ملخص
خلال الأشهر الأخيرة تصدرت العلاقة بين مصر والسعودية حديث المنصات، لا بفعل موقف رسمي أو تغيير معلن، بل من خلال مؤشرات متراكمة فسرها بعض المتابعين بوصفها تباعداً وقرأها آخرون كإعادة توزيع للأدوار في محيط عربي متحول.
العلاقات بين الدول حتى تلك التي تستند إلى إرث تاريخي ومصالح استراتيجية لا تخلو من فترات مراجعة أو إعادة تموضع. وفي المنطقة العربية حيث تتقاطع الحسابات الإقليمية مع الضغوط الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية تبدو الشراكات التقليدية أكثر عرضة للتأويل وأكثر حاجة إلى إعادة تأكيد.
خلال الأشهر الأخيرة تصدرت العلاقة بين مصر والسعودية حديث المنصات لا بفعل موقف رسمي أو تغيير معلن، بل من خلال مؤشرات متراكمة فسرها بعض المتابعين بوصفها تباعداً وقرأها آخرون كإعادة توزيع للأدوار في محيط عربي متحول. في خضم هذا المشهد اختارت القاهرة أن تجيب ليس عبر التصريحات وحسب، ولكن أيضاً عبر احتفال رسمي يحمل أبعاداً تتجاوز الطابع الثقافي، إذ أعلنت القنصلية العامة المصرية في الرياض عن تنظيم فعالية "الليلة المصرية الثانية" أمس في مجمع "يو ووك" بالعاصمة السعودية بحضور أبناء الجالية المصرية وأصدقائهم من السعوديين والمقيمين.
الفعالية التي تأتي ضمن جهود القنصلية لتعزيز التواصل مع الجالية حملت في مضمونها ما يشبه الرد غير المباشر على ما يتداول من قراءات حول توتر صامت في العلاقات، لا سيما مع اختيارها عبارة "لن ترونا إلا معاً" كشعار للمناسبة في تأكيد رمزي لمتانة العلاقة بين القاهرة والرياض، واستمرار التنسيق بين البلدين خارج إطار البيانات الرسمية، وبعيداً من الضجيج الإعلامي، إذ كانت العبارة بحسب ما وصفها المراقبون رسالة محسوبة بدقة أطلقت من الرياض وفي لحظة إقليمية مشحونة بالتقلبات، لتعيد تأكيد ما تصفه العاصمتان بأنه "ثابت لا يمس" على رغم تباين المواقف في بعض الملفات.
علاقة تاريخية متجذرة
وفي حفل آخر أقيم في قصر الثقافة بالرياض لمناسبة الذكرى الـ73 لثورة الـ23 من يوليو (تموز) بحضور نائب أمير منطقة الرياض الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز وعدد من المسؤولين السعوديين وممثلي البعثات الدبلوماسية أمس الجمعة، ركز السفير المصري لدى المملكة إيهاب أبو سريع من خلال كلمته على سرد ملامح العلاقة التاريخية مع السعودية، مشيداً بتوسع التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
لكن اللافت بحسب المتابعين على "السوشيال ميديا" لم يكن مضمون الخطاب بقدر ما كان في توقيته ومفرداته، إذ جرى تأكيد تثبيت العلاقة ضمن أولويات القاهرة، وتأكيد أن الشراكة ليست خاضعة لاختبار الظرف ولا متأثرة بما يتداول إعلامياً.في موازاة الاحتفال الرسمي في العاصمة نظمت القنصلية المصرية العامة في جدة فعالية مشابهة، في ما بدا وكأنه توزيع مدروس للرسائل، يؤكد أن العلاقة لا تقتصر على النخب السياسية، بل تشمل الجاليات والمجتمعات المقيمة والتقاطع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين البلدين، وخلال المناسبة أشيد بدور الجالية المصرية في السعودية ليس فقط بوصفها ركيزة اقتصادية بل كعنصر بشري يعكس تداخلاً طويل الأمد بين البلدين.وفي تعليقه على رمزية الشعار الذي اختارته السفارة المصرية في الرياض يرى المتخصص في مجال العلوم السياسية، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد صادق إسماعيل، أن "العبارة ليست مجاملة دبلوماسية، بل وصف مقصود يعكس استمرارية العلاقة وتماسكها، حتى في ظل تباين طبيعي في بعض الملفات".
تقاطع المصالح الإقليمية
ويقول إسماعيل في حديثه إلى "اندبندنت عربية" "نحن لا نتحدث عن علاقة ثنائية عابرة، بل عن شراكة بين ركيزتين من ركائز الأمن القومي العربي، فمصر والسعودية ليستا مجرد بلدين متجاورين، بل قوتان إقليميتان مؤثرتان تتقاطع مصالحهما في أكثر من ملف وتتقاسمان مسؤولية حفظ التوازن في محيط عربي مضطرب".ويضيف المحلل المصري "حتى مع اختلاف وجهات النظر حيال بعض القضايا تبقى العلاقة قائمة على أسس استراتيجية راسخة، إذ لا يمكن قياس قوة العلاقة من خلال لحظة سياسية واحدة، فالعلاقات الدولية تمر بمراحل متغيرة وهذا ليس استثناء بل القاعدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منحنيات موقتة
ويرى أن التباين في مقاربة بعض الملفات بين العواصم لا يعني بالضرورة خلافاً استراتيجياً، بل يعكس اختلافاً طبيعياً في الرؤى تبعاً لأولويات كل طرف، مضيفاً "من غير الواقعي انتظار تطابق كامل في المواقف حتى بين الحلفاء الأقرب".وحول ما يثار عن فتور في العلاقة بين القاهرة والرياض يشير إسماعيل إلى أن "العلاقات الكبرى لا تقاس بمنحنيات موقتة، بل تقرأ ضمن سياق أوسع من التحولات الإقليمية والدولية".وأردف أن "البيئة الإقليمية الحالية من غزة إلى مضيق هرمز تؤكد حاجة العالم العربي إلى رؤى جماعية وتنسيق متكامل"، وهو ما يجعل من العلاقة المصرية - السعودية، كما يقول "أحد خطوط التوازن التي لا غنى عنها".
في السياق ذاته نفى المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، ما تردد أخيراً من إشاعات حول وجود توتر في العلاقات المصرية – السعودية، مؤكداً أن "الروابط بين البلدين متينة على المستويين الرسمي والشعبي".وأشار إلى أن زيارة رئيس مجلس الشورى السعودي إلى القاهرة ولقائه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي تندرج ضمن "إطار الزيارات المنتظمة التي تعكس استمرارية التعاون وتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك بين البلدين".ووفق الحمصاني فإن "العلاقات لم تكن في حاجة إلى تصحيح، بل هي في طور تفعيل دائم عبر قنوات التنسيق السياسي والاقتصادي"، مضيفاً أن "ما يقال في الفضاء الافتراضي لا يعكس واقع العلاقات بين العاصمتين".وكان القنصل المصري في جدة أحمد عبدالمجيد شدد على "عمق العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين"، معتبراً إياها "قوية وضرورية، من أجل التعاون الوثيق في مختلف المجالات، لا سيما في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات تتطلب تنسيقاً وتكاملاً دائماً".جاء ذلك في سياق المناسبة التي نظمتها القنصلية في جدة، التي يقطن فيها عشرات الآلاف من الجالية المصرية المقيمة في السعودية، ممن يفوق عددهم 1.4 مليون شخص، كأكثر جنسية عربية بعد اليمنيين في السعودية التي يعيش فيها عشرات الجنسيات.