ملخص
تظهر الصور الملتقطة عبر أنظمة تتبع الرحلات الجوية أنه خلال معظم ساعات الليل والنهار، لا تسجل أي حركة طيران في أجواء إيران، هذا الواقع لا يشكك فقط في تصريحات المسؤولين الحكوميين في شأن استئناف الرحلات وحسب، بل يكشف أيضاً أن شركات الطيران الدولية لا تزال تعتبر الأجواء الإيرانية غير آمنة.
بعد مرور ستة أيام على إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، لا يزال وضع الرحلات الجوية الداخلية والدولية في سماء إيران غامضاً، ويأتي ذلك في وقت تزعم فيه وزارة الطرق والتنمية العمرانية، الجهة المسؤولة عن الطيران المدني في البلاد، أن جميع المطارات الأخرى، باستثناء مطار تبريز، جاهزة تماماً لاستئناف العمل.
إلا أن هذا الادعاء يتناقض مع آخر بيان رسمي صادر عن الوزارة نفسها، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الطرق أن حظر الطيران في المناطق الشمالية والجنوبية والغربية من البلاد جرى تمديده حتى الساعة الثانية من بعد ظهر أول من أمس السبت، استمرار تعليق الرحلات الجوية، حتى على الخطوط الداخلية، أثار تساؤلات جدية حول سلامة الأجواء الإيرانية وكفاءة البنية التحتية للرادارات في البلاد.
وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أن عدداً محدوداً فقط من الرحلات الجوية جرى تسييرها خلال الساعات الـ24 الماضية في أجواء شرق إيران. ويعزز خلو الجزء الأكبر من الأجواء الإيرانية من حركة الطيران احتمال أن الظروف لا تزال غير آمنة لاستئناف الرحلات، خلافاً لما تزعمه التصريحات الرسمية.
تناقض بين التصريحات وواقع الأجواء
ونفى المتحدث باسم وزارة الطرق والتنمية العمرانية الإيرانية مجيد إخوان، أول من أمس، الإشاعات حول تعطل عمل المطارات قائلاً إن "جميع مطارات البلاد، باستثناء مطار تبريز، لا تواجه أي مشكلات في استئناف العمليات الجوية، وكما أعلن سابقاً، فإن الرحلات الجوية مستمرة في مطارات شرق البلاد".
وأكد أيضاً أن مطاري مهرآباد وإمام خميني في طهران جاهزان بالكامل لاستئناف الرحلات الجوية، وأن الإقلاع والهبوط سيستأنفان فور فتح المجال الجوي، أما بخصوص مطار تبريز، فقد أعلن أن مدرجه يخضع لأعمال صيانة، وأن الفرق الفنية تعمل بصورة متواصلة لإعادته إلى الخدمة التشغيلية.
مع ذلك، تظهر الصور الملتقطة عبر أنظمة تتبع الرحلات الجوية أنه خلال معظم ساعات الليل والنهار، لا تسجل أي حركة طيران في أجواء إيران، هذا الواقع لا يشكك فقط في تصريحات المسؤولين الحكوميين في شأن استئناف الرحلات وحسب، بل يكشف أيضاً أن شركات الطيران الدولية لا تزال تعتبر الأجواء الإيرانية غير آمنة.
احتمال تعطل الرادارات والأسطول الجوي
ويرى بعض المحللين أن من أسباب استمرار حظر الطيران في إيران وجود خلل في شبكة الرادارات الوطنية نتيجة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، ويعتقد هؤلاء أن استهداف البنى التحتية الدفاعية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي ومحطات الرادار، قد قلص من قدرة إيران على مراقبة مجالها الجوي، وتبدو هذه الفرضية مرجحة خصوصاً في ظل فشل الرادارات الإيرانية في رصد الضربة الأولى التي شنتها إسرائيل.
ومن العوامل المحتملة الأخرى، نقل جزء من أسطول الطيران المدني، إذ انتشرت إشاعات عن تحويل بعض الطائرات المدنية من مطار مهرآباد إلى مناطق أخرى في إيران، وهو ما قد يعكس مخاوف أمنية أو احتمال تعرض المطار لأضرار.
ولا ينبغي إغفال أن طهران، باعتبارها المركز الرئيس للرحلات الجوية الداخلية والدولية في إيران، تؤدي دوراً محورياً في شبكة النقل الجوي للبلاد، ومع ذلك، لا تزال درجة الأضرار التي لحقت بمطار مهرآباد خلال الهجمات الأخيرة غير معروفة حتى الآن.
فشل البدائل في سد الفراغ
ويرى الخبراء أن شدة الضربات التي استهدفت مطار مهرآباد خلال الأيام والليالي الماضية بلغت حداً جعل دوي الانفجارات يسمع مراراً في المناطق المحيطة للمطار، وقد كانت الهجمات عنيفة لدرجة دفعت بلدية طهران إلى إغلاق محطة مترو مهرآباد، فيما توقفت حركة الطيران في هذا المطار، الذي يعد من أبرز مراكز الرحلات الداخلية في إيران، منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران.
ورداً على تعليق حركة الطيران في مطار مهرآباد، اقترحت وزارة الطرق والتنمية العمرانية الإيرانية نقل الرحلات الداخلية إلى مطار الإمام الخميني، غير أن الواقع أظهر صعوبة تطبيق هذا الاقتراح، وذلك نظراً إلى بُعد المطار عن وسط مدينة طهران وارتفاع كلف النقل إليه، التي تعادل في بعض الحالات نصف ثمن تذكرة طيران داخلية، مما جعل استخدامه خياراً غير عملي لغالبية المسافرين.
وعلاوة على ذلك، لا يملك مطار الإمام الخميني البنية التحتية الكافية لاستيعاب الرحلات الداخلية والدولية في آن واحد، سواء من حيث طاقة المدارج وصالات الركاب أو من حيث القدرة على إدارة حركة الطيران.
ومن الأمثلة الواضحة على القيود المفروضة على حركة الطيران في إيران، ما صرح به وزير الخارجية عباس عراقجي، خلال مقابلة تلفزيونية، إذ قال الأخير إنه من أجل المغادرة إلى جنيف، اضطر أن يغادر البلاد عبر الحدود البرية أولاً، ومن ثم توجه إلى أوروبا عبر إحدى الدول المجاورة.
ارتباك في عودة الحجاج والمسافرين
وتسببت حالة إغلاق الأجواء الإيرانية خلال الأسابيع الماضية في تعطل عمليات إعادة الحجاج من السعودية، إذ حالت القيود الجوية دون تنفيذ رحلات العودة المخططة، ما اضطر بعض الحجاج إلى دخول البلاد عبر المعابر البرية، ويأتي هذا الاضطراب على رغم أن ترتيبات العودة عادةً ما تتم عبر خطط لوجيستية دقيقة وجدول رحلات منظم سابقاً.
وإلى جانب الأضرار اللوجيستية والسياسية، تبرز تداعيات اجتماعية خطرة لهذه الأزمة، إذ لا يزال الكثير من المسافرين المحليين والدوليين، الذين حجزوا تذاكرهم سابقاً، عاجزين عن العودة إلى وجهاتهم، وفي بعض الحالات، امتنعت شركات الطيران عن إعادة ثمن التذاكر الملغاة أو لم تقدم ردوداً واضحة لعملائها، مما فاقم حالة التذمر والاستياء.
وحاول المتحدث باسم وزارة الطرق طمأنة المسافرين قائلاً "نؤكد أن أموال التذاكر الملغاة ستسترد في أقرب وقت ممكن، وإذا رصدت أي مخالفة من قبل شركات الطيران أو مكاتب البيع، يمكن للمواطنين الإبلاغ عنها عبر منصة حقوق المسافر لدى الهيئة العامة للطيران المدني".
وفي الوقت نفسه، دخلت الأضرار الاقتصادية الناجمة عن هذه الأزمة أسبوعها الثالث، إذ يواصل تعطل الرحلات الجوية فرض تحديات جدية على صناعة الطيران في البلاد، وعلى مديري الرحلات في المحافظات وشركات الطيران وسلاسل الأعمال المرتبطة بها، بما في ذلك قطاعات الشحن والسياحة والتجارة والأعمال الصغيرة.
وانخفاض الرحلات الجوية لا يقتصر فقط على تنقل الركاب، ففي مجال التجارة الإلكترونية، لم ترسل الكثير من الطرود البريدية الجوية بسبب توقف الرحلات في مسارات محددة، هذا الاضطراب، إلى جانب القيود المفروضة على الإنترنت، زاد من الضغوط على العاملين في هذا القطاع، مما يستدعي تقييماً دقيقاً للأضرار بعد انتهاء الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأما مطار بيام (پیام)، وهو مركز مهم آخر لشحن البضائع في العاصمة، تعرض أيضاً لهجمات متكررة، وقد تؤدي هذه الهجمات إلى إخراج المطار من الخدمة التشغيلية لفترة طويلة، على غرار ما حدث مع مطار تبريز.
وإضافة إلى ذلك، لا يزال عشرات الآلاف من المسافرين الإيرانيين عالقين خارج البلاد، والكثير منهم في مدن مختلفة، وبسبب انتهاء مدة إقامتهم في الفنادق، يعيشون حالاً من الترقب واللاوضوح.
إن غياب التواصل الشفاف وعدم وجود جدول زمني واضح لاستعادة الوضع الطبيعي للرحلات الجوية في البلاد، قد عمقا أزمة الثقة العامة في سياسات النقل الجوي في البلاد.
خوف من تكرار كارثة الطائرة الأوكرانية
على رغم تأكيد مسؤولي النظام الإيراني جاهزية المطارات وسلامة الأجواء الإيرانية، لا يزال إطلاق النار من الدفاعات الجوية على الطائرة الأوكرانية في ديسمبر (كانون الأول) 2019 عالقاً في الذاكرة العامة والدوائر الدولية، إذ حصلت هذه الحادثة عقب إبقاء الأجواء مفتوحة أثناء الهجوم الصاروخي للحرس الثوري على قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، التي أسفرت عن مقتل عشرات المواطنين الإيرانيين والكنديين والأوكرانيين.
ويرى الكثير من المراقبين حالياً أن مستقبل وقف إطلاق النار غير واضح، وأن الوضع الأمني في المنطقة لا يزال هشاً، مما يرجح استمرار إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الرحلات الدولية لفترة طويلة. وحتى إذا ما أعيد فتح الأجواء رسمياً، من غير المرجح أن تقبل شركات الطيران الأجنبية المخاطرة بالعبور أو الهبوط في هذا المجال الجوي.
لذا، فإن هذا الوضع لا يضيق الخناق فقط على المشاريع الصغيرة والصناعات المرتبطة بالنقل الجوي وحسب، بل يلحق أيضاً ضرراً لا يعوض بأسطول الطيران الإيراني المتهالك والمثقل من أزمات، وهو أسطول كان قد أصبح هشاً بالفعل بسبب العقوبات الدولية ونقص قطع الغيار وغياب تحديثات هيكلية ضرورية.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"