Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أردنيون يتألمون من جرائم الإتاوات

أكثر من 3 آلاف قضية في العامين الأخيرين فقط معظمها مرتبطة بتعاطي المخدرات

وضعت السلطات الأردنية خططاً استراتيجية لمكافحة كل ما يتعلق بآفة المخدرات (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أن الزيادة في قضايا المخدرات بالأردن، بخاصة الحيازة والاتجار، تشكل أرضاً خصبة لظاهرة فرض الإتاوة، بخاصة من قبل المدمنين وأصحاب السوابق.

عادت الجرائم المتعلقة بفروض الإتاوات وتعاطي المخدرات إلى الواجهة مجدداً في المجتمع بعد غياب أعواماً بفعل حملات أمنية مكثفة وصارمة. واستيقظ الأردنيون قبل أيام على جريمة قتل مروعة راح ضحيتها شاب عشريني في العاصمة عمان طعناً إثر رفضه دفع "إتاوة" على يد صاحب سوابق ومتعاطٍ للمخدرات في مشهد يعيد للأذهان قصة الفتى صالح الذي تسبب أصحاب سوابق ومجرمون بتشويهه وقطع أطرافه قبل أعوام.

وشكلت الحادثة الجديدة صدمة وقلقاً للأردنيين، بخاصة أن القاتل أفرج عنه من السجن قبل أسبوع واحد فقط من وقوع الحادثة، التي أثارت موجة من الغضب الشعبي تمثلت في الاحتجاجات والإغلاقات للطرق وحرق الإطارات في منطقة حيوية في العاصمة قبل تدخل السلطات لفرض الأمن.

وتظهر البيانات الرسمية حدوث آلاف قضايا الإتاوات سنوياً في القضاء الأردني مع ارتفاع في معدلات الإدانة، لكن الظاهرة تتمدد في ظل ضعف الفرص الاقتصادية وربط بعض مرتكبيها بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة.

تصاعد جرائم المخدرات

ترصد الأرقام الرسمية في الأردن تصاعداً ملحوظاً في الجرائم المرتبطة بالمخدرات خلال العقد الماضي في الأعوام من (2013‑2022)، إذ سجل أكثر من 150 ألف جريمة لها علاقة بالمخدرات، بمعدل جرم كل 28 دقيقة.

ويرى مراقبون أن الزيادة في قضايا المخدرات، بخاصة الحيازة والاتجار، تشكل أرضاً خصبة لظاهرة فرض الإتاوة من قبل المدمنين وأصحاب السوابق، فيما ارتكب أحداث 437 جريمة مخدرات خلال عامي 2023 و2024.

 

وفي وقت تقول فيه السلطات الأردنية إنها وضعت خططاً استراتيجية لمكافحة كل ما يتعلق بآفة المخدرات من الأعوام (2024‑2026)، تشمل تشديد الرقابة على المتعاطين والمتاجرين، ودعم العلاج والتأهيل المنهجي للمدمنين، يطالب مراقبون بعدم الاكتفاء بذلك والتحرك على الصعيد التشريعي، وإعادة تفعيل عقوبة الإعدام، التي يعلق الأردن تنفيذها منذ 2017. وضبط المتعاطين وأصحاب السوابق والتحرك الأمني الفوري، والتشدد القانوني وفرض عقوبات رادعة.

بينما يعتقد آخرون أن الحل في التأهيل والدعم وإنشاء مراكز تأهيل شاملة خاصة بالمتعاطين، ولا سيما القاصرين. وفي ضوء هذه المعطيات يبدو أن الدولة الأردنية أمام منعطف حاسم بين العودة إلى نهج الردع الأمني وإعادة تفعيل الحملات الأمنية، ومراجعة التشريعات الناظمة.

ظاهرة تتفاقم

تظهر الأرقام الرسمية وجود أكثر من 3 آلاف قضية إتاوات نظرت في المحاكم الأردنية خلال عام 2023 ونصف العام الأول من 2024. وتراوحت العقوبات الصادرة في حق مرتكبيها بالحبس ما بين شهر وخمسة أشهر.

وتتخذ ظاهرة الإتاوات التي يشار إليها محلياً بمصطلح "الخاوة" أشكالاً عدة من بينها الحماية مقابل المال، وابتزاز التجار والمستثمرين وإجبارهم على دفع مبالغ يومية أو شهرية تحت سطوة التهديد بالإيذاء.

وتعد مناطق العاصمة عمان بخاصة الشعبية منها الأكثر نشاطاً لهذه الظاهرة الأمنية، إضافة إلى مدينة الزرقاء ثاني أكبر المدن الأردنية من ناحية عدد السكان. ويرتبط معظم من يرتكبون هذه الجرائم بالمخدرات والجريمة المنظمة، فضلاً عن وجود ضغوط اقتصادية واجتماعية كالفقر والبطالة.

 

وعلى رغم قيام السلطات بحملات أمنية متكررة هناك شعور بالعجز المجتمعي أمام قوة وسطوة أصحاب السوابق.

ويعلق المتخصص الأمني عمار القضاة على جرائم القتل التي يرتكبها مدمنون للمخدرات بالإشارة إلى أن المدمن ليس مريضاً ومجرماً بالقانون الأردني، داعياً إلى ضرورة توقيف المدمن من المرة الأولى والإبلاغ عن متعاطي المخدرات من قبل ذويه، وأوضح أن الأردن بات ممراً ومقراً لآفة المخدرات.

ويدعو مراقبون آخرون إلى الربط بين تفشي المخدرات وجرائم الإتاوات والعنف وتحذير من الأشكال الجديدة من المخدرات مثل "الحشيش الأسود"، وتفعيل ملاحقة فارضي الإتاوات عبر حملات أمنية وقضائية تصل أحياناً إلى السجن 10 أعوام ومراجعة أحكام إسقاط الحق الشخصي.

بينما بادرت وزارة الداخلية قبل أعوام إلى اتخاذ قرار صارم يقضي بعدم الإفراج عن فارضي الإتاوات إلا بأمر شخصي من وزير الداخلية.

ظاهرة غير منظمة

في المقابل ثمة من يعتقد أن ظاهرة فرض الإتاوات في الأردن غير منظمة، فيما يلمح العميد المتقاعد نايف الجالودي إلى حجم النفوذ الكبير لبعض فارضي الإتاوات بفضل تدخل أشخاص يستخدمون نفوذهم في الإفراج عنهم.

ويعتقد الجالودي أن تعديل قانون العقوبات بحيث تصبح مدة التوقيف 24 ساعة فقط حد من صلاحيات وزارة الداخلية والمحافظين في توقيف أي شخص.

 

ويلقي البعض باللوم على المواطنين لتقصيرهم في مسألة التبليغ عن فارض الإتاوات، بينما يعتقد مواطنون أن المسؤولية تقع على عاتق السلطات عبر فرض عقبات رادعة، مما دفع الحكومة عام 2022 إلى إجراء تعديل على قانون العقوبات الأردني، يستهدف تغليظ العقوبات في حق فارضي الإتاوات، بإضافة نص خاص لمحاربة الظاهرة وحماية المستثمرين والمنشآت وتوفير بيئة آمنة للاستثمار.

ويؤكد محافظ الأردن السابق سعـد شهاب أن المملكة لا توجد فيها جريمة منظمة إنما حالات فردية وأن ظاهرة الإتاوات انتهت تقريباً، مطالباً في الوقت ذاته الأجهزة الأمنية والحكام الإداريين بعدم الإفراج عن أصحاب الإتاوات والمخدرات واستثنائهم من قوانين العفو العام.

وتنص المادة 415 من قانون العقوبات، على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن عامين كل من قام بنفسه أو بواسـطة غيره باستعراض القوة أمام شـخص أو التلويح له بالعنف أو تهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجه أو أصوله أو فروعه أو أقاربه حتى الدرجة الثالثة أو التهديد بالافتراء عليه أو على أي أحد منهم بما يشينه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينت المادة أن العقوبة ترتفع إلى الحبس ثلاثة أعوام إذا وقع الفعل أو التهديد من شخصين فأكثر أو وقع باصطحاب حيوان يثير الذعر أو بحمل سلاح أو آلة حادة أو عصا أو أي جسم صلب أو أداة كهربائيـة أو مادة حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أي مادة أخرى ضارة.

جريمة أم أسباب اجتماعية؟

يصف المتخصص في مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان، الإتاوة بأنها نسق اجتماعي قائم على فرض السيطرة بالقوة خارج القانون، يمارسه الأفراد الذين يشعرون أن المجتمع لا يمنحهم مكانة أو قيمة، ويشير إلى أن بعض الأفراد الذين يمارسون هذه الظاهرة نشأوا في بيئات محرومة، حيث تفككت الأسرة وغابت التربية، وانتشر التعاطف المحلي مع الجريمة بوصفها "شطارة" أو تحصيل حقوق.

وتشير دراسات محلية إلى أن الإتاوة لم تعد فقط فعلاً جنائياً، بل هي تعبير عن تراجع الثقة بمؤسسات الردع، وتنامي الإحساس بعدم المساواة، وما سيترتب على ذلك من نشر الخوف وتفكك النسيج المحلي وتطبيع العنف لدى الأطفال كوسيلة قوة.

وتؤكد هذه الدراسات أن فرض الإتاوات ليست جريمة تقليدية فحسب، بل تحولت إلى مؤشر اجتماعي واقتصادي وأخلاقي على عمق الاختلالات في بنية المجتمع الأردني، ولا يمكن كبح جماحها عبر الاعتقال والمداهمات، بل من خلال إصلاح ثقافي ونفسي وتعليمي جذري، يبدأ من الحي، وينتهي في قاعة التشريع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير