Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وجه دائم للحرب مع إيران... رفات الجنود المفقودين تدمي قلوب العراقيين

8 آلاف جثة لبغداد استُخرجت والبقية 65 ألفاً ولا أحد يعلم مصير الأسرى في معتقلات طهران

 لا تزال عوائل المفقودين في الحرب تأمل بالوصول إليهم (مديرية حقوق الإنسان في وزارة الدفاع العراقية)

ملخص

في إحصاءات رسمية أعلنتها هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية والخاصة بالأسرى والمفقودين العراقيين ورفات الضحايا، بلغ عدد الأسرى الموجودين في إيران الذين لم يحدد مصيرهم 169 أسيراً لغاية عام 2012، أما عدد العراقيين المتوفين في معسكرات الأسر فقد بلغ 1627، وسجل عدد رفات الضحايا الأسرى المستلمة 1166 جثة، أما العدد 52785 فهو يمثل المفقودين العراقيين خلال الحرب العراقية – الإيرانية.

على رغم مرور 37 عاماً على نهاية الحرب العراقية – الإيرانية، فلم تطو صفحاتها بعد بالكامل، فالحرب التي استمرت ثمانية أعوام (1980 - 1988)، وامتدت معاركها على طول الشريط الحدودي بين العراق وإيران (1458 كيلومتراً)، خلفت وراءها كثيراً من الضحايا بين قتيل ومفقود وأسير، إذ خسر العراق ما يقارب 250 ألف قتيل و340 ألف جريح و50 ألف أسير، فضلاً عن الخسائر المادية التي بلغت 251 مليار دولار.

وفي إحصاءات رسمية أعلنتها هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية والخاصة بالأسرى والمفقودين العراقيين ورفات الضحايا، بلغ عدد الأسرى الموجودين في إيران الذين لم يحدد مصيرهم 169 أسيراً لغاية عام 2012، أما عدد القتلى من الأسرى العراقيين المتوفين في معسكرات الأسر فقد بلغ 1627، وسجل عدد رفات الضحايا الأسرى المستلمة 1166 جثة، أما العدد 52785 فهو يمثل المفقودين العراقيين خلال الحرب العراقية – الإيرانية.

 

 

ولعل النتائج التي أعقبت الحرب لا تقتصر على قضايا القتلى والمفقودين والأسرى، فهناك قضية رفات الضحايا العراقيين الذي استخرج من قواطع العمليات العسكرية، وعلى الشريط الحدودي بين العراق وإيران، فاكتشاف الرفات بالكامل قد يقلل من إعداد المفقودين خلال الحرب بعد التوصل إلى مصيرهم، فيما تبقى هناك صفة المفقود لمن لم يُتوصل إلى رفاته، أو الذين لم يُسجلوا كأسرى في قوائم الصليب الأحمر من قبل الجانب الإيراني.

مرارة الأمل

"أرى بقايا قدم قتيل في الحذاء وقطع لحم مسودة، النار تلتهم آخر البطانية، أنظر بأسى، لا وجود للقتيل، ثمة أمعاء في القاع، رماد البطانية الأسود يجثم بصمت، وخيط رفيع من الدخان يصعد نحو الأعلى، إعصار من العواطف يجتاحني، المرارة سكين في الحلق، والدموع أبرد في أعماقي"، بهذا الوصف قدم إبراهيم حسن ناصر روايته "شواطئ الدم شواطئ الملح"، التي وصفت المعارك التي خاضها ضمن الفوج الثالث في معركة الفاو.

 

 

تصف الرواية الأحداث التي مر بها مجموعة من الجنود ضمن سرية واحدة كانت هي الأولى التي تقدمت في المعركة وبقيت تقاتل شهراً كاملاً، لم تكتب الحياة لكاتب الرواية، فقد قتل في إحدى المعارك اللاحقة بعد معركة الفاو.

تُخلف شدة الاشتباك في المعارك وقساوة القصف ضحايا بقيت رفاتهم في ساحات المعارك أعواماً طويلة، ومن الطبيعي العثور على الرفات في المناطق التي كانت سابقاً ساحات للقتال، أما عائلات الضحايا الذين لم يعرفوا مصائر ذويهم، فقد بقوا يتناقلون أخبار ضحاياهم من جيل لآخر. "اندبندنت عربية" التقت عائلات المفقودين في الحرب العراقية – الإيرانية، الذين أوضحوا أن قلوبهم باقية تتشبث بأمل معرفة مصير ذويهم، ويحتفظ ذوو المفقودين بصورهم ورسائلهم التي كانت تصلهم خلال الحرب.

