ملخص
أثار الإنذار الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والذي حدد موعداً نهائياً لإسرائيل في سبتمبر (أيلول) المقبل، توبيخاً على الفور من نظيره الإسرائيلي الذي قال إن ستارمر يكافئ "حماس" ويعاقب القتلى والمصابين الذين سقطوا في هجومها عام 2023.
رفضت بريطانيا اليوم الأربعاء انتقادات وجهت إليها بأنها تكافئ حركة "حماس" من خلال وضع خطط للاعتراف بدولة فلسطينية ما لم تتخذ إسرائيل خطوات لتحسين الوضع في قطاع غزة وإحلال السلام، وأثار الإنذار الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والذي حدد موعداً نهائياً لإسرائيل في سبتمبر (أيلول) المقبل، توبيخاً على الفور من نظيره الإسرائيلي الذي قال إن ستارمر يكافئ "حماس" ويعاقب القتلى والمصابين الذين سقطوا في هجومها عام 2023، بينما قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه لا يعتقد أنه "ينبغي مكافأة 'حماس' بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة".
جائعون حتى الموت
ورداً على سؤال حول هذا الانتقاد، قالت وزيرة النقل البريطانية هايدي ألكسندر، التي كلفتها الحكومة بالرد على الأسئلة في سلسلة من المقابلات الإعلامية اليوم الأربعاء، "هذه ليست مكافأة للحركة"، مضيفة أن "حماس" منظمة "إرهابية حقيرة ارتكبت فظائع مروعة، والأمر يتعلق بالشعب الفلسطيني وأولئك الأطفال الذين نراهم في غزة يتضورون جوعاً حتى الموت"، وتابعت "علينا أن نزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإلغاء القيود المفروضة على إدخال المساعدات إلى القطاع".
وكانت فرنسا أعلنت الأسبوع الماضي أنها تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية خلال سبتمبر المقبل بسبب الأوضاع الإنسانية المزرية في القطاع، لتصبح بذلك أول من يتخذ هذا القرار من القوى الغربية الكبرى، وكانت بريطانيا وفرنسا وقوى غربية أخرى عبرت في السابق عن التزامها تجاه إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكنه كهدف لن يتحقق على أفضل وجه إلا عند انتهاء مفاوضات السلام مع إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي خطاب نقله التلفزيون أمس الثلاثاء، قال ستارمر إنه أصبح من الضروري اتخاذ إجراء لأن آفاق حل الدولتين أصبحت مهددة، مضيفاً أن بريطانيا ستتخذ هذه الخطوة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية للسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة، وتعلن بوضوح أنها لن تضم الضفة الغربية، وتلتزم بعملية سلام طويلة الأمد تفضي إلى حل الدولتين.
وقال ستارمر "لا توجد مساواة بين إسرائيل و'حماس' ومطالبنا من الحركة لا تزال قائمة وهي ضرورة الإفراج عن جميع الرهائن والموافقة على وقف إطلاق النار، والقبول بعدم لعب أي دور في حكومة غزة ونزع سلاحها".
رفع مستوى العلاقات
وقال مسؤول حكومي بريطاني إن الأثر المباشر لاعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية ربما يتمثل في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، مضيفاً أن بريطانيا تستضيف حالياً بعثة دبلوماسية فلسطينية في لندن يمكن ترقيتها إلى سفارة، مشيراً إلى أن لندن ربما تفتح في نهاية المطاف سفارة لها داخل الضفة الغربية.
الباحث الكبير في "معهد العلاقات الدولية" في براغ، أزرائيل بيرمانت، قال إن خطوة ستارمر "ستزيد عزلة إسرائيل لكنها لن تغير شيئاً على أرض الواقع"، بينما أكدت الرئيسة التنفيذية لمركز "تشاتام هاوس" للأبحاث برونوين مادوكس، أن هذه الخطوة تضع بريطانيا في صدارة الدول التي تسعى إلى التفاوض على حل، لكن ستارمر ربما "أربك الأمور باستخدامه الاعتراف كتهديد لإسرائيل، في حين أنه هدف للسياسة الخارجية البريطانية"، مضيفة أنه "ربما كان من الأفضل له استخدام تهديدات أخرى مثل فرض عقوبات أو فرض قيود على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الأزمة الحالية في غزة، لدفعها إلى تغيير سلوكها هناك".
وعبرت هيئة نواب اليهود البريطانيين، وهي أكبر منظمة للدفاع عن حقوق اليهود في بريطانيا، عن مخاوفها من عدم وضع شروط واضحة مماثلة لحركة "حماس" التي لا تزال تحتجز 50 رهينة منذ الهجوم الذي قادته على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وعندما سئلت وزيرة النقل البريطانية عما إن كان الاعتراف مشروطاً بالإفراج عن الرهائن، قالت إن الحكومة ستراجع في سبتمبر المقبل ما إذا كانت ستمضي قدماً في الاعتراف، مشيرة إلى أن بريطانيا تطالب منذ فترة طويلة بضرورة إفراج "حماس" عن الرهائن، أما "المجلس الإسلامي في بريطانيا"، أكبر مظلة للأقلية المسلمة في البلاد، فقال إن شرط الاعتراف يتناقض مع موقف الحكومة المعلن بأن إقامة الدولة حق ثابت للشعب الفلسطيني.
لماذا فعلها ستارمر؟
وكانت حكومات بريطانية متعاقبة أكدت أنها ستعترف رسمياً بدولة فلسطينية عندما يحين الوقت المناسب، وعندما يكون دعم حل الدولتين من الخطوات الأكثر فعالية، وحتى أمس الثلاثاء كانت الحكومة تقول إنها تركز على تحسين الوضع الميداني للمدنيين المتضررين من الحرب بدرجة أكبر من تركيزها على الاعتراف بدولة فلسطينية، لكن ستارمر أصبح أكثر صراحة على نحو متزايد في انتقاد الجوع والدمار في غزة، وتعرض لضغوط من مشرعي حزب العمال للتحرك.
وتأمل بريطانيا في أن يكون لخطوتها تأثير عملي في تصرفات إسرائيل، بداية من زيادة تدفق المساعدات وحتى إحياء المساعي الدبلوماسية نحو حل الدولتين، وقالت الأستاذ المساعد في جامعة "كولدج لندن" والمتخصصة في سياسات الشرق الأوسط جولي نورمان، إن هذه الخطوة تنطوي على ثقل دبلوماسي وأخلاقي كبير حتى وإن كانت رمزية في الغالب.
وتسعى السلطة الفلسطينية إلى إقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، بينما ترفض "حماس" الاعتراف بإسرائيل، ويدعو ميثاقها التأسيسي الصادر عام 1988 إلى القضاء عليها، وقال القنصل العام البريطاني السابق في القدس فنسنت فين إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيؤدي إلى اضطرار الحكومة لمراجعة علاقاتها مع إسرائيل، مضيفاً أن هذا ربما يؤدي إلى حظر بريطانيا منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، مضيفاً أن "ذلك سيكون رمزياً فقط، بمعنى أن هذه المنتجات تمثل وخزة صغيرة في الحجم الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي".
ماذا يرى ترمب؟
وما هو غير واضح حالياً هو تأثير هذا الاعتراف في العلاقات الوثيقة على صعيد الاستخبارات والأمن بين بريطانيا وإسرائيل، بما في ذلك سلاسل التوريد المتعلقة بالدفاع، إذ يعمل ستارمر على إقامة علاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتقاه في إسكتلندا أول من أمس الإثنين، لكن ترمب قال إنه وستارمر لم يناقشا خلال لقائهما خطة بريطانيا للاعتراف بدولة فلسطينية، وعندما سئل ترمب عما إذا كان يتفق مع موقف ستارمر بأن الاعتراف بدولة فلسطينية خطوة نحو السلام الدائم، قال "لا أمانع في أن يتخذ موقفاً وأنا أسعى إلى إطعام الناس الآن، فهذا هو الموقف الأهم، وهناك كثير من الجوعى"، لكنه في طريق عودته للولايات المتحدة أمس الثلاثاء قال إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون مكافأة لـ"حماس"، بينما رحبت فرنسا بإعلان ستارمر بعد أيام فقط من تأكيد الرئيس إيمانويل ماكرون عزم بلاده السعي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.
والعام الماضي اعترفت إيرلندا والنرويج وإسبانيا بدولة فلسطينية مع تأكيد أن قرارها لا يضعف اعتقادها بحق إسرائيل الأساس في الوجود بسلام وأمن، إذ تعترف 144 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، بما في ذلك معظم دول الجنوب إضافة إلى روسيا والصين والهند، أما الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة فلا يعترف بها إلا قلة قليلة، معظمها دول شيوعية سابقة إضافة إلى السويد وقبرص.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف الفعلي بدولة فلسطينية ذات سيادة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، وذلك برفع مستوى صفة فلسطين في المنظمة الدولية من "كيان" إلى "دولة غير عضو" لها صفة مراقب، وربما يضغط قرار ستارمر على دول كبرى أخرى مثل ألمانيا وأستراليا وكندا واليابان للسير على المنوال نفسه، فيما ذكرت ألمانيا الجمعة الماضي أنها لا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على المدى القريب، وقالت إيطاليا إن الاعتراف يجب أن يقترن باعتراف أية دولة فلسطينية جديدة بإسرائيل.