Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحلاقة مقابل الطعام... بالمقايضة يصرف سكان غزة شؤونهم

يسعى المواطنون لإيجاد طرق بديلة لتلبية حاجاتهم الأساسية مع شح السيولة والبضائع في الأسواق

يحلق نعمان للمقبلين على الزواج مقابل صحن سلطة خضروات (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

غلوة قهوة أو ملعقتين من السكر مقابل حلاقة الشعر… إليكم تفاصيل مبادرة الحلاق نعمان التي ابتكرها للتغلب على الجوع في غزة.

دراسة على عينة من 1000 أسرة بالتعاون مع الأمم المتحدة تبين أن 74 في المئة من العائلات مر على أفرادها يوم كامل من دون طعام، و62 في المئة يتناولون وجبة واحدة يومياً، و38 في المئة يتناولون وجبتين، و0 في المئة يتناولون ثلاث وجبات يومياً.

دخل جهاد إلى مصفف الشعر الرجالي حاملاً بيديه "20 غراماً من القهوة" ثم جلس على كرسي الحلاقة، وقبل أن يباشر الحلاق نعمان بعمله طلب منه الرجل إغماض عينيه واستنشاق الرائحة التي تفوح من كيس ورقي صغير.

"إنها قهوة عربية" قال الحلاق نعمان والتقط من يد الزبون الكيس، مراراً استنشق رائحتها، إذ منذ أيام لم يذق طعم البن فسعر الكيلوغرام منه ارتفع مرات كثيرة حتى استقر عند 411 دولاراً، ولا يستطيع الحلاق شراء لو غرامات قليلة منه.

بهدف إطعام أطفاله

بثقة جلس جهاد على كرسي الحلاقة متفاخراً بما جلبه كأجرة للحلاق نعمان مقابل قص شعره وترتيب لحيته، فكوافير الرجال بات يأخذ المواد الغذائية مقابل عمله عوضاً عن المال الذي بات لا يتوافر بيد سكان غزة إلا بكمية قليلة جداً.

بإتقان وتفنن بدأ نعمان قص شعر الزبون وأخذ يرتب له لحيته، يقول الحلاق "أعيش في غزة وأعاني من ويلات الحرب كما بقية السكان، أتفهم أوضاعهم ولا أفضل استغلال الموقف، لذا أعلنت عن عرض الحلاقة مقابل الطعام".

لفكرة الحلاق نعمان أهداف متعددة فهو لم يطلق حملته بصورة عشوائية، يشرح "تعاني عائلتي كما جميع سكان غزة من الجوع، ولأطعم صغاري أطلقت حملة الحلاقة مقابل الطعام، وفيها أقبل القليل من المواد الغذائية كبديل عن المال مقابل خدمات الحلاقة".

لنعمان أربعة أطفال يعولهم بصعوبة، ولا يستطيع إطعامهم فالمواد الغذائية نادرة في غزة، إذ ما زالت إسرائيل تقيد دخول المساعدات الإنسانية إلى المدينة، وعندما تسمح بدخول شاحنات المعونات القليلة تطلب من الأهالي الذهاب لمناطق بعيدة للحصول عليها، وعادة ما تسبقهم تشكيلات إجرامية وعصابات فتستولي على تلك المعونات.

لا يستطيع نعمان أن يذهب إلى مكان توزيع المساعدات القليلة التي تسمح إسرائيل بإدخالها إلى القطاع، فهو يعرف أن مصير أغلب هؤلاء الجائعين الموت برصاص الجيش الإسرائيلي، ولأنه عاجز عن توفير الطعام لأهل بيته فقد طلب من زبائنه أن يحضروا طعاماً بدل المال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أعطيك سكر مقابل الحلاقة"

بسرعة انتهى الحلاق من قص شعر الزبون، ودخل مباشرة عليه يوسف وهو زبون آخر يحمل في يده ملعقتين من السكر، ويطلب من الحلاق قص شعره مقابل القليل من المحلّي الأبيض.

فقد ارتفع ثمن سعر كيلوغرام السكر كثيراً حتى وصل إلى 103 دولارات، وبات يباع في الأسواق بالغرام الواحد، لذلك اعتبر الحلاق نعمان أن ملعقتين من السكر أمر ثمين جداً، وقبل به كأجرة مقابل حلاقة شعر زبونه يوسف.

يقول نعمان إنه يتفهم شح السيولة وعدم توافرها في جيوب سكان غزة، ويضيف "يمكن للزبون توفير علبة حمص أو أي مواد غذائية مقابل حلاقة شعرهم، لكن من الصعب جداً عليهم سحب أموالهم من البنك، ولذلك أحاول التخفيف عنهم وأقبل بحصص الطعام البسيطة".

صحن سلطة جاهز عرض للعرسان

بينما كان نعمان يستخدم مقصاً ومشطاً ويصفف شعر زبونه، دخل شاب مقبل على الزواج يسأل عن آلية الحلاقة مقابل الطعام لعريس يتزوج بالحرب، هون عليه الحلاق وطلب منه صحن سلطة خضروات جاهز مقابل تقديم خدمات لفرحه.

تغيرت ملامح العريس أمجد وضحك، ثم بدأ يحسب "حبة الطماطم تكلفني دولاراً، وحبة الخيار تكلف دولاراً، والملح والفلفل بدولار، والقليل من البقدونس والجرادة بدولار، أي أنني سأحلق لفرحي بأربعة دولارات، ذلك أوفر من دفع 20 دولاراً نقداً".

بادر العريس بسؤال "هل سأخرج من بين يديك بمظهر جذاب"، رد نعمان "هذا عرض خاص بالعرسان فقط، يمكنهم الحصول على حلاقة تلمع مقابل صحن سلطة، لا تقلق ستخرج وأنت راضٍ وسعيد".

يقبل الحلاق من زبائنه حبتين طماطم وحبة باذنجان واحدة، وخيارتين وملعقتي سكر وغلوة قهوة وجميع أنواع المعلبات من فاصوليا حمراء وبازيلا وحمص وفول، ويقبل ملح ليمون ونصف كيلوغرام من الطحين.

يعقب نعمان "أحاول ألا أحمل زبائني عبئاً يضاف إلى همومهم ومشكلاتهم، فأنا أقبل وأرحب بأي شيء يجلبونه معهم". هذه المبادرة تسلط الضوء على كارثة الجوع التي تضرب سكان غزة، حتى باتوا يصفونها بـ"الوحش الذي يلتهم أجسادهم في كل يوم". يصمت قليلاً ويضيف "الجوع هو الشعور الأصعب خصوصاً عندما يطرق باب بيتك، أعرف أشخاصاً يقضون أياماً بلا طعام".

تجسد ظروف غزة

على رغم أن مبادرة نعمان جيدة لكن الإقبال على قص الشعر قليل جداً، يعزو ذلك نعمان لأن سكان عزة لا يجدون مواد غذائية يقدمونها له ولا أموالاً يدفعونها.

يقول أستاذ السياسات المالية مازن العجلة "مبادرة الحلاقة مقابل الطعام تأتي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع. هذا العرض يعكس الوضع الاقتصادي الصعب في غزة، حيث يسعى المواطنون لإيجاد طرق بديلة لتلبية حاجاتهم الأساسية".

ويضيف "يعاني سكان غزة من أوضاع اقتصادية صعبة بسبب الحصار والظروف الأمنية، كذلك فإن البطالة والفقر من أبرز المشكلات التي تواجههم، فالكثير من المواطنين يبحثون عن طرق بديلة لتأمين حاجاتهم الأساسية".

وبحسب العجلة فإنه أجرى دراسة على عينة من 1000 أسرة بالتعاون مع الأمم المتحدة، تبين أن 74 في المئة من العائلات مر على أفرادها يوم كامل من دون طعام، و62 في المئة يتناولون وجبة واحدة يومياً، و38 في المئة يتناولون وجبتين، و0 في المئة يتناولون ثلاث وجبات يومياً.

يقول مفوض الأونروا فيليب لازاريني "الخلاصة أنه لم يعد هناك من مساعدات لتوزيعها، لأن عملية إيصال المساعدات تعرضت لشلل تام، إنه حكم بالإعدام يتسارع بصورة رهيبة، إنه عقاب جماعي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير