ملخص
استمرار الانفجارات وتشغيل منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ليلاً لا يبدو مؤشراً إلى نهاية العاصفة وحسب، بل ربما إنذار مبكر بعودة الهجمات الإسرائيلية بوتيرة أوسع وأشد خلال الأيام المقبلة ضد مواقع تابعة للنظام الإيراني داخل العاصمة طهران والمدن الأخرى.
على رغم مرور أكثر من ثمانية أيام على إعلان وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، ما زالت موجة من الانفجارات والحرائق وتفعيل أنظمة الدفاع الجوي داخل مناطق مختلفة من إيران تلفت انتباه الرأي العام.
ومنذ فجر الثلاثاء الموافق الـ24 من يونيو (حزيران) الماضي وحتى يوم أمس الأربعاء الثاني من يوليو (تموز) الجاري، تداول مواطنون إيرانيون يومياً روايات وصوراً من مدن إيرانية عدة تشير إلى وقوع انفجارات وإطلاق نار من الدفاعات الجوية، أو استهداف منشآت أمنية ومبان في بعض المدن. ولم تعلن أية جهة رسمية في النظام الإيراني أو في إسرائيل مسؤوليتها عن هذه الأحداث، إلا أن بعض المؤشرات تعزز احتمال استمرار عمليات سرية ينفذها الجيش الإسرائيلي أو جهاز الموساد داخل الأراضي الإيرانية.
انكشاف الأجواء الإيرانية
تزايد هذه الأحداث خلال فترة زمنية قصيرة وامتدادها الجغرافي الواسع في عموم البلاد، دفع الرأي العام إلى التساؤل عما إذا ما كانت إسرائيل، مستفيدة من انكشاف الأجواء الإيرانية وتدمير معظم منظومات الدفاع الجوي الإيراني خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، بدأت حرباً سرية وغير معلنة في ظل الفوضى الأمنية الحالية وعجز طهران عن الرد أو التوضيح.
وأدى انفجار عنيف في منطقة "جنت آباد" شمال العاصمة طهران صباح الـ25 من يونيو الماضي، إلى تدمير كامل لوحدة سكنية. وأفادت مصادر محلية لـصحيفة "اندبندنت فارسية"، مرفقة بصور من موقع الحادثة، بأن القوات الأمنية سارعت إلى إغلاق الشارع ومنعت المواطنين من الاقتراب من المكان، إلا أن إدارة إطفاء طهران أعلنت لاحقاً أن سبب الانفجار هو "تسرب غاز".
وفي الليلة نفسها، فُعلت الدفاعات الجوية في منطقة "فاز صفر" بمنطقة "برند" جنوب غربي طهران، ودوى صوت ثلاثة انفجارات داخل شرق العاصمة. وأفاد مواطنون في مدينة المحمرة مساء أمس بوقوع انفجارات ومشاهدة طائرات مسيرة صغيرة في سماء المدينة.
وخلال الخميس الـ26 من يونيو الماضي سُمع دوي انفجار عنيف قرب قاعدة تابعة للحرس الثوري داخل مدينة خمين. وفي طهران، اندلع حريق في إحدى الوحدات السكنية ببرج "آسمان فرمانية" الواقع شمال العاصمة. وأفاد مواطنون داخل مدينة دزفول بإطلاق نار من منظومات الدفاع الجوي وسماع أصوات انفجارات خلال الليلة نفسها.
والجمعة الموافق الـ27 من يونيو الماضي، أفيد بسماع دوي انفجارات في أحياء هروي وسوهانك داخل العاصمة الإيرانية ومدينة محلاتي التابعة لمحافظة طهران، إذ فعلت أنظمة الدفاع الجوي في مدينة محلاتي، وأشيع أن طائرة مسيرة صغيرة أسقطت هناك. وبعد ساعات، سمع دوي انفجارات متواصلة من منتصف الليل إلى ساعات الصباح داخل مدينة الأحواز، وتحديداً في حي "كيانبارس".
وفجر السبت الموافق الـ28 من يونيو الماضي، أفاد مواطنون في محافظة طهران من مدينة إسلام شهر ونسيم شهر وملارد ومارليك وبرند، وكذلك جنوب مدنية كرج، بسماع أصوات متعددة لإطلاق نار وانفجارات. وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي نحو الساعة 3:19 فجراً، نشاطاً لأنظمة الدفاع الجوي في أطراف العاصمة طهران.
وصباح يوم الأحد الـ29 من يونيو الماضي أظهرت المقاطع الفيديو التي أرسلت لصحيفة "اندبندنت فارسية"، اندلاع حريق داخل أحد المباني الواقعة عند زاوية طريق كردستان السريع في طهران. وأفاد صحافيون ومواطنون لاحقاً بأن المبنى المحترق قد يكون لمركز التوجيه العقائدي السياسي التابع للقيادة العامة لقوات الشرطة الإيرانية (فراجا). وتزامناً مع هذا الحدث، انتشر في وسائل الإعلام الإيرانية خبر مقتل نائب رئيس الشؤون الثقافية والاجتماعية في جهاز استخبارات "فراجا" مهدي نعمتي.
وفي اليوم نفسه، أفاد سكان مدينة شيراز برصد تحليق طائرة مقاتلة مجهولة الهوية، أعقبها سماع دوي منظومات الدفاع الجوي في مناطق مختلفة من المدينة، لا سيما قرب ساحة "دروازه قرآن" وشارع زند.
ومساء الإثنين الموافق الـ30 من يونيو الماضي، هز انفجاران عنيفان مدينة بهشتي في محافظة طهران، مما أثار حالاً من الذعر بين السكان. وأفاد شهود عبر صور ومقاطع مصورة بسقوط قتلى وجرحى، مع وصول ما لا يقل عن خمس سيارات إسعاف إلى موقع الانفجار. وفي الوقت ذاته، سجلت أصوات متواصلة للدفاعات الجوية وتحليق طائرات مسيرة شرق وشمال شرق طهران، وأُفيد أيضاً بتفعيل منظومات الدفاع الجوي قرب قاعدتي نوجه وكبودرآهنك الجويتين في محافظة همدان.
وأخيراً، خلال الثلاثاء الأول يوليو (تموز) الجاري، شهدت العاصمة طهران تصاعد دخان كثيف في أحياء مشيريه ودولت آباد، وكذلك في مدينة ري، وأفاد السكان بأنهم شاهدوا بوضوح أعمدة الدخان الناجمة عن هذه الانفجارات. وعلى رغم تكرار هذه الحوادث خلال الأيام الماضية، لم يصدر أي توضيح رسمي من السلطات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فرضية ضلوع إسرائيل
وما يعزز من فرضية تورط الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في هذه الحوادث، هو سجل إسرائيل في اتباع سلوك مشابه على جبهات أخرى. فحتى بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل المسلحة التابعة للنظام الإيراني داخل لبنان وغزة، واصلت تل أبيب تنفيذ عمليات دقيقة استهدفت اغتيال قياديين بارزين في "حزب الله" و"حماس". وفي بعض الحالات، جرى تصفية مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى في هذه الجماعات من دون سابق إنذار أو مواجهة علنية، سواء في سوريا أو لبنان أو حتى في قلب قطاع غزة. وعلى رغم أن إسرائيل نادراً ما تتبنى هذه العمليات، فإن مصادر دولية ومحللين استخباراتيين اعتبروها جزءاً من استراتيجية تل أبيب لاحتواء نفوذ النظام الإيراني داخل المنطقة.
وفي ظل هذه الظروف، لا يستبعد أن يكون ما يجري حالياً داخل إيران جزءاً من النمط ذاته، واستمرار الحرب من دون إعلان حرب. ومن الانفجارات الغامضة إلى الاغتيالات الصامتة، كل شيء يمر بصمت رسمي مطبق. لكن الرأي العام لم يعد كما كان في السابق، ولم يعد يتقبل الروايات المفلترة والمراقبة التي تروجها السلطات الإيرانية.
انهيار أمني؟
وأما السؤال المحوري هنا هو هل يسعى النظام الإيراني، من خلال التكتم، إلى إخفاء مؤشرات الانهيار الأمني داخل أجهزة النظام؟ وهل تقوم إسرائيل، في ظل الصمت الدبلوماسي، بتصفية البنى التحتية والقيادات الأساس في منظومة الحكم داخل النظام الإيراني؟
وفي الواقع، لا إجابة واضحة حتى الآن، لكن استمرار الانفجارات وتشغيل منظومات الدفاع الجوي ليلاً لا يبدو مؤشراً إلى نهاية العاصفة، بل ربما إنذاراً مبكراً بعودة الهجمات الإسرائيلية بوتيرة أوسع وأشد خلال الأيام المقبلة ضد مواقع تابعة للنظام الإيراني في طهران والمدن الأخرى.
والأحد الماضي، صرح رئيس كلية العلوم السياسية بجامعة طهران والمقرب من مستشار المرشد علي لاريجاني، إبراهيم متقي، عبر التلفزيون الرسمي الإيراني بأن توقعاته تشير إلى أن إسرائيل ستستأنف هجماتها العسكرية المباشرة على مواقع تابعة للنظام داخل إيران، خلال أسبوع واحد فحسب.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"