Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العملات المشفرة الثابتة وتأثيرها في النظام النقدي

تتفوق بسرعة تنفيذ المدفوعات وسهولة دمجها مع التطبيقات الذكية عبر الهواتف ولا مركزيتها

العملات الرقمية بيتكوين وإيثريوم وليتكوين وإيكس ريبل (رويترز)

النظامُ النقديُّ هو مجموعة السياسات والضوابط التي عبرها تصدر أو تصنع الحكومة النقود. توجد عدة أنماط للنظام النقدي، مثلاً الذي يقوم على القيمة الكامنة Intrinsic value، وهنا السلعة هي المال، مثال الذهب والفضة. هذا النظام كان معمولاً به في السابق. يوجد نمطٌ آخر للنظام النقدي المعتمد على النقود الورقيَّة التي تصدر وفقاً للقوانين السياديَّة وتضمنها الحكومات، هذا النمط هو السائد الآن، وأخيراً برز نوعٌ جديدٌ يتناسب مع عالم البيانات الرقميَّة يُمكن أن نُطلق عليه النظام النقدي الذي يقوم على القيمة المشفَّرة، بدأ مع ظهور البلوكشين والبتكوين، ثم العملات المشفَّرة الثابتة، وكذلك ليبرا وباقي المشروعات التكنولوجيَّة الجديدة.

انتهى النمط الأول القائم على القيمة الكامنة، ولا يزال النظام النقدي الذي يقوم على النقود الورقيَّة السياديَّة مسيطراً، بينما النمط الأخير الجديد (موضوع هذا المقال) ينتشر ويتمدد مع اتساع دائرة تبني الحلول التكنولوجيَّة، ويُشكّل تهديداً للنظام النقدي التقليدي.

العملات الرقميَّة الثابتة stablecoins

هي عملات مشفَّرة على شبكة البلوكشين اُبتكرت لتعالج مشكلة التذبذب في أسعار العملات المشفَّرة cryptocurrencies. تتميز بسرعة تنفيذ العمليات وانخفاض تكلفة التحويل، وفي هذا تشترك مع خصائص العملات المشفَّرة، وتمتاز أيضاً بثبات سعر الصرف مقابل الدولار، وبذلك تتشابه مع العملات التقليديَّة.

ظهرت العملات المشفرة الثابتة في الفترة الماضيَّة، واُستخدمت كآليَّة تمويل وحفظ للقيمة داخل منصات تداول العملات المشفرة، من أشهرها (USDT) تستخدمها منصة bitrix، و(USDC) وتستخدمها منصة Coinbase، و(GUSD) واستخدمتها منصة Gemini.

العملات المشفَّرة الثابتة stablecoins تختلف من حيث المخزون الذي يضمنها، بدأت باختيار الدولار الأميركي ضامناً لها ومحدداً لقيمتها، مثال لذلك العملات المشفرة الثابتة أعلاه التي أطلقتها منصات التداول. نوعٌ آخر من هذه العملات المشفَّرة الثابتة يعتمد على المخزون من الأصول مثل الذهب.

مع إطلاق شركة (فيسبوك) عملتها المشفرة ليبرا Libra، التي تعد بمثابة عملة مشفرة ثابتة stable coin بدأت مراكز صناعة القرار المالي والنقدي في العالم بأخذ الأمر بجديَّة أكثر، تارة بإعلام عدم قبول المشروع، وبعض الدول بدأ فعلياً في مشروعات مشابهة تقطع بها الطريق على ليبرا مستقبلاً.

العملات المشفرة الثابتة تقلق مديري صندوق النقد الدولي

في منشور على مدونة صندوق النقد الدولي كتب توبياس أدريان مدير إدارة أسواق المال والمستشار في الصندوق تقريراً مشتركاً مع توماسو مانشيني نائب رئيس إدارة أسواق النقد يحذران فيه من المخاطر التي تحيط بالنظام النقدي جراء انتشار وسائل وأدوات جديدة للتسويَّة بعيداً عن السلطات المركزيَّة، التي ترتكز على الابتكارات التكنولوجيَّة الجديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أشار التقرير المنشور في الـ26 من سبتمبر (أيلول) 2019 إلى "الفوائد التي تحققها هذه الابتكارات التكنولوجيَّة الجديدة على الأفراد والمجتمع"، لكنها تحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار المالي، وتؤثر في فعاليَّة السياسة النقديَّة.

وذكر التقرير أن سرعة تبني نموذج العملات المشفرة الثابتة stable coin "سيعتمد على كفاءتها في لعب دور حافظ القيمة واستخدامها أداة للتسويَّة الماليَّة". تتفوق هذه العملات المشفرة الثابتة على العملات التقليديَّة من حيث سرعة تنفيذ المدفوعات وسهولة دمجها مع التطبيقات الذكيَّة عبر الهواتف ولا مركزيتها.

في مؤتمر مشترك مع البنك المركزي السويسري بزيورخ تحدَّث أدريان مدير إدارة أسواق المال والمستشار في صندوق النقد عن المال الإلكتروني E Money وعن ضرورة تبني البنوك المركزيَّة "حلولاً مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا".

تنامي المخاوف بشأن الابتكارات التكنولوجيَّة الجديدة

في تصريح سابق لوزير ماليَّة ألمانيا أولاف شولز في سبتمبر (أيلول) 2019 قال "ألمانيا ستقوم برفض تبني العملة المشفرة الجديدة لـ(فيسبوك) ليبرا"، وأضاف "لا يمكن أن نقبل عملة موازيَّة، توجد جهود مشتركة بين برلين وباريس لرفض عملة (فيسبوك) الجديدة".

على الصعيد نفسه أعلنت "مجموعة السبعة"، مجموعة عمل لدراسة موضوع العملات المشفرة الثابتة تحت قيادة رئيس بنك التسويات الدولي IBS بينوا كوري، الذي تحدث في اجتماع جمع بين محافظي البنوك المركزيَّة ووزراء ماليَّة مجموعة السبعة بفرنسا يومي الـ17 والـ18 من يوليو (تموز) 2019 تحدَّث عن العملات المشفرة الثابتة، وقال إن "حجمها محدود"، ونسبة لحداثة هذا العملات لم تختبر في أنظمة عالميَّة الاختبار الكافي الذي يظهر مخاطرها، وأشار كوري إلى المخاطر التي تنتج عنها مثل "غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى "التزوير والإضرار بأنظمة الضرائب".

في ندوة جاكسون هول الاقتصاديَّة بولايَّة وايومي الأميركيَّة في أغسطس (آب) 2019 تحدَّث محافظ بنك إنجلترا المركزي مارك كارني عن حاجة الاقتصاد العالمي إلى نظام نقدي ومالي جديد، واقترح "عملة رقميَّة عالميَّة تدعمها البنوك المركزيَّة"، ونبَّه كارني في خطابه إلى تأثير التكنولوجيا في النظام النقدي العالمي الذي يعتمد على الدولار الأميركي، وقال "العالم تُجرى فيه تسويات ماليَّة هائلة يومياً تعتمد على التطبيقات التكنولوجيَّة"، وضرب مثال بليبرا Libra (العملة المشفرة التي أعلنت عنها شركة فيسبوك)، وأضاف إنه أمر "مثير للاهتمام، ويحتاج إلى ضوابط وتشريعات".

الأسبوع الماضي بعث عددٌ من أعضاء الكونغرس الأميركي بخطاب إلى رئيس الفيدرالي غيروم باول بشأن النظر في الدولار الرقمي. القاسم المشترك بين هذه المخاوف هو خطورة تمدد التكنولوجيا وتأثيرها في النظام النقدي التقليدي المركزي.

الصين في طريقها لإصدار عملة رقميَّة سياديَّة

تختبر الصين هذا المجال منذ سنوات، وحققت نجاحات كبيرة بشأن عدم استخدام النقود التقليديَّة، وحسب تقرير بحثي نُشِر من قِبل Alipay، فإن التطبيقات الذكيَّة نفذت تسويات ماليَّة بلغت 8.3 تريليون دولار خلال الفصل الأول من 2019 في الصين بارتفاع بلغ 15% مقارنة مع العام 2018. ويبلغ مستخدمو Alipay نحو 600 مليون مستخدم شهرياً، وأيضا ينتشر استخدام برنامج الرسائل عبر الموبايل مثل WeChat في الصين الذي يستخدمه مليار شخص شهرياً في المرتبة الرابعة عالمياً بعد (فيسبوك) و(واتساب) و(ماسنجر).

عبر هذا التطبيق في الصين يُنجز مختلف التسويات الماليَّة بصورة شاملة. هذا التطور في استخدام التسويات الماليَّة عبر الجوال يساعد الصين في تبني مشروع عملتها الرقميَّة السياديَّة. تعد الصين مركزاً من المراكز النشطة في الأصول والعملات المشفرة بشقيها تداولات وتعدينا، رغم التشديد الذي تمارسه السلطات الحكوميَّة في بيجين تسيطر الصين على سوق تعدين البتكوين، وأيضاً على منصات التداول في هونغ كونغ وسيؤول، وفقاً لتصريحات نقلتها مجلة (فوربس) منسوبة إلى بنك الشعب الصيني عن عزم البنك إعلان عملة رقميَّة هذا العام.

المخاطر على النظام النقدي التقليدي

يقوم النظام النقدي التقليدي على مركزيَّة إصدار النقود والتحكُّم في كميَّة المعروض منها في النظام من قِبل البنوك المركزيَّة، وفي الغالب هذا النظام تضخميٌّ في عرضه النقود، إضافة إلى اعتماده على أنظمة وشبكات قديمة ومركزيَّة، أفقدته ميزات تنافسيَّة في مواجهة الابتكارات التكنولوجيَّة.

عالم اليوم المعتمد على الإنترنت والبيانات أصبح في حاجة إلى أدوات تسويَّة تتناسب مع التطور. هذا القصور الذي أشار إليه مارك كارني محافظ بنك إنجلترا المركزي، في جاكسون هول، وكذلك محافظو البنوك في مجموعة السبعة سيفتح الباب أمام العملات المشفرة الثابتة stablecoins للانتشار. مع لا مركزيَّة هذه الابتكارات سيصعب على المشرعين التعامل معها ما لم تتطور الأنظمة. تتحرك المجتمعات من الاعتماد على النقود إلى مجتمعات بلا نقود cashless society. هذه النقلة يجب أن يصاحبها تطور في التشريعات والأنظمة فيما يخص مكافحة الأنشطة الإجراميَّة التي قد تستغل ضعف الأنظمة بشأن التعرف على العملاء KYC ومخاطر استخدام هذه الأنظمة الحديثة في تنفيذ أنشطة تهدد المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد