ملخص
أطلقت روسيا تأشيرة جديدة باسم "تأشيرة القيم المشتركة"، وأصدرت قائمة تضم 47 دولة من الدول الغربية الكبرى وحلفائها في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وآسيا، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، مما يشير إلى هدف البرنامج في جذب الأفراد من هذه الدول.
تسعى موسكو إلى استغلال حالة التمرد والاستياء المتصاعدة داخل تيار أميركي وغربي واسع، ضد ما يعرف بثقافة الوعي الاجتماعي المعاصر أو اختصاراً "ثقافة اليقظة"، التي يتبناها التيار اليساري التقدمي. فمن خلال تأشيرة جديدة وشبكة من المؤثرين تقدم روسيا نفسها كمعقل للقيم التقليدية المحافظة، في مواجهة تلك القيم التقدمية التي ينظر إليها كثيرون باعتبارها تهديداً للأسرة والمجتمع.
فقبل أشهر أطلقت الحكومة الروسية تأشيرة جديدة باسم "تأشيرة القيم المشتركة"، وأصدرت قائمة تضم 47 دولة وإقليماً حول العالم مواطنيها مؤهلون لهذا البرنامج الذي وافق عليه رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين في سبتمبر (أيلول) 2024. وتتضمن القائمة الدول الغربية الكبرى وحلفائها في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وآسيا، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، مما يشير إلى هدف البرنامج في جذب الأفراد من هذه الدول.
القيم التقليدية المحافظة
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، شهادات مهاجرين أميركيين انتقلوا للعيش في روسيا، ومن بينهم عائلة ليو هير، المكونة من خمسة أشخاص، الذين انتقلوا من ولاية تكساس لشعورهم بأن أسلوب حياتهم مهدداً، إذ يقول الأب البالغ من العمر 61 سنة "أشعر وكأنني وضعت على فلك نجاة لعائلتي، أود أن أشكر الرئيس (فلاديمير) بوتين على السماح لروسيا بأن تصبح مكاناً جيداً للعائلات في ظل المناخ العالمي الحالي"، وقالت زوجته شانتيل هير البالغة 51 سنة "أتطلع لبناء مستقبل هنا مع عائلتي، وأتطلع إلى الفرص التي سيحصل عليها أبنائي في هذا البلد."
ونشرت لقطات من مراسم تسليم شهادات اللجوء التي تسمح للأسرة الأميركية بالعيش والعمل في روسيا، على القنوات الرسمية لوزارة الداخلية الروسية، مرفقة بتعليق جاء فيه: "عائلة أميركية أخرى تختار بلدنا للعيش فيه، إدراكاً منها أن القيم التقليدية في بلدنا تحظى بحماية الدولة".
وأصبحت عائلة هير رمزاً لاتجاه ناشئ متنام من الغربيين الذين ينتقلون إلى روسيا، بحثاً عن القيم التقليدية والمحافظة التي يشعرون بأنها تتلاشى في الغرب الليبرالي. ووفق الصحيفة الأميركية، فإن رحلتهم تعكس السردية الأيديولوجية التي عمل الرئيس الروسي على صياغتها على مدى سنوات، مقدماً روسيا كحامية للتقاليد الأسرية في مواجهة عالم غربي ينحدر نحو الانحلال الأخلاقي والاجتماعي.
وبعد أيام قليلة من حصول عائلة هير على اللجوء، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) 2024 مرسوماً بطرح تأشيرة "القيم المشتركة"، والمعروفة بصورة غير رسمية باسم "تأشيرة مناهضة اليقظة - Anti woke". وفي المرسوم الذي ينص على "تقديم الدعم الإنساني للأفراد الذين يتشاركون القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية"، تقدم روسيا تصريح إقامة لمدة ثلاث سنوات بشروط بسيطة، يتضمن لاحقاً مساراً نحو الجنسية الروسية.
"أهلاً بكم في روسيا"
ومنذ بداية العام، جرى إصدار تأشيرة "القيم المشتركة" لنحو 700 شخص، بينما جاء مئات آخرون بتأشيرات عمل أو دراسة، أو بصفتهم أزواجاً لمواطنين روس، وفقاً لما ذكرته النائبة ماريا بوتينا، التي أصبحت أبرز داعمي البرنامج. وإضافة إلى كونها عضواً في البرلمان الروسي، تدير بوتينا أيضاً منظمة تدعى "أهلاً بكم في روسيا"، التي يعمل فيها فريق من نحو 12 شخصاً لمساعدة الأجانب في الحصول على تأشيرة "القيم المشتركة".
وتنفي بوتينا وصف التأشيرة بأنها محاولة من روسيا لتجنيد الغربيين المحبطين من المناخ المجتمعي في دولهم، وتقول "ربما من الأدق أن نطلق عليها تأشيرة لجوء روحي. الناس يهاجرون لأنهم يبحثون عن سفينة نوح، وليس لأن روسيا تبحث عنهم".
لكن تقول "واشنطن بوست" إن الجهد المبذول لجذب الغربيين الساخطين ليس عشوائياً، بل محسوب بدقة. وكشفت تحقيقات أجراها موقع "أمبورتانت ستوريز Important Stories" الناطق بالروسية أن مؤسسة"روسيا اليوم" الخاضعة لعقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تمول شبكة من المدونين الذين ينتجون مقاطع فيديو لأجانب انتقلوا إلى روسيا يمدحون نمط الحياة الروسي، في الوقت الذي ينتقدون فيه الغرب.وتضيف الصحيفة الأميركية أنه من خلال استخدام عناوين مثل "روسيا لا تعاني مشكلات أميركا"، و"الغرب يحاول شيطنة روسيا"، تعد هذه المقاطع جزءاً من حملة نفوذ ناعم أوسع تنفذها موسكو لتحسين صورتها وتقديم نفسها كدولة منظمة ومستقرة ومؤهلة للازدهار على رغم العزلة الدولية.
وإضافة إلى هذه القنوات، هناك مجموعة من المؤثرين المحافظين الغربيين الذين استقروا في روسيا وينشرون محتوى مؤيداً لها، وتتوافق الرسائل التي تروج في هذه المقاطع غالباً مع الرؤية العالمية المعروفة لحركة "ماغا - اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً"، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فتنظر إلى حقوق المتحولين جنسياً والمثليين على أنها مظاهر لانحدار أخلاقي، وتعارضها لحماية مصالح الأطفال، كما ترفض النسوية باعتبارها مشروعاً يسارياً يهدف إلى تقويض الرجولة وتفكيك مؤسسات الأسرة، وتروج للقاحات باعتبارها أداة سلطوية.
وفي عام 2019، انتقلت عائلة أسترالية، تصادف أن اسمها العائلي أيضاً "هير"، إلى روسيا احتجاجاً على تشريع زواج المثليين في بلادهم. وأسسوا مزرعة في منطقة ألطاي الخلابة بجنوب سيبيريا، ويديرون مدونة فيديو شهيرة عن حياتهم، ظهرت بصورة بارزة في تغطية "روسيا اليوم" ووسائل الإعلام الرسمية الأخرى.
تحديات مالية وقانونية
ومع ذلك، فإنه خلف العناوين البراقة، يواجه بعض الوافدين الجدد تحديات حقيقية، منها مشكلات قانونية ومالية وتجميد حساباتهم المصرفية، أو الضياع وسط البيروقراطية المعقدة في البلاد، على رغم أن الانتقادات تظل محدودة.
فبعد وقت قصير من وصول أريند وأنيسا فينسترا، زوجان مزارعان كنديان لديهما تسعة أطفال، انتقلا إلى روسيا في عام 2023 لأسباب مشابهة لعائلة هير ولإنشاء مزرعة ماشية، جمدت حساباتهم البنكية التي كانت تضم أموالاً من بيع مزرعتهم في كندا، بسبب نشاط "مشبوه"، مما ترك العائلة عالقة ومحبطة ونشروا فيديو عبروا فيه عن استيائهم ورغبتهم في المغادرة، لكنهم سرعان ما اعتذروا قائلين إنها لحظة إحباط ناتجة من حاجز اللغة. كما قالت عائلة هير إنها تعرضت للاحتيال وخسرت 50 ألف دولار من مدخراتها، ولم تتلق استجابة من جهات إنفاذ القانون.