Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زفاف في المنفى: لماذا يهرب اللبنانيون إلى قبرص ليتزوجوا؟

لم تقر السلطات القانون الموحد للأحوال الشخصية بعد بسبب اعتراضات مسؤولي الطوائف

الزواج المدني معلق إلى أجل غير مسمى في لبنان (أ ف ب)

ملخص

لم تنضج الأرضية الاجتماعية والثقافية أمام إقرار الزواج المدني في لبنان بعد، حيث يواجه هذا الطرح برفض كبير من المؤسسة الدينية، في مقابل، تمسك الجمعيات الحقوقية بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية من منطلق تكريس المساواة بين المواطنين. في الموازاة، تبرز ظاهرة السفر للزواج مدنياً خارج لبنان، وهو ما يدفع القضاء للتحرك من أجل تقديم اجتهادات لمواجهة الحالات المستجدة.

إلى قبرص توجه الثنائي اللبناني دنيا وهنري لإتمام مراسم زواجهما المدني بعد سنوات من الحب. تعزو الشابة دنيا سبب لجوئهما إلى الصيغة المدنية لاختلاف الديانة وعدم وجود قانون يسمح بالزواج أمام المراجع المدنية في لبنان، ورغبة كل واحد منهما بعدم ترك ديانته التي ولد عليها.
بعد التوافق على الصيغة المدنية، تقول دنيا "بدأنا نبحث عن دولة تنظم الزواج المدني"، فكّر الثنائي بدايةً بالخيار اليوناني، ولكن اتضح أن ليس في أثينا قانون يرعى الزواج المدني، فكان الخيار بين تركيا أو قبرص. لجأ الثنائي إلى مكتب سياحي يؤمن حزمة كاملة بين الزواج والسياحة، ووقع الاختيار على قبرص بسبب التسهيلات، والسرعة في إنجاز المعاملات، وتسجيل الزواج في السفارة اللبنانية. وفي الموعد المقرر، انتقل الثنائي إلى البلدية حيث جرت مراسم الزواج هناك، ومن ثم حصلا على إجازة رسمية بالزواج المدني، وسرعان ما سجل المكتب الوثيقة في السفارة اللبنانية في نيقوسيا، ومن ثم تثبيتها في لبنان بين وزارتي الداخلية والخارجية.
يتحدث الناشط في المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر عن "ظاهرة الزواج المدني في الخارج، حيث يسافر اللبنانيون للزواج مدنياً في قبرص وتركيا، وهو ما يظهر بأن ثمة فئة كبيرة لا تجد نفسها في إطار الأحوال الشخصية الطائفية"، مؤكداً "أن تلك الظاهرة تفرض عبئاً على القضاء اللبناني عندما يضطر للنظر مثلاً في قضية طلاق إذ يضطر لتطبيق القانون القبرصي مثلاً، والاضطرار للعودة إلى المحاكم الشرعية في حال كان الزوج مسلماً في حالات الوفاة مثلاً". وبالتالي يرى الأسمر أن "المخرَج هو قانون موحد للأحوال الشخصية يقوم على المساواة بين المرأة والرجل وحقوق الأطفال وأفراد العائلة، وأن يكون مدخلاً للمواطنة الشاملة. وهناك مشاريع ذات طابع اختياري تسمح لمن يريد الزواج مدنياً في لبنان بعقد زواجه في بلده وأن يخضع لسيادة حكومته، لأنه من غير الجائز استمرار تطبيق قوانين دول أجنبية على مواطنيه".


عوائق أصيلة

تزدحم مواقع الإنترنت بـ "عروض السفر للزواج المدني خارج لبنان من قبل مكاتب سياحية"، ويعود السبب فيها إلى رغبة بذلك لدى شريحة من الشباب اللبناني، على رغم العوائق الثقافية والاجتماعية والدينية التي ترفض عقد الزيجات خارج أطر الشرائع الدينية. وفي ظل المنظومة القانونية الحالية، لا يمكن عقد زواج مدني على الأراضي اللبنانية حالياً. وينطلق الباحث القانوني، المحامي رفيق هاشم من نقطة أساسية وهي أن "القانون اللبناني الحالي لا يجيز عقد زواج مدني على الأراضي اللبنانية. فالزواج في لبنان يخضع بشكل أساس لسلطة المرجعيات الدينية المختلفة، حيث هناك محاكم عدة للطوائف المعتَرَف بها في لبنان، لكل منها قوانينها الخاصة التي تنظم مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال. هذا التنوع في الأنظمة الدينية يعكس التركيبة الطائفية الفريدة للمجتمع اللبناني".


الاعتراف بالآثار

لم يحل غياب قانون موحد للأحوال الشخصية دون تعاطي القضاء اللبناني مع مفاعيل تلك العقود الناشئة في الخارج شرط مراعاة بعض الشروط. ويلفت المحامي رفيق هاشم إلى أن "المشرع اللبناني أقر بواقعية التعامل مع الزواج المدني المعقود خارج البلاد. فاستناداً إلى أحكام المادة 25 من القرار 60 ل.ر. الصادر في عام 1936، يعترف القانون اللبناني بصحة الزواج المدني الذي يتم عقده في الخارج وفقاً للأصول القانونية المتبعة في بلد الانعقاد. وعليه، فإن الزواج المدني لا يُعتبر مخالفاً للنظام العام في لبنان"، مشدداً على أن "هذا الاعتراف ينسجم مع مبادئ القانون الدولي الخاص، وتحديداً قاعدة 'قانون مكان انعقاد العقد يسود' Locus Regit Actum، التي تحترم إرادة الأفراد واختيارهم للقانون الذي يحكم علاقتهم الزوجية".

في الموازاة، يتحدث هاشم عن نسبة الآثار القانونية المترتبة على الزواج المدني المعقود في الخارج، فهي "لا تظهر مباشرة على الحالة الشخصية للزوجين في لبنان من حيث تغيير الانتماء الطائفي مثلاً، ولكنها تجعل زواجهما خاضعاً لقواعد قانونية مختلفة في التعاملات الرسمية والقضائية"، موضحاً أنه "من الناحية الإجرائية، فإن المنازعات الناشئة عن عقد زواج مدني تم في الخارج بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي تخضع لصلاحية المحاكم اللبنانية المدنية، وبالتحديد المحاكم المختصة الناظرة في قضايا الأحوال الشخصية، وهذا ما كرسته المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية. ومع ذلك، يجب التنويه بأن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ تُراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانياً".
يتطرق المحامي هاشم إلى القانون المطبق على النزاعات الناشئة عن تلك الزيجات، حيث أن "المحاكم اللبنانية، وتطبيقاً لقواعد القانون الدولي الخاص، تعتمد قانون دولة انعقاد الزواج في النظر في صحة الزواج المدني من حيث الشكل والموضوع، وذلك استناداً إلى المادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر.، التي تعتبر الزواج المدني صحيحاً إذا عُقد وفقاً للأصول القانونية الشكلية والموضوعية المطبقة في البلد الذي تم فيه".

القضاء يتحرك

في تطور لافت، شهد لبنان أخيراً اجتهاداً قضائياً مهماً تمثل في حكم بقبول دعوى تسجيل زواج مدني على رغم وجود الزوجين في لبنان، مع العلم بأن الزواج تم أمام موظف عام في ولاية يوتا الأميركية. ويعتبر رفيق هاشم أن "هذا الحكم استند إلى المادة 25 من القرار رقم 60 ل ر، مع التأكيد على ضرورة تفسير القوانين بما يحمي الحريات الفردية بأوسع قدر ممكن، وهو ما يمثل توجهاً إيجابياً نحو الاعتراف بحق الفرد في اختيار شكل زواجه".
كما صدر قرار آخر، قضى بالاعتراف بشرعية طفلة ولدت في عام 2019 خارج إطار الزواج، قبل أن يتزوج والداها مدنياً في قبرص في عام 2022. وهو ما قاد إلى السؤال عن خلفيات القرار، حيث يؤكد المحامي رفيق هاشم أنه "وفق قانون الجنسية اللبنانية رقم 160، يمكن التأكيد أن نوع الزواج سواء كان مدنياً أو دينياً، أو منعقداً في لبنان أو الخارج، ليس له تأثير مباشر على اكتساب الجنسية اللبنانية. فالمادة الأولى من هذا القانون تنص بوضوح على أن اللبناني هو كل شخص مولود من أب لبناني، أو كل شخص مولود على الأراضي اللبنانية ولم يُثبت أنه اكتسب جنسية أجنبية بالبنوة عند الولادة، أو كل شخص يولد على الأراضي اللبنانية من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية"، مشدداً على أن "الطفل يكتسب الجنسية اللبنانية بمجرد أن يكون الأب لبنانياً، بغض النظر عن مكان أو شكل انعقاد الزواج. ومع ذلك، فإن الاعتراف بالزواج المدني المعقود في الخارج هو واجب أساس لحماية حقوق الأطفال"، مضيفاً أن "الاعتراف بالزواج المدني المعقود في الخارج يمثل خطوة مهمة نحو حماية حق الطفل بالهوية والجنسية، وهو حق مكفول في العديد من الإعلانات والأعراف الدولية"، منوهاً إلى "ما شهدناه قضائياً في لبنان من خلال القرار الصادر عن الغرفة الابتدائية الناظرة في قضايا الأحوال الشخصية في جبل لبنان برئاسة القاضي لبيب سلهب في عام 2025، فقد اعترف بشرعية طفلة ولِدت خارج إطار الزواج قبل عقد قران والديها المدني في قبرص. واستند هذا الحكم إلى القانون المدني القبرصي الذي يجيز منح الطفل المولود خارج الزواج صفة الشرعي بأثر رجعي بعد زواج الوالدين، وإلى القانون اللبناني الذي يجيز تطبيق القانون المدني المعتمد في دولة انعقاد الزواج في حالات عقد القران خارج لبنان، وهذا الاجتهاد القضائي يشكل سابقة إيجابية نحو حماية حقوق الأطفال والأولاد المولودين خارج الإطار الرسمي في لبنان".
كما يتمسك هاشم بـ "منح الهوية للأطفال لأنه في الأساس ممارسة لحق أساس من حقوق الإنسان"، مضيفاً  أنه "وفي سياق الزواج المدني المعقود في الخارج، فإن الاعتراف بهذا الزواج وتوثيقه في لبنان يسهم بشكل كبير في منع توسع فئة مكتومي القيد في البلاد، ويضمن حصول الأطفال على حقوقهم الأساسية في الهوية والجنسية، بغض النظر عن طبيعة زواج والديهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في قلب النقاش الاجتماعي

يواجه الزواج المدني في لبنان موقفاً معارضاً في الأوساط الدينية الإسلامية والمسيحية، بسبب مكانة مؤسسة الزواج في الشرائع ووضع أحكام شكلية صارمة، وتحديد الآثار المترتبة عليه. ويؤكد الشيخ فراس بلوط المتخصص في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية أن "لا مشكلة مع إقرار قانون للزواج المدني في لبنان شرط موافقته لأحكام الشريعة الإسلامية"، متطرقاً إلى "بعض موانع الزواج في الإسلام التي لا يمكن تجاوزها مطلقاً لأنها نصوص قطعية غير قابلة للاجتهاد تحت طائلة الوقوع بالزنا، فعلى سبيل المثال لا يمكن التغاضي عن الزواج من المحارم على غرار الارتباط بمن يُحرم عليه بسبب الرضاعة، كالزواج بأخته أو خالته بالرضاعة"، لأنه وفق قواعد الفقه الإسلامي يُحرم من الرضاعة ما يُحرم من النسب. كما أن هناك اعتراضات ترتبط بشروط الزواج، وآثاره، وفي حال مراعاتها لا مشكلة بإقرار القانون.
يشدد بلوط على أن "رفض مشروع الزواج المدني ليس بسبب التسمية وإنما بسبب بعض القواعد المخالفة للدين"، معتبراً أن "هناك زيجات تعقد أمام مراجع مدنية، وتُعتبر شرعية، ولا مشكلة فيها". في المقابل، يعتقد بـ "ضرورة الحفاظ على المحاكم الدينية لمراعاة وجود الطوائف المختلفة في لبنان، والتأكيد على بعدها المعنوي والاجتماعي، واحترام التعددية".    

من جهته، يوضح الأب الدكتور نجيب بعقليني، الاختصاصي في رعوية الزواج والعائلة، موقف الكنيسة الكاثوليكية في لبنان من الزواج المدني، "فهي لا يمكنها أن تكون بالمطلق ضد الزواج المدني لأنه من حقوق الإنسان، ولكنها في الوقت نفسه لا تفضله ولا تسوق له"، و"عندما يصبح هناك قانون مدني موحد في لبنان عندها تلعب الكنيسة دورها"، مقارناً بالحال في أوروبا حيث "يقترن الزوجان بالزواج المدني المفروض من الحكومة، ومن ثم يتوّج بزواج ديني كنسي لمَن يرغب".
يشير بعقليني إلى الفرق بين الزواج الديني والمدني من وجهة نظر كاثوليكية، "الديني هو عقد وعهد، أما المدني فهو عقد فقط"، ويتفرع عن العهد بعض الآثار على غرار "الوحدة بين الرجل والمرأة، وعدم انحلال الزواج، وخصوبة الحب، من هنا يبقى هناك فقط مجال لبطلان الزواج لأسباب موجبة". وتعتقد الكنيسة أن الزواج الكنسي هو الضامن لاستمرارية وقداسة الزواج بين رجل وامرأة وهو "سر من أسرار الكنيسة ومبارك من الله"، و"ما جمعه الله لا يفرقه إنسان". كما يرى بعقليني أن "للزواج المدني وقانون الأحوال الشخصية بعض الحسنات لا يمكن إغفالها، فهو ينقل الشباب من العزوبية إلى الحياة المشتركة العلنية، وهو وسيلة للانتقال من الطائفية إلى العلمنة، كما أنه يبقى أفضل من المساكنة".


حراك تشريعي مستمر

ينتج الزواج المدني نقاشات مستمرة، وعلى رغم مضي قرابة العقدين على طرحه أمام مجلس الوزراء وسحبه من النقاش بسبب الرفض خلال عهد الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي، ما زال يثير الطرح انقساماً بين اللبنانيين. إلا أن جهداً حقوقياً بارزاً طفى على السطح خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث أعدت جمعية "كفى" الحقوقية مشروع اقتراح قانون موحد للأحوال الشخصية في لبنان. ويضم القانون بعض الإصلاحات، على غرار تحديد السن الأدنى للزواج بـ 18 سنة، وحصر النظر في نزاعات القضايا الأسرية بالمحاكم المدنية، وإقرار المساواة بين الرجل والمرأة. وتعبر الناشطة ليلى عواضة (شريكة مؤسسة في منظمة 'كفى عنف واستغلال') عن أملها بإقرار القانون الموحد خلال السنوات القليلة المقبلة، وأن يكون في جوهر الإصلاحات التشريعية التي يعمل عليها البرلمان، مشددةً على "وجوب إعطاء الأولوية لقانون الأحوال الشخصية لأنه يصب في صلب المواطنة، وثمة فرصة سانحة لإقراره".
أما على مستوى العقبات، فتتحدث عواضة عن "عقبات مماثلة لما واجهه قانون الحماية من العنف الأسري بسبب مقاومة الطوائف والدفاع عن مصالحها التي تستفيد مادياً وسلطوياً من الوضع الراهن لقوانين الأحوال الشخصية". أما في ما يتعلق بالطرح القائم على "حرية الخيار" بين الزواجين المدني أو الديني، فتعارض عواضة "إنتاج طائفة رقم 19 إلى جانب الطوائف الـ 18 الموجودة في لبنان"، لأن "الهدف هو قانون موحد للدولة، يُجمع حوله كافة المواطنين، ويطبَّق من دون تمييز في ما بينهم"، مستدركةً أن "مشروع القانون يمنح الزوجين حرية الاحتفالية الدينية، ولا يمنعهم من كتب الكتاب أو الإكليل الكنسي ولكن من دون أن ينتج منه أي مفعول قانوني مماثل للوضع الحالي".
كما تلفت ليلى عواضة إلى أن "طرح الزواج الاختياري ليس بجديد، فهو يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وواجهته الطوائف مبدئياً كما تواجه المدني، لأنه عندما يوجد قانون آخر إلى جانب القانون الطائفي، يلجأ الناس إلى المراجع المدنية كما حصل في قانون العنف الأسري"، منوهةً إلى "وجود محاكم مدنية قائمة للأحوال الشخصية في لبنان، وهي تنظر في كافة الزيجات المدنية المعقودة في الخارج. وعليه، فهي صالحة للنظر بكافة القضايا، ولا توجد مشكلة في وضع هيكلية جديدة ضمن التنظيم القضائي، ومن ثم سيكون عليها العمل وفقاً لمندرجات القانون الموحد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير