشلل الارتخائي الحاد، إنها متلازمة ’غيلان باريه‘، وهي أخطر مرض في العالم، وقد يتسبب في وفاتها بعد أيام، وفي حال تمكنا من علاجها فإنها ستحتاج إلى أعوام طويلة للتعافي".
رنين الجهاز العصبي غير متوفر
وعن أسباب عجزه عن تشخيص المرض يقول الطبيب الفيومي "نعاني صعوبة تشخيص المرض بدقة لغياب سبل الفحص، مثل صورة الرنين المغناطيسي للجهاز العصبي وخزعة النخاع الشوكي، لذا يضطر الأطباء إلى البناء على التشخيص السريري فقط".
زادت حالة لارا سوء، وباتت لا تستطيع التنفس، بسرعة أوصل الطبيب عنقها بأنبوب متصلات بجهاز تنفس اصطناعي، ويعقب "حالتها خطرة، تحتاج إلى تشخيص دقيق بواسطة أجهزة متخصصة غير متوفرة في قطاع غزة".
دواء مينوغلوبين المناعي
ترقد لارا في قسم العناية المركزة منذ 33 يوماً ولا تتلقى أي علاج فعلياً، يوضح اختصاصي الأعصاب أن علاج متلازمة "غيلان باريه" هو دواء مينوغلوبين المناعي، ولكنه باهظ الثمن، كل عبوة صغيرة منه تكلف 450 دولاراً، وتحتاج المريضة إلى نحو 30 قارورة من أجل التعافي.
المشكلة ليس في سعر دواء مينوغلوبين المناعي الباهظ الذي لا تقوى أية أسرة في غزة على ثمنه، وإنما المعضلة في أن هذا العلاج غير متوفر حالياً في غزة، بسبب منع إسرائيل إدخاله إلى القطاع، بحسب حديث الفيومي.
يوضح الفيومي أن "غيلان باريه" له بديل علاجي آخر يعتمد على تنقية البلازما عبر فلاتر خاصة لإزالة الأجسام المناعية المهاجمة للأعصاب الطرفية، لكن إسرائيل أيضاً تمنع دخول هذه الفلاتر، مما يعطل اعتماد هذا الخيار العلاجي.
حالة لارا صعبة جداً، الشلل الارتخائي الحاد ينهش عضلاتها وأعصابها وينتشر في جسدها حتى وصل إلى عضلات جهازها التنفسي، ووضعها النفسي منهار، فهي غير قادرة على الحركة وقد حصل ذلك فجأة وبعد حركة نشيطة وعادية.
ما متلازمة "غيلان باريه"؟
في مدينة الحرب المدمرة، أخذ ينتشر مرض "الشلل الارتخائي الحاد"، ويسمى أيضاً متلازمة "غيلان باريه"، ويعد مرضاً خطراً للغاية، إذ إنه قاتل.
ما هي متلازمة "غيلان باريه"؟ تعد مشكلة صحية تصيب الجهاز العصبي، وهو مرض نادر من أمراض المناعة الذاتية، إذ تبدأ الأجسام المضادة في مهاجمة الخلايا العصبية الطرفية، مما يؤدي إلى فقدان السيطرة على عضلات الأطراف، ويمتد إلى عضلات الجهاز التنفسي.
بحسب الطبيب الفيومي فإن أعراض متلازمة "غيلان باريه" تختصر في ضعف عضلي يبدأ عادة في الساقين، ثم ينتقل لأعلى الجسم، إضافة إلى التنميل أو الوخز في الأطراف، وفقدان ردود الفعل مثل رد فعل الركبة، وصعوبات في المشي أو التحكم بالعضلات، وقد يتطور الأمر إلى شلل في عضلات التنفس وصعوبة في البلع والكلام.
متلازمة "غيلان باريه" غير معدية، إلا أن خطورتها تكمن في وجود الجراثيم والبكتيريا التي وجدت بفعل التلوث الكبير في غزة، وهذا ما قد يفسر سبب انتشار هذا المرض الخطر داخل القطاع.
في العالم تحدث متلازمة Guillain-Barré لدى شخصين من أصل 100 ألف شخص سنوياً، أما في غزة فسجلت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إصابة نحو 145 حالة خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وهذا ارتفاع غير مسبوق للإصابات يتزامن مع انعدام القدرة على التشخيص الدقيق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حالات أخرى
قبل الحرب كانت متلازمة "غيلان باريه" موجودة في غزة، لكنها كانت نادرة الحدوث، وكانت تسجل حالة واحدة كل عام، وأثناء الحرب ونتيجة للأوضاع الكارثية بات هذا المرض كابوساً يطارد المصابين به ووزارة الصحة المنهارة تماماً.
تعيش عائلة صهيب مأساة بعدما أصيب في متلازمة "غيلان باريه" وبات لا يقوى على الحركة، ولا يجلس إلا مربوطاً حتى لا يقع، وهو يحتاج إلى ثلاث جلسات علاج طبيعي يومياً كي يستعيد شيئاً من قوته المفقودة، ويحتاج إلى تناول البيض والحليب واللحوم، لكن هذه الأغذية غير متوفرة في القطاع.
انهارت تولين من دون سابق إنذار، ليكتشف الأطباء أنها مصابة بالتهاب في الأعصاب سبب ارتخاء شديداً يعوق حركتها، ويقول والدها "أصيبت بالمرض بصورة مفاجئة، إذ بدأت تشعر بألم في ساقيها، تطور ليصيب أطرافها العلوية، ونقلناها إلى المستشفى".
خطر وقاتل
يقول رئيس قسم الأوبئة في دائرة الطب الوقائي بوزارة الصحة نضال غنيم "هذا الارتفاع في ’غيلان باريه‘ نتيجة إلى الظروف البيئية والصحية الكارثية، التي تشمل تلوث المياه وانهيار خدمات الصرف الصحي وتراكم النفايات، إضافة إلى سوء التغذية الذي يفاقم ضعف المناعة". ويضيف "’غيلان باريه‘ تعد تهديداً خطراً يضاف إلى أخطار الحرب، إذ إنه خطر ونادر ويؤدي للموت ولا علاج له. قطاع غزة يشهد ارتفاعاً غير مسبوق في مرض الشلل الارتخائي الحاد المصاب به بحاجة ماسة إلى العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي". ويوضح غنيم أن الأطباء يعانون صعوبة في تشخيص المرض بدقة لغياب سبل الفحص، مثل صورة الرنين المغناطيسي للجهاز العصبي والنخاع الشوكي، ويعتبر أن تسجيل 145 إصابة بمتلازمة "غيلان باريه" في شهر هو أمر مثير للقلق. وبحسب غنيم فإن وزارة الصحة طوال عام كامل قبل الحرب لم تسجل ربع هذا الرقم، مؤكداً أنه في حال لم تتحسن الظروف في غزة، سنكون أمام زيادة مضطربة في هذه الحالات وغيرها من الأمراض.