Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وسطاء خامنئي يطرقون باب ترمب من أجل "الصفقة الكبرى"

الذكريات السيئة لإيران مع الرئيس الجمهوري كثيرة ومع ذلك تبدو مستعدة لمحو جزء من ذاكرتها والجلوس إلى طاولة التفاوض

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمرشد الإيراني علي خامنئي (أ ف ب)

ملخص

بدأ  موسم الغزل الأميركي – الإيراني، فبينما مد الرئيس ترمب غصن الزيتون لطهران ملوحا برفع العقوبات، سعى المسؤولون الإيرانيون إلى مخاطبة الرئيس الأميركي باللغة التي يفضلها وهي لغة المال والفرص الاستثمارية، مشيرين إلى فرصة اقتصادية للتعاون مع واشنطن بقيمة تريليون دولار.

انتهت حرب الـ 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في لمح البصر، وبدأ على الفور موسم الغزل الأميركي – الإيراني، ففي برنامج قطب الإعلام الجمهوري تاكر كارلسون خاطب مسعود بزشكيان نظيره الأميركي دونالد ترمب بلغة هادئة ومنفتحة على استئناف المفاوضات النووية، مما أثار سخط المتشددين في إيران. وفي صحيفة "فايننشال تايمز" كتب وزير الخارجية الإيراني مقالة خطب فيها ود ترمب بصفته "صانع الصفقات"، لافتاً إلى فرصة اقتصادية بقيمة تريليون دولار.

الرئيس الأميركي هو الآخر مد غصن الزيتون لإيران مرتين، الأولى قبل الحرب الإسرائيلية عندما باغت قبل نحو ثلاثة أشهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنيته الدخول في مفاوضات مع طهران أثناء اجتماعهما في المكتب البيضاوي، أما الثانية فكانت أيضاً بحضور نتنياهو حول طاولة مستديرة الثلاثاء الماضي، حين قال ترمب "سيسعدني رفع العقوبات عن إيران وإعطائها فرصة لإعادة البناء".

عراقجي: أميركا قادرة على إحياء المفاوضات

ولم تمر 24 ساعة على كلام ترمب حتى كتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مقالة في "فايننشال تايمز" عنوانها العريض "الحرب الإسرائيلية قوضت الدبلوماسية والولايات المتحدة قادرة على إحيائها". وفي حين التزمت طهران بموقفها من أن إسرائيل هي الطرف الثالث المخرب لفرص التلاقي مع أميركا، كشفت المقالة أيضاً عن انفتاح واضح على إحياء المفاوضات النووية، والتوصل لاتفاق جديد.

وليس من قبيل الصدفة اختيار عراقجي إيصال رسالته الدبلوماسية عبر صحيفة رائدة في صحافة المال، إذ يعكس ذلك حرصاً إيرانياً على مخاطبة الرئيس الأميركي باللغة التي يفضلها وهي لغة المال والفرص الاستثمارية، وكتب عراقجي بوضوح أن المحادثات مع إدارة ترمب كادت أن تقود إلى "اختراق تاريخي"، ليس فقط على صعيد رفع العقوبات بل من خلال شراكة اقتصادية كبيرة كانت ستلبي أحد أبرز أولويات ترمب، وهي "إحياء الصناعات الأميركية المحتضرة مثل قطاع الطاقة النووية"، على حد تعبيره.

وسعى الوزير الإيراني إلى العزف على أوتار ترمب الكاره لإرث أسلافه، فكتب ناقداً إدارة الرئيس السابق جو بايدن وقال إنه ومبعوث ترمب الملياردير ستيف ويتكوف حققا تقدماً خلال تسعة أسابيع أكبر مما أنجزته "إدارة بايدن الفاشلة" على مدى أربعة أعوام من التفاوض النووي، وبهذا النقد تجاهل وزير الخارجية الإيراني حقيقة أن الرئيس ترمب هو الذي سحب بلاده من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إدارة أوباما - بايدن عام 2015، وحتى عندما تطرق إلى قرار الانسحاب الأميركي لم يشر عراقجي إلى ترمب.

الذكريات السيئة لإيران مع ترمب كثيرة ويعود تاريخها لأكثر من 10 أعوام، أشهرها اغتيال ذراعها النافذة قاسم سليماني، وآخرها الضربات على الجواهر الثلاث لبرنامجها النووي، ومع ذلك تبدو طهران مستعدة لمحو جزء من ذاكرتها والقفز على الخلافات لتحقيق مصلحة نظامها في البقاء، في نهج براغماتي تجلى آخر مرة في موافقتها السريعة على وساطة ترمب بإنهاء الحرب مع إسرائيل خلال 12 يوماً.

براغماتية وخطاب ودّ متبادل

في المقابل بعث ترمب رسائل واضحة حول نيته رفع العقوبات عن إيران إذا التزمت مساراً جديداً يعطي الأولوية للتنمية المحلية بدلاً من النفوذ الإقليمي، وقال الرئيس الأميركي مستحضراً النموذج السوري، "رفعنا العقوبات عن سوريا لمنحها فرصة، وسأكون سعيداً برفع العقوبات عن إيران أيضاً في الوقت المناسب حتى تتمكن من إعادة البناء بسلام"، وقبل أسابيع أطلق ترمب تصريحاً مفاجئاً مفاده أن "الصين يمكنها الآن شراء النفط من لإيران"، فيما اعتبره مراقبون تراجعاً عن سياسة إدارته التي أمضت شهوراً في فرض العقوبات على المصافي الصينية التي تشتري الخام الإيراني، وذلك بعد يوم من وساطته لوقف الحرب الإيرانية - الإسرائيلية.

وتتجلى البراغماتية الأميركية والإيرانية في خطاب الود المتبادل، ويبدو حتى الآن أنها ستثمر إحياء المفاوضات حول الاتفاق النووي، إذ صرح المبعوث الأميركي ويتكوف بأنه يتوقع استئناف المحادثات مع الإيرانيين خلال الأسبوع المقبل، بعد أسابيع من انهيار الجولة السادسة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران، وتوقع كذلك أن تعقد المفاوضات في أوسلو، لكن الطرفين لم يتفقا بعد على موعد نهائي، وهذه المرة يبدو ترمب حازماً لمنع نتنياهو من تخريب مساعيه الدبلوماسية مع إيران مرة أخرى كما فعل عندما خرقت حكومته اتفاق وقف إطلاق النار معها، إذ صب الرئيس الأميركي في تصريحات نابية جام غضبه على طرفي الحرب، كما أمر الشهر الماضي الطيارين الإسرائيليين بمغادرة الأجواء الإيرانية والعودة فوراً لديارهم لتثبيت الهدنة التي يعتبرها من إنجازات إدارته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين انفتاح ترمب وليونة بزشكيان

تلقى مساعي ترمب للتوصل إلى اتفاق مع إيران دعم قاعدته الانتخابية الرافضة للحروب الطويلة التي لا داعي لها، فعندما أعلن الرئيس الأميركي نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران تنفس أنصاره من قاعدة "ماغا" الصعداء وتضاءل الانقسام داخلها، بعدما حبسوا أنفاسهم لأيام خشية أن تجر إسرائيل بطلها الجمهوري إلى حرب دموية جديدة لا نهاية لها في الشرق الأوسط، لكن الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة إلى المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم الرئيس مسعود بزشكيان الذي بعث بإشارات ثلاث للإدارة الأميركية تنم عن رغبته في السلام مع الولايات المتحدة، لكن الصحف الإيرانية المحافظة انتقدته على ذلك، فالإشارة الأولى هي ظهوره مع القطب الإعلامي الجمهوري المناصر لترمب، تاكر كارلسون، والثانية انفتاحه على استئناف المفاوضات النووية شرط استعادة الثقة، وأما الثالثة فهي تبرئته الولايات المتحدة من محاولة اغتياله واتهام إسرائيل بالضلوع فيها.

وأظهر بزشكيان الرئيس ترمب بصورة المنقذ للمنطقة من التهور الإسرائيلي نافياً أية محاولة إيرانية لاغتياله، وقال إن "بإمكان ترمب توجيه منطقتنا نحو السلام ومستقبل مشرق ووضع حد لإسرائيل، أو الوقوع في حفرة لا قاع لها"، ويقصد بذلك الحرب على إيران التي يريد نتنياهو استدراج واشنطن إليها، محذراً من أن أي صراع مسلح جديد سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار ويضر بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

ولم تمر تصريحات الحكومة الإيرانية مرور الكرام لدى المتشددين في إيران، إذ تساءلت صحيفة "كيهان" الإيرانية "هل من العادل الجلوس مجدداً بلا شروط حول الطاولة عينها مع هؤلاء الذين أسقطوا قذائف على الدبلوماسية؟"، بينما نددت صحيفة "جوان" المحافظة بليونة بزشكيان واعتبرت أن "المعنى الحقيقي للحوار مع مذيع أميركي يتجلى حين تعبر الكلمات عن سخط الشعب وارتيابه الكامل تجاه أميركا".

وكتبت "كيهان" التي يعين المرشد علي خامنئي رئيس تحريرها أنه "في وجه عدو يداه ملطختان تماماً بدماء شعبنا، هل من حل آخر غير التمسك بالحزم؟"، في حين أشادت الصحيفة الإصلاحية "هام ميهان" من جانبها بما وصفته بأنه "مسار إيجابي" للرئيس مسعود بزشكيان، وكتبت "كان ينبغي إجراء هذه المقابلة منذ فترة طويلة"، مشيرة إلى أن "المسؤولين الإيرانيين للأسف غائبون منذ فترة طويلة عن المشهد الإعلامي الدولي والأميركي".

الضوء الأخضر من خامنئي

وفي نهاية المطاف تبقى الكلمة الفصل للمرشد الذي يحتكر القرار في ما يخص السياسات الكبرى، وعلى رأسها التفاوض مع واشنطن، إذ لا يمكن لأية حكومة إيرانية، بما فيها حكومة بزشكيان، أن تمضي قدماً في مسار تفاوضي مع الولايات المتحدة دون ضوء أخضر منه، وهو ما يكشف عن التباين الصارخ بين الخطاب الموجه للداخل وبين المواقف الدبلوماسية التي تسوّق للخارج، فخامنئي نفسه كان صرح في تسجيل الشهر الماضي بأن "ترمب كشف حقيقة أن الولايات المتحدة لن ترضى إلا باستسلام إيران، وهذا لن يحدث أبداً"، ومع ذلك تلمح طهران إلى انفتاحها على الحوار مع الإدارة الأميركية مما يعكس براغماتية سياسية تبقي باب التفاوض موارباً على رغم الشعارات المتشددة.

وفي ما بدا محاولة لطمأنة واشنطن، أكد وزير الخارجية الإيراني أن بلاده ناقشت بجدية المخاوف الأميركية من احتمال انحراف البرنامج النووي الإيراني في المستقبل، وأن المناقشات مع ترمب بوساطة عُمان شملت مستقبل تخصيب اليورانيوم، وأن الأطراف الثلاثة طرحوا حلولاً عادلة.

وفيما يقول الوزير الإيراني إن "الخيار الآن بيد أميركا، إما الدبلوماسية أو التورط في حرب لا تخصها"، أوضحت إدارة ترمب أنها تفضل المسار الدبلوماسي لكن ليس من موقع ضعف أو اضطرار بل من موقع قوة، خصوصاً بعد تصفية الصف الأول من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، فالنظام الإيراني خرج من الحرب منهكاً سياسياً وعسكرياً، بينما يجد ترمب نفسه اليوم في موقع تفاوضي أقوى، وهو ما يفسر سعيه إلى اقتناص اللحظة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل