Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم الجوكر قوي ويقدم خواكين فينيكس في بطولة كئيبة

يرسم المخرج تود فيليبس صورة ملتبسة عن الشرير الخارق الذي كان شابا مضطربا

يؤدي خواكين فينيكس دور "الجوكر" بأسلوب يظهره ودوداً ومخيفاً جداً في الوقت نفسه. ("تووفاب.آكاميزد.نت")

إخراج: تود فيليبس. بطولة: خواكين فينيكس، وروبرت دي نيرو، وزازي بيتز، وفرانسيس كونروي. تصنيف عمريّ: 15 عاماً فما فوق. المدة: 118 دقيقة.

ما الذي تحصل عليه عندما تعامل شخصاً انطوائياً وفقيراً وغير مستقر عقلياً، كأنه قمامة؟ تحصل على الـ"جوكر" العدو اللدود لـ"باتمان" ("الرجل الوطواط"). ويقدّم الفيلم الطويل المبتكر الأخير للمخرج تود فيليبس، تلك الإجابة. إذ يرسم لنا المخرج صورة الشاب المضطرب نفسياً الذي ينقلب شريراً خارقاً في المستقبل، فيما يؤدِّي خواكين فينيكس الشخصية بأسلوب يظهره ودوداً ومخيفاً جداً في الوقت نفسه.

وفي الفيلم نفسه، تظهر للمرّة الأولى شخصية آرثر فليك أشبه بمزيج بين شخصيّتي ترافيس بيكل، الشخص المستوحد اليقظ في "سائق تاكسي" Taxi Driver (إخراج مارتن سكورسيزي)، وروبرت بوبكين ذلك الرجل الذي يطمح في أن يصبح نجماً كوميديّاً في "ملك الكوميديا"King of Comedy  الذي أخرجه سكورسيزي أيضاً. ويؤكد حضور روبرت دي نيرو بين طاقم الممثلين (يؤدي دور مقدم برنامج حواريّ يشبه إلى حدٍّ بعيد شخصية جيري لويس في الفيلم الأخير) حقيقة أنّ "جوكر" مستلّهم من أعمال سكورسيزي نفسه بقدر كونه مستوحاً من عالم قصص المجلات المصوّرة.

وفي التفاصيل، يرسم شريط "الجوكر" شخصية آرثر الشديدة الغرابة إلى حد مؤلم. ويعيش مع والدته المسنَّة والمريضة (فرانسيس كونروي) في شقة متهالكة، ويعمل مهرّجاً في الحفلات كي يكسب قوت يومه بشق الأنفس.

في المشهدية نفسها، تبدو مدينة "غوثام" الخياليّة غارقة في الفوضى والفساد والضياع. لم يُحدّد الزمن الذي تدور فيه حوادث الفيلم، لكنّه يبدو كأنه حقبة السبعينيات من القرن العشرين. إذ تعرض دور السينما أفلاماً إباحيَّة، وتزدحم الطرقات بالقذارة، وتغزو الفئران الشوارع، وتنتشر الجريمة، إضافة إلى وجود فجوة هائلة بين الأغنياء (الذين يمثّلهم العمدة الجديد توماس واين)، وبين بقية المجتمع.

وإذ لا يستطيع آرثر الدفاع عن نفسه، فإنه يخضع إلى العلاج بالأدوية. ولذا، عندما يعتدي عليه مراهقون سيّئون ويضربونه في أحد الأزقة الخلفية، يعجز عن ردعهم. كذلك يعاني ذلك المهرج حالة صحيّة غامضة تجعله ينفجر في نوبات ضحك جنوني في لحظات غير مناسبة أبداً. يضاف إلى ذلك أنّ آرثر ليس مسليّاً جداً أيضاً، إذ تسأله والدته مثلاً في أحد المشاهد "ألا يجب أن تكون مضحكاً كي تكون كوميدياً؟"، لكنه يرفض الإجابة عن ذلك السؤال. واستطراداً، كرّس آرثر نفسه لوالدته التي تحكي له قصصاً عن وايين الثريّ وصاحب السلطة، الذي عملت لديه في ما مضى، لكنه يظهر في الفيلم كمليونير متعجرف لا يولي سكان "غوثام" المضطهدين الاهتمام المطلوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك من المستطاع القول إنّ مسار الفيلم يبدو أكثر كآبة وميالاً إلى ذائقة قوطية فنيّاً (بمعنى الممازجة بين الخيال والرعب والموت وأحياناً الحب) بالمقارنة مع مسار أفلام "الرجل الوطواط" للمخرج كريستوفر نولان. ربما يكون آرثر الذي يجسده فينيكس شخصية هشّة، لكن كلما تعرّض للتنمّر تراكمت المظالم التي تختزنها نفسه. ويخبره أحد المهرجين "عليك حماية نفسك، وإلا سيُقضى عليك". وتحرّك تلك النصيحة تحوّله شخصية خبيثة لها تلك الابتسامة التهكميّة التي نعرفها عن شخصية الجوكر في كل الأفلام عن ذلك المحارب الذي يرتدي قناعاً (= "الرجل الوطواط"). في المقابل، لا يشير فيلم "الجوكر" إلى "الرجل الوطواط" مباشرة في حوادثه.

في ذلك السياق، تظهر شخصية جوكر بالطريقة التي أداها فينيكس بوصفها أكثر قسوة وكآبة وانطوائية من الشخصية التي أداها هيث ليدغر في فيلم "فارس الظلام" (أحد الأفلام عن "الرجل الوطواط") للمخرج كريستوفر نولان. ومثلاً، نلاحظ أن الجوكر لا يتمتّع بتلك الطاقة الهائلة التي أبرزها ليدغر، بل يتحرّك ببطء أكثر. ومع ذلك، عندما يُطلق العنان لحقده في نهاية المطاف، يصير ملكاً للفوضى مشابهاً للشخصية التي أداها ليدغر.

نسبياً، تبقى مشاهد الحركة التي يتضمّنها الفيلم قليلة. وفي النهاية، لسنا إزاء فيلم عن بطل خارق، إضافة إلى أنّ آرثر يستغرق بعض الوقت لينقلب إلى شرير ويؤدي لقطات الأكشن المخصصة له. ومع ذلك، يُضمِّن المخرج فيليبس الحوادث مقطعاً قّدم ببراعة في مترو الأنفاق في "غوثام"، يشمل الجوكر ومئات من المحتجين الذين يرتدون زي المهرج، وضباطي شرطة قليلي الحظ وقد حوصرا في الحشد.

من جانبنا كمشاهدين، لا يسعنا إلا أن نتفهّم آرثر بالنظر إلى أنّ الجميع يضايقونه. ونشعر بمعاناته في المشاهد المؤلمة عندما يؤدي عروضاً كوميدية سيئة أو يُحرج نفسه عِبْرَ إساءة تفسير كلمات الآخرين وأفعالهم. في الواقع، من الطبيعي أن نتمنّى له الفوز، لذا يغمرنا شعور بالبهجة عندما يتوقّف أخيراً عن التعثّر ويشرع في الدفاع عن نفسه.

في السياق نفسه، يبدو أنّ للمخرج فيليبس موقفاً متناقضاً للغاية تجاه تلك الشخصية الرئيسة في فيلمه. من جهة، يقدّم آرثر كقاتل مختل عقليّاً يعجز عن إخبار النكات وتصدر منه ضحكة قبيحة غير طبيعية أشبه بضحكة الضباع. ومن جهة أخرى، يصوِّره الفيلم كبطل قوميّ، يبعث الفوضى في مجتمع تجاهل الفقراء والمهمّشين فترة طويلة. في أحد المشاهد، يخبره أحد العاملين الاجتماعيّين، وقد كان يتابع حالته أثناء معاناته الطويلة، "إنهم لا يبالون بك... ولا يكترثون بأمري أيضاً".

في بعض الأحيان، حينما يسعى صانعو الأفلام جاهدين إلى نسج دراما تستند على تفاصيل كثيرة حول شخصية شريرة، اعتدنا أن تُقّدّم تلك الشخصية بوصفها تمتلك بعداً واحداً. ولطالما ثار جدل بشأن وجود سلسلة أشرطة يمكن وصفها بأفلام الـ"مجلات مصوّرة سوداوية"، وفيلم "الجوكر" أوّلها، وتركّز على النصف المظلم من عالم الأبطال الخارقين. وبالتالي، في حال تطوَّر "جوكر" ليصبح نوعاً رائجاً، فمن المحتم أن تتفاقم التجاذبات في ذلك الشأن. ومن الصعب جداً إنتاج أفلام عن أبطال أشرار خارقين من دون صياغتهم كشخصيات تسحر الجمهور أو تنزلق إلى كليشيهات في المجلات المصوّرة. وعلى الرغم من ذلك، يبدو "جوكر" فيلماً قوياً ومبتكراً، إضافة إلى أنّه يحمل قدراً كبيراً من المتعة التي تميِّز أفلام سكورسيزي عادة، فتتلقى إشادة واسعة.

وقد بدأ عرض "جوكر" في المملكة المتحدة في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من فنون