ملخص
تتنامى المخاوف من مآلات تمدد الكارثة وانتظار الأسوأ في ظل توقعات بهطول مزيد من الأمطار خلال الفترة من يونيو الجاري إلى سبتمبر المقبل.
يستقبل آلاف السودانيين الفارين من جحيم القتال وبخاصة النازحين من ولايات شمال دارفور وغرب وجنوب كردفان فصل الخريف وأهواله وسط أوضاع صعبة وقاسية، إذ لا تزال عشرات الأسر في العراء نتيجة عدم توافر مراكز الإيواء، وكذلك يعيش المئات في مساكن طارئة مثل منازل القش (القطاطي)، والخيام الموقتة التي لا تتحمل ظروف التقلبات المناخية وتتضرر باستمرار خلال مواسم الأمطار، فضلاً عن الحاجة لمطالب يومية من الغذاء والدواء ووسائل التدفئة.
وفي ظل تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" داخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، يستمر تدفق النازحين بصورة جماعية من مخيمي زمزم وأبو شوك نحو مناطق طويلة وقولو ودربات، خلال وقت تستقبل فيه مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان غرب البلاد آلاف الأسر النازحة، بسبب تصاعد أعمال النهب والانتهاكات ضد المدنيين في مدن النهود والخوي، إلى جانب مناطق الدبيبات والحمادي وكازقيل.
معاناة وأخطار
يقول إبراهيم الطاهر الذي يقيم في معسكر داخل منطقة طويلة شمال دارفور إن "الأمطار ظلت تهطل بغزارة منذ أسبوع، ومع زيادة معدلاتها المتوقعة يصبح كل شيء على حافة الخطر، خصوصاً في ظل عدم قدرة المساكن على استيعاب مزيد من تدفقات مياه الأمطار نظراً إلى أن غالبيتها منازل مصنوعة من (أجولة الخيش) والقماش، وكذلك المشمعات والخيام التي باتت مهترئة وممزقة بسبب الرياح العاتية التي اقتعلت بعضها من جذورها".
وأضاف الطاهر "النازحون يعيشون أوضاعاً إنسانية مزرية، فضلاً عن تسجيل إصابات بسوء التغذية وسط الأطفال والنساء الحوامل، إضافة إلى معاناة المرضعات وأصحاب الأمراض المزمنة في ظل عدم تلقيهم الرعاية الصحية".
ولفت النازح السوداني إلى أن "أكثر ما يفتقدونه هو المواد الغذائية والمعينات الطبية، لأن بعض الأسر نفدت مدخراتها المالية ولا تستطيع تدبير الوجبات لأطفالها، علاوة على عدم إمكانية شراء الأدوية".
أزمات ومخاوف
تتنامى المخاوف من مآلات تمدد الكارثة وانتظار الأسوأ في ظل توقعات بهطول مزيد من الأمطار خلال الفترة من يونيو (حزيران) الجاري إلى سبتمبر (أيلول) المقبل.
ويشكو عبدالرحمن آدم (أحد النازحين بمدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان) من تأثير فصل الخريف على الفارين من ويلات الحرب، لا سيما الأسر التي باتت تتوسد العراء في ظروف إنسانية وصحية في غاية الصعوبة والتردي".
وأشار آدم إلى أن "المحظوظين الذين وجدوا لهم موطئ قدم داخل المؤسسات الحكومية كملاذ ومأوى بديل يعانون الأمرين مع هطول الأمطار، لأن المدارس التي تؤوي الآلاف تعاني تشققات وتصدعات خطرة، وبعضها آيل للسقوط وغير قادر على صد الرياح العاتية وتحمل معدلات الأمطار الغزيرة، مما يهدد بانهيارها خلال أية لحظة في حال غمرتها المياه".
ولفت آدم إلى أن "هناك جهوداً لإيجاد أماكن بديلة ومهيأة بالخدمات للنازحين الآتين من مدن ومناطق ولايتا غرب وجنوب كردفان، كما أن احتياطات المتطوعين وغرف الطوارئ مستمرة في شأن توقعات هطول أمطار غزيرة خلال الفترة المقبلة".
مهددات صحية
عانت سمية محجوب التي فرت مع أطفالها الثلاثة من مدينة الفاشر هرباً من الموت هي وأسرتها داخل مركز إيواء منطقة "دربات"، حيث بدأت المياه الراكدة تتحول إلى مهدد صحي وتتزايد حاجة النازحين إلى بطانيات وناموسيات للتحوط من الآثار البيئية والأوبئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت محجوب "كل يوم تتزايد أعداد الأسر المشردة في العراء التي تستظل بالمشمعات والخيام القديمة، ويرعبها تراكم السحب ويلفحها هجير الشمس في ظل انعدام الغذاء والدواء".
ونوهت النازحة السودانية بأن "اعتماد الغالبية على مجهوداتهم الفردية لتوفير سبل الإعاشة والصحة سيتوقف بعد نفاد الأموال خلال أقل من شهر، مما يتطلب من المنظمات الإنسانية التدخل العاجل لتقديم المعينات الضرورية".
الأسوأ قادم
على صعيد متصل، أوضح المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في إقليم دارفور آدم رجال أن "معسكرات الإيواء تشهد تدهوراً يومياً مريعاً في الحالة الإنسانية والصحية، وبخاصة مع دخول فصل الخريف"، وأعرب عن خشيته من تدحرج الأوضاع نحو الأكثر سوءاً حيث لا يجد سكان المعسكرات المواد الغذائية والرعاية الصحية، بعدما شارفت معظم مدخراتهم على النفاد، وهناك فئات من المواطنين لجأوا بالفعل إلى أكل أوراق الشجر ومشاركة الحيوانات علفها.
ويخشى رجال من انتشار الأمراض والأوبئة وسط الأطفال وكبار السن، مما يفاقم معاناتهم مع هطول الأمطار بغزارة خلال ثلاثة أشهر في ظل عدم تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية".
نفايات وأمراض
داخل منطقة طويلة في ولاية شمال دارفور، شكا مواطنون من أن الأمطار التي شهدتها المنطقة تسببت في مضاعفات بيئية كبيرة نتيجة اختلاط مياه الأمطار مع النفايات المتراكمة، وناشد المواطنون السلطات المحلية سرعة التحرك لمعالجة الوضع قبل استفحاله، خصوصاً في ظل استمرار تدفق النازحين من مدينة الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك".
وفي هذا الصدد، قال الناشط المجتمعي حامد بدوي إن "المنطقة تفتقد في فصل الخريف بشدة الدعم الإغاثي الإسعافي، مثل مواد الإيواء والعون الغذائي الإنساني الذي كان يصل إليها من السلطات المحلية والمنظمات خلال الكوارث والأزمات، الذي انقطع بصورة نهائية جراء حصار الفاشر وتصاعد وتيرة المعارك".
وأشار بدوي إلى أن "الأمطار والسيول أغرقت عدداً من مخيمات النزوح وعزلتها عن الطرق المؤدية إلى المراكز الصحية وإمدادات الغذاء، مما أدى إلى تفشي الأمراض وبخاصة الكوليرا والملاريا".
أوضاع مأسوية
حيدر هارون هو أحد النازحين بمنطقة "قولو" قال إن "مياه الأمطار غمرت الخيام الموقتة، ولم يعد هناك مفر إلا الهرب والنزوح مجدداً. كان همي إنقاذ أطفالي ونجحت في إخراجهم خلال الوقت المناسب، لكن الواقع الآخر الذي وجدناه كان هو العراء المفتوح مع عدم توافر الماء والغذاء".
ونوه هارون بأن "الأمطار والسيول عمقت الجراح على سكان مخيمات النزوح بأكثر مما يعانون، مما زاد من تعقيد الوضع الإنساني والصحي وباتت الأوضاع غير محتملة".
وطالب النازح السوداني بضرورة التدخل العاجل من المنظمات الإنسانية، لإنقاذ النازحين الذين يواجهون الموت البطيء من الجوع والأمراض وقسوة الظروف".