 

"فقد أخي عبدالله حسين في معركة نهر جاسم (1987)، وهو من مواليد عام 1963، ولم نجد جثمانه لغاية الآن، كان يشبهني ويشاركني في كل شيء، أثر غيابه في وضعي النفسي، وتعثرت في الدراسة بعد صدمة فقدانه". هذا ما يحدثنا به علي حسين أخو المفقود عبدالله حسين، مضيفاً بمرارة "كان ذا أخلاق عالية ومتعاوناً يحب مساعدة أقرانه من الجنود، واختير آنذاك لقيافته ولياقته ليكون جندي مغاوير". لم تستدل عائلة عبدالله على مصيره على رغم البحث أعواماً طويلة، وبقي مجهولاً لغاية الآن.

تأمل عائلات المفقودين بأن تجد أسماء ذويها ضمن أسرى الحرب، لا سيما بعد تداول أخبار تشير إلى وجود أسرى تحتفظ بهم إيران وتخفيهم عن الصليب الأحمر. حدثنا ليث رياض عن تجربة فقد أخيه في معارك الفاو، قائلاً "فقد ضابط الاحتياط الملازم أول كامل رياض عبدالرزاق في معركة الفاو بتاريخ الـ16 من فبراير (شباط) 1986. لم نسمع عنه أية أخبار، كون إيران تعده من الضباط الموالين للنظام وتحديداً للرئيس الراحل صدام حسين، لهذا لم تسمح لهم بإرسال رسائل إلى ذويهم أسوة بالأسرى الجنود، ولم تدون أسماءهم كأسرى حرب".

 

يصف لنا ليث أوضاع العائلة بعد فقدان أخيه، قائلاً "عشنا ظرفاً نفسياً سيئاً جداً، خصوصاً الوالدة، كون كامل هو أكبر أبنائها، بقينا نقتفي شذرات أخبار من هنا وهناك، ومن الأسرى العائدين عسى أن يكون قد رآه أحدهم، لكن ليس من خبر مؤكد إلى يومنا هذا".

عودة الرفات

في عام 2008 وقع العراق وإيران، بإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مذكرة تفاهم رسمت الإطار العام لعمليات البحث المشترك عن رفات ضحايا الحرب العراقية – الإيرانية في المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية بين الجانبين، أتاحت المذكرة السماح لعمليات تبادل للرفات وعمليات الحفر والبحث المشترك، وفي عام 2011 دخلت المذكرة حيز التنفيذ ونفذ 309 واجبات عمل مشتركة بين الجانبين، واستُخرج رفات 3888 قتيلاً عراقياً، منهم 359 معلوم الهوية، وكذا 4023 رفاتاً للجانب الإيراني، 2100 منها معلومة الهوية.

يُودع الرفات المستخرج في قسم استلام وتسليم القتلى في محافظة البصرة – الزبير، تمهيداً لنقله إلى دائرة الطب العدلي في بغداد لإجراء الفحوص الطبية اللازمة.

أما رفات الجانب الإيراني الذي عثر عليه خلال عمليات الحفر في الأراضي العراقية فيُجرد ويرتب تمهيداً لتسليمه إلى الجانب الإيراني عبر المنافذ الحدودية بموجب محاضر تسليم رسمية توقع من كلا الطرفين، وبإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كذلك يُسلم رفات الضحايا العراقيين من قبل الجانب الإيراني، الذي عثر عليه داخل الأراضي الإيرانية.

بناء على معلومات دقيقة ترد من الجانب الإيراني أو العراقي من خلال الجنود الذين شاركوا في المعارك والعمليات العسكرية تُحيد المناطق التي توصف بأنها "منطقة اهتمام"، أي تضم رفات القتلى، وبعد تحديد المنطقة تبدأ المفارز المخصصة لهذه العلميات بالحفر للكشف عن هذا الرفات.

 

يوضح سلام حسين كاظم، المستشار القانوني ومدير مديرية حقوق الإنسان في وزارة الدفاع، لـ"اندبندنت عربية" أن "عمليات البحث المشترك على طول الشريط الحدودي الممتد بين البلدين، وتحديداً في المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات الحربية، تبدأ لدى العثور على الرفات، إذ يتم أولاً تحديده أهو عراقي أم إيراني من خلال نوع الملابس والحذاء العسكري والمقتنيات، ومن ثم تقوم الفرق العاملة بالبحث عن المستمسكات الثبوتية التي تكون مع الرفات، فضلاً عن قرص الهوية المعدني، أما الرفات الإيراني المستخرج من الأراضي العراقية فيُسلم إلى الجانب الإيراني". ويتابع "عند الكشف عن رفات الضحايا العراقيين يرسل إلى الطب العدلي لغرض فحص الحمض النووي (DNA)، أما الرفات المجهول الهوية فيُرقم بأرقام ورموز معينة ويدفن في مقبرة مخصصة لهذا الغرض، ويُعلَّم القبر بالرمز ذاته".

ضمن إجراء مديرية حقوق الإنسان في وزارة الدفاع للتعرف إلى الرفات المجهول الهوية أخذت المديرية عينات من الحمض النووي (DNA) من عائلات المفقودين لحفظها تمهيداً لمطابقتها مع الحمض النووي للرفات المجهول، وليست كل عائلة مفقود أجرت فحص الحمض النووي فبعضهم توفي والداه ولم يكن متزوجاً، وقد يكون إخوته قد غادروا العراق. وهنا تعلن أسماء الرفات المعلومة على موقع وزارة الدفاع، وكذلك المواقع الخاصة بمجالس المحافظات لكي يتسنى لعائلة المفقود تسلم الرفات بعد تقديم الأوراق الثبوتية. وفي حال عدم تسلمه من قبل الأهالي يُدفن في مقبرتي "البرجسية" و"الحسن البصري" في محافظة البصرة.

 

 

تحتفظ ذاكرة سلام حسين كاظم، المستشار القانوني ومدير مديرية حقوق الإنسان في وزارة الدفاع، بمشاهد تسلم العائلات رفات أبنائها. يقول "غالباً ما يواجهني شعور من الصعب وصفه عندما أرى العائلات وهي تتسلم الرفات فتختلط الدموع مع الفرح، دموع لأنهم أدركوا بالدليل أن ابنهم غادر الحياة، وفرح لأنهم وجدوا رفاتاً له سيدفن ويكون له قبر بعدما كان رفاته مجهولاً في أرض المعارك".

عائلات المفقودين

منحت عائلات المفقودين جراء الحرب العراقية - الإيرانية حقوقهم التي تتمثل بحصولهم على قطع الأراضي المجانية، فضلاً عن خصخصة الراتب التقاعدي وفقاً لقانون التقاعد العراقي من خلال تحديد الفئة المستهدفة من العائلة، فإذا كان المفقود متزوجاً ولديه أطفال وزوجة وأم وأب يمنح الراتب للذكور لغاية إكمال دراستهم الجامعية، فيما يستمر الراتب التقاعدي للإناث لحين الزواج، وتمنح الزوجة الراتب التقاعدي ما لم تتزوج من رجل آخر، أما الأب والأم فيستمر الراتب التقاعدي لحين الوفاة، وإذا لم يكن المفقود متزوجاً يمنح الراتب للأب والأم لحين وفاتهما.

وتعمل مديرية حقوق الإنسان في وزارة الدفاع، من طريق قسمها الخاص بالمفقودين، في أربع محافظات هي ديالى وواسط وميسان والبصرة، ومن المؤمل أن تبدأ عمليات البحث عن الرفات في محافظات إقليم كردستان.

ويمارس القسم الخاص بالمفقودين عمله، وفقاً لقرار مجلس الأمن الملزم للجانبين العراقي والإيراني، وبإشراف الصليب الأحمر، لمدة 20 يوماً خلال الشهر على مدى 24 ساعة في اليوم، وتخصص الأيام الـ10 المتبقية كاستراحة للعاملين في هذا المجال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبلغ عدد رفات قتلى العراق 65 ألفاً، استخرج رفات 8 آلاف منهم، أما عدد رفات الجانب الإيراني فيبلغ 12 ألفاً، والمتبقي من الرفات غير المستخرج بالنسبة إلى الجانب الإيراني 2000، وقد جرت آخر عملية تسليم للرفات بين البلدين في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وسُلم 140 رفاتاً للجانب الإيراني، وتسلم العراق رفات 24 قتيلاً.

ويوضح المستشار القانوني ومدير مديرية حقوق الإنسان في وزارة الدفاع، أن المتبقي من رفات الضحايا العراقيين بحاجة إلى آليات ومعدات ومخصص مالي يرتبط بالموازنة، فـ"عندما تُعد الموازنة غالباً لا تُعطى الأهمية لموضوع الرفات". أما في ما يخص رفات حرب الخليج الثانية (1991)، فيوضح أن الجانب الكويتي لم يبد تعاوناً مع العراق بسبب عدم وجود مذكرة تفاهم بين الطرفين. ويرى أن هذا الملف تحول من ملف إنساني إلى سياسي، ويبلغ عدد رفات الجانب العراقي 6 آلاف، مقابل 602 للجانب الكويتي، اكتشفت منها 294، والمتبقي 308.

تتداول عائلات الأسرى العراقيين صوراً وفيديوهات تؤكد استمرار وجود ذويهم في معسكرات الأسر الإيرانية، فعلى رغم مرور 37 عاماً على نهاية الحرب فلم يعد عدد من الأسرى إلى العراق، ويبدو أن العدد المتبقي لم تُدون أسماؤهم في سجلات الصليب الأحمر الدولي، لذا كان من الصعب الوصول إليهم.

يوضح كاظم، أن الجانب الإيراني، وعبر اللواء محمد باقر زاد مدير العمليات، يؤكد عدم وجود أي أسير عراقي في إيران، "لكن ذويهم يؤكدون حصولهم على فيديوهات تفيد أن أبناءهم ما زالوا محتجزين في المعتقلات الإيرانية. وقد سلمت هذه الشواهد للجانب الإيراني لكن لم يُبلغ العراق بأية تفاصيل حولها".

وأوضح أهالي الأسرى خلال مظاهرة لهم في شارع المتنبي، أنهم طالبوا الجانب الإيراني بإعادة ذويهم، مؤكدين وجود ما يقارب 11 ألفاً من الأسرى العراقيين في سجن "إيفين"، وهناك ما يقارب 8 آلاف من أسرى ما بعد حرب الخليح الثانية، وأُسروا خلال عمليات انسحاب الجيش العراقي من الكويت في البصرة والعمارة، فضلاً عن وجود أسرى ضمن القاطع الشمالي.

إلى ذلك يوضح الكاتب والصحافي محمد السيد محسن، الذي عاصر تجربة الأسر في المعسكرات الإيرانية وكتب عنها في كتابه "الأخيذ... كنت أسيراً في إيران"، أن هناك أدلة على وجود أسرى من قبل شهود عيان كانوا في سجون إيران وعادوا، لكن رفاقهم الذين كانوا معهم لم يعودوا بعد، ولم تعلم عائلاتهم لحد الآن أي شيء عن مصيرهم. مضيفاً "أنا شخصياً لدي أصدقاء ورفاق كانوا معي ولم يعودوا، ولم تبلغ السلطات الإيرانية عن مصيرهم، ولدي معلومات مؤكدة من قبل رفاق آخرين، سواء في العراق أو إيران، بأنهم ما زالوا في سجون إيرانية مثل (الحشمتية) في طهران، و(برندك) على أطراف العاصمة، و(سنكبست) في مشهد، و(رينة) في يزد".

ويكمل محسن "لدينا أسماء أكثر من 470 أسيراً عراقياً وثقت مقابلات وشهادات مع رفاق كانوا معهم، وما زالوا برعاية وسلطة الحكومة الإيرانية، ولم يتم إشعار الجانب العراقي بمصيرهم، والأسرى المتبقون هم مقاتلون بسطاء سيقوا إلى واجب الخدمة العسكرية الإلزامية، ونقلوا قبل عامين تقريباً إلى سجن (نيفين) بسبب محاولة تهريب أحد الأسرى العراقيين".

