Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفحات السوشيال ميديا الشخصية... هوية رقمية تعيد تعريفك

أصبحت وسيلة للحكم على الأشخاص وتداخلت في العلاقات الاجتماعية وامتد الأمر للمعاملات الرسمية في بعض الدول

أصبحت السوشيال ميديا واحدة من الوسائل التي يتم من طريقها التعرف على آراء الأشخاص وتوجهاتهم وأفكارهم (أ ف ب)

ملخص

جهات متعددة حالياً أصبحت تطلب الاطلاع على صفحات السوشيال ميديا الخاصة بالأفراد قبل التعامل معهم من أفراد وجهات رسمية ومؤسسات فهل يعني هذا أنها أصبحت تمثل بطاقة هوية رقمية لصاحبها؟

مع توغل السوشيال ميديا في مناحي الحياة، وإمضاء الناس ساعات طويلة عليها في التواصل والتفاعل ومشاركة الآراء والتعليقات والصور، تجاوز الأمر مجرد التسلية أو الرغبة في التعرف على الأخبار والمعلومات أو متابعة بعض الاهتمامات، إذ تحولت صفحات الشخص على المنصات المختلفة إلى وسيلة من وسائل التعرف عليه، هذا يظهر بصور مختلفة، من بينها رغبة بعض الشركات في الاطلاع على صفحات موظف يتقدم لوظيفة فيها قبل تعيينه، كما امتد الأمر إلى العلاقات الاجتماعية والتعارف بين الناس، حتى إن البعض صار يطلع على صفحات السوشيال ميديا لعريس أو عروس مقترحة، وفي ظاهرة غريبة أصبحت بعض الأماكن العامة مثل المطاعم أو الشواطئ تطلب الاطلاع على صفحات راغبي الحجز فيها.

لا يقتصر الأمر على الجوانب المهنية والاجتماعية، لكنه امتد إلى المعاملات الرسمية، فعلى سبيل المثال في الفترة الأخيرة وبالتواكب مع تضييق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الدراسة في أميركا من خلال تحجيم الفرص الجديدة، وإيقاف بعض المنح التي كانت سارية بالفعل، جرى الإعلان عن أنه ستفحص طلبات التأشيرات الخاصة بالطلاب، لكن مع اشتراط أن يتاح الاطلاع على صفحات السوشيال ميديا الخاصة بهم، علماً أن المتقدمين الذين سيرفضون هذا الشرط غالباً لن يقبلوا، باعتبار أنهم يخفون نشاطهم على الإنترنت.

وسابقاً، جرت العادة أن أي معاملات رسمية يجري الاطلاع على أوراق مثل بطاقات الهوية والشهادات الدراسية ووثائق رسمية من جهات معينة بحسب نوع الخدمة المطلوبة، أما الآن ومع طلبات الاطلاع على صفحات السوشيال ميديا الخاصة بالأفراد من أفراد وجهات رسمية ومؤسسات فهل يعني هذا أنها أصبحت تمثل بطاقة هوية رقمية لصاحبها؟

كيف تكشف منشوراتك عن طبيعة شخصيتك؟

يجيب محمد الحارثي، استشاري تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، "بعض الدول تعتمد فكرة الأوسنت osint بمعنى open sourc intelligence أو المعلومات مفتوحة المصدر، مثل جمع المعلومات عن المواقع أو الصفحات التي يدخل عليها الشخص للتعرف على ميوله واهتماماته، وماذا يفضل على السوشيال ميديا، وماذا يتابع يساعد هذا في تكوين رؤية عن الشخص من خلال هذه المعلومات، ولو وجد أن تحركاته الرقمية لا تتناسب مع سياسة الدولة، مثل ميول سياسية أو عدائية معينة يجري الاعتراض على دخوله إليها من البداية، أصبح هذا واقعاً موجوداً بالفعل".

ويضيف الحارثي، "السوشيال ميديا حالياً أصبحت بالفعل جزءاً من هويتنا، نحن نقضي ساعات طويلة عليها، وتدخل في حياتنا بصورة كبيرة وتعطي مؤشرات عن الشخص، لكن لا يعتمد عليها في تكوين رأي نهائي عنه، لكن هناك أشياء بالفعل قد تضر الشخص وتؤثر في مساره في حياته الطبيعية فلا يعقل مثلاً أن ينشر طبيب محتوى خارجاً أو أن يشارك مدرس صوراً له وهو يسهر في مكان يتنافى مع معايير المجتمع، فهنا سيحجم الناس عن التعامل معهم، وفي الوقت نفسه بعض الشركات قد لا يناسبها أن يعمل لديها شخص ذو أفكار متطرفة في اتجاه معين، وكل هذه الأمور قد يستدل على جانب منها من السوشيال ميديا".

 

ويستكمل، "بعض الأمور تكون مقبولة ومنطقية مثل اطلاع شركة على صفحة (لينكد إن) لموظف مقترح لديها، هنا هي تطلع على سيرته المهنية وإنجازاته، وهذا بالفعل يتعلق بالعمل بصورة مباشرة، أما الاطلاع على منصات أخرى فهذا به أكثر من وجهة نظر بعضها يؤيد وبعضها يعارض، لكن أعتقد أن الشخص لا بد أن يراعي وضعه وطبيعة عمله، وأن تكون منشوراته متسقة وتعطي انطباعاً عن شخصيته".

طبقاً لتقرير صادر عن data reportal  فإن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر مع بداية عام 2025 يصل إلى 50.7 مليون شخص، وطبقاً لإحصاء نشرته شركة "ميتا" عام 2024 فإن مصر تقع في المركز التاسع بين عدد مستخدمي "فيسبوك" في العالم كله، تدلل هذه الأرقام على الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي وتوغلها في حياة الناس.

ومن الأشياء الجديدة التي بدأت تظهر في مصر هو اشتراط بعض الأماكن العامة إرسال صفحات السوشيال ميديا للشخص الذي يقوم بالحجز للاطلاع عليها، وبناء عليه القبول أو الرفض، يحدث هذا في بعض المطاعم الفاخرة وفي بعض الشواطئ بالساحل الشمالي، بل إن الأمر يتجاوز ذلك فبعض هذه الأماكن حتى لو أتاحت الحجز للشخص فإنها تعطي نفسها أحقية في عدم قبول دخوله للمكان حتى بعد وصوله فيما يطلقون عليه "Door selection" اعتقاداً منهم بأن هذا يتيح لهم انتقاء مستوى معين وتجنب حدوث مشكلات ناتجة من الاندماج بين ثقافات مختلفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحكي "أميرة. أ"، "رغبت في الحجز بأحد المطاعم وبعدما اتصلت بهم فوجئت بطلبهم أن أرسل صفحات السوشيال ميديا الخاصة بي، تعجبت في البداية، لكني عرفت لاحقاً أن هذه سياسة أصبحت تنتهجها بعض الأماكن لضمان مستوى معين، رغم أن هذا غير قانوني بأي حال من الأحوال، رفضت إرسال أي شيء وألغيت الفكرة من أساسها، لأن هذا الأمر انتهاك صارخ للخصوصية، ويكرس لشكل من أشكال الطبقية، فأي مكان يقدم سلعة أو خدمة من المفترض أن يحصل عليها كل من يقوم بدفع ثمنها من دون النظر لأي شيء آخر".

وتضيف "في مفارقة غريبة وبينما أحكي لواحدة من صديقاتي قالت إنها ترغب في خوض التجربة لمعرفة معايير التقييم رغم أنها لا تنوي الذهاب لهذا المكان من الأساس، لأنه يفوق إمكاناتها المادية، وقد نجحت بالفعل في الحصول على الحجز غالباً بسبب أن طبيعة عملها تتيح لها اللقاء بكثير من الشخصيات المهمة والفنانين والمشاهير، الذين شاهدوا صورهم معها على صفحتها على إنستغرام واعتقدوا أنها تنتمي إلى هذا المجتمع".

لعبة الصورة الزائفة 

تعليقاً على هذه الظاهرة تقول أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس عزة فتحي، "بالطبع هذه مبالغة وشيء غير مقبول، لكنه يؤكد أن السوشيال ميديا أصبحت تمثل جانباً من هوية الشخص، ومن خلالها يجري التعرف على شكل ونمط حياته، فنرى أشخاصاً يرتدون أفخر الماركات ويذهبون إلى أرقى الأماكن، لكنهم في الحقيقة لا ينتمون إلى هذا المجتمع، ويحاولون أن يظهروا انتماءهم له في ظل سيطرة المظاهر على الناس، فيحاول البعض أن يرسم لنفسه صورة معينة على السوشيال ميديا تخالف الحقيقة، ويسهل هذا الوضع حالياً أن الناس أصبحت لا تعرف شيئاً عن بعضها، فالجار لا يعرف جاره في نفس البناية، فكيف بالنسبة إلى الدوائر الأبعد، فكما يضع البعض ’فلتر’ على صور مواقع التواصل يضع آخرون ’فلتر’ على حياته التي يقدمها للناس على السوشيال ميديا بهدف خلق صورة ذهنية معينة عنه عند الآخرين والعمل على إعلاء قيمة ذاته حتى ولو بشكل ينافي الحقيقة".

وتضيف فتحي، "السوشيال ميديا ليست مرآة حاكمة فأحياناً تعكس الحقيقة وكثيراً ما تعكس أشياء زائفة وحتى في المشاعر، البعض قد يعمد إلى إظهار حال غير حالته فقد يكون سعيداً وحياته مستقرة، لكنه يعتمد نشر مشكلات وأزمات وادعاء أشياء خوفاً من الحسد والعكس أيضاً، لكن في رأيي لا بد أن يراعي الشخص وضعه في المجتمع، وأن تكون صفحاته على السوشيال ميديا معبرة عنه، فالأستاذ الجامعي مثلاً لا بد أن يحفظ وضعه ووقاره أمام الناس".

 

من الأشياء التي أصبحت لافتة في المجتمع هي تداخل السوشيال ميديا في العلاقات الاجتماعية، فبعدما كان دورها مقصوراً على التواصل وإرسال التهاني والمباركات وواجبات العزاء، مما أدى إلى تقلص العلاقات الحقيقية أصبحت حالياً وسيلة لتقييم العلاقات الإنسانية، التي تعتمد على التعارف المباشر، ومن المفترض أن يكون هو الفيصل الأساس فيها مثل التعرف على عائلة لخطبة ابنتهم على سبيل المثال.

تقول أمل عبدالرحمن (55 سنة)، "تعرضت لموقف غريب في أثناء ترشيحي عروساً لأحد أقاربي فبعد أن شاهدها معي في أحد الأفراح وقبل أن يذهب لمنزل أسرتها طلب مني أن أرسل إليه صفحاتها على السوشيال ميديا، تعجبت من الطلب، وفعلت ذلك، ظناً أنه يرغب في رؤية صورة الفتاة بشكل أوضح، لكن فوجئت به يخبرني بأنه صرف نظر عن الأمر بالكامل، لأنه بعد اطلاعه على صفحتها على فيسبوك وجد أن لها آراء ووجهات نظر وتشتبك في نقاشات مع أصدقائها، وأن هذا النوع من الفتيات لا يناسبه، الحقيقة أن الموقف كان غريباً بالنسبة إليّ، لكن لاحقاً تقدم عريس لابنتي ورفضته رفضاً قاطعاً بعدما اطلعت على صفحاته على السوشيال ميديا وقالت إن آراءه شديدة الرجعية، وله كثير من المنشورات تقلل من شأن النساء فيبدو وكأنها أصبحت سمة عامة لدى هذا الجيل حالياً".

هنا تقول أستاذة مناهج علم الاجتماع عزة فتحي، "بالفعل السوشيال ميديا أصبح لها دور في العلاقات الاجتماعية فمن خلالها يتعرف الناس على الشكل والأسلوب وطبيعة الملابس ونوعية الأماكن التي يرتادها وجانب من آراء الشخص وأفكاره فتعطى انطباعات تساعد في تكوين رأي عنه، لكن الأزمة هنا أن كثيراً ما تكون هذه الآراء مغلوطة، لأن قطاعات كبيرة من الناس تظهر لنفسها صورة معينة على السوشيال ميديا لا تتوافق مع الواقع، فنرى أشخاصاً تزخر صفحاتهم بالنصوص الدينية والأدعية، وهم أبعد ما يكونون عن الأخلاق، فهي معيار قد يساعد، لكنه ليس المعيار الوحيد".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات