ملخص
تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها هو أمر لم يحدث، لكن عواقبه وخيمة، ومن المرجح أن يتسبب في اضطرابات اقتصادية عالمية
في مواجهة ارتفاع الرسوم الجمركية على كل ما تستورده الولايات المتحدة تقريباً، إضافة إلى أزمة الشرق الأوسط، حافظ الاقتصاد الأميركي على ثباته بصورة ملاحظة، إذ استقر التضخم في معظمه، بينما لا يزال معدل البطالة قريباً من أدنى مستوياته التاريخية. في غضون ذلك، سجلت الأسهم مستويات قياسية جديدة في تعاملات الأسبوع الماضي.
لكن قد يتغير هذا قريباً مع اقتراب مواعيد نهائية حاسمة، أولها التاسع من يوليو (تموز)، الذي يصادف نهاية المهلة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمدة 90 يوماً على ما وصفه بالرسوم الجمركية "المتبادلة" على عشرات من شركاء أميركا التجاريين، وما لم تتوصل هذه الدول إلى اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة، فقد تواجه رسوماً جمركية أعلى بكثير.
وعلى بعد خطوات قليلة من ذلك، يأتي ما يسمى بالتاريخ "إكس"، وهو التاريخ الذي قد تتخلف فيه الحكومة عن سداد ديونها، وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت في رسالة حديثة إلى قادة الكونغرس إن ذلك سيحدث في وقت ما من أغسطس (آب).
عواقب وخيمة للتخلف عن سداد الديون
إن عواقب تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وهو أمر لم يحدث قط، وخيمة، ومن المرجح أن يتسبب في اضطرابات اقتصادية عالمية، ولهذا السبب زعم بيسنت أن المشرعين بحاجة إلى رفع سقف الدين قبل أن تبدأ عطلة الكونغرس التي تستمر مدة شهر في الرابع من أغسطس.
ضغط الرئيس على الكونغرس لرفعه بحلول الرابع من يوليو لكن ما يعقد هذا الجهد هو أن رفع حد الاقتراض الوطني ليس سوى إجراء واحد من إجراءات مدرجة في "مشروع قانون واحد كبير وجميل"، وهو ما يريد توقيعه ليصبح قانوناً بحلول ذلك الموعد.
وهناك وضع ملح آخر قد يقلب صفو الهدوء الحالي، وهو وقف إطلاق النار الهش الذي توسط فيه ترمب بين إيران وإسرائيل، وقد تنهار هذا الهدنة بسرعة، مسببة ارتفاعاً حاداً في أسعار النفط، في وقت قد يكون فيه التضخم الناتج من رسومه الجمركية بدأ بالفعل في الارتفاع.
في مذكرة بحثية حديثة، قال كبير الاقتصاديين الأميركيين في "أكسفورد إيكونوميكس" رايان سويت، "نعلم أن هذه الأزمات مقبلة. هناك فجوة بين التغييرات في الرسوم الجمركية وظهورها في الأسعار التي ندفعها"، وهناك ثغرات أخرى في الاقتصاد قد تتطور بسرعة إلى خطوط فاصلة، مثل ارتفاع عدد الأشخاص الذين يستمرون في تلقي إعانات البطالة إلى أعلى مستوى له في أربع سنوات، وكبح المستهلكين لإنفاقهم.
سؤال مثير للجدل حول الرسوم الجمركية
أثبت ترمب خلال الأشهر القليلة الأولى أنه لا حدود لارتفاع الرسوم الجمركية التي سيفرضها، سواء على سلع الدولة أو على جميع واردات منتج معين. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة ضريبة على السلع الصينية بحد أدنى 145 في المئة، لكن اتفاقاً جرى التوصل إليه في الـ12 من مايو (أيار) خفض هذه النسبة إلى 30 في المئة.
تشمل الرسوم الجمركية الأخرى المعمول بها حالياً 50 في المئة على الصلب والألومنيوم، و25 في المئة على السيارات وقطع غيار السيارات، و10 في المئة كحد أدنى على سلع جميع الدول تقريباً.
في أبريل (نيسان) الماضي، وبعد أن هزت سياسته التجارية الأسواق، أعلن ترمب توقفاً موقتاً لـ90 يوماً، ظاهرياً لكسب مزيد من الوقت للعمل على صفقات تجارية "مصممة خصيصاً" مع الدول المتضررة، على حد قوله. ومنذ ذلك الحين، لم تبرم سوى اتفاقين تجاريين مع المملكة المتحدة والصين.
وأشار ترمب إلى أنه من غير الواقعي أن تبرم 200 دولة، كانت تسعى لتوقيع اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة، اتفاقات بحلول التاسع من يوليو المقبل. وأضاف "في مرحلة ما، خلال الأسبوع والنصف المقبلين تقريباً، أو ربما قبل ذلك، سنرسل رسالة. تحدثنا إلى عدد من الدول، وسنبلغها فقط بالرسوم التي يتعين عليها دفعها لممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة. لدينا كثير من الأمور الرائعة التي نجريها، ونتفق مع الدول، لكن بعضها سيشعر بخيبة أمل، لأنه سيضطر إلى دفع رسوم جمركية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طرح مسؤولو إدارة ترمب تمديدات محتملة للدول "التي تتفاوض بحسن نية"، من دون تحديد ما يعنيه ذلك أو الدول التي ينطبق عليها. وقبل أيام، قال وزير الخزانة إن "هناك على الأرجح 20 دولة أخرى يمكنها العودة لمعدل التعريفة الجمركية المتبادلة المعمول به في الثاني من أبريل أثناء العمل على الاتفاق، أو، إذا اعتقدنا أنهم يتفاوضون بحسن نية، فيمكنهم البقاء عند خط الأساس البالغ 10 في المئة".
وأعاد وزير التجارة هوارد لوتنيك تأكيد إمكان تطبيق استراتيجية تعريفات جمركية إقليمية الخميس الماضي، مدعياً في الوقت نفسه أن 10 اتفاقات تجارية وشيكة. وأضاف "ستكون هناك صفقات في أميركا الجنوبية، وصفقات في أفريقيا، سنضع هذه الدول في خانة الدول المناسبة في التاسع من يوليو".
قد يعني هذا أن بعض الدول ستواجه تعريفات جمركية أعلى مقارنة بمستويات أبريل، وذلك بناء على موقعها الجغرافي. على سبيل المثال، كان من المقرر أن تواجه فيتنام تعريفات جمركية بنسبة 46 في المئة، في حين كانت جارتها ماليزيا ستواجه تعريفات جمركية بنسبة 24 في المئة، وربما بحلول التاسع من يوليو، قد تقتصر سياسة التعريفات الجمركية على اختيار رقم عشوائي، وكما قال بيسنت "الأمر كله متروك للرئيس ترمب".
توقعات بارتفاعات متتالية بالأسعار
في تعليقه، كتب كبير الاقتصاديين الأميركيين في "دويتشه بنك" ماثيو لوزيتي "يعتمد تحديد ما إذا كان الموعد النهائي في التاسع من يوليو سينذر بمشكلات للاقتصاد أم لا على كيفية تعامل إدارة ترمب مع السياسة التجارية".
وقال "إذا أعاد فرض التعريفات الجمركية المرتفعة تاريخياً التي أعلنت في يوم التحرير، فسيعيد ذلك المخاوف من تباطؤ اقتصادي كانت سائدة في أبريل"، مضيفاً أن "هذا الاحتمال لا يبدو قوياً، على الأرجح سنحصل على مزيج من التمديدات والصفقات التجارية والتهديدات بزيادة التعريفات الجمركية على دول أو قطاعات محددة. إذا كانت هذه هي النتيجة، فقد يبقي ذلك الاقتصاد في حال الجمود الحالية لفترة أطول قليلاً حتى تتلاشى حالة عدم اليقين".
ويتوقع فريق "دويتشه بنك" بالفعل ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة، وقال لوزيتي إن إعادة فرض مزيد من الرسوم الجمركية في التاسع من يوليو لن يؤدي إلا إلى تأجيج الوضع.
وبالمثل قال أولو سونولا، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية الأميركية في وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، "بغض النظر عن نتائج هذه المواعيد النهائية، نتوقع أن يرتفع تضخم ’مؤشر أسعار المستهلك‘ إلى أربعة في المئة بنهاية العام. وإذا عادت رسوم "يوم التحرير"، فمن المرجح أن نشهد تضخماً أعلى من أربعة في المئة". وأظهر أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك في مايو ارتفاع الأسعار، بمعدل سنوي قدره 2.4 في المئة.
لكن هل هي مواجهة أخرى في اللحظة الأخيرة في شأن سقف الدين؟ يقول سويت من "أكسفورد إيكونوميكس" إنه يتوقع أن المشرعين لن يسمحوا للولايات المتحدة بالتخلف عن سداد ديونها، وأنهم سيرفعون سقف الدين في نهاية المطاف في اللحظة الأخيرة. "هذا في جوهره فيلم سيئ للغاية رأيناه من قبل، لذا نعرف نهايته".
وقال إنه قد يكون هناك وقت أطول قبل تخلف الولايات المتحدة عن السداد مقارنة بتقديرات بيسنت، وأضاف "لكن مع كل أسبوع يمر، يزداد التوتر بطبيعة الحال، لأنك لا تريد أن تتخيل ما لا يصدق. لا أعتقد أن هذا سيناريو محتمل جداً، لأنني أعتقد أن المشرعين يدركون أن عدم رفع سقف الدين سيكون انتحاراً سياسياً واقتصادياً".