 

للكاتب والصحافي محمد السيد محسن، جهود مستمرة من أجل كشف مصير الأسرى الذين ما زالت تحتجزهم السلطات الإيرانية، وهو يتواصل على الدوام مع منظمات دولية لإيلاء هذا الموضوع مزيداً من الاهتمام، ويوضح أن هذا الملف لا يمكن أن ينجح من دون جهد حكومي، ويرى أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2004 وحتى الآن لا تمنح هذا الملف الاهتمام الكافي.

يؤكد محسن أن الإشكال القانوني المتعلق بهؤلاء الأسرى أن إيران لا تنكر وجودهم، ولكنها حولت توصيفهم من أسرى إلى محتجزين، وهذا إشكال قانوني، فـ"هناك أسرى وقعوا في الأسر خلال معركة حلبجة ولم يخرجوا، وهم رفاقي وأصدقائي الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية بتهم عدة، منها على سبيل المثال جريمة التعامل مع (مجاهدي خلق) بقيادة مريم رجوي".

 

 

محسن يرى أنه إشكال قانوني فاضح، إذ إنهم أسرى ولم يخرجوا من السجن منذ 1988، فكيف تعاملوا مع جهات معادية للحكومة، مضيفاً "قد تلصق بهم جرائم أخرى، منها التآمر على نظام الجمهورية، وهي تهمة فضفاضة تحمل أبعاداً كثيرة. هذه القضايا عرفناها من قبل بعض الأهالي الذين استطاعوا زيارة ذويهم الأسرى في إيران، خصوصاً سجن (الحشمتية)، الذي خصص للأسرى من ذوي الإعاقة".

أحياء ولكن

"فقد والدي الرائد يعقوب عطية الركابي في بداية الحرب، وتحديداً في معركة الخفاجية، الـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1980، وكان آمر الكتيبة الأولى - الفرقة الأولى دبابات، كانت الكتيبة متقدمة للأمام وتعرضت لعمليات هجوم، وبعد التحاق الكتيبة الثانية التي يترأسها عبدالغني الأسدي (الفريق حالياً)، وجدوا أن أغلب الدبابات محترقة ولكن لا توجد جثث، ومنها جثة الوالد". هكذا تحدث المهندس حسنين يعقوب عطية الركابي، موضحاً أن هناك دلائل تشير إلى أن والده لا يزال أسيراً لدى السلطات الإيرانية.

 

يكمل الركابي قائلاً "أرسلت الحكومة في ذلك الوقت جثماناً رمزياً مكتوباً عليه (ممنوع الفتح)، واعتبرت العائلة أن والدي قتل، ولكن بعد 40 يوماً سمعت عمة والدي، التي كانت تقيم في الكويت، لقاء لوالدي في الإذاعة الإيرانية التي كانت تبث في أحد برامجها لقاءات مع الأسرى، وكان والدي تحدث في اللقاء بأنه جريح، هذه الحادثة حثت العائلة على فتح القبر للتأكد من الرفات، وكانت المفاجأة أن ما يوجد هو كيس رمل فقط لا يضم رفاتاً".

أدركت عائلة الركابي أن والدهم أسير، يوضح حسنين الذي كان عمره سنة ونصف السنة عندما فقد والده "بعد نهاية الحرب وعودة الأسرى وصل من الأسر شخص من منطقة الحمزة الغربي يحمل قائمة بأسماء الأسرى، وكان من ضمن هذه الأسماء اسم والدي، وأعطى هذا الشخص صفات والدي وأسماء الأبناء".

بقيت العائلة تعيش على هذا الأمل الذي تجدد مع تأكيد عائلات عراقية كانت تزور أبناءها ممن اختاروا البقاء في إيران، أو من يطلق عليهم "التوابون" (وهم الأسرى العراقيون الذين جندوا لمصلحة إيران، وكان يقود عمليات تجنيدهم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يتولاه من إيران حينذاك محمد باقر الحكيم)، وجود الرائد يعقوب عطية الركابي في الأسر.

ويختم الركابي الابن "حاولت والدتي التواصل مع الصليب الأحمر، وقابلت أيضاً الرئيس الراحل صدام حسين، لكنها لم تتمكن من معرفة مصير والدي، ولم تخلع لون الحداد طوال حياتها حتى غادرت قبل عامين، من دون أن تعلم مصير والدي، هل ما زال حياً أم توفي في الأسر".

المزيد من تحقيقات ومطولات