Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هجوم ميدفيديف" عنوان جديد في العلاقات الروسية الاميركية

رئيس لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس الدوما يونيد سلوتسكي يقول إن أهداف العملية العسكرية الخاصة سيتم تحقيقها إما عبر المفاوضات وإما بالقوة العسكرية

ملخص

ميدفيديف عبر "إكس": روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران... وكل إنذار نهائي جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب، ليس بين روسيا وأوكرانيا، ولكن مع بلده.

ميدفيديف حرص في ختام تعليقاته على تكرار ترمب إنذاراته، على إطلاق كنية "الجد" في صيغة التدليل على كل من ترمب وبايدن، في إشارة غير مباشرة إلى الأوضاع الصحية والحال الذهنية للرئيسين السابق والحالي.

تباينت ردود الأوساط السياسية الروسية على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شأن تقليص المهلة الممنوحة لروسيا للتوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا من 50 إلى 10-12 يوماً. وفيما اتسمت مواقف الكرملين من هذه التصريحات بكثير من المرونة والدبلوماسية، فقد انبرى للرد عليها نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف بلهجة تحمل في طياتها كثيراً من الحدة، وإعلان رفضه المطلق إنذارات ترمب الذي كثيراً ما أعرب عنه، في سياق تحول ملحوظ في خطابه السياسي من صورة الليبرالي التكنوقراطي المعتدل إلى خطاب أكثر تشدداً ينم عن عداء للغرب، بخاصة منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، وذلك ما يستحق التوقف عنده بكثير من التفاصيل.

الرد الرسمي للكرملين

وإذ اكتفى الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بالرد على سؤال حول تقديره تصريحات الرئيس الأميركي بقوله "لأكون صادقاً، أود تجنب أية تقييمات، مرة أخرى فقط، أحِطنا علماً ببيان الرئيس ترمب"، فقد عاد ليقول "إن روسيا بحاجة إلى وقت لتحليل هذه التصريحات قبل الرد الرسمي". ومضى بيسكوف في تعليقاته على مدى تطور العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة، ليقول "هناك تباطؤ، في الواقع، وحتى الآن عملية التطبيع، دعنا نقل ليست هشة أو غير هشة. بالطبع، أود أن نرى ديناميكيات أكبر، نحن مهتمون بها، ولكن هنا، ومن أجل المضي قدماً، نحتاج إلى نبضات من كلا الجانبين. لذلك، نواصل اهتمامنا ونأمل في أن تكتسب هذه العملية ديناميكيات أكبر". ونقلت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" وهي واحدة من أوسع الصحف الروسية انتشاراً، عن بيسكوف ما وصف به تصريحات الرئيس الأميركي بأنها "خطرة للغاية"، وأن بعضها موجه شخصياً إلى الرئيس فلاديمير بوتين. كذلك نقلت عنه تقديره القرارات الأميركية بتسليم أسلحة جديدة لأوكرانيا، بأن الجانب الأوكراني يعتبرها إشارة إلى مواصلة الحرب لا إشارة إلى سلام.

ومن ردود الفعل "شبه الرسمية" نتوقف عند ما قاله رئيس لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس الدوما ليونيد سلوتسكي الذي وصف الحديث مع روسيا بلغة الضغط والإنذارات بأنه "لا جدوى منه وهو غير بناء"، محذراً من أن ترمب قد "ينجرف وراء المواقف المنحازة لكارهي روسيا من الأوروبيين". وأكد سلوتسكي أن "تحديد أية مهلة لروسيا لا يمكن أن يؤدي إلى تسوية النزاع"، وأن أهداف العملية العسكرية الخاصة سيتم تحقيقها في أية حال، إما عبر المفاوضات وإما بانتصار السلاح الروسي.

أما عما قاله الرئيس الروسي السابق، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي يظل محسوباً على الرئيس بوتين، فقد اتسم بقدر كبير من التشدد المفعم بالتهكم والسخرية. وإذ استهل ميدفيديف تعليقه على تصريحات ترمب بما كتبه على شبكة "إكس" حول أن "ترمب يلعب هذه اللعبة بإنذاراته إلى روسيا سواء بتحديد مهلة زمنية تارة 50 يوماً وأخرى 10 أيام... إنه يحتاج إلى تذكر شيئين: أولهما أن روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران. وثانيهما أن كل إنذار نهائي جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب، ليس بين روسيا وأوكرانيا، ولكن مع بلده".

وعاد ميدفيديف ليناشد الرئيس الأميركي بعدم اتباع طريق سلفه بقوله "لا تمضي عزيزي في طريق جو النائم دوماً"، في إشارة إلى الرئيس السابق جو بايدن. ومن اللافت في هذا الصدد أن ميدفيديف حرص في ختام تعليقاته على تكرار ترمب إنذاراته، على إطلاق كنية "الجد" في صيغة التدليل على كل من ترمب وبايدن، في إشارة غير مباشرة إلى الأوضاع الصحية والحال الذهنية للرئيسين السابق والحالي.

ماذا يعني رفض ميدفيديف؟

ويأتي رفض ميدفيديف إنذارات ترمب في سياق تحول ملحوظ في خطابه السياسي منذ تخليه عن منصبه السابق كرئيس للحكومة الروسية في إطار قرار مفاجئ اتخذه الرئيس بوتين في يناير (كانون الثاني) عام 2020، سرعان ما أعقبه بالتحول من موقف الليبرالي المعتدل إلى موقع العداء للغرب، منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية. وذلك ما يعزوه مراقبون كُثر إلى احتمالات محاولاته استعادة مواقعه السابقة إلى جوار الرئيس اعتقاداً منه أنه يظل المرشح الأول لخلافته، على حد ما يقول بعض المراقبين.

ولعلنا نتذكر مدي التعرجات التي اتسمت بها مسيرة ميدفيديف خلال ولايته السابقة والوحيدة كرئيس للبلاد (2008-2012) وما تمثلت في ما نشره من مقال سبق وأودعه موقعه على الشبكة الإلكترونية عام 2009 تحت عنوان "روسيا إلى الأمام"، وهو ما أشرنا إليه في كتابنا الصادر بالقاهرة عام 2015 تحت عنوان "بوتين... صراع الثروة والسلطة". وكان ميدفيديف حمل في ذلك المقال على أعوام حكم بوتين بقوله "إن الدولة لم تقم بما كان يجب أن تقوم به خلال الأعوام السابقة". وأشار ميدفيديف إلى كثير من أوجه القصور، ومنها استمرار تدهور الاقتصاد وتخلفه والاعتماد المفرط على عائدات تصدير الطاقة والمواد الخام، إلى جانب تفشي واستشراء الفساد الإداري وغياب المبادرات الفردية والاتكال على الدولة لحل كل المشكلات. وأشرنا كذلك إلى ما تضمنه المقال من هجوم على بعض رجال المال والأعمال ممن تورطوا في شراء ذمم المسؤولين إلى جانب تفاقم ظاهرة الجريمة المنظمة، وغير ذلك من توابع ما عانته روسيا خلال تسعينيات القرن الماضي من مشكلات. واستشهدنا في هذا الكتاب بما قاله مدير معهد التنمية المعاصرة المحسوب على ميدفيديف، إيغور يورجينس، حول إن في الدولة نظامين حزبيين أولهما "حزب الاستقرار" بقيادة بوتين، والثاني "حزب التقدم" بقيادة ميدفيديف، وما أعرب عنه من أمل في أن تسفر الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2012، عن إتاحة الفرصة للناخبين من أجل الإفصاح عن خيارهم دونما تسلط أو تدخل خارجي.

وقد جرى ذلك كله، في وقت ثمة من يقول إن الدولة في حاجة إلى "عقد اجتماعي" جديد "أقل قدرة من تدخل السلطة في شؤون الشعب، وتمتع الشعب بحق أكبر في التدخل في شؤون السلطة"، يطالب آخرون بضرورة الحد من تسلط الأجهزة الأمنية وإتاحة الفرصة والحريات للأجهزة الإعلامية والثقافية. ونذكر أيضاً ما أشرنا إليه حول ما اتخذه ميدفيديف من موقعه كرئيس للدولة من قرارات متعلقة بإقالة ما يقارب نصف عدد محافظي ورؤساء الجمهوريات، ممن كانوا يدينون بالولاء للرئيس السابق بوتين، فضلاً عن إقالة كثير من جنرالات وزارة الداخلية في كثير من المحافظات والأقاليم، وهو ما حظي بإشادة صحف المعارضة ومنها صحيفة "نوفايا غازيتا" التي وصفت قرارات ميدفيديف بـ"الثورية"، وكانت أغلقت أبوابها مع بداية "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

ولم نغفل آنذاك الإشارة أيضاً إلى ما اتخذه بوتين من قرارات معاكسة من موقعه كرئيس للحكومة الروسية، وزعيم لحزب "الوحدة الروسية" الحاكم، ومنها جنوحه نحو تشكيل "الجبهة الشعبية" التي ضمت بين صفوفها جموع الشعب من مختلف التوجهات بما جعلها تفوق من ناحية العدد والتوجهات مواقع الحزب الحاكم، وهي الجبهة التي تتحمل اليوم أعباء الإشراف على حاجات الجبهة العسكرية في الصراع القائم تحت اسم "العملية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

ومن اللافت في هذا الصدد ما جنح الرئيس السابق ميدفيديف إليه من توجهات نحو الانضمام إلى منتقدي الحياة الحزبية في روسيا من خلال تقرير صدر آنذاك تحت عنوان "روسيا في القرن الـ21، نموذج الغد الذي نريده"، عن معهد التنمية المعاصرة الذي وقف وراء تأسيسه. كما اعتمد ميدفيديف عدداً من القوانين التي وقف وراء إعدادها لتغيير الحياة الحزبية وظهور الجديد منها، إلى جانب خفض الحد الأدنى اللازم للفوز في الانتخابات البرلمانية إلى خمسة في المئة بدلاً من نسبة سبعة في المئة السابقة التي كان بوتين وقف وراء إقرارها. وفي السياق ذاته، لا بد من الإشارة إلى أن ميدفيديف حرص أيضاً على "مجاراة" ما أطلقه بوتين من تأسيس "منتدى فالداي" عام 2004، بإعلانه عن تأسيس "منتدى السياسة العالمية الدولي" في ياروسلافل شمال موسكو، إلى جانب ما روجت له الناطقة الرسمية باسمه قبل رحيلها عن ذلك المنصب، ناتاليا تيماكوفا، حول حاجة الرئيس ميدفيديف إلى البقاء فترة ولاية ثانية لاستكمال ما وضعه من خطط وبرامج لتطوير الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الصقر" ذو التصريحات "البركانية"

ويؤكد مراقبون كُثر أن ميدفيديف كان يُنظر إليه سابقاً بوصفه واحداً من أكثر السياسيين الروس ليبرالية مقارنة ببوتين، إذ ركز خلال رئاسته (2008-2012) على تحديث الاقتصاد والمجتمع الروسي وتقليل اعتماد البلاد على النفط والغاز. لكنه تحول في الأعوام الأخيرة إلى ما يصفونه بـ"الصقر" ذي التصريحات "البركانية"، على حد تعبير هؤلاء المراقبين. أما عن تفسير مثل هذا التحول "المفاجئ"، فثمة من يعزوه إلى مقتضيات الوقوف وراء الرئيس بوتين دفاعاً عن المصالح العليا للوطن، والرغبة في تأكيد عدم صحة ما قيل ويقال حول الليبرالية اليمينية التي كثيراً ما اتسمت به في السابق تحركات ميدفيديف خلال ولايته السابقة والوحيدة، ومحاولة التركيز على تناسي صورته السابقة التي كثيراً ما اتسمت بالانحياز إلى جانب الغرب وتوجهاته اليمينية، بما تمثل في التضحية بمصالح أصدقاء روسيا التقليديين، ومنهم ليبيا وإيران. ونذكر في هذا الصدد ما اتخذه من قرارات حول وقف صادرات روسيا من الأسلحة إلى ليبيا وعزل السفير الروسي بسبب إصراره على رفض تلك القرارات. وذلك إلى جانب الانحياز إلى مواقف الغرب ضد إيران.

وثمة من يقول أيضاً إن هناك تفسيرات أخرى عدة لهذا التحول، ومنها تأكيد عبثية وأوهام التفكير في إطاحة الرئيس الحالي أملاً من جانب الدوائر الغربية في العثور على البديل الأكثر مرونة. وكانت "اندبندنت عربية" سبق وأشارت في أكثر من تقرير لها من موسكو، إلى أن القادم في روسيا، وفي حال تخلي الرئيس بوتين عن سدة الرئاسة، سيكون في أغلب الظن أكثر تشدداً، كنتيجة منطقية لمواجهة تصاعد التوتر مع الغرب، وهو ما لا بد أن يدفع كثيراً من المسؤولين الروس إلى التمسك برفض أية ضغوط من الخارج، ووحدة الصف في الداخل وراء القيادة السياسية للبلاد، في مواجهة التحديات الخارجية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير