Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كاوبوي" هذا العصر يترك الفروسية ويراكم الغطرسة

يتحدث كثر عن عودة "منظومة راعي البقر" فرحين بأنها تمهد الطريق لجعل أميركا عظيمة مجدداً أو مستائين لأنها تجعلها شرطي العالم

يبقى الـ "كاوبوي" فكرة أو منظومة، وأحياناً أيديولوجيا وثيقة الارتباط بأميركا سلباً وإيجاباً (أ ف ب)

ملخص

لسبب أو لأسباب ما، يعود حديث الـ "كاوبوي" للواجهة، متسللاً تارة في مناقشات المحللين، ومتغلغلاً تارة أخرى في تلميحات التقارير.

يعتقد بعض الناس أن الـ "كاوبوي" صار مقتصراً على الأفلام الأميركية القديمة، ولا سيما تلك التي جرى إنتاجها في زمن الأبيض والأسود، فالأجيال الأكبر سناً تستحضر جون واين وكلينت إيستوود وغاري كوبر وجيمس ستيورات، ما إن تذكر كلمة "كاوبوي".

أما أجيال الوسط فيرتبط الـ "كاوبوي" لديها بإعلان السجائر الشهير الذي أصبح معروفاً بـ "رجل المارلبورو" أو "كاوبوي المارلبورو"، والذي على رغم بدء ظهوره في الخمسينيات فإنه اكتسب شهرته الحديثة نسبياً في السبعينيات، أما الأصغر سناً، لو كانوا بعيدين من السياسية والأحداث، يعتقدون أن الـ "كاوبوي" شخصية أسطورية أميركية، ولو كانوا داخلين فيها ومهتمين بها فسيرون أن أي رئيس أميركي هو "كاوبوي" بشكل أو بآخر.

الـ "كاوبوي" فكرة

يبقى الـ "كاوبوي" فكرة أو منظومة، وأحياناً أيديولوجيا وثيقة الارتباط بأميركا سلباً وإيجاباً، في خيال الدراما وأثيرها، وعلى أرض الواقع بحلوه ومره، وتعود أصول الاسم إما للقرن الـ 16 أو الـ 18 الميلادي لتضارب المصادر المؤرخة له، وفي كل الأحوال فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالغرب الأميركي وتوسع ثقافة ومهنة تربية الماشية، ولا سيما الأبقار، وجذورها تكمن في التقاليد المكسيكية، ولكنها انتقلت إلى أميركا ليتحول راعي البقر الذي يمتطي حصاناً إلى بطل شعبي، وأحياناً لشخص خارج على القانون، معتمداً على مهارات جبارة وثقة في النفس وجرأة في مواجهة الأخطار.

الـ "كاوبوي" البطل يتمتع بالاستقلالية والشجاعة والاعتماد على النفس والنزاهة والتفاني والعمل الجاد والمضني والدفاع عن الحق والعدالة، وإن كان لا يلتزم بالقانون دائماً، أما الـ "كاوبوي" الآخر فمتهور ولا قيم أو مبادئ له، مخادع ومراوغ ويعتمد على دهائه وقوته العضلية وقدرته على الفرار، مغرور ويهوى التفاخر بقدراته ولو على حساب الآخرين، وما يجمع بين الـ "كاوبوي" في الحالين هو خروج كليهما على القانون، إضافة إلى الفردية الشديدة في التعامل مع الآخرين.

 

ولسبب أو لأسباب ما يعود حديث الـ "كاوبوي" للواجهة، متسللاً تارة في مناقشات المحللين، ومتغلغلاً تارة أخرى في تلميحات التقارير، ففي تقرير لـ "هيئة البث الكندية" (سي بي سي) في أبريل (نيسان) الماضي، جاء على لسان الكاتبة والمؤرخة الأميركية هيذر كوكس ريتشاردسون أن الإدارة الأميركية الجديدة تعمل خارج نطاق الدستور والقوانين، وهذا يعكس أزمة تعيشها الولايات المتحدة الأميركية عمرها 40 عاماً، وناتجة من الأيديولوجيا الجمهورية (الحزب الجمهوري) التي سمتها "فردية الكاوبوي"، مضيفة أن "من يعتنقون فكر ومنهج فردية الـ 'كاوبوي' يعتقدون أن الأميركي الحقيقي هو رجل يعمل بمفرده خارج إطار المجتمع، ولا يحتاج إلى أي شيء من الحكومة، ويعمل بجد ليعول نفسه ويحمي زوجته وصغاره، ويفرض إرادته بالسيطرة على الآخرين".

وأضافت ريتشاردسون أن صورة الـ "كاوبوي" كانت قد تلاشت إلى حد كبير في العصر التقدمي أوائل القرن الـ 20، لكنها عادت لتفرض نفسها من جديد خلال الخمسينيات والستينيات كأداة دعائية لمعارضة الحكومة ذائعة الصيت، والتي حصلت على شعبية كبيرة عقب الحرب العالمية الثانية، وهي الحكومة التي قدمت نفسها باعتبارها لاعبة رئيسة في تنظيم الأعمال وتوفير شبكة أمان اجتماعي أساس، مع تعزيز البنى التحتية وحماية الحقوق المدنية.

وأشارت إلى أنه عام 1964 رشح الجمهوريون السيناتور اليميني عن ولاية أريزونا باري غولدووتر للانتخابات الرئاسية، وهو من تعثر قبل الترشح الرسمي، واشتهر غولدووتر بشخصيته كراعي بقر بقبعته البيضاء ومعارضته حكومة ما بعد الحرب، وفي عام 1980 تخلى الرئيس الجمهوري رونالد ريغان عن ملابس ركوب الخيل الإنجليزية وارتدى قبعة راعي البقر الأميركية، وحمل معه أيديولوجيا الـ "كاوبوي" إلى البيت الأبيض.

لعبة مجموعها صفر

تصفت ريتشاردسون السياسات الجمهورية بين عامي 1981 و2021 بأنها أحدثت تغيرات جذرية في النظام السياسي الأميركي ودفعت بالحزب الجمهوري أكثر فأكثر نحو اليمين، كما ازداد خطاب الفردية الكاوبوية تطرفاً، وذكرت أن من بين التغيرات رفض السياسات الحكومية التي كانت تعزز التعاون الاجتماعي في داخل أميركا أو خارجها، وتقول إنه جرى استبدال المبدأ الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية والقائم على التعاون بين المتساوين بفكرة أن الأفراد الرجال يجب أن يسيطروا على المجتمع وينظمونه بما يرونه الأنسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب وجهة نظر ريتشاردسون الشخصية فإن الفردية الكاوبوية وصلت إلى حد متطرف في الإدارة الأميركية الحالية، والتي قامت على حد قولها بتفريغ الحكومة وتركيز السلطة في يد الرئيس، كما سحبت مشاركة أميركا من شبكات المنظمات الدولية التي عملت على استقرار العالم منذ الحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أن الاتجاه الحالي "يهدف إلى ممارسة وفرض وإشهار الهيمنة الأميركية كلاعب فردي على شتى الصعد، مع التحول نحو القوة والسياسة باعتبارها لعبة مجموعها صفر، إذ إن فوز أحد اللاعبين يعني بالضرورة خسارة بقية اللاعبين.

ويحلو لكُثر في هذه الآونة اعتبار طريقة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لشؤون أميركا والعالم عودة فعلية وقوية لنموذج الـ "كاوبوي" الذي يتحكم في العالم ويدير شؤونه بحسب رغبته ومصلحته، أو بحسب الأولويات التي يسنها وحده، فالرئيس "الكاوبوي" ليس لقباً يحتكره الرئيس الأميركي الحالي، نظراً إلى قراراته المدهشة وسياساته الجريئة ورؤيته المتفردة لمشكلات أميركا وبقية دول العالم وكذلك حلولها، لكن الحقيقة هي أن "الرؤساء الكاوبوي" فكرة أو نظرية أقدم من الرئيس ترمب، فقد سبقه إليها ما لا يقل عن أربعة رؤساء أميركيين هم ثيودور روزفلت وليندون جونسون ورونالد ريغان وجورج دبليو بوش.

في كتابه "الرؤساء الكاوبوي... أسطورة الحدود والسياسة الأميركية (1990)" المنشور عام 2022، طبّق المؤلف دافيد سميث النظرية أو الأطروحة المعروفة بـ "أسطورة الحدود" التي ابتكرها المؤرخ الأميركي فردريك جاكسون تيرنر أواخر القرن الـ 19، والتي تقوم على أن استيطان الحدود الأميركية الوعرة كانت عاملاً حاسماً في تشكيل ثقافة الديمقراطية الأميركية وتمييزها على الأوروبية، وأن السيطرة على الغرب المتوحش أثرت بصورة كبيرة في الثقافة والشخصية الأميركية، وشملت سمات هذه الثقافة الفريدة الديموقراطية والمساواة وعدم الاهتمام بالثقافة البرجوازية مع إمكان اللجوء إلى العنف لتحقيق الغايات.

وقال سميث إن الديمقراطية الأميركية لم تأت نتيجة أحلام لأحد المنظرين ولكنها خرجت من الغابة الأميركية، واكتسبت قوة إضافية في كل مرة لامست فيها حدوداً جديدة، وتقوم هذه النظرية على مفاهيم الفردية والاعتماد على الذات والاهتمام بالتميز والاختلاف عن الديموقراطية الأوروبية.

 

سميث بدوره طبّق هذه الأطروحة على الرؤساء الأميركيين الأربعة، روزفلت وجونسون وريغان وبوش، معتبراً أنهم طبقوا مبدأ "أسطورة الحدود" في رئاستهم كل بطريقته، ولكن باستخدام "رمزية الحدود" لتشكيل صورتهم وأجنداتهم السياسية التي جعلت منهم "رؤساء كاوبوي"، فعلى سبيل المثال انتهج بوش نهج "الرئيس الكاوبوي" فأظهر القوة الفردية والقيادة الحاسمة، ولا سيما خلال حرب العراق، ولكن الكتاب لم يدرج الرئيس ترمب ضمن قائمة "الرؤساء الكاوبوي"، لكن الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً منذ عاد للبيت الأبيض مطلع العام الحالي، وتقارير المحللين وآراء المعلقين، تربط بينه وسياساته وقراراته من جهة وبين منظومة الـ "كاوبوي"، والمؤشرات تقول إنها سياسة أو دبلوماسية الـ "كاوبوي".

حازمة ومفاجئة وأحادية

وعن دبلوماسية الـ "كاوبوي" يقول "تشات جي بي تي"، من دون ذكر ترمب من قريب أو بعيد، إنها توليفة من السياسات الحازمة والمفاجئة أحادية الجانب، وفيها قدر كبير من المخاطرة والاستعداد لاستخدام القوة العسكرية، فهي أسلوب يرتبط بنهج قوي وفردي، وأحياناً عدواني في العلاقات الدولية، وسماته المميزة هي العمل الحاسم والقرارات السريعة وتجاهل المعايير الدولية والميل إلى التصرف بصورة أحادية، وتجاهل الآراء المختلفة للحلفاء أو المؤسسات الدولية والاستعداد للتدخل العسكري أو التهديد باستخدام القوة لتحقيق الأهداف السياسية، في خطاب قوي غالباً يكون تصادمياً، ونظرة عالمية تبسيطية حيث الميل إلى رؤية المواقف الدولية المعقدة من منظور بسيط تهيمن عليه القوة، مع التركيز على مظهر ومنهج القوة والاعتماد على النفس من دون الحاجة إلى الآخرين.

وحين سئل "تشات جي بي تي" عن أي الرؤساء الأميركيين اتبع سياسة الـ "كاوبوي"، ذكر أسماء الرؤساء الأربعة، روزفلت وجونسون وريغان وبوش، وأضاف ترمب.

 

المعارضون لترمب، ولا سيما من غير الأميركيين، ينعتون الرئيس وسياساته بالـ "كاوبوي" على سبيل الاعتراض أو رفض سياسات الرئيس باعتبارها مندفعة وغير مدروسة وتهدف إلى الهيمنة الفردية لدولة على حساب باقي الدول، ولأنها تتجاهل مواقف وآراء الآخرين، أما المؤيدون فيعتبرون وصفه بـ "الكاوبوي" جيداً، بل ورائعاً وفي محله وطال انتظاره، وسياسات الـ "كاوبوي" في نظر المؤيدين هي غاية المنى والأمل، وهي التي انتخبوا الرئيس من أجل تنفيذها، فمن إعادة تسمية خليج المكسيك بـ "خليج أميركا"، والرغبة في ضم غرين لاند، ورؤية "ريفيرا غزة"، والتخلص من المهاجرين غير الشرعيين، والضلوع في حل الصراعات الدائرة مثل أوكرانيا وغزة، ووقف التمويل المخصص لمؤسسات ومنظمات دولية لا تفيد المواطن الأميركي ولا تنفذ السياسة الأميركية، فهي وغيرها السياسات التي يقول الرئيس إنها "ستعيد أميركا عظيمة مجدداً".

ويشار إلى أن إحدى المجموعات التي اقتحمت مبنى الـ "كابيتول" عام 2021 لمساندة ترمب بعدما تحدث عن تزوير الانتخابات التي أعلنته خاسراً أمام الرئيس السابق جو بايدن عام 2020، تدعى "كاوبويز" أو "رعاة بقر من أجل ترمب"، وقد أسسها شخص يدعى كوي غريفيث قفز من على سور حجري خارج مبنى الـ "كابيتول" ليصل إلى منصة التتويج، وقد جرى إلقاء القبض عليه وخضع للمحاكمة.

والمجموعة نفسها نظمت مسيرة عام 2019 ركب المشاركون خلالها خيولاً مثل الـ "كاوبوي"، وبدأت المسيرة من ماريلاند وتوجهت إلى واشنطن لدعم سياسات ترمب خلال فترته الرئاسية الأولى، وتحديداً في سياسات تأمين الحدود وفكرة بناء حائط يفصل أميركا عن المكسيك، والحفاظ على الأجنة من الإجهاض، والإصرار على حق امتلاك وحمل الأسلحة.

الـ "كاوبوي" لم تعد مجرد صورة ذهنية لرجل يمتطي حصاناً أو قبعة مميزة أو أفلاماً هوليودية تقدم أدواراً لـ "كاوبوي" طيب وآخر شرير، فاليوم يتحدث كثر عن عودة منظومة الـ "كاوبوي" فرحين بأنها تمهد الطريق أمام جعل أميركا عظيمة مجدداً، أو مستائين لأنها تجعل أميركا تبدو وكأنها شرطي العالم أو مخلصه أو رئيس مجلس إدارته.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات